في سابقة فريدة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، فقد أجرى إقليم كوردستان استفتاء على استقلالها.
تحول يوم 25 أيلول إلى عرس جماهيري على طول كوردستان وعرضها.
عبر الشعب في إقليم كوردستان عن رأيه في تقرير مصيره, ويعتبر هذا الإجراء في أرقى مستويات الديمقراطية على مستوى العالم.
وسنقوم في هذه البانوراما بتقديم تفاصيل عن كيفية تمكن الكورد من التوصل إلى القرار التاريخي بتحديد يوم الاستفتاء بعد سنين المعاناة الطويلة.
لمحة تاريخية عن شعور كورد بالحرمان والاضطهاد:
شعور الشعب الكوردي بالظلم واغتصاب الهوية يعود إلى فترة ما قبل الميلاد وخاصةً بعد سقوط الإمبراطورية الميدية على يد الفرس الأخمينيين وتعرضهم لاستعباد.
وظهر بشكل أوضح في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية والعثمانية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة، كان من نتائجها تقسيم كوردستان عملياً بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
في عام (1555م) عقدت الدولتان الصفوية والعثمانية اتفاقية ثنائية عرفت ( أماسيا ) وهي أول معاهدة رسمية بين الدولتين. وتم بموجبها تكريس تقسيم كوردستان رسمياً وفق وثيقة رسمية نصت على تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصةً في مناطق شهرزور وقارص وبايزيد، وتم بذلك تقسيم كوردستان أرضاً وشعباً إلى قسمين وبشكل مجحف.
واشتداد الصراع الدولي في الشرق في بدايات القرن العشرين، وخاصةً بين بريطانيا وفرنسا وروسيا أثرّ بشكل سلبيً على مستقبل الشعب الكوردي, وخاصةً في اتفاقية سايكس بيكو عام (1916) حيث اجتمع وزراء الخارجية تلك الدول، وتم بذلك تقسيم كوردستان بين أربعة دول تحطيم الآمال الكوردية في تحقيق حقهم المشروع في تقرير مصيرهم.
وفي معاهدة سيفر (1920) نجح الكورد في إدخال ثلاثة بنود تتعلق بالقضية الكوردية إلى المعاهدة التي أبرمها الحلفاء بباريس، وذلك تم تدويل القضية الكردية بصورة رسمية، وتعد معاهدة سيفر وثيقة فريدة في تاريخ القضية الكوردية، حيث نصت على تحقيق حل القضية الكوردية بمراحل، وإذا اجتاز الكورد هذه المراحل وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهلية الكورد لذلك ليصبح الاستقلال أمراً واقعياً. ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكوردي، ولا سيما حق تقرير المصير حيث طرحت المسألة في العرف القانوني للمعاهدات الدولية، بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق، إلا أن هذا الورق أصبح وقوداً لنضال الحركة القومية الكوردية فيما بعد.
كل ذلك أدى إلى جعل الشعب الكوردي موزعاً عملياً وقانونياً بين أربع دول، لتزداد معاناته وليبدأ فصل جديد من فصول علاقته بالدول الجديدة طغى عليها التوتر والعنف، فيما بدأت الأحزاب والقوى القومية الكوردية تتشكل لكي تقود النضال والكفاح من أجل حق تقرير المصير.
وإذا ما نظرنا إلى كل هذه الاتفاقيات والمعاهدات فنجد جميعها مؤامرات حاكت ضد الشعب الكوردي، وعانى الشعب الكوردي خلال تاريخه الطويل من شتى أنواع الظلم والغدر والإرهاب، لم ينالوا خلال هذه السنوات سوى الويلات والخراب والتعذيب وكم الأفواه طمس الهوية القومية من قبل الدول المحتلة لكوردستان.
أهم النقاط في بانوراما الاستفتاء:
1- الكورد قبل قرار تحديد يوم الاستفتاء على استقلال كوردستان.
2- الكورد بعد تحديد قرار يوم الاستفتاء وحتى يوم الاستفتاء وردود فعل الدولية والإقليمية والمحلية على هذا القرار.
3- الكورد وعرس الاستفتاء في يوم 25 أيلول.
1-الكورد قبل تحديد قرار يوم الاستفتاء على استقلال كوردستان:
تعاقبت الحكومات في الدول الأربعة المغتصبة لكوردستان، وكان للكورد بصمة التقدم والازدهار فيها حيث حاولوا تقديم كل إمكاناتهم في سبيل ازدهار هذه الدول، وقف الشعب الكوردي إلى جانب إخوانهم من العرب والفرس والترك من أجل بناء مستقبل مشرق، لكن الكورد نالوا بالمقابل الغدر والخيانة والحقد والكره، وكانوا يعتبرون الكورد مواطنون من الدرجة الثانية, وتعرض الشعب الكوردي لكافة أنواع الغطرسة والإرهاب على يد إخوانهم العرب والفرس والترك، فكان نصيب الكورد الأنفال والمجازر الكيمياوية والاعتقالات وتهجير، ولذلك كان من حق الكورد البحث عن سبل للخلاص من العبودية.
فلم يجد الرئيس «مسعود البارزاني» البديل سوى البحث عن طريق لينقذ شعبه من براثن الحقد والإرهاب
ومنذ عشرات السنين والرئيس مسعود البارزاني يجول ويدور بين الدول العالمية ليعرض قضية شعبه في حق تقرير المصير على رؤساء دول العالم، فقد كسب ثقة الأعداء قبل الأصدقاء، ووضع كل طاقاته وجهوده من أجل حق التقرير المصير للشعب الكوردي.
ومنذ حوالي سبع سنوات تعرضت منطقة الشرق الأوسط لفوضى عارمة، وتعرضت المنطقة لأشرس إرهاب عرفه العالم، فكان للرئيس «مسعود البارزاني» وبيشمركته الأبطال عنوان وبصمة في ردع هذا الإرهاب، فحاربوا نيابة عن العالم أجمع، وأثبتوا مشروعية قضيتهم، وكسبوا ثقة الحلفاء الذين جعلوهم محل اعتماد في رسم خارطة المنطقة، ونتيجة للظروف التي تمر بها المنطقة، وجد الرئيس مسعود البارزاني أن الوقت قد حان للمطالبة بحقوق الشعب الكوردي في تقرير المصير والعيش في دولة مستقلة، بعد أن رأى عدم تقبل الشعوب الأخرى في المنطقة للشعب الكوردي واعتبار هذا الشعب عبيداً لهم، فما كان من الرئيس «مسعود البارزاني» إلا أن قرر تحديد موعد إجراء الاستفتاء على استقلال كوردستان.
2- الكورد بعد تحديد قرار يوم الاستفتاء وحتى يوم الاستفتاء وردود فعل الدولية والإقليمية والمحلية على هذا القرار.
في 7 حزيران 2017 اجتمع الرئيس مسعود البارزاني مع قادة الأحزاب والأطراف الكوردستانية في إقليم كوردستان، وتم الاتفاق على تحديد موعد إجراء الاستفتاء على الاستقلال في إقليم كوردستان يوم 25 أيلول
وتم تشكيل ثلاث لجان بشأن الاستفتاء برئاسة رئيس الإقليم «مسعود البارزاني»، حيث زارت اللجنة الأولى الدول العربية واللجنة الثانية الدول الإقليمية أما اللجنة الثالثة فقد زارت العاصمة العراقية بغداد وجميعها بحثت عملية الاستفتاء في إقليم كوردستان.
ومنذ إعلان موعد إجراء الاستفتاء على استقلال كوردستان تعالت الأصوات الرافضة من الدولة العراقية والدول الإقليمية والدول العالمية، وجميها بحجة أن موعد إجراء الاستفتاء غير مناسب.
ففي العراق فإن النظام الحاكم في بغداد بات نظاماً دينياً وطائفياً، أقصى كل المكونات المختلفة بمن فيها الكورد وتم خرق الدستور في أكثر من 50 مادة، متمثلة في تهميش وإقصاء الإقليم من حصته من الموازنة السنوية وايقاف مرتبات مليون ونصف المليون موظف في الإقليم، بهدف نشر الفقر والفوضى وإيقاف عجلة الازدهار الذي تميز به الإقليم.
على رغم من مطالبة الرئيس مسعود البارزاني وحكومة إقليم كوردستان مراراً وتكراراً بتنفيذ هذه البنود وتراجع عن موقفها وتطبيق مواد الدستور، لكن حكومة بغداد كانت في تعنت مستمر، ولم ينل الكورد من هذه الحكزمات سوى الحقد والعنصرية وإقصاء الآخر.
كما تعودنا دائماً عندما يكون الموضوع متعلق بالكورد فالدول المغتصبة لكوردستان تتوحد خطابها, فقد اتفق العراق مع تركيا وايران على اتخاذ إجراءات مُضادَّة بالتنسيق فيما بينهم، وشددوا رفضهم القاطع ومعارضتهم لإجراء الاستفتاء، وأكدوا أنَّ الاستفتاء لن يكون مُفيداً للكورد ولحكومة الإقليم ، واتفقوا على اتخاذ إجراءات مُضادَّة بالتنسيق فيما بينهم مُعتبرين أنَّ الحوار البناء ضمن إطار الدستور العراقيِّ هو السبيل الوحيد لمعالجة المشاكل بين بغداد وأربيل.
كما طالبت القوى الغربية بتأجيل الاستفتاء خشيةً من أن الاستفتاء في كوردستان قد يشعل صراعاً جديداً مع بغداد وربما مع الدول المجاورة، و يصرف الانتباه عن الحرب ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، حيث أكدوا أن تركيا وإيران وسوريا تعارض أيضا استقلال الإقليم خشية امتداد النزعة الانفصالية إلى الكورد الذين يعيشون على أراضيهم التاريخية في تلك الدول.
أمام هذه النداءات المطالبة بالتأجيل خرج الشعب الكوردي إلى الساحات والملاعب وشوارع العالم ليعبر عن مشاعره التي حرم منها نتيجة غطرسة واستبداد الأنظمة المغتصبة لكوردستان، ولطمس هذه النداءات و الحشود الكبيرة التي وصلت إلى عشرات الآلاف، ليثبتوا للعالم أحقية الكورد في تقرير مصيرهم. وقد شارك الرئيس «مسعود البارزاني» الجماهير الكوردي أفراحها ووجه تحية شكر وعرفان للمحتفلين في كافة الدول التي يتواجد الكورد فيها. وقال: من يريد أن يجرب إرادة الشعب الكوردي فليتفضل، وأكد ان البرلمان العراقي لن يتمكن من كسر إرادة الشعب الكوردي, وأن قرار الاستفتاء هو قرار الشعب الكوردستاني وليس لشخص واحد أو حزب معين، وقد فشلت جميع محاولاتنا مع العراق، وعلى المسؤولين العراقيين ان يسألوا أنفسهم، لماذا فشلت جميع محاولات الشراكة معهم.
وأننا ننتظر الاستقلال منذ مئة عام، ولكن إذا كان هناك بديل أفضل من الاستفتاء يحقق جميع الأهداف التي نسعى إليها فسوف نقبل بذلك، مؤكداً بأنهم مستعدون لتحمل كافة تداعيات هذا القرار. وتابع البارزاني بالقول خلال مشاركته أفراح الشعب الكوردي: إن أصواتكم المطالبة بالاستقلال ستسعد أرواح الشهداء، وستنهي حقبة الأنفال والقصف الكيمياوي وإحراق وتدمير القرى الكوردستانية.
قبيل يوم الاستفتاء بيوم أعلنت كل من أيران وتركيا إغلاق جميع معابرها الحدودية مع إقليم كوردستان ولوح أردوغان بالتهديد والوعيد. أما حكومة العراق فقد حشدت قواتها بما فيها الحشد الشعبي على حدود كوردستان لتخويف وتهديد وخرج العبادي إلى الإعلام وهو يهدد بفرض إجراءات عقابية ضد إقليم كوردستان.
تصريحات دول الجوار وبعض السياسيين والأحزاب العراقية قبل يوم واحد من إجراء عملية الاستفتاء بين السلب والإيجاب:
-رجب طيب أردوغان : نرفض إجراء الاستفتاء في إقليم كوردستان، ونرفض قيام كيان كوردي مستقبل، وسنتخذ كافة التدابير لمواجهة ذلك.
-قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: إنّ استفتاء إقليم كوردستان لن يكون وسيلة لحل أي مشكلة للإقليم، بل سيؤّدي إلى تفاقم الفوضى وعدم الاستقرار وغياب السلطة، أنّ سكان المنطقة سيدفعون ثمن الأخطاء التي ترتكبها حكومة الإقليم، وأنّ تركيا لن ترحب أبداً بأي كيان جديد على حدودها الجنوبية.
-قال المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن الوطني الإيراني: بناءً على طلب من الحكومة المركزية العراقية سنغلق الحدود مع إقليم كوردستان، ونظراً لعدم جدوى المحاولات السياسية التطوعية لبلادنا وإصرار مسؤولي إقليم كوردستان على إجراء الاستفتاء في المنطقة، تقرر بناء على طلب من الحكومة المركزية العراقية تعليق الرحلات الجوية من أربيل والسليمانية إلى إيران.
-قال رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي: إن إجراء عملية الاستفتاء من طرف واحد هو خرق للدستور وسنتخذ معه خطوات لاحقة لحفظ وحدة العراق.
-رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم: صبرنا كثيرا وبذلنا جهود كبيرة لإقناع القيادات الكوردية للعودة والعمل بالدستور ولكن فرض الآراء بطريقة فردية لن يوصل إلى نتيجة وسيشعر الجميع بأن المتضرر الأكبر هو شعب كوردستان إذا ما مضى نحو الاستفتاء وستتحسرون يوم لا تنفع الحسرة.
-لجنة حكماء أهل السنة أصدرت بياناً من 9 نقاط جاء فيه: نرفض رفضاً قاطعاً إجراء استفتاء إقليم كوردستان جملةً وتفصيلاً ورفض سياسة فرض الأمر الواقع والتمدد على حساب الوطن، ومحاكمة كل من روج وشجع ودعم فكرة الاستفتاء من أجل الاستقلال ودعوة الشعب العراقي بكل أطيافه للوقوف بحزم وقوة وإجهاض عملية الاستفتاء المؤدي إلى التقسيم.
-رد علماء الدين الإسلامي في كوردستان حول بيان ما يسمى بلجنة حكماء أهل السنة: باسم علماء الدين الإسلامي في كوردستان نرفض بيانهم رفضاً قاطعاً جملةً و تفصيلاً، ونتساءل: كيف يمكن لمن يعتبر نفسه مسلماً وعالماً حكيماً، أنْ يمنع شعباً من الشعوب – وبالأخص الشعب الكوردي المسلم المتعايش منذ القدم معكم- بممارسة أبسط الحقوق وألا وهو الاستفتاء لتقرير المصير؟. فالاستفتاء هو حق طبيعي لشعب كوردستان وجميع شعوب العالم ويجب أنْ نمارس هذا الحق الطبيعي، ومنع مواطني إقليم كوردستان من حقّ الاستفتاء لتقرير مصيره يُعتبر ظلماً واضحاً وفاضحاً، وقد قال تعالى: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} و كذلك يُعدّ خرقاً سافراً للمقرّرات والمعاهدات والمواثيق الدّولية الّتي أقرَّتها الدّول الإسلاميّة وغيرها، و من حقنا أن نتسأل: لم هذا الإصرار على حرمان هذا الشعب من ممارسة هذا الحق الذي يحق لغيرنا؟ الإسلام لم يمنع أحداً أنْ يُعبِّر عن رأيه، لا شكّ أنَّ بيانهم العجيب هذا يجعل عقول حكمائهم تبدوا رجعية عنصرية أكثر فأكثر، ويجعل من الإسلام – حسب حكمهم- أنْ يظهر كدين ديكتاتوري قمعي، في حين أنَّ الاسلام دين الرحمة و المحبة والأخوة، ولو أنَّ أعينهم نظرت إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية لعلموا حق اليقين أنَّهم على خطأ و ويخطون عكس أصول الإسلام الحنيف.
-قرر أهالي قرية تابعة لقضاء “سيميل” في محافظة دهوك بإقليم كوردستان تسمية قريتهم بـ”القرية المستقلة”، حيث لم يكن لهذه القرية اسمٌ رسمي على الرغم من أنها بُنيت قبل مدة من الزمن.
وقد بُنيت هذه القرية قبل حوالي 7 أعوام، ولكن لم يكن لها اسم رسمي، وكانت هناك آراء مختلفة حول التسمية، وبعد أن اجتمع أهالي القرية، اتفقوا بالإجماع على تسميتها بـ”القرية المستقلة”.
-أعلنت الجماعة الاسلامية الكوردستانية في بيان لها عن دعمها الكامل لإجراء استفتاء كوردستان وكلنا مع التصويت بـ”نعم” للإستقلال.
واشار البيان، بأننا سنصوت جميعاً بـنعم للاستقلال عند إجراء الاستفتاء، لأنه حينما تسأل أي كوردي مخلص، هل تريد أن تكون لك دولة مستقلة؟ فسيقول نعم بكل تأكيد.
بين هذا وذاك أجرى الرئيس «مسعود البارزاني» مؤتمراً صحفياً، قال فيه سعينا كثيراً لمعالجة جميع الأوضاع العالقة مع بغداد لكنها رفضت قبولنا، وقبل عام من الآن ذهبنا إلى بغداد للمطالبة بإصلاح الخلل الحاصل في تطبيق مبدأ الشراكة وأخبرنا جميع الأطراف برغبتنا في إجراء الاستفتاء لأننا فقدنا الأمل في استمرار البقاء مع العراق ووصلنا إلى قناعة مفادها أن الاستقلال هو الحل الوحيد والضماد لتخفيف أوجاع ذوي الشهداء والضحايا فالعودة إلى رأي الشعب هي الحل الأفضل لاتخاذ القرارات الحاسمة ولن نعيد تكرار تجربتنا الفاشلة مع بغداد، فما هي الجريمة الناجمة عن تعبير شعب عن رأيه. وكان علينا عدم العودة إلى بغداد في 2003 بعد كل ما تعرض له الشعب الكوردي فخلال تجربتنا السابقة مع بغداد كانت تصفنا بالخونة والعصابات وقطاع الطرق.. الوجوه وحدها التي تغيرت في بغداد والحكومة العراقية تتعامل مع الكورد بذات عقلية قبل عام 2003 ولم يعد البرلمان العراقي اتحادياً بعد اعتماده على مبدأ الأغلبية في إصدار القرارات، في حين أن الدستور العراقي ينص على أنه الضامن للحفاظ على الاتحاد الحر في العراق ولو التزمت بغداد بالدستور لما وصلنا إلى هذا اليوم، ولا يمكن لأي جهة منع إجراء الاستفتاء حسمنا قرارانا ومهما قمنا بتأجيل العملية فإن ذلك سيؤدي إلى تقوية بغداد ضدنا أكثر، لكننا لن نغلق أبواب الحوار.
والاستفتاء هو الخطوة الأولى وهو لا يعني ترسيم الحدود مباشرة. نحن مستعدون لإجراء مفاوضات مع بغداد بعد الاستفتاء قد تدوم لعام أو عامين أو فترة أطول وقد شكلنا لجنة من المجلس الأعلى للاستفتاء بهدف التفاوض مع بغداد حول الاستقلال وملفات الحدود والنفط والغاز والمياه والعلاقات الثنائية لا مبدأ الشراكة معها من جديد.
ونطمئن النازحين بأنهم سيبقون أهل الدار في كوردستان حتى تحرير مناطقهم وسنحافظ عليهم أكثر من عيوننا، ولن نسمح للخلافات السياسية مع الحكومة بأن تنعكس سلباً على الإخوة القائمة بين الشعبين العربي والكوردي وبقية المكونات، ونرغب باستمرار التنسيق والتعاون بين البيشمركة والجيش العراقي وقوات التحالف الدولي.
ولا نزال ننتظر ردود الفعل الدولية من الاستفتاء وسنقيم المواقف الرسمية التي ستعلنها دول العالم من الاستفتاء بعد إجرائه.. أسال المجتمع الدولي الذي تشيد وفوده ببطولات البيشمركة كثيراً خلال زيارتنا لماذا لا تسمحون لهذا الشعب بأن يعبر عن رأيه؟! شعب كوردستان اتخذ قراره بإجراء الاستفتاء وبالتأكيد هناك ردود فعل مختلفة من هذا الطرف أو ذاك لكن المجتمع الدولي سيتعامل مع الواقع فالانتخابات التي أجريت في كوردستان خلال التسعينيات قوبلت بتهديدات وردود فعل خارجية أكثر تشدداً من الآن، وأن ردود الفعل الدولية كانت مفاجئة إلى حد ما وكان موقف أمريكا من الاستفتاء إيجابياً إبان عهد أوباما. لم نسمع من أي دولة موقفاً رافضاً لمبدأ الاستفتاء أو طموحات شعب كوردستان ونجدد رغبتنا باستمرار علاقات الصداقة مع دول الجوار والالتزام بمبادئ القانون الدولي.
ولسنا تهديداً للأمن القومي التركي وأثبتنا خلال 25 عاماً إننا عامل استقرار وأمن وتعاون ولا نرغب في أي تصعيد مع أنقرة أو طهران أو أي جهة آخر ونأمل عدم اتخاذ إجراءات من قبيل إغلاق الحدود لأنه يضر بجميع الأطراف، وآفاقنا واضحة ولن نرد بطريقة طفولية على أي رد فعل قد يتخذ ضدنا. وأي مجازفة إلى الاستفتاء ستكون أفضل من انتظار مصير مجهول أسود.
وعلاقتي مع العبادي طيبة وأنا أحترمه وأعتبره أخاً وصديقاً ولا أريد قول كلام يؤذيه أو يجرحه وأرفض مهاجمته حتى لو بادر هو بذلك، وأن موقف بغداد يشتد ويخف مع الموقف الدولي ونحن لا نتوقع أي نزاع مسلح مع العراق ولا نريد حدوث ذلك.
وسنتحمل نتائج الاستفتاء مهما كانت ونرفض سياسة الكيل بمكيالين. نحن محبطون من مواقف بعض الدول لكنها ستتغير في المستقبل وحتى لو لم يحصل ذلك فإن الشعب هو من سيقرر مصيره ليس من المعقول معاقبة شعب لأنه يريد الاستقلال. العنف لن يحل المشاكل والتفاهم هو الطريق الأفضل للتوصل إلى النتائج المرجوة، وأن الاستفتاء خطوة نحو الاستقلال ولا بديل عنه لكن مبادرة بغداد بقبول الاتفاق على نكون جيراناً متحابين سيؤدي إلى تقصير السبل لتحقيق ذلك.
ومهمتي هي تحقيق الاستقلال لشعب كوردستان ولا أهدف للرئاسة، وأن الأغلبية الساحقة من الأحزاب والأطراف السياسية في كوردستان تؤيد إجراء الاستفتاء ووثيقة الحقوق في كوردستان ستضمن حماية جميع المكونات.
3-الكورد وعرس الاستفتاء في يوم 25 أيلول.
بدأ التصويت عند الثامنة صباحاً من يوم الأثنين 25 أيلول على الاستفتاء بالتكبيرات « الله أكبر» من جميع المساجد، بدق اجراس الكنائس، تشجيعاً للمواطنين للمشاركة في عملية الاستفتاء وتأييداً لاستقلال إقليم كوردستان، وقد اعتمدت المفوضية 400 مراقب دولي لمراقبة الاستفتاء فضلاً عن اكثر من 23 الف مراقب من الاحزاب السياسية بالإضافة الى 300 صحفي محلي وإقليمي ودولي. ويحق لنحو 5.2 مليون شخص المشاركة في الاستفتاء.
شهدت مراكز التصويت إقبالًا شديداً، واصطفت طوابير من المواطنين في مدن ونواحي إقليم كوردستان والمناطق المتنازع عليها للتصويت على تقرير مصيرهم وسط الأهازيج والأفراح .وغمر الشعب الكوردي مشاعر الفخر والحماس والتفاؤل.
وفي نفس التوقيت تغير تصريحات الدول الإقليمية والعالمية حول عملية إجراء الاستفتاء
-الخارجية الامريكية: إن العلاقة التاريخية بين واشنطن وشعب كوردستان لن تتغير بعد استفتاء الاستقلال.
-نفى وزير الجمارك التركي بولنت توفنكجي إغلاق بوابة الخابور الحدودية مع إقليم كوردستان، وقال إنها ما زالت مفتوحة.
_نفى مسؤولون في معبر باشماغ الحدودي بين إقليم كوردستان وايران أنباء أخرى تحدثت عن إغلاق المعبر وقالوا بأن الحركة التجارية مستمرة.
-قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: أنهم لن يعترفوا بنتائج استفتاء استقلال إقليم كوردستان، ونطمئن شعبنا بأنه لن تكون هناك حرب.
_رحب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بالاستفتاء رغم أنه يحرص على عدم التدخل في شؤون البلدان وقال إنه يحترم العملية الديمقراطية التي أنشأها الكورد.
-قدم عضو الكونغرس الأمريكي ترينت فرانكس مشروع قانون إلى الكونغرس يدعو فيه إلى دعم الكورد لتأسيس دولتهم المستقلة. ومشروع فرانكس هو أن يعتبر مجلس النواب بأن شعب إقليم كوردستان له الحق في تقرير مصيره وإقامة دولة لهم ذات سيادة.
نائب رئيس وزراء إقليم كوردستان قوباد الطالباني إن الرد الأقوى والأنسب على القرار غير المسؤول والذي أصدره مجلس النواب العراقي هو الإدلاء بأصواتكم في استفتاء كوردستان.
المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت إن إغلاق المنافذ الجوية من قبل الحكومة في بغداد قرار غير صائب، ولا نقبل أي تصعيد أو عنف من كلا الجانبين. وأن حجم المشاركة بالاستفتاء في كوردستان كان كبيراً جداً، ونحن نتفهم لماذا هذا الاقبال من شعب كوردستان.
-أمير الجماعة الإسلامية علي بابيرأن الاستقلال حق وهبه الله للإنسان، وحان الوقت لاسترداد حقوق الشعب الكوردي.
-وزارة الخارجية الروسية نحترم التطلعات القومية للشعب الكوردي بتأسيس دولة.
أغلقت مراكز الاقتراع بعد أن مددت مفوضية الاستفتاء في اقليم كوردستان عملية التصويت ساعة إضافية بسبب الإقبال الشديد من المواطنين على التصويت.
وصل عدد المصوتين إلى أكثر من أربعة ملايين مواطن أي حوالي 78%.
فكان نسبة التصويت بنعم وصل إلى أكثر من 92%.
بعد نجاح عملية الاستفتاء هنأ رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني شعب كوردستان بكل مكوناته القومية والدينية والأحزاب السياسية، عوائل الشهداء وقوات البيشمركة والقوات الأمنية بمناسبة نجاح الاستفتاء على الاستقلال، وبعث برسائل إلى الحكومة العراقية ودول الجوار والمجتمع الدولي وذلك في كلمة له وجهها إلى شعب كوردستان.
قال الرئيس «مسعود البارزاني» لشعب كوردستان أنه ليس هناك يوم أحلى وأكبر وأقدس من اليوم الذي يعلن فيه الشخص إرادة شعبه في تقرير مصيره بحرية، وبصمودكم لم تدعوا إرادتكم تنكسر، تصويتكم بنعم كان للاستقلال وضد الأنفال والقصف الكيمياوي وإبادة جماعية اخرى.
لذلك نرى حسب مجريات الأحداث على مر تاريخ الكوردي الحافل بالخيبات، لم نجد من يرأف بهذا الشعب أو يقدم له يد العون والعطف، بل كانوا دائماً يستغلونه لتمرير مصالحهم وتحقيق مآربهم الدنيئة. الكورد لم يجد صديقاً سوى الجبال، الذي أصبح ملاذاً آمناً لهم.
فاليوم إرادة شعب كوردستان كسر كل التهديدات وكل الأصوات التي نادت بأن الوقت لم يحن ويجب التأجيل، منذ عقود طويلة والوقت لم يحن فمتى يحين الوقت.
الآن الظروف ملائمة لتحقيق إرادة شعب كوردستان بحلم طال انتظاره وهو حقهم في دولة مستقلة.
الخطوة الأولى انتهت بنجاح. والمرحلة الثانية أصعب، فكلنا ماضون في طريق الاستقلال بإرادة قوية وعزيمة كبيرة لتحقيق مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
,,,,عزالدين ملا ,,,,
التعليقات مغلقة.