حجي بلال كاريزما كوبانية، ورمز للنضال والنزاهة
بحث وتوثيق: إدريس سالم
إن تاريخ الحركة السياسية الكوردية في غربي كوردستان، الذي أصبح من حصة النظام السوري وأدواته وحلفائه بموجب تَرِكة سايكس – بيكو حافل بقامات نضالية ثائرة، وشخصيات قومية واجتماعية، التي تركت بصمات كبيرة وجوهرية في تاريخ تلك الحركة، وأحدثت تغييراً في الثقافة الاجتماعية ووعيها من سُبات الجهل والأمية والقمع المُمنهج، وأفنت حياتها في خدمة القضية والشعب الكوردي، كخليل جول بك وعثمان مصطفى زيتو وفندي فندي وعبد القادر قطوان ومصطفى بكر أبو بروسك وعبدي نعسان وعڤدي جمّو وحسين حبش.. والقائمة تطول، ومستمرة حتى اليوم، وفي المستقبل.
عند العودة إلى التاريخ السياسي والنضالي في ذاكرة مدينة كوباني المخضرّة بالطاقات والقامات، والتحدّث عن النضالات السياسية والاعتقالات التعسفية والتعذيب النفسي قبل الجسدي في الأيام العصيبة «النظام القمعي في دمشق»، لا بد من تذكّر – بشكل مباشر – الشخصية الوطنية الكوردية المحبوبة بكل قوة لدى الكبار والصغار، والمعروفة في الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية والتعليمية، وحتى من قبل الطلبة الجامعيين باسم «خالو»، إنه المناضل حجي بلال، الذي يستحق أن يتصف بلقب «المناضل العنيد»، وأن يُكتب عنه رواية باسمه واسم المناضلين الذين عملوا معه بكل صدق وشجاعة وإخلاص.
ولادته، وتعليمه:
حجي بلال، أو كما يسمّونه «خالو» متزوج، له ثمانية أولاد (ثلاثة شباب، خمسة شابات)، ولد في الأربعينيات من القرن الماضي، تحديداً بين عامي (1943 – 1945) في قرية تل شعير الواقعة غربي المدينة، حيث لم يكن يعرف تاريخ ولادته الصحيح، إلا أن والده بلال قَرَكيجي أخبره بأنه ولد بين هذين العامين، من عشيرة (قَرَكيجان)، درس حتى الصف التاسع في مدارس المدينة، ولم ينل الشهادة الإعدادية، لرسوبه في مادة اللغة العربية، باعتبارها مادة مرسّبة، وليست لغته الأم.
عمله:
اضطر للعمل، فعمل مع حِرَفي أرمني، وتقاضى منه شهرياً 100 ليرة سورية، وبعد أن تعلم منه حرفة اللبادة، فتح ورشة صغيرة في حارة النجّارين في الطرف الشمالي من المدينة، فعمل فيها لبّاداً أو لبابيدياً، أتقن عمله وأبدع فيه وتفنّن، «اللبادة هي من الحِرَف التقليدية المتوارثة عبر الأجيال، والتي انقرضت، بسبب ازدهار الصناعة الحديثة. موادها الأولية كانت صوف الأغنام أو شعر الماعز»، عمل في هذه الحرفة حتى 1972، وبعدها ترك العمل فيها لمدة ثلاث سنوات، ثم عاد إليها ثانية عام 1976، فعمل حتى عام 1980، ليستلم من بعده ابنه الأكبر (عبدو) إدارة العمل وشؤونه، في عام 1973 فتح دكاناً مع محمود حوران شريكه المعروف في المدينة كبائع للألبان والأجبان، وفي عام 1988 فتح دكّاناً للمواد الغذائية في الشارع الرئيسي جانب عيادة الطبيب محمود مسلم، وفي عام 1994 نقل دكّانه «الحانوت أو المتجر» إلى جانب بيته، وما زال قائماً على رأس عمله حتى هذه اللحظة من توثيق هذا البحث التوثيقي المفصّل عن حياته وشخصيته ودوره في النضال السياسي.
دوره في الحياة الاجتماعية:
كان ضد الفكر والتعصّب والجهل العشائري وعاداته السلبية، فلم يسبق أن زار مضافات العشائر الكبيرة، ومدح رؤساءها الكبار أو اختلط معهم أو طلب منهم تبرّعات مادية لخزينة الحزب، ووقف في وجه إغراءات النظام السوري وتقديمه عدة مرات مساعدات له «مع أنه كان بأمسّ الحاجة إليها، نتيجة وضعه المادي السيء»، إلا أنه رفضها وبشدّة، لأنه يعلم الدوافع الدنيئة والحقيرة التي ستنتج عنها لاحقاً، والتي ستسيء إليه، وتفقد شعبيته، لتؤثر بقضيته، خاصة وأنه اختبر نظام مجرماً مستبداً عنصرياً.
من مجمل الحديث المهم والشيق الذي جرى بيني وبين صديقه في الحياة اليومية والاجتماعية والسياسية المهندس والسياسي (مصطفى عبدو) من أهالي مدينة عفرين، فقد قال لي قصة تعبّر عن صدقية النضال وقدسية الهدف الذي كان يكافح من أجله المناضل حجي بلال، ولعلّها دليل كبير على أنه كان مثالاً للتضحية والنضال، وقومياً كالبارزانيين أو ربّما أكثر منهم، فيقول: «هو لم يكن أسداً ولا فارساً، بل كان جبلاً شامخاً مرفوع الرأس والجبين، وكان حاضراً في المكان والزمان المناسبين. يجوب كل المدينة وقراها، ليجمع التبرّعات والمستحقات التي تترتّب على رفاقه في الحزب، والمعونات من المتضامنين المخلصين مع القضية الكوردية. ينام ليلاً على خشبة المسرح التي يعدّونها في جبل مشته نور، ويحرس ما عليها من أدوات وعدّة إقامة احتفالية نوروز القومية. كان آخر مَن يغادر مكان المسرح»، لعلّ هنا تكمن شجاعة هذه الشخصية وعدم خوفها من أي شيء، لأنه ببساطة يستطيع النظام الديكتاتوري بمساعدة أفرعه المستبدة والمفسدة وأعوانه الخائنين في المدينة اغتياله أو نفيه بكل سهولة، ودون أن يعلم أحد بذلك.
بداية نشاطه السياسي:
لقد تابع نشاطات الحركة الكوردية في غربي كوردستان وآمن بها بشدة وعزيمة، حيث كان في الخدمة الإلزامية، ولم يكن يستطيع التقدّم للانتساب في صفوف التنظيمات السياسية، لأنها لم تكن تقبل طلبات العسكريين والذين يعملون في الدوائر العسكرية، موضحاً أن طلبات الانتساب الحزبي لم تكن تُقبل مباشرة، وأن الأحزاب كانوا يعتبرون المُنتسب مؤيّداً، ويُخضع لاختبارات ثقافية سياسية أخلاقية، للتأكد من شخصيته وأفكاره، وبعد ستة أشهر كان يخضع لفحص القبول.
كان مؤيداً للفكر اليساري في الستينيات، بانتمائيه الانتماء القومي الطبقي والانتماء وطني، فانتسب في شهر كانون الثاني من عام 1971 – بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية – إلى صفوف الحزب اليساري الكوردي في سوريا بقيادة صلاح بدر الدين، ومعه آنذاك رفيقاه حسين حبش ونعسو جمو.
كان شاهداً على الانشقاقات الحزبية، فهو يوضّح: “الانشقاق الأول في الحركة الكوردية كان عام 1965 «الحركة الكوردية في غربي كوردستان تأثرت بانشقاق البارتي في جنوب كوردستان عام 1960، ومن هنا انطلقت ظاهرة الانشقاقات»، أنا شخصياً لستُ مع الانشقاقات مهما كانت أسبابها وأهدافها، ومن خلال متابعتي وعملي فإن الأحزاب المنشقّة لم تقدّم أية خطوة جديدة وإيجابية عن الحركة الكوردية الأم ونشاطاتها، فالانشقاق الأول حصل في حزب اليسار عندما انشق عصمت فتح الله «تحوّل اليسار إلى قسمين، يمين ويسار»، وقد بقيت مع الحزب الأم، فعملت في صفوف الحزب حتى عام 1980، حيث عُقد المؤتمر الخامس وتمّ تغيير اسم الحزب إلى اتحاد الشعب الكوردي في سوريا، واستلم أمانته العامة صلاح بدر الدين”.
ويضيف: “وفي عام 1992 حدث انشقاق آخر، وبقيت مع حزب الاتحاد، وفي عام 2005 توحّد حزب الاتحاد الشعبي مع حزب اليسار جناح خير الدين مراد، فانعقد عام 2006 مؤتمر توحيدي بخصوص ذلك، وأعلن بموجبه عن ولادة حزب آزادي الكوردي في سوريا. وهنا أودّ الذكر بأن أغلب الانشقاقات وليست كلها كانت لأسباب شخصية بحتة. وفي عام 2014 حدثت خطوة وحدوية هامة بين أربعة أحزاب، نتجت عن ولادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا، وكنت معهم وإلى الآن، ولكن للأسف نتيجة الحرب والهجرة لم نستطع ترجمة مشروعنا على الأرض بالشكل المطلوب”.
خلال مسيرته الحزبية كان دائماً يقف إلى جانب الحزب الأم، ولم يكن مع ظاهرة الانشقاقات، وكان يحاربها ويقف في وجهها «الكاتب والسياسي الكوردي صلاح بدر الدين كان يقول إن كان خالو موجوداً داخل الحزب الأم فالحزب بألف خير»، لمعرفته وإدراكه بأن قوة الحركة الكوردية تكمن في وحدتها لا في تعدّدها، ولو كان يبحث عن المناصب والأضواء والسلطة لقام على صناعة انشقاق ما، أو وقف مع المنشقين، على حدّ تعبيره.
عمل لسنوات طويلة في اللجنة المنطقية لحزب آزادي الكوردي، أقام ندوات سياسية واجتماعية، ونظّم الاجتماعات وأدارها، ، كان متواجداً في كل خيمة لعزاء رفيق أو شهيد أو أي شخص يعرفه، وبعدها لأسباب صحية ولعدم قدرته على القيام بواجبات اللجنة المنطقية بقي عضواً فرعياً، وظلّ يقدم الاستشارات الحكيمة لرفاقه في المنظمة، إذ معظم رفاقه كانوا يعتبرونه مستشاراً حكيماً لمنظمات الحزب في كوباني وعفرين.
تعتبر مرحلة الثمانينات بداية لانتشار وانتعاش الفكر اليساري السياسي الماركسي اللينيني، فعندما عمل حجي بلال في المجال السياسي مع مجموعة من رفاقة أمثال صالح جعفر وفَندي فَندي ومصطفى عتي وروني علي وشاهين أحمد ومحمد عبِه رَش وآخرين، كان النضال الحزبي في كوباني عام 1985 في أوج قوته وصلابته، لدرجة أن الناس والشارع بدؤوا بالاستفسار عن مسؤولي هؤلاء الحزبيين، حيث كان حجي بلال يدير الشباب أفراداً وجماعات وهيئات تنظيمية بكل روح حماسية وإرادة شجاعة، دون أن يحسب حساباً للفروع الأمنية الكثيرة والمنتشرة في حارات المدينة، كالأمن السياسي والعسكري والجوي، إضافة إلى أعوانه من العرب والكورد، فرفع رفاقه في الحزب من شأنه، بجعله عضواً في اللجنة المنطقية في الحزب اليساري الديمقراطي الكوردي بصفة “فخرية“، لمنحه الراحة والوقت، لأن يهتم بعائلته وأولاده وعمله، خاصة وأن دكانه كان مركزاً للعلاقات الاجتماعية والثقافية وحتى الطلابية، وذلك لأن معظم الناس يزورونه في الدكان ويتحاورون معه من تلك النقطة، ليصبح بذلك واجهة الحزب سياسياً واجتماعياً وثقافياً وشبابياً، فكان الجميع يحبونه ويقدرونه ويحترمونه.
موقفه من الشباب:
حقيقة – وقد لامست هذه الحقيقة منه طيلة فترة معرفتي به– كان روحه مفعمة ومولّهة بالشباب المثقف والواعي، لقناعته بأنهم نواة المستقبل، إذ كان يقول للجيل الشاب المتعلّم والمثقف أنه يجب أن يتعلّم منهم ويستفيد ويزيد من ثقافته وخبرته في مجال الكتابة والقراءة واكتساب أكبر قدر ممكن من المعرفة وقدرات التأثير «لأنه لم يكمل دراسته، فكان بحاجة إلى الشباب، ليستفيد منهم ويفيد غيره»، وعلى هذا الجيل أن يتسلّح بالفكر السياسي والوعي القومي والمعرفة والثقافة، وأن يكون ملمّاً بالتاريخ والجغرافية والثقافة الكوردية وفنّها وتراثها، مؤكّداً أن هذا الجيل بحاجة ملحة في الوقت الراهن إلى مدرسة حزبية واقعية سليمة من كل شوائب التحزّب الأعمى والولاءات والأجندات وإغراءاتها، ليكون جاهزاً حاضراً على حمل الهم الكوردي وقضيته، في الزمان والمكان الملائم.
اعتقالاته:
استدعي واستجوب واعتقل مراراً وتكراراً من قبل الفروع الأمنية للنظام السوري، فقد اعتقل مرتين، بسبب مواقفه السياسية الثابتة ونضاله في سبيل قضيته الكوردية، في المرة الأولى اعتقله فرع الأمن العسكري في المدينة، على يد رئيس مفرزة الأمن العسكري المعروف آنذاك باسم (أبو الفِدا)، وفي المرة الثانية اعتقل عام 1993، اعتقل من قبل بلدية المدينة بتهمة تهريب الحليب والدخان، وأن المواد التي يبيعها في الدكان مهرّبة وغير مسعّرة، فيما لاحقاً وأثناء التحقيق في مدينة منبج تبيّن أن التهمة سياسية، وأنه عضو في حزب اتحاد الشعب الكوردي وهو السبب الذي اعتقل من أجله، ورغم التعذيب النفسي والجسدي لم يعترف بأي معلومة صغيرة عن حزبه ورفاقه ونشاطاتهم، وفي كل مرة يتم فيها إطلاق سراحه يزداد قوة وثقة بالنفس ويعود للنضال بكل حماس وإرادة.
مشاركته في انتفاضة قامشلو، والثورة السورية:
كان من أحد الداعمين والمؤيدين للانتفاضة الكوردية التي اشتعلت أولى شراراتها في مدينة قامشلو عام 2004، حيث خرج مع عائلته والأحزاب والمثقفين والجامعيين في مظاهرات رافضة للممارسات الشوفينية التي مارسها النظام بحق مدينة قامشلو، وواصل ولا زال يواصل دعمه للتنظيمات والثورات السلمية، ففي بداية الثورة السورية كان من دعاة الحرية وانتزاع الحقوق الكوردية، وخرج في كل مظاهراتها ومناسباتها، وكان من أشد المطالبين بتوحيد الخطاب السياسي الكوردي، حتى يستطيع السياسيون أن يقدموا شيئاً لشعبهم وقضيتهم، وطالب بأن يكون الكورد معارضة كوردية مستقلة، دون أن ينضموا في إطار المعارضات السورية الأخرى، كالائتلاف وهيئة التنسيق والمجلس الوطني السوري.
موقفه من استفتاء استقلال كوردستان:
لا شكّ أنه تعب وعانى القمع والظلم والاضطهاد لأجل هذا اليوم التاريخي الحقيقي، ففي تواصل معه، عبر الهاتف، تحدثنا عن حياته المهنية وعلاقاته بأصدقائه والشباب، خاصة وأن استقلال كوردستان وتحريرها من محتلّيها كان حلماً يراوده منذ أن دخل عالم السياسة ودوّاماتها، لدى سؤالي عن رأيه وموقفه من استفتاء إقليم كوردستان، فأجابني ببكاء خرج كصرخة قاتلة من أعماق وجدانه وروحه، صرخة بكاءه أحرقت أعصابي «مَن يسمع صرخة بكاءه سيدرك معنى قيمة الظلم والقمع، ولن يستطيع أن يسمع بكاءه مرة أخرى»، شعرت بخوف كبير، فنبّهني أبي أنه يعاني الشيخوخة ومن أزمة قلبية، وأن أتمهّل عليه، أكد بأن هذا الحدث التاريخي كان حلم الجميع، وأنه عندما كان يستمع إلى أغاني كاويس آغا كان يرى كوردستان أمام ناظريه، وقد أوردت كلاماً منسوباً إليه في مقالة كتبتها عن الدول المعارضة لاستفتاء واستقلال كوردستان بعنوان ”عسكرة الكراكوزات لن تحيي جثة سايكس – بيكو“، حيث قال: «بالاستفتاء عرف الكورد أعداءهم وأصدقاءهم، وهو ما سيرسم خارطة العلاقات والتعاونات معهم في المستقبل».
رسالته للحركة السياسية:
وقف ضد بعض مواقف كمال أحمد آغا وعبد الحميد حاج درويش وفؤاد عليكو «المرشحون الثلاث لتمثيل الكورد في البرلمان السوري في التسعينيات»، معتبراً أنهم بتصرفاتهم وسياساتهم غير المتزنة في بعض الأحيان سيحفرون تربة الكورد وقضيتهم، وانتقد الحركة الكوردية التي تناضل اليوم، وفشلها في التوحّد في خطابها السياسي والإعلامي، ولم يتهم القادة والساسة، التي تدير الأحزاب والمنظمات والجبهات بأنها عميلة للنظام السوري، أو تعمل لدى الأجندات الخارجية المعادية للكورد، أو أنها تخون شعبها وقضيتها، على العكس، فيرى أنها تحمل في بعض حالاتها وأفكارها واعتقاداتها مخلّفات الفكر القومي العروبي البعثي العنصري، وأن عليها إما أن تتخلص منها أو تستقيل من مهامها ودورها، وتعطي المجال للأكفأ منها، سواء من الجيل القديم النزيه المتبقي، أو الجيل الشاب الذي تمّ تهميشه في كل مفاصل الحركة الكوردية، لأن القطبين المختلفين المتحاربين أضافا لغربي كوردستان الانقسامات والتشتت والتعصّب وعدم قدرة الناس على تحمل ومساعدة بعضها، بحدّ تعبيره.
قبل أن أختم مقالتي عن توثيق حياة وأهمية هذه الشخصية المميزة والمتواضعة والمليئة بالكاريزما والإنسانية وحبّ الكوردايتي، أرِدْ هنا آراء ومواقف بعض من المثقفين والسياسيين والإعلاميين الكورد، الذين عرفوه في الحياة والنضال السياسي، وعملوا وناضلوا معه في السرّاء والضرّاء:
المهندس مصطفى عبدو:
إنسان نشيط في عمله، صادق، أمين عند الكل ومع الكل، الصديق وحتى المخالف، قومي ووطني، ونبراس في الصف الأول مع أترابه فندي فندي وعبدي نعسان وعڤدي جمّو وحسين حبش، كان فقير المال وغني النضال، لا يخاف وجبل مشتنور في كوباني خير شاهد على بطولته، لم يصبغ شعره وشاربه مثل بقية أترابه، دخل السجون أكثر من مرة وفي كل مرة يخرج بعزيمة قوية، فيتحدّى آلة الظلم بحنكة وحكمة، مناضل عتيد، لا يعرف أماكن الحجّيات مثل بقية الرفاق ووقف ضد هذه الفكرة، لم يتعامل مع الفائدة، فهو أول مَن يحضر ساحات النضال وآخر مَن يذهب إلى الفراش، يفدي بروحه وصدقه للمناضلين الأبطال، صحيح أنه بطيء الحركة لكنه سريع الوصول إلى الأهداف. شريف، كريم، صديق لكل إنسان، قومي وبارزاني بفعله لا بقوله، لا يملّ من العِشرة مع الصغار والكبار والأغنياء والفقراء، هو مدرسة من النضال، وهرم في العمر، وبقي شاباً في الصفوف الأمامية رغماً عن أنف الظروف.
الإعلامي عمر كالو:
يعتبر من أحد الشخصيات الوطنية البارزة من الجيل الأول للحركة السياسية الكوردية في كوباني، وهو أحد الأبطال المخلصين في المرحلة الصعبة للنضال من أجل الحفاظ على الهوية القومية للشعب الكردي في كوردستان سوريا، ويتميز بأخلاق ممتازة في التعامل مع رفاقه والوسط السياسي والمجتمع، و دائماً كان يفصح المجال للجيل الشاب، لكي يتقدم إلى الأمام، وأحياناً كان يقدّمه على نفسه أيضاً، ولم يكن يوماً عائقاً أمام أحد. لم يغرِه لا المناصب ولا المصالح خلال مسيرته النضالية، دائماً كان يرى مصلحته في حبّ وتقدير رفاقه ولا يزال كذلك، وبشخصيته المبدئية كإنسان قبل موقعه ضمن العمل السياسي، كسب ثقة وتقدير الذين يعملون معه، والمجتمع أيضاً.
الحقوقي علي مسلم:
من خلال معرفتي بشخصية المناضل حجي بلال عن كثب، على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، لم ألاحظ أي مؤشر يدل على الانزياح عن الخط القومي الكوردي لديه، بالرغم من تبدل المعطيات على الأرض، بل على العكس تماماً كان يرتقي بمفاهيمه كلما تبدلت المفاهيم على مستوى الثوابت السياسية، وقد أثبت جدارة في التعاطي مع المخاطر والتفاعل مع الفعل النضالي عند المنعطفات.
القيادية نجاح أفندي:
أهم وأول المشجعين لعمل المرأة إلى جانب الرجل سياسياً، وضرورة تنظيمها حزبياً، لكونها نصف المجتمع. وفي 1986 كان أول تنظيم للمرأة في كوباني لحزب اتحاد الشعب الكوردي، وكان «خالو» المسؤول المباشر لتنظيم المرأة، والداعم لدورها في المجتمع، بإقامة الندوات التثقيفية والسياسية لها.
الناشط المدني مصطفى حجي محمد «نجل خالو»:
عندما أتحدّث عنه أشعر بأني لا أحدّث أباً، بل صديقاً مخلصاً حقيقياً. يحبّ التحاور مع الشباب كثيراً، وحتى هذه اللحظة لا زلت أتذكّر كلام أمي وهي تقول له: ”أنت دائماً تمشي مع هؤلاء الشباب!“، فيردّ عليها: ”نعم لست فقط أمشي معهم، بل أرى نفسي من خلالهم، لأنهم مستقبلنا“.
السياسي علاء الدين حمّام:
من خلال تجربتي معه، أدركته أصدق وأنزه إنسان حزبي – رغم ثقافته المحدودة – يمتلك قلباً كله عاطفة وإخلاص لمبادئه الحزبية وقضية شعبه، متواضع جداً، محبوب عامة، لصدقه ونزاهته في التعامل مع كل الناس. وكنت دائماً أردّد بوصفه قول الشاعر الفرزدق:
ما قال لا قـط إلاّ في تشهّـده لولا التشهد لكان لاؤه نعم
الكاتب والإعلامي خليل مستو (زارا مستو):
بالنسبة لنا كان رمزاً معنوياً مخلصاً في المجال السياسي والاجتماعي، فلم يكن خالاً فقط بل كان خالاً وأباً وأخاً، تعلمنا منه التضحية والصبر والتواضع، عمل في السبعينيات رغم معاناته وآلامه من قمع وظلم النظام السوري ووضعه المادي والملاحقات الأمنية، واستطاع أن يستمر حتى هذه الدقيقة ويفرض نفسه على الجميع، كان محل تقدير واحترام الحركة السياسية وأطرافها وحتى من الذين يعادونها، لتاريخه الحافل والمشرّف. وجوده في الحركة الكوردية كان مهماً وضرورياً، حيث كان طاقة إيجابية يرفع من معنوياتنا، ويجعلنا نثق ونؤمن بأنفسنا، نموذجاً يحسّسك بقيمة الصداقة والصدق في العمل الحزبي، لا زال يزور بيوت الشهداء والمنفيين، ويقدم لهم المساعدات.
الكاتب صالح جعفر:
يملك قلباً كوردوارياً بعيداً عن الحزبية، يحب ويتعامل مع الجميع وكأنهم رفاق حزبه، مستعد للتضحية بكل شيء من أجل قضية شعبه، محب من صميم قلبه لرفاق دربه، بيته كان مقراً للحزب والرفاق.
أخيراً وليس آخراً..
يعتبر حجي بلال «خالو» نموذجاً من النماذج النضالية التي لا يمكن تجاهلها، فهو من الأرْعال السابقين في الحركة الكوردية، والإعلام الكوردي أهمله بشكل كبير ومخجل، وقصّر معه ولم يعطِه حقه وحق غيره من المناضلين الأصلاب، فهو رقم صعب في المعادلة السياسية والذاكرة الكوبانية العريقة والأصيلة، معروف بمواقفه ومبادئه الثابتة والعنيدة، يعتبر نفسه دائماً جزءاً أساسياً من المسؤولية ويتحمّل أخطاءه، ولا يضع المسؤولية على عاتق غيره، في حال وجود خطر أو فشل، يبذل قصارى جهده ويضحّي دون أن ينتظر جميلاً من أحد، وضع كل إمكانياته المادية والمعنوية من بيته وعائلته وعمله في سبيل خدمة القضية الكوردية والتنظيمات الحزبية.
وفي قصة فكاهية، لكنها من واقع عطاءات هذه الشخصية، التي وضعت كل إمكانياته المتاحة من جهوده وعمله في حرفة اللبادة ومنزله في خدمة الحزب والوطن وتوعية المجتمع، وعن القصة يقول مصطفى عثمان القيادي في حزب اتحاد الشعب الكوردي: ”اجتمعنا سرّاً في منزل حجي بلال في الثمانينات من القرن الماضي، دخلنا المنزل دون أن يرانا أحد، لا من الخارج ولا من أصحاب البيت، فبينما كنّا مجتمعين في جوّ الحوار والتباحث، إذ أرى بإبريق الشاي والكؤوس تأتينا، فاستغربت في نفسي، عن التساوي في عدد الكؤوس والمجتمعين، علماً لم يرانا أحد إطلاقاً، وبعد انتهاء الاجتماع سألت الرفيقة وابنة خالو زهيدة رحمها الله، ”كيف علمت بعدد الرفاق المجتمعين لتأتي بالكؤوس على قدر عددهم؟“، فأجابت بأنها قامت بعَدْ الأحذية قرب الباب، كي لا تسبّب لنا بأيّ ضجيج أو قلق، ولنعمل براحتنا وبهدوء!!“. لعلّ هذه القصة القصيرة تشير كيف أن منزله كان مقرّاً حزبياً منظمّاً بشكل مدروس ومتقن.
يتصف بتواضعه الاجتماعي، ومرونته، وهدوئه، ونزاهته التي قلّ مثيلها، وأخلاقه العالية بين أبناء المنطقة، أمنيته الأخيرة هي تكاتف قطبي الحركة السياسية في غربي كوردستان، على مبدأ الكوردايتي وبناء خطاب موحد ومشروع يخدم تطلعات الكورد، حيث أكد في وقت سابق لصحيفة «دل نامه» الكوردية: «عندما يكون هناك كتلة كوردية واحدة متجانسة ومتفقة، فسيكون جميع الأنظار موجهة إليها، ومن جميع الأطراف السياسية في الداخل والخارج، وتترك أناها وتتوجّه إلى تحقيق مطالب الشعب الكوردي، وهذه الفرصة نادرة جداً، ولن تكرّرها التاريخ ثانية، ويجب أن نعمل للمصلحة العامة وليس للمصلحة الخاصة».
لم يتحمّل مشقّة العيش كلاجئ في مدينة ميرسين التركية، أثناء حرب تنظيم داعش على كوباني وحالة اللجوء والنزوح القسريتين، فعاد إلى مدينته فور تحريرها وانتصار الكورد على الإرهاب والتطرف، ويقيم حالياً فيها مع زوجته وبعض من أبناءه، ويعمل في دكّانه الذي تعرّض للقصف، رغم الأوضاع المعيشية المأساوية والتفكّك السياسي والمجتمعي، وإفراغ المدينة من أقرانه الذين ناضلوا معه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 – حوار مع المهندس والسياسي (مصطفى عبدو) من أهالي مدينة عفرين، وأحد الأصدقاء القدامى للمناضل حجي بلال.
2 – جريدة «فرات»، الصادرة ورقياً والكترونياً.
3 – صحيفة «دلْ نامه» الصادرة الكترونياً.
التعليقات مغلقة.