الشرق الأوسط منذ القدم كان مهداً للديانات والحضارات حيث وصل إلى القمة في الكثير من المجالات العلمية والعملية، وأيضاً كان ساحة لصراعات على مر التاريخ البشري حيث تعاقب عليه شعوب كثيرة من كورد وسريان والأشور والعرب والفرس والروم والمغول والاتراك وغيرهم , وكذلك حروب الصليبية , وأخيراً حقبة الاستعمار الأوربي ، حيث قسمت المنطقة نهاية المطاف على أيديهم أثناء اتفاقية “سايكس بيكو” وتقسيم كوردستان والمنطقة عموماً وظهرت بعد الاتفاقية دولاً وحدوداً سياسية جديدة، حيث تشكلت دول الخليج وسوريا وتم فصل لبنان برعاية فرنسية والأردن برعاية انكليزية .
هذه الأحداث غيرت من شكل المنطقة ككل، الحدود الحالية ضمنت حدود شعوب و حاصرت وأضطهدت شعوباً أخرى كالكورد ضمن أربع رقع جغرافية تابعة لدول يحكمها سياسية الحديد والنار، هنا لا مجال لتوضيح هذه الأحداث لأنها لم تعد مخفية عن من يريد البحث عن الحقيقة وتاريخ الشرق، وفي ظل المجازر وأحداث تطهير وصهر الكورد وأبعادهم عن كورديتهم تعرضوا للكثير من الاتهامات وتقليل من شأنهم علماً أنهم أصحاب الأرض التاريخيين وأستوطنوا فيها قبل شعوب التي هاجرت حديثاً من مناطقهم الأصلية .
وجرى الكثير من عمليات التحريف في المنطقة بحق من استقبلهم وأكرمهم، وفي أوج قوتهم حرفوا التاريخ والثقافة بشتى الوسائل، كنسب العظماء والعلماء والقادة لشعوبهم كأبن خلدون وابن سينا والفارابي وغيرهم وحاربوا لغات وثقافات الشعوب الأصليين وفي الكثير من الأحيان كانوا ينسبون الشعب بأكمله لأنفسهم على المثال في تركيا تم تسمية الكورد بأتراك الجبال وفي إيران بالبدو الفرس وفي السورية بالغجر والقرباط وبالمهاجري تركيا العثمانية .
هذه العنصرية الزائدة والجرائم والسياسات التي تم ممارستها على الكورد والشعوب التي تقبع تحت نيران رحمة تلك الأنظمة أثرت بشكل سلبي على شعوبهم والذي بدورهم يقلدون أنظمتهم في كل شي لسبب هو أننا نمارس العبادة للشخصيات والأنظمة، وبعيدون جداً عن شعارات التي تم تبنيها في الظاهر والباطن .
وبالعودة إلى التاريخ قليلاً، حتى وأن كنا مهاجرين وبدواَ، فنحن هاجرنا قبل العرب والأتراك إلى المنطقة، حيث سرد حوادث التاريخية واضح جداً، وكذلك الآثار التاريخية الحثية والميتانية الهورية في “عفرين” وحدها شاهدة وآثار واشوكاني (رأس العين) وكذلك أتفاقية قادش والتي تعتبر أول معاهدة للسلام مكتوبة في التاريخ والتي تم التوقيع عليها بين الحثيين والفراعنة، والكثير من الأدلة والشواهد تثبت أن أجداد الكورد هم أوائل من أستوطنوا المنطقة .
بأختصار الخطاب الطائفي لبعض الشوفينيين يقابله خطاب طائفي، وعلى العكس أيضاً، مواجهة التاريخ الحقيقي بالشتائم والتقليل من شأن الشعوب لن يؤدي إلى الحل السليم بل بإيجاد حلول تنقذ ما تبقى من حضارة هذه المنطقة العريقة، وعلى العكس من الواجب أحترام حقوق الشعوب والمحافظة على أرثها التاريخي والثقافي وحقهم في تقرير مصيرهم كيفما يريدون، لأن الظلم والاستبداد ومحاربة الأخر لم يجر المنطقة سوى إلى الدمار والخراب والحروب .
حسن كله خيري
التعليقات مغلقة.