للكاتب : أكرم حسين
تعتبر القضية الكردية في سوريا إحدى أكثر القضايا سخونة وتعقيداً في المنطقة ، حيث تتداخل فيها العوامل الخارجية والسياسية والجغرافية والاجتماعية، مما يجعل الوضع أكثر حدة وتشابكا ،
وفي خضم هذا الواقع ، يتعرض أعضاء المجلس الوطني الكوردي ، وبعض الصحفيين والإعلاميين الكرد، لاتهامات وتلفيقات باطلة تتعلق “بالعمالة” لصالح الاستخبارات التركية ، من قبل بعض الصفحات الصفراء والحسابات الوهمية ، وهي اتهامات مفبركة ، ولها غايات محددة ، لا أساس لها .
لأنها من نسج مخيال أصحابها في افتراض عدو وهمي ، والانقضاض عليه أخلاقيا وسياسيا ، في ظل غياب أية روادع قانونية أو أخلاقية ، مما يعكس درجة تعقيد الواقع الواقع الكردي ، وتجذّر خطاب الانقسام والكراهية في المجتمع ،
كشكل من أشكال التعبير عن الصراع السياسي والايديولوجي في الوسط الكردي ، وموقف الأطراف المختلفة ، من الثورة التي هدرت قيمها عبر صفحات التواصل الاجتماعي عبر بعض الذيول والأمعات الذين لا تربطهم بالقضية الكردية اية روابط سوى الارتزاق والمال السياسي…!
من الواضح لكل ذي بصيرة الظروف التاريخية التي تشكلت فيها الحركة الكردية في سوريا . حيث واجه الكرد تهميشا كبيرا من قبل الأنظمة السورية المتعاقبة ، وقد تأسس المجلس الوطني الكوردي في ٢٦-١٠-٢٠١١ ليعبّر عن تطلعات الشعب الكردي في سوريا ، ويوجّه جهوده نحو كيفية تحقيق حقوق الكرد في إطار الدولة السورية الجديدة كما سعى الى بناء وحدة الموقف الكردي وصياغة الرؤية الكردية المشتركة مع حزب الاتحاد الديمقراطي ،
وبناء علاقات طبيعية مع دول الجوار، مما جعله عرضة للاتهامات وفي مرمى السهام ، خاصة بعد احتلال تركيا لعفرين ، ومن ثم سري وكري سبي .
في الآونة الأخيرة عجّت الصفحات التابعة لنشطاء “الإدارة الذاتية” بتلفيق الاكاذيب التي تتهم اعضاء المجلس الوطني الكوردي “بالعمالة ” لصالح الاستخبارات التركية في استسهال الكتابة ، والقاء التهم المصنعة والجاهزة من قبل ممن باعوا ضمائرهم وتنكّروا لكرديتهم بأثمان قليلة في محاولة لتعزيز خطاب الكراهية ، وتقويض مصداقية المستهدفين وشيطنتهم، بغية اعتقالهم أو تصفيتهم جسديا ، مما قد يؤدي إلى تأجيج العداوات و تآكل الثقة بين أطراف المجتمع الكردي…!
يتناسى هؤلاء أو يصرون على النسيان بأن المجلس الوطني الكوردي يؤمن بأهمية الحوار والتفاوض كوسيلة لانتزاع الحقوق وتحقيق السلام والاستقرار ، بدلاً من الانخراط في العنف وخلق الأزمات وتصعيدها فهو يسعى – اي – المجلس – إلى الحوار والتفاوض مع جميع الأطراف بما في ذلك السلطة السورية عبر القرار الدولي ٢٢٥٤ ، وكذلك مع القوى الكردية الأخرى ، وبالتالي فإن تصدير الاتهامات “بالعمالة” لا يفيد في تعزيز الحوار والسلم الاجتماعي ، بل يخلق الشروخ ، ويعمق الانقسامات ويزيد من حدة التوترات والصراعات التي تضر بالأمن والاستقرار في مناطق “الإدارة ” نفسها ….؟
إن أحد الأبعاد المهمة لنشاطات المجلس الوطني الكوردي هو نبذ العداوة والابتعاد عن خطاب الكراهية في تركيزه على احترام حقوق الإنسان وحمايتها ، وتبني قضايا المساواة والعدالة ، والحقوق ، وفي هذا السياق اتهام المجلس وكوادره “بالعمالة” فيه ظلم كبير ، وإهانة للجهود التي يبذلها في سبيل هذه الحقوق ، وقد بذل المجلس جهودا كبيرة في توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها الكرد في مناطق عفرين وكري سبي ، وعموم الجغرافيا السورية ، وطالب بوضع حد لها لدى الجهات الدولية النافذة .
ردود الفعل تنوعت على هذه الادعاءات ، حيث عبر العديد من النشطاء والسياسيين عن رفضهم لها واستيائهم منها ، واكدوا بأن هذا الخطاب يعزز الانقسام ويثير الكراهية و يهدف إلى إلهاء الرأي العام وحرفه عن القضايا الحقيقية التي تواجه الشعب الكردي، كالتهديدات الأمنية والاقتصادية والهدر اليومي .
يدرك المرء أن العلاقات بين الكرد وتركيا معقدة. فقد عانت مناطق الكرد فيها من صراعات دموية على مر السنين، دون أن ينتج عنها سوى الخراب والدمار ، وفي السنوات الأخيرة، أظهرت بعض القوى الكردية في تركيا كحزب الشعوب الديمقراطي رغبة في العمل السلمي الديمقراطي لحل القضية الكردية ، وفاز مرشحوه في البرلمان ، وبالتالي فإن اتهام المجلس الوطني الكوردي “بالعمالة” و”الخيانة” لا يعبّر عن فهم عميق لديناميات الواقع وتطوره.
يتطلب بناء سوريا الجديدة وضمان حقوق الشعب الكردي فيها تعاونا وثيقا بين جميع الأطراف الكردية ، وليس إثارة الفتن و إلقاء التهم . فالحوار والتفاهم سبيل حقيقي لحل القضايا الشائكة والعمل من أجل مستقبل مشترك وتحقيق العدالة والحرية للجميع.
اخيرا تعكس الاتهامات الموجهة للمجلس الوطني الكوردي ولكل من ينتقد “الإدارة” ب”العمالة” لصالح الاستخبارات التركية ، إصرارا وجهلا متعمدا للواقع وتعقيداته. فالمجلس يسعى لتحقيق حقوق الشعب الكردي من خلال الحوار والاتفاق ، وليس من خلال “العمالة” أو “الخيانة” أو التفريط بالحقوق . لذا، يجب على المجتمع الدولي والمحلي دعم كل الجهود التي تدفع في هذا الاتجاه ، والتركيز على تحقيق العدالة والحرية لكل السوريين، بعيدا عن الصخب الاعلامي والتخوين ، لأن بناء المستقبل يتطلب منا كسوريين تجاوز الانقسامات، والعمل معا من أجل تحقيق الحرية والعدالة والسلام .
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها ، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع)
التعليقات مغلقة.