أن يستيقظ الكوردي صبيحة يوم26/9/2017، سيشعر بوسائد الحرير تُحيط به من كل صوب وحدبّ. لكنه سيدرك حجم الأرق والتعب الذي نال من الشوفيني نتيجة سهره وحقد ليلة25/9/2017. ربما هي المرة الأولى التي ينام فيها الكوردي ويستيقظ برحابة صدراً وراحة بالً فقده منذ أزل بعيد. وهي المرة الأولى التي يتجرع الشوفيني الزعاف الذي دأب على إذاقته للكوردي.
لماذا كُل هذا الحقد؟
قضية الاستقلال ليست بجديدة! لكنها تفعلت من جديد بمفاعيل سياسية نتجت عن مُخرجات الربيع العربي. حيث سبق وأن حاول الكورد مراراً أن يستقلوا بحدود ضيقة بدئاً من محمود الحفيد وانتهاء بالقاظي محمد في مهاباد. لكنهما مع ما تواجد من ثورات ومحاولات للظفر بالأرض الكوردية، آلت جميعها إلى فشل مرير. لكنها كانت بمثابة المدماك المؤسس لمراحل أكثر نضوجاً ووعياً بالقضايا القومية التي تتحقق عبر دبلوماسية دولية متكئة على إرادة شعباً مُستعد للتضحية فيما لو لبس المجتمع الدولي ردائه المُجحف بحق الشعوب المتمايزة من جديد. وعلى مدار قرنً كامل حاول الكورد الحصول على حقوقهم بالحوار والمواطنة والتواصل، لكن لما كل هذا الغُبنّ؟ تجاه حقائق تاريخية. هل تكون الخشية من وصول رياح الربيع الكوردي إلى حياض دولاً نجحت في الحّدِ من تبعات ثورات الشعوب في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. أم تكون حالة اعتيادية للفشل السياسي والخُلقي والمسخ الفكري الذي اشتغلت الأنظمة العربية لجعل شعوبها مُجرد قطعانً للتصفيق لا غير، إذ كيف لشعب ثائر أن يؤيد نظام يُحارب حق شعباً أخر في تقرير مصيره. أم أن الحقد تجاه الاستقلال نابعاً من انحسار مبدأ الاستفادة من مخاض ونتائج انتفاضة الشعوب العربية خلال 7سنوات، واقتصاره على الشعب الكوردي في جنوب كوردستان فقط حتى اللحظة، وانهيار دولاً كنت آمال المُغررين بهم تُعقد عليهم، لترتفع عوضاً عنها أسهم دولة كوردستان.
لماذا الآن؟
يدرك الرئيس مسعود البارزاني وعموم القيادات والأحزاب السياسية أن الوقت الأنسب هو الآن في هذه الفترة التي يئن فيها العراق وسوريا من التمزيق والتشرذم، وتعاني إيران من ضعف اقتصادي وحصار خانق واحتقان كبير لجميع المكونات القومية والدينية المحرومة من حقوق المواطنة في إيران، إضافة إلى أن الأخيرة ترغب بابتلاع العراق كله، وكان الإقليم الشوكة الوحيدة المانعة لذلك، كما يُدركون أن تركيا لا تملك مفاتيح ولا أوراق ضغط كبيرة على الإقليم لتواجد اغلب حدوده مع ثلاث أجزاء من كوردستان، واستفادته من الطاقة /النفط والغاز من كوردستان/. القيادة السياسية في الإقليم وخاصة الرئيس باراني اقتنع وبعد محاولات منذ عبد السلام البارزاني وشعار مصطفى البارزاني الحكم الذاتي لكوردستان والديمقراطية للعراق، وحتى عَقِبَ انهيار المعسكر الاشتراكي وتبلور مفاهيم جديدة للعالم الحديث أن لا خير ولا أمل في هؤلاء، بل أن العرب في سوريا والعراق سيغلقون الأبواب والنوافذ في وجه التطلعات الكوردية ما أن تم التأجيل واستعادت تلك الدول عافيتها وقوتها، فالصيرورة التاريخية تؤكد أن لا خير في أنظمة اجترت سياساتها القمعية زهاء قرن من الزمن.
في جميع خطابات الرئيس بارزاني في هولير، السليمانية، دهوك، زاخو…والمقابلات وغيرها، كان الثبات على قبض ثمن الدماء الكوردستانية التي أريقت في مواجهة داعش، وأن الكورد لم يعودوا بنادق على أكتاف أحد. وكان التساؤل الكوردي يدور حول المرحلة التي ستلي الانتهاء من داعش.
الكورد إلى أين؟
بات التعقيد الذي لفَّ المشهد السياسي الكوري مُنحسراً بشكل كبير، خاصة مع تأرجح مواقف بعض الدول الكبرى بين السلب والإيجاب، ما يوحي بإمكانية الاتفاقات الجانبية خلف الأبواب الموصدة. فرهانات الدولة المناهضة للاستفتاء خابت وتساقطت الواحدة تلوى الأخرى، وأهمها حدوث الاجماع السياسي الكوردي على الاستفتاء وخاصة ضمن المناطق المتنازع عليها، وكلهم تحت أسم حزب كوردستان. وفشل محاولة اقتطاع كركوك من الإقليم وإبعاده عن الاستفتاء، بعد تجاسر أبرز قيادات الاتحاد الوطني ككوسرت رسول ونجم الدين كريم وغيرهما دفاعاً عن ضم كركوك للاستفتاء. عودة كركوك وشنكال وخانقين وغيرها من المناطق إلى حضن الإقليم يُعتبر بمثابة إتمام السيادة الكوردية على جزء من الأمة الكوردستانية المجزئة. لن يكون يوم26 أيلول يوم الإعلان عن الدولة الكوردستانية، لكنه سيكون اليوم الأول الذي يحمل مواطني الإقليم هويتهم الكوردستانية المحضة.
تدجين الشعوب
صرفت الأنظمة المليارات لتدجين شعوبها على نمطية قرارات الحكام. لكن الإقليم وبعد التفاف الشعب والساسة الكورد حول قرار الاستفتاء، بات من الطبيعي أن يكون مصدر إزعاج وقلق للطغاة. فلأول مرة سينال التركمان والاشوريون والسريان والأقلية العربية في كوردستان لحقوقهم دون أي نزاع أو سفك للدماء أو اضطرابات سياسية، نمطية جديدة للحكم في كوردسان كفيلة بخلق هاجس هبوب رياح التغيير إلى حياض تلك البلدان. خاصة وأن قضية الاستفتاء في جنوب كوردستان تجاوزت الحدود، وأذابت الخطوط الاستعمارية التي رسمها سايكس بيكو، وما المد الجماهيري والشعبي لمواطني غرب كوردستان في شتى أماكن تواجدهم، سوى مقاربات لمدى تأثر أطراف أخرى بالاستفتاء ورغبتها في الصول إلى حالة شبيها بجارتها الجنوبية.
أشد ما يُغيظ الشوفينيين من العرب والترك والفرس في قضية الاستفتاء أنه وجِدَ بين الكورد من يقول للعالم بأسره لا لن أتنازل عن إرادة شعبي.
إن البارزاني الأبن لم يُخالف وصية البارزاني الأب في قضية عدم التنازل عن كركوك قلبنا جميعاً دون أن ننسى حجم الحسرة والألم على رؤية الكورد متفقين.
التعليقات مغلقة.