المجلس الوطني الكوردي.. صمام أمان وخلاص في الحالة الكوردية في سوريا

المجلس الوطني الكوردي.. صمام أمان وخلاص في الحالة الكوردية في سوريا

بقلم: نجاح هيفو

في المشهد الكوردي السوري الموزّع بين الجراح والآمال، يبرز المجلس الوطني الكوردي كأحد أهم الركائز السياسية التي حافظت على اتزان القضية، وصانت ما تبقّى من نسيجها رغم العواصف. فمنذ لحظة تأسيسه، لم يكن المجلس مجرّد إطار سياسي، بل ضرورة تاريخية حاولت حماية الحلم الكوردي في سوريا، وإعادة صياغة الوجود القومي ضمن مشروع وطني شامل، في مواجهة واقع دموي فرضه نظام الأسد، وسياسات القمع، والتغيير الديمغرافي، والتهجير القسري.

لقد حمل المجلس ـ منذ بدايات الثورة السورية ـ مسؤولية تمثيل قضية شعبٍ يبحث عن الحرية والكرامة، لا عن بديلٍ استبدادي آخر. ولهذا لعب دورًا مركزيًا في المحافل الوطنية والدولية، محاولًا تثبيت الوجود الكوردي كجزء أصيل من مستقبل سوريا الديمقراطية. هذا الدور لم يكن سهلًا، ولا مجانيًا؛ فقد دفع المجلس ثمن مواقفه تهجيرًا واعتقالات ومصادرة للمكاتب وتهديدات طالت كوادره وأحزابه.

ومع التاريخ المفصلي 26 نيسان، يوم التأم الكورد في سوريا بعد سلسلة اتفاقيات سابقة ولاحقة، تجددت محاولات رأب الصدع الكوردي – الكوردي، في اجتماعات جرت تحت ضمانات دولية، وبحضور الراعي الكوردستاني الذي لطالما لعب دورًا أخويًا في دعم الحقوق المشروعة لشعبٍ مشتت بين الجغرافيا والسياسات.

لم تكن تلك اللقاءات اجتماعات عابرة أو بروتوكولية، بل سعيًا جديًا لإعادة بناء الثقة بين مكونات الساحة الكوردية، وإعادة ترتيب البيت الداخلي على أسس واضحة، تعترف بالاختلاف وتمنع الاحتكار، وتضع مصلحة الشعب فوق الحسابات التنظيمية والفصائلية.

وفي مرحلة دقيقة من تاريخه، وجد المجلس الوطني الكوردي نفسه في صراع جبهتين:

الجبهة الأولى كانت ضد نظام الأسد الذي مارس التهميش المتعمد، والاعتقال، والضغط السياسي، ورفض الاعتراف بأي حق كوردي.

والجبهة الثانية ـ وهي الأصعب ـ كانت داخل البيت الكوردي نفسه، حيث واجه المجلس تحدّي إثبات وجوده التاريخي والسياسي أمام جهة كوردية أخرى تمتلك سلطة الأمر الواقع، وتدير ما يشبه “حكومة فعلية” تتحكم بالمجتمع والإدارة والموارد.

هذا الوضع خلق صراعًا غير متكافئ:

– طرف يمتلك القوة العسكرية والإدارية.

– وطرف يمتلك الشرعية الوطنية والتاريخية وامتدادًا عميقًا في الوجدان الكوردي.

في تلك المرحلة، كان على المجلس أن يخوض معركة الإثبات والتحدي:

إثبات أنه ليس كيانًا هامشيًا، وليس جسمًا طارئًا، بل امتداد لنضال سياسي عمره عقود.

وتحدّي محاولات الإقصاء والتهميش، ومحاولة فرض مشروع أحادي يحتكر تمثيل الكورد دون توافق أو مشاركة.

لقد آمن المجلس ـ بعمق ـ بـ الدور المنقذ لكوردستان باعتبارها عمقًا قوميًّا طبيعيًا وحاضنًا للقضية الكوردية السورية. إلا أن هذا الإيمان لم يَسلم من التشويه والاتهام من قبل الطرف الذي امتلك القوة على الأرض. وهكذا، وجد المجلس نفسه في المرحلة ذاتها… محاربًا من النظام ومحاربًا من جهة كوردية أخرى، ومع ذلك لم ينزلق إلى صراع داخلي كان سيترك جراحًا لا تُشفى لعقود.

شهدت الساحة الكوردية سلسلة اتفاقيات خلال السنوات الماضية، حملت عناوين كبيرة وتطلعات مشرقة، إلا أنها كانت تعود ـ مرة بعد مرة ـ إلى النهاية نفسها، نتيجة عدم التزام الطرف الأول ببنودها. وقد أضاع هذا التكرار فرصًا تاريخية لبناء شراكة سياسية حقيقية، وزاد من هشاشة الواقع الكوردي.

ومع ذلك، لم يدفع هذا الفشل المجلس نحو الانعزال أو القطيعة. بل أعاد التأكيد أنّ الخلاص الكوردي لا يمكن أن يتحقق إلا بالحوار ووحدة الصف، وأن الانقسام ليس قدرًا، بل خيار يمكن تجاوزه بالإرادة السياسية.

اليوم يعود المجلس الوطني الكوردي، من موقع المسؤولية لا من موقع الضعف، إلى طاولة الحوار. يعود وهو يدرك أن الشعب تعب، وأن الانقسامات لم تعد تُحتمل، وأن ما يجمع الكورد ـ تاريخًا ودمًا وأرضًا ـ أكبر بكثير مما يفرقهم.

يعود المجلس بوصفه:

الحامل الشرعي للمشروع الوطني الكوردي المعتدل.

الطرف الذي حافظ على خطه الوطني ولم يبدّل بوصلته.

الجسم السياسي الذي لم ينزلق إلى عسكرة أو احتكار.

الصوت الذي بقي قريبًا من هموم الناس، وآمال الشباب، وذاكرة النضال الكوردي في سوريا.

إن المجلس الوطني الكوردي، بما قدّمه من تضحيات وصمود وقدرة على الصبر السياسي، ظلّ صمّام أمان يمنع الانزلاق إلى صراع داخلي أو ارتهان لمشاريع إقليمية لا تخدم القضية. وهو اليوم، كما الأمس، طريق الخلاص لمن أدرك أن وحدة الصف ليست رفاهية، بل شرط وجودي لبقاء الكورد في سوريا على خارطة التاريخ والجغرافيا.

نقلاً عن موقع welat tv