الهوية الوطنية السورية بين سندان والوحدة والتماسك الوطني ومطرقة صعود أزمة الهويات الفرعية
تعدّ القضية السورية من القضايا المعقدة والمتشابكة على الساحة الإقليمية والدولية، ومازال البحث جارياً عن شكل وهيكل الدولة السورية القادمة. كثيرون يتحدثون عن الهوية الوطنية السورية، وكلّ طرف يحدّده على مقاسه دون مراعاة الكيانات والأطياف المتعايشة على أرض سوريا. لذا لابد من تحديد هذه الهوية وتحديد أبعادها الوطنية والقومية بعيداً عن الطائفية والعنصرية، تحدّد هذه الهوية حقوق السوريين بفسيفسائها المتنوعة دون تمييز في العرق أو الدين.
الهوية الوطنية السورية بين سندان والوحدة والتماسك الوطني ومطرقة صعود أزمة الهويات الفرعية
عزالدين ملا
تعدّ القضية السورية من القضايا المعقدة والمتشابكة على الساحة الإقليمية والدولية، ومازال البحث جارياً عن شكل وهيكل الدولة السورية القادمة.
كثيرون يتحدثون عن الهوية الوطنية السورية، وكلّ طرف يحدّده على مقاسه دون مراعاة الكيانات والأطياف المتعايشة على أرض سوريا.
لذا لابد من تحديد هذه الهوية وتحديد أبعادها الوطنية والقومية بعيداً عن الطائفية والعنصرية، تحدّد هذه الهوية حقوق السوريين بفسيفسائها المتنوعة دون تمييز في العرق أو الدين.
لهذا وجهّت صحيفة كوردستان بعض الأسئلة والتي يمكن من خلالها معرفة الهوية السورية وكيفية تكوينها والحفاظ عليها.
1-كيف يمكنك شرح الهوية السورية وفق المنظور الوطني والقومي؟
2-هل يمكنك تحديد علاقة الهوية الوطنية بالهويات الفرعية؟ وكيف يمكن تقويتها؟
3-هل يمكن للهويات الفرعية أن تعزّز الهوية الوطنية أم لا؟ كيف؟ ولماذا؟
4-هل يمكن أن يؤثّر الحكم الفيدرالي على الهوية الوطنية والفرعية إيجاباً؟
5-ما المطلوب لتمكين الهوية الوطنية السورية وفتح باب السلم والعيش المشترك بين مكوّناتها؟
الهوية الجامعة ترقى إلى الوحدة الوطنية
تحدّث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، نافع عبدالله لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إذا أردنا بناء الدولة السورية المستقبلية، فبناؤها يجب أن يتم على أساس الهوية الوطنية الجامعة ويجب أن تكون متجاوزة تماماً الهويات الاستعلائية على أساس القومية الأكبر أو القومية الأقوى، وإنما على أساس الجغرافيا والتاريخ المشترك واحترام اللغات والثقافات والحضارات المختلفة والاعتراف بالتعدد القومي والديني والمذهبي وذلك دستوريا، بعيداً عن الممارسات الشوفينية والعنصرية المقيتة كالحزام العربي والإحصاء الاستثنائي والطرد والفصل على أساس الهوية القومية أو الانتماء القومي واحترام العهود والمواثيق الدولية حول الحقوق القومية لكافة الشعوب المتعايشة تحت سقف الوطن دون تمييز أو إقصاء، بالنسبة إلى ما نعيشه اليوم في سوريا وبسبب الوضع القائم لم يعد هناك هوية سورية بالمفهوم الوطني، وإنما توجد هويات متعددة ومناطق نفوذ لكل من الدول الإقليمية والعالمية وحتى مناطق ميليشاوية، أما أصحاب الأرض الحقيقيين فمغيبون عن القرار السياسي الوطني، ما نسعى إليه هو إنهاء حالة الهيمنة وإرغام الآخرين على الدخول معها في دولة واحدة تفرض فيها هويتها أو إرادتها الخاصة على الجميع بالقوة كليا أو جزئيا، فهي بالتالي تعطي تلقائيا الحق لكل من القوميات الأخرى بالبحث عن مصادر أو طرق أخرى ليحافظوا، ويحموا بها ذاتهم أي الهوية القومية بدلاً عن الهوية الوطنية السورية من قوة تلك الجهة المهيمنة».
يتابع عبدالله: «لم يتوطّد مفهوم علاقة الهوية الوطنية بالهويات الفرعية في عقل ووجدان مجتمع الأغلبية العربية السورية، ولم يستوعب أن الرابطة الوطنية هي الأقوى بين أفراد الوطن الواحد، لم تعد مفاهيم الأكثرية والأقلية مقبولة في الدولة الحديثة، فالمواطنة ليست منة الأكثرية على الأقلية وعليه فان الهويات الفرعية العرقية والدينية والمذهبية والطائفية والقبلية تصبح هويات روحية واجتماعية وثقافية وسياسية داعمة للهوية الوطنية الجامعة فلا تناقض، ولا تعارض ولا تضاد بينها جميعاً، وبين الهوية الوطنية، فهم الأدوار والوظائف للهويات الفرعية واحترامها وتنميتها وتصفيف ترتيباتها ضمن الهوية الوطنية كفيل بأن لا تطغى، وتتحول أي هوية فرعية إلى هوية قاتلة بل على تصبح مصدراً للإثراء الثقافي والاجتماعي واللغوي المعزز لقوة الهوية الوطنية ومنعتها ورفعتها وازدهارها الحضاري، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً ومتواصلاً من قبل النخب الفكرية والسياسية مع الاحتفاظ لكل هوية فرعية بخصوصيّتها وتطلعاتها وتمايزها المشروع الذي يكفله لها الدولة من خلال الدستور».
يضيف عبد الله: «تتعدّد الهويات الفرعية داخل المجتمعات كالهوية القومية، والدينية والمذهبية والعشائرية القبلية والعائلية والمناطقية الجهوية، كلها تعزز وتغني الهوية الوطنية الجامعة إذا تم تطبيق العدالة والمساواة واحترام الحقوق الأساسية والقانونية لتلك الهويات. الهوية الوطنية تندمج فيها الهويات الفرعية والتوجهات والانتماءات لتجسد عبر الاندماج مصالح مشتركة وقيما ثقافية واجتماعية كالانتماء الجمعي والتعايش، والاختيار الطوعي، والتعدد الثقافي والسياسي والديني التي في مجموعها تشكل الهوية الوطنية. وتتحقق الهوية الوطنية في فضاء ديمقراطي وشعور جمعي بالانتماء الوطني والاستقرار. فلا يمكن الحديث عن هوية جامعة ترقى إلى وحدة وطنية في ظل إقصاء الهويات الفرعية وتفرد وقمع وترهيب وغياب الحريات العامة والخاصة، ولا يمكن تحقيقها بشكل قسري إرغامي.
ينتج الانتماء التاريخي (للأرض – الوطن) هوية وطنية جامعة وبالمثل فإن الدفاع عن الوجود والفعل الثقافي والفكر السياسي يعزز الهوية والوحدة الوطنية، ويضع الشعب على سكة تقرير المصير بعد فشل مشاريع طمس واحتواء وإذابة الهويات الفرعية. للثقافة ناظم ومبادئ كالتنوع والتعدد الثقافي والحق في الاختلاف والنقد وإثارة الأسئلة واحترام الآخرين والانفتاح على الثقافات الأخرى واحترامها والتأثر البناء بها، والقبول بكافة أشكال التعبير الثقافي، ومن شأن الأخذ بها تعزيز الهوية الوطنية ووحدة المجتمع والشعب. أما ثقافة التعصُّب والتطرُّف والجمود، ثقافة التكفير والتحريم والتخوين والانغلاق فإنها تساهم في تفكيك الهوية الجامعة إلى هويات فرعية كالهوية الدينية والعائلية والعشائرية والجهوية، وتساهم في انقسام المجتمع وعزله عن الثقافات والحضارات الإنسانية.
إزاء ذلك يمكن القول: عندما تتغير الثقافة يتغير المجتمع ويطال ذلك الهوية الوطنية الجامعة. وما يهمنا هو وجود وازدهار الثقافة التي تنمو بالفكر الديمقراطي التحرري الذي يربط التحرر من الاستغلال والعنصرية بالتحرر الاجتماعي وبالحريات العامة والخاصة، وبنمو مجتمع المعرفة الذي يتيح للهويات الفرعية الفرصة لتحقيق ذاتها من خلال اللامركزية السياسية، وهذا يعزز، ويمكّن الهوية الوطنية الجامعة وخاصة نحن في عصر العولمة والحداثة».
يشير عبدالله: «أنه لابد لنا أن نقف عند مفهوم الفيدرالية، وهو مصطلح غربي معناه في اللغة العربية (الاتحاد)، وهي شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيها مقسّمة دستوريًا بين الحكومة الاتحادية، ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، والمحافظات) ويكون كلا المستويين من الحكومة معتمدًا أحدهما على الآخر، وتتقاسمان السيادة في الدولة.
والنظام الفيدرالي- الاتحادي- مبني على التوافق وفقًا لمسألتين أساسيتين، وهما: الأول: رغبة الدول، أو الأقاليم بالاتحاد في تكوين دولة واحدة. الثاني: رغبة كل إقليم في المحافظة على استقلاله الذاتي بقدر الإمكان.
وما يهمنا هنا أن النظام الفيدرالي – الاتحادي – هو شكل من أشكال الدولة الناجحة ويؤثر على الهوية الوطنية والفرعية بشكل ايجابي التي تسمح للتنوّع الاجتماعي في الدول بالتعبير عن الخصوصيات الذاتية لمكوناته مع الإبقاء على رابط الوحدة في النظام الاتحادي الفيدرالي لاسيما في عصر العولمة، وإفرازاته الثقافية، وهي واحدة من الوسائل الديمقراطية، والحلول العادلة للمجتمعات المتعددة، والمتنوعة ثقافيًا، وهناك (24) دولة في العالم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية تتبع النظام الفيدرالي أي ما يعادل (40%) من سُكَّان العالم.
والفيدرالية هي إعادة تكوين نظام سياسي يسمح لممثلي مكونات المجتمع العرقية، والدينية، والطائفية بالمشاركة، والحوار، والتباحث بشأن مصالحهم، ومطامحهم، والاقتسام الدستوري للصلاحيات، وتوزيع الثروات الوطنية على أسس عادلة».
يختم عبدالله: «الجميع أصبح مهدداً بوجوده وهويته الوطنية والقومية وعلى الجميع تقع مسؤولية المواجهة لهذا الواقع حيث لم تستطع الدولة ولا الأنظمة المتعاقبة وضع الحلول الناجعة لمشكلة القوميات والأديان والثقافات المختلفة.
لتمكين الهوية الوطنية السورية يجب إشاعة ثقافة جديدة في المجتمع أساسها الاعتراف الدستوري بالحقوق القومية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكافة المكونات السورية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وخاصة قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ واحترام القانون والتمسُّك بالوحدة الوطنية والحرية والكرامة وإقامة نظام تحكمه قواعد المساواة والتكافؤ والعدالة الاجتماعية، لنثبت للعالم جدارتنا بنيل شرف الوطنية السورية والانتماء القومي واسترداد مكانتنا بين شعوب العالم، وعندما تتحقق وحدة الشعب السوري على هذا النحو سوف تذلل العقبات والمواقف الإقليمية والدولية، سيطر الجميع إلى احترام إرادة الشعب السوري والاعتراف بقدرته ورغبته في الحياة والاستقلالية، إن لم نثبت للعالم قدرتنا وجدارتنا بالعيش المشترك ونزوعنا الى الحرية وبناء سوريا جديدة على أساس العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وإقامة الدولة الاتحادية الديمقراطية التعددية، إن لم نثبت ذلك فلن ننال ثقة العالم، ولن ننعم بالسلم والعيش المشترك».
الفيدرالية بطبيعتها تطرح ثقافة وطنية شاملة
تحدث الكاتب، عبدالباري احمه لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «معظم دول العالم المتحضر والمتمدن تتفق وفق المواثيق على تحديد معالم الهوية الوطنية الجامعة، وبخصوصية قومية محددة، فالحكومات الوطنية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا استغنت أو اضمحلت مفاهيم الهوية القومية، لأن الهوية القومية لا تمثل كل المكونات والقوميات، لهذا اتفقت دول العالم الحر على اختيار الهوية الوطنية الجامعة».
يتابع احمه: «في الدول والحكومات الديمقراطية ليست هناك هويات اساسية، وهويات فرعية، بل كما ذكرنا هناك اتفاق على جعل الهوية الوطنية ميثاقاً وطنياً، يتفق عليها كل الطيف الشعبي، بشرط أن تبقى خصوصية ثقافية وتراثية لكل هوية فرعية، تمارس هذه الطقوس في المناسبات والأعياد الوطنية».
يضيف احمه: «بما الهوية الوطنية تتشكل من مجموعة هويات فرعية (قومية) لذلك تبدو الهوية الوطنية بالنسبة للكل هوية مقدسة، لأن التوافق والانسجام الطوعي بين الهويات الفرعية تعطي للهوية الوطنية القوة والاستمرارية، فالعلاقة إذاً بين الهوية الوطنية، والهويات الفرعية علاقة احترام وتفاهم متبادل، لا يلجأ احداً إلى إلغاء وتهميش الآخر».
يشير احمه: «ان مَنْ يقرأ الفيدرالية كنظام اجتماعي وسياسي يتأكد بأن الهويات الفرعية تحتفظ بخصوصياتها الإيجابية، كون الفيدرالية بطبيعتها تطرح ثقافة وطنية شاملة، وتطرح أيضاً هوية وطنية تتناسب وثقافة كافة المكونات والاثنيات، ونراه الآن ان الأنظمة الفيدرالية في العالم هي أكثر الأنظمة استقرارا واحتراماً للهويات الفرعية، كونها تعتمد على اقتصاد وطني قوي.
يؤكد احمه: «ما يخص سوريا سواء قبل الأزمة أو بعدها لا بد من الاعتراف الدستوري بالهويات الفرعية ضمن هوية وطنية سورية جامعة وشاملة لكل المكونات والأعراق والاثنيات مهما كانت صغيرة أو كبيرة، هذه الإقرار الدستوري يفتح آفاقاً حقيقية للعيش المشترك بين كافة المكوّنات السورية، وما أكثرها!! والعمل على رفض العمل وفق مفاهيم قومية واحدة، أو لغة واحدة، فالأمم المتحضّرة تجاوزت الهويات القومية، ورسمت لشعوبها هويةً وطنيةً شاملة، وهذا ما وفرت للكلّ العيش بسلام وأمان».
الكورد في سوريا، شعب وثقافة وهوية ممتدة من الزمن والتاريخ
تحدث رئيس فيدراسيون منظمات المجتمع المدني، حسن قاسم لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «سوريا بلد التعددية والمكونات الأثنية والعرقية والعقائدية المختلفة منذ بداية تشكلها التاريخي، وتعدُّ مسألة الهوية موقعاً متميزاً في النقاش السوري في سياق البحث عن تفسيرات عقلانية للعنف الاستثنائي الذي شهدته البلاد في العقد الأخير.
وعندما تطرح مسألة الهوية في سوريا يتّجه الفكر مباشرة الى ما درج الباحثون على تسمية التكوين الفسيفسائي للمجتمع السوري أي التعددية الدينية والقومية التي رافقته منذ نشوء الدولة في العشرينيات من القرن الماضي، وكان له الدور الأكبر في الحيلولة دون نشوء هوية وطنية، والحديث عن شعب أو أمة سورية لم يكن الا خدعة ذاتية أو تركيبة خارجية استعمارية لا تتوفر لتحقيقها أية عوامل أو شروط موضوعية بسبب سياسات القهر من الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة وإصدارها لقوانين استثنائية تخالف روح الدستور وتشريعاته بحقّ المكوّنات الأخرى غير العربية خصوصاً من كان انتماؤهم للقومية الكوردية التي تعتبر ثاني أكبر قومية في سوريا، لذلك من الطبيعي والعقلاني اليوم الاعتراف بذلك والسير نحو تقسيم هادئ أو بحكم الأمر الواقع، وهذا ما هو حاصل اليوم، وما تشجّع عليه الدول الغربية باسم الفيدرالية أو اللامركزية، أكان ذلك عن اقتناع أو لمصالح سياسية استراتيجية».
يتابع قاسم: «النظام الفيدرالي هو من سمات الدولة الوطنية الحديثة، قائم على حكم المؤسسات، ويستند الى دستور عصري يحقق طموح جميع مكوّنات الدولة في أمنها واستقرارها، ويحقق الرخاء الاقتصادي الذي يمهد للتقدم الاجتماعي، وهو مطلب جميع الشعوب ومدخلها الى مسرح التاريخ العالمي ووسيلتها للتفاعل مع الشعوب الأخرى، وصارت القوميات الصغيرة والكبيرة تطمح الى انشاء دولها الخاصة ليس من أجل الحصول على حقوق المواطنة في الأمن والحرية والسعادة وتحسين شروط الحياة المدنية فحسب وانما أكثر من ذلك لما تفتحه أمامها وأمام أفرادها من آفاق وفرص للتقدم.
بمقدار ما تحولت الدولة الوطنية إلى أسطورة ورمز للتحرر والتقدم والدخول في الحياة العصرية أي السيادة الشخصية على الذات والسيادة على الدولة وسلطتها العمومية فإنها فجرت لدى الشعوب التي لم يواتها الحظ في بناء دولتها المستقلة شعوراً مأساوياً بالحرمان والظلم، وأحدث مبدأ حق تقرير المصير الذي أطلقه الرئيس الأمريكي ترومان في بدايات القرن العشرين ثورة بمقدار ما ألهب حماس النخب الاجتماعية التي طاولها التهميش المديد بسبب أصولها الاثنية أو الدينية للمطالبة بدولتها الوطنية الخاصة بها».
يضيف قاسم: «نحن الكورد في سوريا نملك من الخصوصيات القومية الأثنية ما يؤهلنا أن نطالب بحقنا في إنشاء كياننا المستقل أسوة بغيرنا من شعوب المنطقة، وهذه ليست بمنّة على أحد، ولكن لعوامل عديدة سياسية واجتماعية واقتصادية، فالشعب الكوردي في سوريا لا يعدُّ مجرد أقلية أو أثنية محلية بل هو شعب وثقافة وهوية ممتدة من الزمن والتاريخ استطاع الحفاظ على وجوده واستمراره رغم الاضطهاد التاريخي من قبل الحكومات الدكتاتورية واستثمارها في هويته الثقافية واللغوية، وأن وجوده في سوريا حقيقة تاريخية يعود الى آلاف السنين قبل الميلاد، وتناول هذا الوجود مؤرخون وعلماء آثار لا علاقة لهم بالكورد لا من قريب أو من بعيد.
يشير قاسم: «إن حرمان الشعب الكوردي وباقي مكونات الدولة السورية عن حقوقها وحرياتها يعد انتهاكاً صارخاً وصريحاً وانتقاصاً من حقوق المواطنة التي يندرج ضمنها أربع قضايا أساسية هي: (الحريات ـ المساواة ـ الشراكة ـ العدالة) لذلك عندما يتم ذكر تعبير المواطنة يقصد بها القضايا المركزية السابقة التي نستطيع في ظلها أن نحتكم الى قواعد قانونية، يكون أساسها دستورياً، وتديرها مؤسسات، بالإضافة الى وجود مؤسسات رقابية تشرف على أداء هذه المؤسسات، ويتم اللجوء اليها في حالة وجود اختلافات أو أي صورة من صور انتقاص حقوق المواطنة.
يؤكد قاسم: «فانه لا يمكن تصور أو مستقبل مشرق للأوضاع في المنطقة والتحولات السياسي والاجتماعية دون التفكير في ضرورة ردّ الاعتبار للهويات والثقافات المحلية بما يساهم في تجاوز الصراعات الاثنية والطائفية ويحقق التعايش السلمي وقبول الآخر من جهة، ويضمن انتقالاً ديمقراطياً واجتماعياً حقيقياً للسلطة من جهة أخرى».
الهويات الفسيفسائية، تعزز مكانة الهوية الوطنية
تحدث الناشط السياسي، شكري بكر لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «يكثر اللغط في محاولات تفسير مصدر اسم سوريا وليس سورية، فسوريا المنتهية بحرف الألف هي الأقرب لروحية سوريا من التاء المربوطة في خصائصها اللغوية. نحن لا نقول حرستة أو دارية أو قدسية، بل نقول حرستا، داريا، قدسيا، الألف في آخر الكلمة هي أل التعريف في الآرامية.
هناك من أعاد مصدر التسمية إلى آشور، وبعض الآخر أعاده إلى السريانية، وبعضه الآخر أعاده إلى كلمة سوريا في اللغة السنسكريتية التي تعني الشمس، وأيضا هناك من أعاده إلى مدينة صور أو سور، وقيل أن بعضهم ولأسباب سياسية شاء أن يعيد التسمية إلى الأصل الحوري أو الخوري لتصبح سوري، أعتقد أن هذه إشارة إلى الكورد وهذا هو الأصح، أن أسم سوريا مصدرها من خور والتي تعني الشمس. فسوريا هي امتداد لأرض الخوريين، بينما جاءت موجة الهجرة العربية مع الفتوحات الإسلامية إليها، وانطلاقا من هنا فإن سوريا بالأصل ليست عربية كما هو شائع وإنما تم تعريبها بعد الفتوحات الإسلامية.
سوريا دولة مهمة واستراتيجية، مهمة بقدمها التاريخي والحضاري، وبفسيفسائها المجتمعي التعددي، القومي والديني والمذهبي والطائفي. والاستراتيجي لموقعها الجغرافي والمطل على البحر الأبيض المتوسط، ولغناها بالثروات الطبيعية والباطنية، ولهذا السبب تعدُّ قضية سوريا هي من القضايا المعقدة والمتشابكة على الساحتين الإقليمية والدولية. ولهذه الأهمية يجري البحث عن شكل وهيكل لدولة سوريا القادمة أو المستقبل.
من هنا أيضا يكثر الحديث عن الهوية الوطنية لدولة فسيفسائية. إلا أن هناك من عمل ويعمل جاهدا لفرض الهوية العربية واعتبارها جزءاً من الأمة العربية».
يتابع بكر: «كما قلت آنفا وكما هو واضح أن سوريا هي دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب والطوائف، المطلوب إقامة سوريا خارجة عن إطار هيمنة ما قوميا أو دينيا أو مذهبيا أو طائفيا، علينا أن نعمل بيد واحدة نحو بناء سوريا بكل الهويات ولكل الهويات، ديمقراطية علمانية تعددية برلمانية حرة».
يضيف بكر: «يمكن القول أنه نعم للدولة الوطنية ولا للدولة القومية بأي صبغة كانت. سوريا دولة متعددة الأعراق والأديان منذ آلاف السنين، لذلك فإن أي توجُّه باتجاه هيمنة أي قومية ستكون موقع الرفض من جميع المكونات الوطنية والقومية والدينية والمذهبية والطائفية، بل بحق أن تكون دولة الوطن والمواطن تتساوى فيها الجميع دون أي تمييز».
يشير بكر: «إلى أن الهويات الفسيفسائية نعم ستعزز من مكانة الهوية الوطنية. الزهرة الواحدة لن تصبح حديقة، بل الحديقة تقام على التنوع، وبالتنوع تزدهر الأمم ازدهارا حيث المساواة والعدالة والإخاء، لأن إقصاء الآخر جور وظلم بحق الشعوب الحية والمشرف بتواريخها المشرقة».
يوضح بكر: «إنه في العصر الحديث أن النظام الفدرالي هو أرقى أنواع النظم رهنا ومستقبلا، فالاندماج والتعايش المشترك هي حالة حضارية تنتفي فيها الخاص، فالعمل الجماعي هو العمل الأنجع للمجتمعات المتطورة فكرياً وسياسياً».
يختم بكر: «أناني كلُّ مَنْ يرفض الهوية الوطنية ومحب لذاته مهما كانت نوع الهوية التي سيبرز به نفسه. استغلالي كل من يرفض الهوية الوطنية لأنه يهدف بذلك الاستغلال إلى نهب خيرات الشعوب المتعايشة في البلد منذ آلاف السنين، فمن الجميع أن يتمتعوا بخيرات البلد في العيش المشترك وتقاسم السلطة والثروة، وذو أطماع عنصرية بغيضة من خلال تفضيل نفسه على الآخرين مهما كانت حججه، إنه بذلك يطمع إلى خيرات البلد لأغراض عنصرية، لأنه لا يجوز تفضيل نفس على آخر.
هذا ما يجب أن نعمل به جميعًا، وبيد واحدة لنبني معاً سوريا دولة القانون، دولة الوطن والمواطن تنتفي فيها كلُّ مظاهر الصراع والاستغلال والظلم والقهر والهيمنة وإقصاء للآخرين».
التعليقات مغلقة.