لاشك أن دور المصالح الاقتصادية والأجندات السياسية للقوى الدولية والإقليمية في الأزمة السورية هو المحرك الأول منذ البداية نحو الحل السياسي لهذه الأزمة ، إلا أن المثير للقلق هو طغيان هذه المصالح على المشهد السياسي بشكل مباشر في هذه المرحلة ، سواء لجهة التدخلات العسكرية ومن ثم توزيع مناطق النفوذ أو الصراع والمنافسة على المفاصل الأساسية للأراضي السورية بما هي منابع النفط أو المواقع الاستراتيجية في هذا البلد ، وخصوصا بين كل من الدول المسماة الضامنة ( روسيا ، إيران ، تركيا ) من جهة والتحالف الدولي بقيادة أمريكا من جهة أخرى ، فالدول الضامنة عززت تواجدها في سوريا من خلال لقاءات ومحافل استانا ، وتمادت لتجعل منها بديلا عن المحافل الدولية ولاسيما مؤتمرات جنيف متجاوزة بذلك قرارات هيئة الأمم المتحدة 2254 وغيرها من القرارات ذات الصلة ، لاسيما وأن روسيا تسعى وبالتنسيق مع النظام السوري وحلفائها نحو الالتفاف على جنيف بالشروع في تقديم الحلول لهذه الأزمة من طرف واحد وذلك عبر عقد لقاءات بين النظام وأطراف سورية أخرى تحت مسمى الحوار الوطني أو المصالحة الوطنية وآخرها مساعيها نحو عقد مؤتمر واسع في مدينة سوتشي الروسية على ساحل البحر الأسود وحدد موعد انعقاده وتسربت لائحة المدعوين ، وتم تأجيله على أمل إعادة الترتيب للمدعوين من جهة والبحث عن شركاء دوليين لتحقيق غطاء دولي أوسع لهذا المؤتمر ، وأمريكا من جانبها تشرع في بناء مجالس محلية على مستوى سوريا تكون القاعدة لتشكيل مجالس أخرى ترتبط بالنهاية مع العاصمة دمشق وقد تفضي إلى كيانات إقليمية ذات طابع حكم ذاتي أو بمثابة أقاليم فيدرالية ، ومن المتوقع تحقيق توافق بين المشروعين عبر حوارات ولقاءات بين الطرفين ، والبدء بالعمل بعيد الانتهاء من داعش ، وقد تشترط أمريكا أن يكون هذا التوافق عبر جنيف8 الذي يتم الإعداد له ..
أما تركيا وإيران رغم تدخلهما السافر في الشأن السوري إلا أن كل منها تعاني من أزمات حادة سواء في داخلها أو بسبب المواقف الدولية حيال تدخلاتهما الإقليمية ، فتركيا تعاني من استفحال وضعها الداخلي نتيجة تنامي المعارضة الداخلية وظهور بوادر انقسام حتى داخل الحزب الحاكم ( العدالة والتنمية ) إضافة إلى تراجع الخط البياني للتنمية الاقتصادية مع هبوط ملاحظ لقيمة الوحدة النقدية التركية أمام العملات الصعبة ، وإيران هي الأخرى أمام صعوبات جمة داخلية وخارجية ، ففي الداخل الإيراني يشهد النظام صراعا بين القائمين على السلطة ومنافسيهم من أنصار كروبي وموسوي ، هذا إلى جانب تنامي المعارضة السياسية ( مجاهدي خلق ) والدعم الدولي لها تجلى ذلك في المؤتمر الأخير لهذا الحزب الذي انعقد في باريس ، وكذلك النهوض المضطرد للمكونات القومية الأخرى من كرد وعرب أحواز وآذريين وغيرهم ، ثم أن الوضع المعيشي يزداد ترديا إلى دون خط الفقر مع تردي الوضع الاقتصادي الذي يقترب من الهاوية ، هذا ناهيك عن التصعيد الحاد بينها وبين أمريكا بسبب دورها الرئيسي في استفحال أزمات المنطقة بتدخلها السافر في الشؤون الداخلية لعدد من الدول ( العراق ، سوريا ، اليمن ، لبنان ، قطر ..الخ ) واعتبارها إحدى أهم الدول المصدرة للإرهاب ، وظهرت بوادر هذا التصعيد من خلال إدراج الملف النووي الإيراني وملف العقوبات الاقتصادية من جديد مع إضافة ملف تنشيط الصواريخ البالستية ، ما ينذر باحتمالات مخاطر قد تصل إلى مستوى مواجهات لا يحمد عقباها ..
وعلى صعيد العراق وكوردستان ، معلوم ما يعانيه العراق من تفكك داخلي بسبب الخلافات المذهبية والطائفية والسياسية وانقسام غير معلن حتى في حزب الدعوة بين المالكي وعبادي ، ناهيك عن هيمنة إيران على مقدراته من خلال سيطرة قاسم سليماني على قراراته ، ما جعله دولة فاشلة فاقدة لسيادتها بكل المعايير لاسيما بعد انتشار الميليشيات الإيرانية أو المدعومة من إيران ( عصائب أهل الحق وفصائل النجباء كروافد للحشد الشعبي ..الخ ) هذا إلى جانب التسيب الشديد في عموم مفاصل الحكومة والإدارة واستشراء الفساد المالي من رشاوى واختلاس أموال الدولة أو انفاقها في المعارك والحروب الأهلية والقضايا الأخرى التي لا تخدم العراق ومستقبله بل تخدم الأجندات الخاصة المتعلقة بالصراعات الداخلية المذهبية منها والسياسية والصراع على السلطة مع دنو الانتخابات البرلمانية ، كل ذلك على حساب الشعب العراقي ومآسيه ، وكذلك انعكاساته السلبية على شعب كوردستان لدرجة حجب الموازنة المالية عنه ، وانتهاك الدستور على مستوى العراق عموما وحيال شعب كوردستان خصوصا ، ومع تراكم السلبيات من الجانب العراقي لم ير شعب كوردستان بدا من ممارسة حقه في تقرير مصيره بنفسه عبر الإعلان عن الاستفتاء العام ( rifrandom ) للاستقلال عن العراق ذلك ما جرى في 25 / 9 / 2017 ، والذي اتخذته حكومة العراق ذريعة في حبك الدسيسة مع كل من إيران وتركيا وبتواطؤ طرف كوردي حيال كوردستان وشعبها ، وما كان ليحصل ما حصل لولا ذاك التواطؤ الغادر عبر الصمت الدولي ولا حتى ميليشيات الحشد الشعبي والقوات العراقية كانت تتجرأ في الإقدام على معاقل بيشمركة الباسلة ، ورغم ذلك فقد تمكن هذا الشعب بقواه السياسية وقياداته وعلى رأسها القائد المناضل مسعود بارزاني من إرساء حجر الأساس لدولة كوردستان المستقلة وإعلانها متى ما سنحت الفرصة المناسبة ، لأن الاستقلال غدا خيارا استراتيجيا لعموم شعب كوردستان بكل مكوناته وانتماءاته القومية والدينية ، والجدير ذكره أن مواقف بعض الدول الصديقة – وبعد صمت مريب – بدأت تتبدل لصالح كوردستان وشعبها ما يشير إلى بوادر إيجابية في هذا الشأن ، الأمر الذي حفز شعب كوردستان للمزيد من التمسك بخيار حقه في تقرير مصيره بنفسه والشروع بترتيب البيت الداخلي وتعزيز القدرات الدفاعية للبيشمركة الباسلة ..
وفيما يتعلق بكوردستان سوريا ، لازال حزب الاتحاد الديمقراطي ( p.y.d ) مستمر في سياساته المتعارضة مع تطلعات شعبنا الكوردي وأمانيه القومية المشروعة ، ومازال ماضيا في ممارساته المناوئة للمجلس الوطني الكوردي ، حيث مكاتب ومقرات المجلس وأحزابه لا تزال مغلقة والعراقيل والعقبات التي تثيرها في طريق أعمال المجلس وأحزابه ونشاطاته مستمرة ، مع اشتداد وتيرة الاختطاف لقيادات وكوادر أحزابه في تزايد دائم فضلا عن بقاء عدد منهم في الزنازين بعد مرات عديدة من الاختطاف ولآماد طويلة ، وهكذا بالنسبة لملاحقة الشباب بغية إخضاعهم للتجنيد الإجباري ، ما نتج عن ذلك هروب وتهجير الآلاف منهم إلى خارج البلاد في تهديد لتغيير الطبيعة الديمغرافية لمناطقنا لصالح المكونات الأخرى ، ولعل آخر ممارساته المشينة هو منع مسلحيه من عقد المؤتمر الوطني الرابع للمجلس يوم 7 / 11 / 2017 وبأسلوب تهديدي همجي مليء بالشتائم والتخوين ، كل ذلك وغيرها من السياسات المقيتة حيال شعبنا الكوردي في وقت تعلو فيها أصوات الجماهير وقواها السياسية مناشدة وحدة الصف الكوردي ووحدة موقفه السياسي وخصوصا في مثل هذه الظروف الهامة والدقيقة التي تمر بها البلاد ..
أما المجلس الوطني الكوردي وكما هو معلوم ، ورغم العراقيل والعقبات التي اعترضته ورغم العديد من نواقصه ، إلا أنه ظل مواظبا ما أمكن على عمله ونشاطاته في الداخل والخارج ، ولم تثنه المضايقات عن الاعتصامات والمظاهرات ، وهكذا لم يدخر المجلس وسعا في اللقاءات والمحافل الدولية ذات العلاقة بشأن حل الأزمة السورية بما هي جنيف ورياض واستانا وغيرها ، وفي التواصل مع العديد من الدول الصديقة سواء بشكل مباشر أو من خلال سفاراتها وقنصلياتها ، وذلك عبر لجنة العلاقات الخارجية والوطنية أو من خلال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ، وفي هذا السياق شرع المجلس إلى الانفتاح على معظم أطر المعارضة الوطنية الأخرى بالإضافة إلى تعزيز العلاقة مع الأطراف والشخصيات المناصرة لقضية شعبنا ، والوقوف بحزم حيال من يناوئ هذه القضية سواء داخل الائتلاف أو خارجه ، وعليه فإن المجلس مازال عازم على الاستمرار في العمل جنبا إلى جنب قوى المعارضة الوطنية نحو الحل السياسي المنشود الذي يضمن بناء سوريا دولة اتحادية برلمانية ذات نظام ديمقراطي يتمتع في ظلها المكونات السورية كافة بحقوقها القومية والوطنية ، ويتمتع شعبنا الكوردي بإقليم فيدرالي يحقق طموحاته في غد أفضل .
المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا 10 / 11 / 2017
التعليقات مغلقة.