البعث أيديولوجية سقطت حين أعلنت الحرب على الكرد

بقلم الكاتب بنكين محمد
عندما هرب بشار الأسد من دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2024، لم يكن المشهد نهاية نظام سياسي فقط، بل انكشافًا نهائيًا لفشل أيديولوجي عميق.
بسقوط آخر سلطة بعثية، انهارت فكرة ادّعت تمثيل الأمة العربية، بينما مارست على الأرض سياسات إقصاء منهجية وصلت حدّ الجرائم الدولية، خصوصًا بحق الكرد في سوريا والعراق.
هذه ليست لغة خصومة سياسية، بل وصف قانوني لتجربة حكم.
رفع حزب البعث شعار الوحدة العربية بوصفه مبدأً فوق الدستور، وفوق المجتمع، وفوق التنوّع.
لكن هذه الوحدة لم تُبنَ يومًا على عقد مواطنة متساوية، بل على إنكار قانوني لهويات غير عربية، وفي مقدمتها الهوية الكردية.
في الفكر البعثي:
الاعتراف بالكرد = تهديد للوحدة
الحقوق القومية = مشروع انفصال
المطالبة الدستورية = جريمة أمن دولة
وهكذا تحوّل الشعار السياسي إلى أداة شرعنة للقمع.
ففي سوريا: تجريد الكرد من الجنسية بقرار إداري
في سوريا، لم تكن سياسات البعث تجاه الكرد انحرافًا عابرًا، بل سياسة دولة مكتوبة.
إحصاء عام 1962 في محافظة الحسكة جرّد أكثر من 120 ألف كردي من الجنسية السورية بقرار استثنائي.
بحلول 2011، تجاوز عدد عديمي الجنسية من الكرد 300 ألف شخص بين أجانب و مكتومي القيد
حُظر التعليم باللغة الكردية، ومُنع تسجيل الأسماء الكردية، وصودرت الأراضي ضمن مشروع الحزام العربي الذي غيّر البنية الديموغرافية قسرًا.
هذه الإجراءات، وفق القانون الدولي، تنتهك صراحة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما الحق في الجنسية وعدم التمييز.
ففي العراق: من الإقصاء إلى الإبادة الجماعية
إذا كانت سوريا مثال الإقصاء القانوني، فإن العراق كان مثال الإبادة المادية.
بين عامي 1987–1988، نفّذ نظام صدام حسين:
حملات الأنفال
تدمير أكثر من 4,000 قرية كردية
قتل أو اختفاء نحو 182 ألف مدني كردي بحسب وثائق رسمية
وفي 16 آذار/مارس 1988، قُتل أكثر من 5,000 مدني في حلبجة بالسلاح الكيميائي خلال ساعات.
عام 2007، اعترف المحكمة الجنائية العراقية العليا رسميًا بأن الأنفال جريمة إبادة جماعية وفق تعريف القانون الدولي.
هذه ليست روايات سياسية، بل أحكام قضائية.
لماذا فشل البعث؟ لأن الدولة لا تُبنى ضد جزء من شعبها
الدولة التي:
تنكر هوية مكوّن أصيل ،تجرّم لغته وتُخضع وجوده لمنطق أمني
هي دولة تحكم بالقوة لا بالشرعية.
الكرد لم يكونوا مشكلة وطنية بل الاختبار الأخلاقي الذي فشل فيه البعث مرارًا.
سقوط البعث لا يعني سقوط ذهنيته.
الخطر الحقيقي اليوم هو إعادة إنتاج المنطق نفسه بأسماء جديدة:
مركزية مفرطة ورفض الفيدرالية أو اللامركزية وتخوين أي حديث عن الحقوق القومية
أي مشروع سياسي في سوريا أو العراق:
لا يعترف دستوريًا بالكرد ولا يضمن حقوقهم القومية والثقافية
ولا يقرّ بالشراكة الحقيقية في السلطة هو مشروع فشل مؤجّل.
سقط حزب البعث لأنه أراد أمة متخيّلة، فدمّر أوطانًا حقيقية.
أراد وحدة بلا اعتراف وسيادة بلا مواطنة ودولة بلا قانون.
الكرد في سوريا والعراق لم يطالبوا يومًا بهدم الدول،
بل بدولة تعترف بهم شركاء لا أهدافًا أمنية.
وإن لم تُستوعَب هذه الحقيقة اليوم، فلن يكون ما بعد البعث بداية جديدة، بل إعادة تدوير للخراب بلغة أخرى.



