المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الحلم الكوردي بين متاهات لوزان ودهاليز السياسة الدولية..

552

عزالدين ملا

يبادر إلى أذهان الكورد، وخاصة في هذه الفترة، ونحن تخطينا المئة عام من أقسى معاهدة تعرض لها الكورد، ونالوا خلالها مختلف صنوف التهميش والإقصاء من جهة، والظلم والاضطهاد من جهة أخرى. لن أدخل في تفاصيل تلك المعاهدة والتي أزيلت كل ما يتعلق ببنود اتفاقية سيفر الخاص بالكورد. ما يراودني هنا، السؤال التالي، لماذا نحن الكورد عن دون بقية الشعوب والقوميات نتحسر على ما حدث في معاهدة لوزان؟ ولماذا لم نحصل على أن نكون ضمن دولة كـ باقي الشعوب؟.

 

السياسة شيء والعاطفة شيء آخر

بالعودة مئة عام إلى الوراء، إلى الفترة التي سبقت معاهدة سيفر، ومن ثمّ إلى الأشهر الفاصلة بين معاهدة سيفر ومعاهدة لوزان، ونحلل ما حدث في تلك التواقيت ونفهم ما جرى فيها وخلالها، لكي نصل إلى سبب عدم وجود دولة كوردستان.

ان ما حصل ويحصل ليس هكذا صدفة تحدث، بل هناك عوامل متعددة داخلية كوردية ومحلية بين الكورد والمكونات الأخرى وعوامل اقليمية ودولية، ان جملة عوامل حددت مصير الكورد خلال المئة السنة الماضية وقد تحدد مصيرهم لمرحلة قادمة إن لم نتخطّ تلك العوامل بذكاء وحنكة سياسية، وليس الضرب على وتر عاطفة الضمير العالمي، فالسياسة شيء والعاطفة شيء آخر، عند السياسة لا يمكن للضمير ان يتحرك، لأنه في هذه الحالة الذي يتحرك هو تشابك المصالح والنفوذ على قاعدة المقايضة والتقايض.

والسؤال الآخر الذي يردده الكورد، هل كانت الدول الكبرى بدون وجود هذه الحلقات الناقصة تستطيع التحكم والتدخل والضغط على انظمة الدول المستحدثة بعد الحدود السياسية التي احدثتها معاهدة لوزان واتفاقية سايكس بيكو في منطقة الشرق الأوسط؟

 

استغلال العاطفة الدينية الكوردية لتمرير المآرب الخبيثة

من العامل الداخلي للكورد، أنهم لم يكونوا قد نضجوا سياسيًا، بل كانت العاطفة الدينية هي التي طغت على المنحى العام لمسيرة الشعب الكوردي وخاصة قادة الكورد الذين كانوا في أغلبهم شيوخ وعلماء دين، هذه ليست بمشكلة (فالدين الإسلامي محل عزّ ومفخرة الكورد )، ولكن المشكلة الرئيسية أن جميع قادات الكورد آنذاك وقفوا إلى جانب الإمبراطورية العثمانية نتيجة الروابط الدين الإسلامي ووقفوا موقف العداء ضد الحلفاء (الإنكليز والفرنسيين)، في وقت كانت قادة الشعوب والقوميات الأخرى كـ الشعب العربي مثلاً وقفوا إلى جانب الإنكليز ضد العثمانيين، وهذا كان عامل مهم من العوامل الأخرى التي نحن بصدد الحديث عنها، جعل من راسمي وجه الشرق الأوسط الجديد مَنْ في غرف القرار لدول الحلفاء أن يحسبوا ألف حساب قبل أن يتخذوا أي قرار بحق تأسيس دولة للشعب الكوردي. طبعًا كل ذلك ليس فقط أن الشعب الكوردي متمسك بشكل كبير بعاطفته الدينية الإسلامية السمحة، وهذه الصفة معروفة   ولكن ما غُرِروا به هو من كان يدق على وتر العاطفة الدينية واستغلال تمسك الكورد بدينهم الإسلامي لتمرير مآربهم الخبيثة وهم السلطنة العثمانية أولاً ومن ثمَّ الحركة الكمالية ثانياً، الذين استغلوا الكورد لتحقيق غاياتهم من جهة، وجعل الكورد يظنون أن محاربة الإنكليز والفرنسيين هو محاربة الكفار، كما ظنوا انهم هكذا سيحققون الإخوة مع العثمانية والترك من جهة ومع العرب والفرس من جهة أخرى، وأنهم سيوفون بالمقابل للكورد بعض جمائلهم، هذا التمرّد العاطفي أحدث عداوة بين الحلفاء والكورد، ممّا خلق في ما بعد حالة كوردية جديدة في أن العاطفة والقوة ليسا فقط عوامل تأسيس دولة، بل أن اساليب السياسة واللعب في دهاليزها وتمرير المصالح وربطها مع مصالح الدول الكبرى عامل مهم ورئيسي لتحقيق حلمهم في حق تقرير المصير، ولكن للأسف بعد فوات الأوان.

 

فرض حلقة ناقصة لغاية الضغط والابتزاز والمقايضة

العامل الجغرافي والبشري، الوجود الكوردي في بقعة جغرافية وبشرية مهمة من حيث الموقع والثروات والقوة البشرية. فالجغرافيا الملعونة التي يعيش عليها الكورد أسال لعاب الإمبراطوريات ودولًا قديمًا وحديثًا، فالموقع الجيواستراتيجي للشعب الكوردي جعل من أراضيه مرتعًا للحروب والمؤامرات بين القوى الكبرى منذ فجر التاريخ وحتى الوقت الحالي ومازالت حياكة والمؤامرات والدسائس مستمرّة فوق أرض كوردستان. وفي هذه الحالة لا يفوّت القوى الكبرى أيّ ثغرة يمكن الاستفادة منها لبسط هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط، وعند تأسيس دولا جديدة (تركيا، إيران، العراق، سوريا)، فرضت حلقة ناقصة مشتركة بين تلك الدول للإبقاء على نقطة خلل يمكن من خلالها الضغط والمناورة والمقايضة، فكانت تلك الحلقة الناقصة هم الشعب الكوردي وأرضهم كوردستان، قسمت وطنهم بين تلك الدول.

لو كانت دولة كوردستان مُشكَّلة في معاهدة لوزان، ستكون الحلقات كاملة، ولن يظهر هناك مشاكل مستقبلية، ولن تستطيع القوى الكبرى من التدخّل والتحكم بمصير تلك الدول، لذلك ومنذ ذاك التاريخ وأصبح الكورد مصدر قلق لدى الأنظمة المستحدثة والغاصبة لأرض كوردستان، وأداة يمكن من خلالها تحكم القوى الكبرى وابتزاز تلك الدول ومعظم أنظمة دول الشرق الأوسط.

 

النضال الكوردي تحوّل من المضمون الكوردي إلى العيش المشترك

صحيح أن هناك ثورات كوردية كثيرة حصلت قبل، وبعد معاهدة لوزان، ولكن كانت أهداف تلك الثورات أهدافها مختلف إذا ما قارنّا بين قبل وبعد لوزان، قبلها كانت الثورات في معظمها مع القوميات الأخرى من الترك والعرب ضد دول الحلفاء والنابع من الرابط الديني والجيرة، وهذه كانت القشة الذي قسمت ظهر الكورد، أما بعد معاهدة لوزان اختلفت اهداف الثورات، حيث ناضلت حسب خصوصية كل جزء. في سوريا، كانت الثورات قاداتها كوردًا من صالح العلي وابراهيم هنانو ولكن كانت غاية تلك الثورات ليست لأهداف كوردية بل دفاعا عن الأرض السورية ضد الفرنسيين، وكذلك الحال في باقي أجزاء كوردستان، لذلك خرج النضال الكوردي من مضمونها الكوردي إلى مضمون آخر وهو العيش المشترك، وهذا لم يكن بغريب عن الكورد، ولكن الذي تغيّر الظروف والغايات والأهداف، والكورد كانوا دائما في مؤخرة التطور السياسي ومازالوا.

المتنفس الوحيد الذي أعاد الحياة إلى الروح الكوردية هو الكيان الكوردي الذي بَصرَ النور وخرج من تحت الرماد، إقليم كوردستان مبعث الأمل الكوردي، ولحق بركب السياسة الدولية، وخلق لنفسه رقمًا صعبًا في المعادلة المحلية والإقليمية والدولية، كل ذلك بفضل الحنكة والحكمة والدبلوماسية التي تمتعت بها الشخصية البارزانية من الملا مصطفى البارزاني ومروراً بـ الزعيم مسعود البارزاني ووصولًا إلى الجيل الشباب الحالي، نيجيرفان البارزاني ومسرور البارزاني.

 

كلمة لابد منها

بعد أن تخطينا المئة سنة من أبشع معاهدة عرفها التاريخ الكوردي، ماذا لدينا نحن الكورد؟ ماذا نستطيع أن نفعل؟ وهل الدول الكبرى سترأف بالوضع الكوردي نتيجة هذه المعاهدة؟

كل هذه الأسئلة يطرحها الكورد في أجزاء كوردستان الأربعة، وهل سنشهد الحلم الكوردي في قيام دولة كوردستان المستقلة؟

ما إن حلّلنا الحالة الكوردية والاضطراب الداخلي الكوردي، والتشتت في الموقف والهدف، وما رأيناه في التجمع الكوردي الذي حصل في مدينة لوزان السويسرية بمناسبة ذكرى مئوية معاهدة لوزان، العشرات من الأعلام الذي يعطي انطباعا سلبيا هذا أولا، وثانيا المطالبات المختلفة في الموقف والهدف على المصير الكوردي، وكأننا بمطالباتنا ندعم بنود معاهدة لوزان، عندما يخصص لكل جزء مطلبه وموقفه وهدفه.

للنهوض خطوة بخطوة نحو الأمام هو الحفاظ على المكسب الكوردي في الجزء الجنوبي لكوردستان، ودعم حكومة إقليم كوردستان وتحقيق التوازن بين المطالب الكوردية في الأجزاء الأخرى مع مطالب حكومة إقليم كوردستان والمرجع الكوردي الزعيم مسعود البارزاني،   للدفع بقوة في سياسة إقليم كوردستان في المعادلة إقليمية والدولية.

(المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع )

التعليقات مغلقة.