صراع يولِّد آخر أكثر تعقيداً
تنتقل الأحداث في منطقة الشرق الأوسط من صراع معقد إلى صراعٍ آخر أكثر تعقيداً ينسف ما قبله بكافة جولاته المكوكية لإنهاء الصراع واحلال السلام، وما يحصل من حرب بين اسرائيل وحركة حماس لا يخرج من تلك التراكمات المعقدة، ولا عزلها عن الصراع المستميت على الساحة السورية والعراقية بين القوى الكبرى والإقليمية وكذلك الحرب الأوكرانية والتي أنتجت تكرار الحلول العسكرية لفرض إملاءات معينة دون الاكتراث إلى خطورة تلك التراكمات والتي قد تؤدي إلى حرب أوسع يلتهم الأخضر واليابس، ودماراً شاملاً لا يُحمد عقباه.
صراع يولِّد آخر أكثر تعقيداً
عزالدين ملا
تنتقل الأحداث في منطقة الشرق الأوسط من صراع معقد إلى صراعٍ آخر أكثر تعقيداً ينسف ما قبله بكافة جولاته المكوكية لإنهاء الصراع واحلال السلام، وما يحصل من حرب بين اسرائيل وحركة حماس لا يخرج من تلك التراكمات المعقدة، ولا عزلها عن الصراع المستميت على الساحة السورية والعراقية بين القوى الكبرى والإقليمية وكذلك الحرب الأوكرانية والتي أنتجت تكرار الحلول العسكرية لفرض إملاءات معينة دون الاكتراث إلى خطورة تلك التراكمات والتي قد تؤدي إلى حرب أوسع يلتهم الأخضر واليابس، ودماراً شاملاً لا يُحمد عقباه.
إن تلك الصراعات التي جرت منذ السنوات والعقود الماضية على مناطق النفوذ وفرض الإملاءات إلى جانب السيطرة على مناطق القوة الاقتصادية والتجارية ولم تتوصل القوى الكبرى إلى أي توافق أو تفاهم أو مقايضة، مما أدى إلى افتعال صراعات أخرى وفي مناطق مختلفة، وهكذا انتقل الصراع من مرحلة إلى أخرى حتى وصلت إلى هذه المرحلة التي تعتبر من أكثر المراحل تعقيدا تضمر في داخلها ضغطاً شديد الانفجار، وإن حدث أي خلل أو خطأ في التعامل السياسي بين الأطراف المتصارعة قد توّلِد شرارة تحدث كارثة خطيرة وخاصة في وضع يهدد بعض القوى بالأسلحة النووية والبيولوجية المحظورة دوليا.
تُظهِر المرحلة الحالية، أن أسباب كل الصراعات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط بدأت منذ أن ختمت الحرب العالمية الأولى نتائجها بوضع حدود سياسية على أساس النفوذ والمصالح دون الاكتراث إلى مصالح شعوب المنطقة، وكانت الاتفاقات والمعاهدات التي توصلت فرنسا وبريطانيا وأمريكا وروسيا إلى التوافق والمقايضة فيما بينهم من سايكس بيكو إلى سيفر ولوزان وغيرها الظاهرة والخفية أحدثت خللاً وثغرةً لظهور مشاكل وصراعات قومية ومذهبية وطائفية على مرّ عمر القرن الماضي.
من هنا، اعتقد أن حل إشكالية الشعبين الكوردي والفلسطيني بدأ منذ ذاك التاريخ، حيث أقدمت بريطانيا على تأسيس دولة لليهود في فلسطين دون الاكتراث إلى حقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك نسف مشروع احياء دولة كوردستان وضرب مصير الشعب الكوردي عرض الحائط وتقسيمها ضمن أربع دول مصطنعة سياسيًا على أساس مصالح ونفوذ دولا كبرى.
ومن ثم تراكمت تعقيدات هذه الاشكاليتين، بعد أن خرجت اصوات تنويرية من رحم الشعبين الكوردي والفلسطيني تطالب بحلّ هذه المعضلة وإنهاء معاناتهم بحلول تراضي بين جميع الأطراف الداخلة والمتداخلة في الشأن الشرق الأوسطي.
منذ سنوات وأصوات تنادي بحل الدولتين الاسرائيلي والفلسطيني وفق اسس ومعاهدات دولية، ولكن الأرضية الهشة والتي اساسها تدخلات إقليمية حال دون تنفيذها، ليست من مصلحة إيران إنهاء هذا الصراع وحلّ الدولتين، هكذا ستخسر أقوى أوراق الضغط في الشرق الأوسط.
أما الشعب الكوردي الذي فُرِض عليه توزيعه دون إرادته بين أربع دول بحدود سياسية ليس لها اساس متين، فقط تنفيذا لمآرب بعض الدول إقليميا ودوليا، هذا أحدث أعقد إشكالية في التاريخ الحديث، تمّ تقطيع أوصال كوردستان وشرايينه مما سال الدم الكوردي منذ ذاك التاريخ ومازال يسيل.
مما خلق حالة خوف وريبة لدى الأنظمة المغتصبة لكوردستان، دفعهم إلى إحداث شكل من التمايز بين مواطنيها، وفرض اسلوب التشويه في التعاملات المجتمعية، أدى إلى حدوث فجوة عميقة بين الشعب الكوردي والشعوب المتعايشة معه على اسس عنصرية وطائفية ومذهبية، هذا الخلل فتح الطريق أمام مناخ يملأهُ الحقد والكراهية التي شكَّلَ أرضية لصراعات إرهابية.
من الممكن أن يكون خلل الحدود السياسية أحدث عن قصد من قبل الدول الكبرى لغايات الضغط والمقايضة على الدول الأربعة المحدثة. هكذا أصبحت القضية الكوردية ورقة اللعب على طاولة الصراعات المتكررة منذ ذاك التاريخ وحتى الآن.
لذا، اعتقد أن ما يحصل في فلسطين من صراع ليس بمعزل عمّا يحدث في سوريا والعراق، بل صراع تولّد من جوف الصراعات الماضية، وكما قال آرتشيبالدوافيل في تعليق له على المعاهدات التي أبرمتها الحلفاء في باريس لإنهاء الحرب العالمية الأولى: “بعد الحرب التي كان هدفها إنهاء الحروب، يبدو أنهم نجحوا في صنع سلام وينهي سلام”.
وعليه، أرى أن إنهاء كل الاشكاليات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط والتي أحدثت تعقيدا شديد الخطورة يبدأ من اعادة النظر في المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت قبل قرنٍ من الزمن، ووضع آليات على اسس عملية يضمن حقوق كافة مكونات وشعوب المنطقة مغايرة لِما كانت عليه في الماضي.
التعليقات مغلقة.