خارطة اللاعبين على جغرافيا معقدة
عزالدين ملا
يلاحظ من المشهد العام، تتابُع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وتزايُد وتيرة الصراع على كافة الصعد، سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا وحتى اقتصاديًا، وفي مختلف الجبهات والأطراف، كما تزداد حدّة المناورات بين الدول المنخرطة في الصراع، وخاصة الدول التي تلعب سياسة الكيل بمكيالين، مع تصاعد خطوط النار على عدة جبهات شرق أوسطية، من حرب روسيا وأوكرانيا إلى حرب إسرائيل وغزة، واستغلال دولٍ أخرى تعقيدات هذه الخطوط لتنفيذ مخططاتها الضبابية وغير المعلنة، ومن أكثر الدول استغلالاً تركيا وإيران، الدولتان تتحركان وفق غايات مصالح أنظمتهما، مما يشكل هذا الاستغلال اضطرابًا وفوضًى في مناطق عدة على خرائط الشرق الأوسط المنهك، في سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان، كل ذلك أمام سياسة الولايات المتحدة الأمريكية غير الواضحة في التعامل مع الملفات الساخنة في المنطقة، وعلى الأخصّ الملف السوري من ضمنها الملف الكوردي، وكذلك الملف العراقي ومن ضمنها أيضًا الملف الكوردي.
سياسة قنص واستغلال الفرص
في خضم السياسة الأمريكية المبهمة، التي تدفع دولاً إقليمية إلى خلق أزمات وتشكيل محاور كما تفعلها تركيا وإيران أمام تحرُّكات خليجية حذرة ومترددة في اعتماد سياسة صريحة وواضحة عدا حذرها وخوفها من التمدُّد الإيراني الشيعي والدعم التركي الإخواني. وتخلق كل هذه التحرُّكات والأحداث والصراعات المعقدة والفوضى القائمة رؤية جديدة وتمهد الطريق نحو بلورة سياسية وجغرافية مغايرة لِما كانت قبل الآن.
تحاول العديد من الدول الشرق الأوسطية إرساء قدمها في الجديد القادم والحفاظ على ما هي عليه كدول الخليج، وفي المقابل تتحرك دولٌ أخرى إلى كسب المزيد من النفوذ والامتيازات والاستفادة من تجاربها السابقة كتركيا وإيران، هذا إلى جانب شعوب أخرى لم تحظَ على فرصة احتوائها في دولة مستقلة تتخبط قواها السياسية والعسكرية في دوامة صراع بيني لا يسمن ولا يغني من جوع كـالشعب الكوردي الذي يبلغ تعداده أكثر من خمسين مليون نسمة، ويعيش في شتات مستمرّ على الجغرافية العالمية.
إمكانية الوصول إلى الهدف
حتى الآن لم تصل القوى الكوردية بعد إلى معرفة، أن المشهد السياسي يعني أن نكون على معرفة بالديناميكية السياسية الفاعلة، وخارطة اللاعبين وعلاقاتهم، وكذلك الإمكانات التي يملكها كلُّ منهم لتطوير الواقع السياسي في المستقبل، فعلى صعيد هذه الديناميكية تتشكّل حالة الفوضى والتدخُّلات العسكرية والسياسية المتعددة الأطراف والمسميات والأهداف، كما توازيها تحركات سياسية على شكل دول منفردة أو أحلاف، وقد تكون على شكل مجموعات عمل، حيث تلعب القوى السياسية في المنطقة دوراً حيوياً في التأثير على طبيعة المشهد وتركيبته المعقدة، فيما تشكل العوامل الإقليمية والدولية إطاراً صعباً لإمكانية وصول القوى المحلية إلى أي هدف، باستثناء ما يتقاطع منها مع مصالح عدد من الفاعلين الإقليميين والدوليين.
حكومة إقليم كوردستان فقط التي أدركت هذه الحقيقة، ويلعب رجالاتها السياسة الفاعلة على أصولها، واستطاع الشخصية البارزانية التفاعُل من خلال سياستها المتوازنة نتيجة الخبرة السياسية والدبلوماسية التي اكتسبتها من نضالها الطويل جعلت من نفسها قوة فاعلة إلى خلق شبكة علاقات إقليمية ودولية، والقدرة الكبيرة على التعامل مع كافة السياسات الدولية.
ندرك أن الشعب الكوردي في أجزائه كافة يقع تحت ضغط هذه المتغيرات الجارية، وبتأثيراتها المتعددة، كما تقع القضية الكوردية في مهب الإقصاء والاستبداد في ظل أنظمة شمولية لا تؤمن بالآخر، ولا بالعيش المشترك، ولا تؤمن حتى بتطبيق دستوره نتيجة العقلية العنصرية، في حين يقف الشعب الكوردي منقسماً فكرياً وسياسياً إزاء ذلك، بين من يريد أخوة الشعوب، وبين من يؤمن أنه لا بد من إقامة دولة كوردستان المنتظر.
الخوف من تكرار المظلمة الكوردية
يتجدّد تاريخ الشعب الكوردي الذي تجبر جغرافيته من إدخاله في حالة فوضى قائمة بمختلف تداخلاتها، ويمثل المشهد الكوردي الحالي من أشكال الفوضى التي عانتها على مدى تاريخه الطويل، لكننا نشهد هذه الفوضى بهذه الصورة كما شهده الكورد في ظل التحولات السياسية والعسكرية التي حصلت إبان الحرب العالمية الأولى، بذلك فهي لحظات تاريخية حاسمة إن تمكنَّا من الاستعداد والقدرة على التفاعل مع المفاعيل الدولية سياسيًا لا تلبث أن تشهد تغيُّرات كبيرة ومفاجئة للانتقال إلى مربعات مختلفة تقود إلى حالة جديدة من التوازن السياسي والاستقرار، عندها ستتغيّر معادلات السياسات الإقليمية والدولية شكلاً ومضموناً.
علينا أن ندرك ما تفعله السياسة التركية والإيرانية، وألا نكرر ذاك الخطأ عندما استغلت تركيا الفراغ الكوردي، وكسبت أرضًا إضافية بضمّ أرض الكورد إليها، وأن تكون القوى الكوردية يقظة وعلى دراية بالمشهد السياسي الإقليمي والدولي، والقدرة على التعامل والتفاعل وعدم إفراغ الساحة للسياسة التركية والإيرانية لضرب طموحات الشعب الكوردي.
خلق استراتيجية كوردية وترجيح ميزان حلمه
إنّ بنية العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط تشهدُ اليوم تحوّلات عميقة، وكلّ طرف يتحرّك وفق ما تملي عليه مصالحه، والشعب الكوردي له العديد من عوامل التأثير في المعادلات الدولية، من الموقع الاستراتيجي والتي تدفع بالدول إلى امتلاكها لترجيح ميزان قوتها، وكذلك الموارد المائية والبشرية والتي لها دور كبير في خلق حالة قوة على الساحة الشرق أوسطية إضافة إلى غنى أراضيه بالثروات من النفط والغاز، كل ذلك تعطي نقاط قوة للكورد
نحتاج إيجاد استراتيجية كوردية قوية، وإقليم كوردستان له إمكانات لتخلق تلك الاستراتيجية، ما يحتاجه هو الالتفاف حوله والدعم لتوحيد الهدف والموقف الكوردي، عندها يستطيع الشعب الكوردي فرض ثقله في الموازين السياسية الدولية وطرح قضيته وتحقيق حلمه بدولة كوردستان المستقلة.
التعليقات مغلقة.