المجلس الوطني الكوردي في سوريا

الدكتور محمود عباس: لا تيأسي يا كوردستان ..

130

 

الكورد أمة عريقة، سليل حضارات وشعوب كانت لهم أمجادهم، وإمبراطورياتهم، ودليلنا: وجوده اليوم شعب متماسك، رغم الكوارث، يواجه أعداءه بأساليبه الإنسانية، ويحاورهم بالطرق الحضارية، والسلمية قدر المستطاع.
لا تيأسي، فالمارد الكوردي لم يستيقظ بعد، فهو في سبات منذ نهايات الحضارة الساسانية وحتى اليوم، يوم غاب بين أودية جباله بعد صراعات داخلية مميتة، والتي سهلت على قبائل عربية بدائية الهيمنة تحت عباءة الإسلام على إمبراطوريته وقضت على روحانياته، بعد أن كانت إحدى أعظم الإمبراطوريات في العالم، بتوسعها ورقيها الحضاري، والتنوع الديني، ولا يزال المارد في سباته حتى اللحظة، رغم تكاثر المؤامرات الإقليمية والدولية في الفترة الأخيرة.
جميع الانتفاضات والثورات لم تكن أكثر من ردات فعل لأحلامه، لم تكتمل فيها عوامل النهوض، وما جرت وعلى مر القرون الماضية ليست سوى حركات لا إرادية منه على مؤامرات الغدر والخيانات والطعون المتتالية من قبل الأعداء، وما يجري في كركوك وحولها اليوم، لن تمر بدون ردات ثورية مماثلة لما حصلت سابقاً في مناطق كوردستان.
الأنظمة الإقليمية قبل الدول الكبرى، تدرك ما يحمله الكورد من قوى خام هائلة، وتعلم بأن هذه الأمة لم تستخدم حتى اللحظة إلا فتاتها، ولا تعكس سوى حركات لمناطق متباعدة من جسم المارد، وكوردستان بمجملها لم تنتفض معا يوما منذ أن خلد المارد إلى كهوفه.
ولغيابه، تستمر التناقضات بين الحركات الكوردستانية، وتتصاعد الخلافات بين أطراف القوى الكوردستانية، وتظهر العشوائية في نهجنا النضالي. جميع حركاتنا التحررية لم تكن ناضجة، ولم يتحكم بها عقل المارد الكوردي، لذلك كثرت فيها الأخطاء، وانتهت بالنكسات، وأنتصر الأعداء رغم ضعفهم الواضح والأوبئة التي تنخر فيهم. وللتغطية على ضعفهم يقومون باستغلال أخطائنا ومعظم الظروف الإقليمية والدولية الملائمة لإبقاء المارد الكوردي في سباته.
ومثلها الدول الكبرى، الذين درسوا ويدرسون وبشكل علمي البنية التحتية الاقتصادية والثقافية والديمغرافية والجغرافية لهذا المارد، ولمعرفتهم بما ستكون عليه كوردستان القادمة، والأمة الكوردية، كثيرا ما يسقطون بين النقيضين:
1- محاولات إيقاظه، وفي هذه الحالة قد لا يحصلوا من كوردستان على ما يأخذونه من القوى الإقليمية. كما ويحللون واقع المنطقة، ومصالحهم فيها، واستراتيجياتهم، والتي ستفرض عليها إعادة النظر فيها، في حالة نهوضه، وهل ستكون قيادة المارد الكوردستاني بتلك السهولة التي يقودون بها السلطات الاستبدادية في المنطقة؟
2- أو دعمهم للظروف الملائمة لديمومة سباته، للحفاظ على ما بيدهم الأن، وبطرق متنوعة، كمؤامرة بدايات القرن الماضي، حيث نفاق وزيري خارجيتي بريطانيا وفرنسا وقناصلهما في العراق وسوريا، إلى حيث مواقفهم المخزية من استفتاء 25-9-2017م على استقلال جنوب كوردستان، ودعمهم غير المباشر للقوات العراقية وللحشد الشعبي، وتغاضيهم عن التدخلات الإيرانية -التركية، وسكوتهم على احتلالهما غير المباشر لأجزاء من كوردستان، تحت صفة مناطق مستقطعة أو المتنازعة عليها، ومن بينها قلب وروح كوردستان، في الوقت الذي تعرف فيه أمريكا تماما بأن احتلالهما لكوردستان، تضع إيران وبشكل مباشر على حدود إسرائيل، وبالتالي تقوض الهيمنة الأمريكية في المنطقة، فهل هذه جهالة ؟! أم استراتيجية غير واضحة لإسقاط إيران في مستنقع نهضة غير متوقعة للمارد الكوردي، في وجهها ومعها الدول المحتلة لكوردستان؟
وهذه التوقعات، واستناداً على معلومات من وراء الكواليس، ودراسة لها، تتزايد لدينا احتماليات مساعدتهم للمارد الكوردي ليستيقظ من سباته، ولا نعني بأن أية انتفاضة قادمة قد تحدث على خلفية دخول الحشد الإيراني كركوك وشنكال هو نهوض للمارد الكوردي، والذي سيبني كوردستان الكبرى لتكون عنصر تشكل الحضارة في الشرق.
رغم تغاضي الدول الكبرى، الذي طبلت له القوى الإقليمية، أثناء الاستفتاء واحتلال كركوك البارحة، فهناك حوارات تجري خلف الكواليس وفي القاعات المغلقة، حول أهمية ظهور كوردستان الكبرى لهم وللمنطقة، وليس فقط جنوبها أو جنوب غربها كفيدرالية. كما وهناك دول إقليمية، تراها من ضروريات ديمومة التوازن المذهبي قبل الصراع القومي في الشرق الأوسط، وبعضها تجد كوردستان إحدى أهم ركائز التحضر في المنطقة.
كما ورجحت من خلال التصريحات المبطنة، لمسؤولين كبار من الدرجة الأولى في الدول الكبرى، مثل كلمة وزير خارجية روسيا (سيرجي لافروف) عند طلبه من الرئيس مسعود برزاني تأجيل الاستفتاء، وما يمكن الحصول عليه بعدها، وذكره بأن القضية الكوردستانية ستبحث فيها الهيئات العالمية وضمن أروقة المنظمات الدولية، أي بما معناه، أنها الأن أصبحت قضية تجاوزت حدود جغرافية الشرق الأوسط. وقد تداولت مؤخرا ولمرات عدة القضية الكوردستانية بين أروقة البيت الأبيض، وأمتعض منها أعداء الكورد، أمثال أردوغان وغيره أثناء حواراتهم مع الرئيس الأمريكي، أو عندما تناولتها أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي. ومثلها، تكهنات بعض الإعلام الأوروبي حول ما يجري ضمن الأروقة الدبلوماسية، وتؤكد عليها الضجة الإعلامية التي أحاطت بكل مجريات الأحداث وبأدق التفاصيل، حول الكورد وقضيتهم وانتصاراتهم على المنظمات الإرهابية، وعلى رأسهم داعش، رغم المساعدات الشحيحة التي حصلوا عليها مقابل ما قدمت للقوى الأخرى كالحكومة العراقية وغيرها.
لا تحزن أيها الكوردي، لقد أصبحت قضيتك مسألة دولية لا يمكن تجاوزها، حتى ولو حاول البعض التغطية عليها. كما ولا يمكن لجسد المارد أن يخسر قلبه (كركوك) ولا روحه (شنكال) فالإله الكوردي لا يموت، بينه وبين الأبدية عهد، والمارد سيستيقظ وفاء بعهد إلهه، فقط ينتظر شروق شمسه، وبوادر شروقها بدأت تظهر، فبعد كل انتفاضة أو ثورة تتراكم الطاقة فيه، ويزداد قوة، إلى أن تصبح كافية ليقود الشرق إلى حيث السلام والحضارة. ولا تحزن، فما يجري اليوم في جنوب كوردستان لا تتعدى خيانة أخرى للعشرات من أمثالها التي حبكتها القوى الإقليمية، ومن بينها تلك المجموعات، كقادة الحشد الشعبي، وقيادات في حكومة بغداد، الذين كانوا يوما ما يعيشون في أحضان المارد الكوردي هاربين من طغاتهم، وهؤلاء أفولهم ليس ببعيد.
ولا تأسف، على ما قدمته لهم سابقا من حماية في كهوف جبالك، وأطعمتهم يوم لم يكن يجدون مأوى ولا لقمة خبز. لا تأسف فالكريم ليس في طبعه الحسرة على ما قدمه من مساعدات لمجتمعات تحمل جينات الغدر والخيانة، ومن بينهم من قتلوا حسينهم وساروا في جنازته يلطمون ذاتهم، أو غدروا بأئمتهم وهم يرددون فتاويهم، وخلقوا المذاهب لتبرير خياناتهم، أو للتغطية على ثقافة الحقد، والجميع اليوم يطبلون على صفحة الوطنية والوطن للتغطية على حقدهم وجرائمهم بحق الكورد. وأمثال هؤلاء انتصاراتهم لن تطول.
ومن المهم أن نعلم ونتعلم، أن الانتكاسات الكوردستانية المتتالية، ومن ضمنها المعاشة حاليا، ومنها سقوط كركوك، وتمزيق العلم الكوردستاني في شوارعها، دليل على أننا نتبع نهجاً خاطئاً في نضالنا من أجل التحرر، وعلى أثره يجد الأعداء ضالتهم، ويتكالبون على قدرنا، ونحن من نسهل لهم انتصاراتهم، ولا تعني هذا بأنهم أقوياء، بل لأننا نناضل على النهج الخاطئ.
وخطئنا الأخير هذا وضح لنا الكثير، ومنها: أن نهجنا الكلاسيكي في النضال هو ما يقوي أعداءنا، وأننا بدون يقظة المارد الكوردي لن نبلغ غاياتنا بثوراتنا المنعزلة عن بعضها، وحركاتنا المتشتتة، والتي تجد القوى الإقليمية ضالتها للتغلغل بيننا وإسقاطنا بأيدينا دون أن نشعر بفداحة خساراتنا. وبأنه يتوجب علينا إعادة النظر في ماضينا وبرؤية ودراسات جديدة، والقيام بعمل نضالي وبنهج يتلاءم والعصر، والتخلي عن القديم.
فلا تخسر أيها الكوردي ثقتك بذاتك، وبماردك، الذي لا يزال ضمن قوقعته. لا شك أخطئنا، وسنخطأ في القادم من الزمن، ولسنا وحدنا من يخطأ أو أخطأ في التاريخ، ولولاها لما عرفنا ما نحن عليه من قوة وهيبة.
وعلينا أن نأخذ بالحسبان، أن هذه النكسة لم تكن الأولى في تاريخنا، ولن تكون الأخيرة، حتى ولو أعيدت تلك الأراضي والمدن، وعليه يجب أن تكون بيننا وبين ما قمنا به على مر العقود الماضية، من الأساليب النضالية قطيعة، إن لم تكن بشكل حاد، فعلى الأقل بالتدرج، فالإدارات الكوردستانية كانت ولا تزال دون جدارة لبناء كوردستان الكبرى، ولا تعكس قدرة المارد الكوردي، ولا هي على مستوى أجدادنا الذين أقاموا الإمبراطوريات والحضارات في الشرق.
لربما، كمجتمع وحركة، وحتى اللحظة، لسنا على مستوى بناء وطن ودولة بحجم كوردستان، من حيث سوية الوعي والتراكم المعرفي، مع ذلك هذا الواقع لا يستدعي اليأس، خاصة وأن الأعداء ليسوا بتلك القوة، ولا يملكون الوعي والمعرفة التي ترجحهم علينا، فكل ما هنالك هو أن نهجنا خاطئ، وهو مستنسخ من نهجهم، وثقافتهم، وأساليبهم في التعامل، وكما ذكرنا سابقاً، يجب أن يكون بيننا وبينه قطيعة أبدية، وعليه يجب أن تحفزنا أخطائنا، ونكساتنا وخاصة خسارتنا الأخيرة المؤقتة (كركوك وشنكال، حتى ولو كانت أكثر في الأيام القادمة) على البحث عن نهج نضالي عصري، قابل لإنهاض المارد الكوردي، الذي سيحرر كوردستان، ويضعها على الدروب الحضارية، وبأسلوب ديمقراطي.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع 

التعليقات مغلقة.