بقلم المحامي الأستاذ إبراهيم أحمد
يشكّل الشعب الكردي أحد أبرز الشعوب التي تعرّضت للتقسيم القسري في العصر الحديث دون إرادته، وذلك بفعل التفاهمات الدولية التي رافقت انهيار الدولة العثمانية، وفي مقدمتها اتفاقية سايكس – بيكو (1916). وقد حرم هذا التقسيم الكرد من ممارسة حقهم الطبيعي في تقرير المصير، وأدّى إلى توزيعهم على أربع دول: تركيا، إيران، العراق، وسوريا.
ومن منظور العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، الذي صادقت عليه سوريا، ومن منظور الإعلان الدستوري الصادر بعد سقوط النظام البعثي—خصوصاً في مادته الأولى التي تؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها—تثار مسألة قانونية ومشروعية المطالب الكردية في سوريا، وضرورة إعادة النظر في وضعهم السياسي والدستوري.
أولًا: كرد سوريا وشروط تعريف “الشعب” في القانون الدولي
يُشترط في القانون الدولي وصف جماعة بأنها “شعب” أن تتوافر فيها عناصر أساسية، تشمل:
وحدة ثقافية ولغوية وهوية قومية مشتركة.
وعي جماعي بالانتماء القومي.
الارتباط بإقليم جغرافي محدد.
إرادة سياسية مشتركة لممارسة الحقوق.
تتوافر هذه العناصر كاملة في كرد سوريا الذين يشكّلون جزءاً أصيلاً من الأمة الكردية، ويقطنون منطقة متصلة جغرافيًا تُعرف تاريخياً باسم كردستان الغربية (روجآفا). وبذلك فإن توصيفهم كـ”شعب” يخضع للمعايير الدولية الراسخة.
ثانياً: انتهاك مبدأ تقرير المصير في اتفاقية سايكس – بيكو
جرى تقسيم كردستان عبر اتفاقية سايكس – بيكو دون استشارة الكرد أو تمثيلهم، وأُلحِق الجزء الغربي من كردستان بالدولة السورية الحديثة.
هذا الإدماج القسري تمّ خارج أي إرادة شعبية كردية، وهو ما يجعل الأساس السياسي والقانوني لضمّ الكرد إلى سوريا موضع مراجعة وفق القانون الدولي ومبدأ حق الشعوب في تقرير المصير.
ثالثاً: المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966)
تنص المادة الأولى على ما يلي:
1. لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، بما يشمل حرية تقرير مركزها السياسي وحرية السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
2. لا يجوز حرمان أي شعب من موارده الأساسية.
3. تلتزم الدول الأطراف باحترام هذا الحق والعمل على تحقيقه.
وبناءً على ذلك، يستند الكرد في سوريا إلى سند قانوني دولي يتيح لهم المطالبة بـ:
تقرير المصير الداخلي (الحكم الذاتي، الفيدرالية، اللامركزية السياسية).
حقوق ثقافية ولغوية وتعليمية واقتصادية متساوية.
حماية قانونية من سياسات الإقصاء والتهميش.
رابعاً: هل يحق للكرد المطالبة بتقرير المصير الخارجي؟
يفضّل القانون الدولي أن تُمارس الشعوب تقرير مصيرها ضمن إطار الدول القائمة، لكنه لا يستبعد تقرير المصير الخارجي (الانفصال) في ظروف استثنائية، منها:
استمرار القمع والاضطهاد الممنهج.
رفض الدولة الاعتراف بالحقوق الأساسية.
انتفاء أي إمكانية واقعية لتطبيق تقرير المصير الداخلي.
وبالتالي، فإن استمرار السياسات التمييزية بحق الكرد قد يفتح—نظريًا—الباب لهذا الخيار، وإن كان سياسيًا غير مطروح بقوة في المرحلة الراهنة.
خامساً: المسؤولية القانونية على الدولة السورية
بموجب العهد الدولي، تُلزم سوريا بـ:
احترام الهوية القومية للكرد.
تأمين البيئة القانونية والسياسية الكفيلة بممارسة الحقوق.
الامتناع عن التمييز أو محاولات الصهر القومي أو الإقصاء.
إن الإخلال بهذه الالتزامات يعرّض الدولة للمساءلة الدولية، خاصة حين يرتبط بسياسات تطهير ثقافي أو إنكار ممنهج للحقوق الجماعية.
خاتمة
إن كرد سوريا ليسوا مجرد “أقلية إثنية” داخل الدولة السورية، بل شعب تتوافر فيه جميع مقومات حق تقرير المصير، وقد أُدمج في سوريا نتيجة تقسيم استعماري لا يستند إلى اختيار شعبي.
وبناءً عليه، يوفر العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إطارًا قانونيًا صريحًا لمطالبتهم بحقوقهم القومية والسياسية، بما يعزز صياغة عقد وطني سوري جديد يقوم على:
التعددية القومية
المساواة
الشراكة السياسية
الاعتراف بالحقوق الأساسية لجميع المكوّنات.



