التقرير السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا ، عن شهر أيلول 2017
من خلال التأمل في اللوحة السياسية لتفاعلات الأزمة السورية تظهر قضايا أساسية للعيان ، فكل مراقب أو متتبع للوضع السوري يلاحظ أن هناك قبول معظم الأطراف المعنية لمفاهيم ومبادئ غدت قاعدة أساسية للمنطلق في اللقاءات والمحافل والمؤتمرات الدولية وخصوصا مؤتمرات جنيف المتواصلة نحو الحل السياسي المنشود ، منها مرجعية جنيف1 والقرار الدولي 2254 وقرارات أخرى ذات الصلة ، بالتزامن مع الترتيبات الأخرى عبر مخرجات مؤتمرات آستانا المعنية بالجانب العسكري والإلزام أو الالتزام بوقف إطلاق النار وخصوصا في المناطق المسماة خفض التوتر وبالتالي في عموم سوريا باستثناء القتال ضد قوى الإرهاب والتطرف ولاسيما داعش والنصرة وغيرها ( التي يزداد الخناق عليها شدة يوما بعد آخر ) ، وصولا إلى تحقيق المرحلة الانتقالية ، إلا أن القراءات والفهم لتلك المبادئ لا تزال مختلفة بين الأطراف المعنية ، بدءا بمرجعية جنيف1 ومرورا بالقرارات المذكورة أعلاه ، وحتى في فهم الإرهاب حيث يرى النظام السوري أن فصائل المعارضة العسكرية هي قوى إرهابية وفي ذات الوقت ترى المعارضة أن النظام هو المصدر الأساسي للإرهاب ، كما أن النظام حتى الآن لم يعترف بالمعارضة بشكل رسمي في خطابه السياسي ، ولم يتم حتى الآن أي حوار أو تفاوض مباشر بين الطرفين ( المعارضة والنظام ) رغم العديد من المؤتمرات الدولية في هذا الشأن ، كما أن الدول المسماة بالضامنة لوقف إطلاق النار ( روسيا ، تركيا ، إيران ) رغم ما حققت بعض الخطوات الإيجابية في هذا الصدد ، إلا أنها من جانب آخر تعمل بقوة من أجل تعزيز وجودها وتعزيز دورها العسكري في سوريا ووفق أجنداتها ، فتركيا تسعى من أجل الحد من تنامي الوضع الكوردي ، وإيران تعمل من أجل المزيد من مساندة قوات النظام ، بينما روسيا تعزز دورها التنافسي مع قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا في تقاسم مناطق النفوذ ، رغم ما يذكر من وجود التنسيق والتعاون بين الطرفين المذكورين ، وفي الجانب السياسي لاتزال المساعي والجهود مستمرة بغية توحيد وفد المعارضة إلى جنيف القادم ، ذلك بضم منصتي القاهرة وموسكو إلى الهيئة العليا للمفاوضات ولجنة التفاوض المباشر ، رغم وجود الخلافات العميقة بينها وخصوصا فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية تجلى ذلك في مؤتمر رياض الأخير ، ومن المرتقب عقد مؤتمر آخر في الرياض بغية استئناف الحوارات بهذا الصدد ، وخلاصة القول يمكن حصرها بنتائج لقاءات وفد الهيئة العليا للمفاوضات مع ممثلي مجموعة من الدول إثر زيارته الأخيرة لأمريكا وهي أمريكا ، بريطانيا ، فرنسا ، الإمارات العربية ، السعودية ، الأمين العام للأمم المتحدة ، وقد أكد الجميع على نقاط هامة منها : الأولوية في سوريا لهزيمة الإرهاب ( داعش والنصرة ) ، إيصال المساعدات لكل المحتاجين في سوريا ، وقف إطلاق نار شامل لكل الأراضي السورية عدا مواجهة ( داعش والنصرة ) ، تحسين شروط العيش في سوريا بدءا من المناطق الخاضعة للمعارضة ، توحيد وفد المعارضة بما يشمل أكبر طيف والمقصود ضم منصتي القاهرة وموسكو إلى الوفد ، الدخول في المفاوضات مع النظام دون شروط مسبقة وعلى أن يتم مناقشة مصير الأسد على طاولة المفاوضات ، الحل السياسي للأزمة السورية يكون في جنيف وليس آستانا ، ولئن كان هناك إشارات لـ جنيف1 فإن مرجعية المفاوضات هي القرار 2254 ، وتؤكد أمريكا وحلفاؤها أنها لا تسمح لروسيا وإيران بالانتصار النهائي ، إعادة إعمار سوريا ستكون بعد المرحلة الانتقالية وعند استتباب الأمن والاستقرار في سوريا ، كما أن هناك قضايا أخرى غير واضحة سواء المتعلق منها بالجانب العسكري أو الجانب السياسي ، ما يعني أن الأزمة السورية قد تستمر خلاف من يتوقع أن الحل ( قاب قوسين أو أدنى ) لاسيما أن الأزمة السورية هي جزء من عموم الأزمات المستفحلة وربما تكون القاعدة والمنطلق نحو أزمات مستجدة أخرى في المنطقة ، لكن غير مستبعد وضع بعض الحلول الجزئية على الصعيدين السياسي والعسكري التي قد تساهم او تمهد للمرحلة الانتقالية لاسيما أن روسيا قد سربت من جديد مسودة دستور جديد لسوريا تحمل في طياتها بعض الجوانب الإيجابية ..
وعلى الصعيد الإقليمي ، تسعى كل من إيران وتركيا والعراق إلى إحياء اتفاقاتها الأمنية السابقة ، ذلك بعد نجاح عملية الاستفتاء على استقلال كوردستان الجنوبية في سعي يائس منها لإجهاضها رغم أن الأطراف الثلاثة تعاني من أزمات داخلية حادة في بلدانها ، فالعراق يعاني من فساد مالي مستشري في أوصال الدولة انعكس سلبا على الجانب الإداري ، وكذلك الخلافات العميقة بين الكتل السياسية والمذهبية المختلفة بسبب التدخلات الإقليمية وخاصة إيران مما أفقد العراق سيادته وبالتالي جعلته دولة فاشلة بكل المعايير السياسية ، هذا ناهيك عن مواجهاته العسكرية المستمرة مع قوى التطرف والإرهاب وخصوصا داعش الذي تسبب مسئولوه في البلاء به ما أثقل كاهله ، كل ذلك جعل المواطن العراقي يفقد ثقته بحكامه ومسؤوليه ، و إيران هي الأخرى تعاني من تفاقم الوضع الداخلي بين أطراف النظام نفسه وتراجع الوضع الاقتصادي مع تدني المستوى المعيشي للمواطنين ، هذا إلى جانب تنامي قوى المعارضة الداخلية بقوة مع تقدم نهوض المكونات القومية المختلفة الكوردية منها والأحوازية العربية وغيرها ، فضلا عن أن أمريكا قد أعادت من جديد فتح الملف النووي الإيراني وربما تتنصل من الاتفاق المبرم في هذا الشأن بين الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا ، ناهيك عن موضوع تدخلاتها السافرة في شأن الدول الإقليمية ( العراق وسوريا واليمن ولبنان ) ودورها الأساسي في استفحال أزمة قطر مع بعض الدول العربية والقوى الدولية الأخرى ، وهكذا تركيا إلى جانب أزماتها الداخلية وتنامي المعارضة التي تستغل بقوة ممارسات أردوغان الطائشة التي فقدته بوصلته بتراجع علاقات بلاده مع حلفائه الاستراتيجيين أمريكا و أوربا على حساب صفقاته الخاسرة مع روسيا وبعض الدول الإقليمية المذكورة أعلاه ، علما أن أحد أهم أسباب تنازلاته المريبة المتواصلة لهذه الجهات هو الحد من تنامي الشأن الكوردي على حدود بلاده ..
وفي الشأن الكوردستاني ، لقد حقق شعبنا الكوردستاني الأبي خطوة سياسية هامة باتجاه تحقيق مبدأ حق تقرير المصير لشعب كوردستان عموما وكوردستان الجنوبية خصوصا بنجاح عملية الاستفتاء ( rifrandom ) على استقلال كوردستان الجنوبية بنسبة 92,73% من المصوتين ذلك وسط ضجيج إعلامي واسع عراقيا وإقليميا ودوليا بين رافض لهذا الاستفتاء وبين متذرع بعامل الزمن ، علما أن ذاك الضجيج بمجمله قد أخذ موضع خدمة الشعب الكوردستاني في حقه بتقرير المصير بهذا الشكل أو ذاك ، لأن الضجيج بحد ذاته هو شكل من أشكال تداول هذا الحق عالميا ، ولئن بدا من هذه الجهة الدولية المعروفة بصداقتها لشعبنا أو تلك مواقف لا تنسجم مع إرادة شعبنا فإنما هي لدواعي تكتيكية بغية التوسط لتحقيق حوار جاد بين هولير وبغداد ، وهناك ملامح ومؤشرات لذاك الحوار ، وقد يبدأ في وقت قريب ودون شروط مسبقة ربما يؤدي إلى توافقات جديدة تستمر لأكثر من عام بين الطرفين
( اربيل وبغداد ) ويعلم الجميع أن لا عودة عما جرى وكل الدعوات بإلغاء نتائج الاستفتاء إنما هو محض هراء لأن الشعب قد قال كلمته وانتهى ، في حين تؤكد المصادر المعنية أن لا خوف على مستقبل كوردستان ولا خشية من التهديدات الإقليمية الجوفاء ( عراق إيران وتركيا ) لأنها ترتبط بمصالحها الاقتصادية والحيوية ، كما أن كوردستان الجنوبية لا تزال مصونة بقرار مجلس الامن رقم 688 لعام 1991 ، وعليه يمكننا القول أن نهج الكوردايتي نهج البارزاني الخالد في تقدم مضطرد لأنه صحيح ، وأن المشروع القومي الكوردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني قد أرسى حجر الأساس في بناء دولة كوردستان المستقلة ..
وعلى الجانب القومي في كوردستان سوريا ، ينبغي لـ pyd الاتعاظ مما جرى في كوردستان الجنوبية من التفاف منقطع النظر حول قيادة إقليم كوردستان في الاستفتاء بنعم على استقلال كوردستان بشكل يكاد يكون إجماعا على ذلك ، كما ينبغي الاتعاظ من توافق الدول المجاورة لاسيما العراق وتركيا وإيران في إعلان عدائها للشعب الكوردي عبر رفضها الاستفتاء المذكور رغم خلافاتها وتناقضاتها العميقة ورغم مصالحها الاقتصادية في الإقليم ، ينبغي أن يتعظ ويعود إلى رشده والسعي من جانبه لإحياء الاتفاقات المبرمة بين ( enks و tevdem ) بغية توحيد الصفوف في مواجهة التحديات المحدقة بشعبنا ، وذلك عبر المبادرة إلى تقويم سياساته الخاطئة والعدول عن قرارته وممارساته الهوجاء حيال المجلس الوطني الكوردي والبدء بالإفراج الفوري عن المحتجزين في زنازينها من قيادات وكوادر وأعضاء المجلس الوطني الكوردي في سوريا وأحزابه ، وفتح مكاتبه ومقراته والكف عن ملاحقة الشباب للتجنيد الإجباري والعمل على توفير المناخات اللازمة للبدء بحوار عملي جدي بغية الاستعداد للمرحلة القادمة ومتطلباتها ..
أما المجلس الوطني الكوردي في سوريا ، فإنه يعرب باستمرار عن استعداده للتوافقات القومية والوطنية وعلى مختلف المستويات بغية تعزيز قدرات شعبنا للتصدي لمهامه القومية والوطنية نحو تحقيق تطلعاته في بناء سوريا المستقبل كدولة اتحادية برلمانية ذات نظام ديمقراطي تتسع لكل السوريين بمختلف مكوناتهم القومية والدينية ، ويتمتع خلالها شعبنا الكوردي بإقليم فيدرالي يصون حقوقه وحقوق المكونات المتعايشة ويمكّنه من أداء واجبه القومي والوطني بهمة واقتدار ، وعليه فإن المجلس يمارس نشاطه السياسي عبر الائتلاف الوطني ويسعى للانفتاح على مجمل قوى المعارضة الوطنية الأخرى كما يمارس المجلس نشاطاته عبر لجنة العلاقات الخارجية للمجلس تجلى ذلك في عدد من اللقاءات أبرزها تلبية دعوة خارجية روسيا واللقاء الهام مع نائب وزير خارجيتها ، ويسعى بجد أن يساهم بشكل أوسع وكوفد مستقل في المؤتمر المرتقب المزمع عقده في الرياض لتوحيد وفد المعارضة إلى مؤتمر جنيف القادم بغية الدفاع بشكل أقوى لتحقيق تطلعات شعبنا وأمانيه في سوريا المستقبل ، ومن الجدير ذكره أن المجلس يعلن عن استعداده لعقد مؤتمره الوطني الرابع خلال شهر تشرين الأول 2017 في سعي للخروج بقرارات وتوصيات توائم مستجدات الوضع السياسي عامة والوضع الكوردستاني خاصة وبما يخدم تطلعات شعبنا وأمانيه في غد أفضل .
المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا 8/10/2017
التعليقات مغلقة.