الدكتور محمود عباس : كوردنو قضيتنا واحدة فلما نختلف …
قضيتنا واحدة ليس فقط ضمن جغرافية كوردستان، بل في المنطقة كلها، وعليه فمتطلبات المرحلة من بدء الاستفتاء وما بعده على جنوب كوردستان والفيدرالية في جنوب غربها، ولأن ما ينتظرنا أعقد وأصعب وأخطر من حاضرنا، نحتاج إلى تكثيف النشاطات، وبغير الأساليب الكلاسيكية الماضية؛ وذلك على البعدين الخارجي والداخلي:
أولا، مع الدول والشعوب المجاورة، يتوجب علينا ككورد أن يكون لدينا مقدرة كافية؛ لكي تتقبل الشعوب المجاورة مقاصدنا، بنهجنا الكلاسيكي استحالت قدرتنا تلك على إقناع السلطات العنصرية الاستبدادية الاعتراف بحقنا في تقرير مصيرنا. في واقع الحال ما نقدم عليه لا تعادي مصالحها، بل تخلق قوة عصرية تنم بالحضارة والديمقراطية في المنطقة لمواجهة الإرهاب والتخلف والتطرف وإزالة أنظمتها الاستبدادية. وهذه القوة العصرية أساسها التآخي، ومن مهامها تكريس الإخوة في المنطقة. لتحقيق ذلك لا بد لنا من التركيز على توضيح الإشكالية التي تروجها تلك الأنظمة بين شعوبها لمعاداة الكورد، وتصعيدها كلما حاول الكورد اختيار الطريق المؤدي إلى الحرية، فمصلحتنا مشتركة، ومن دون الاقتناع بها من طرفهم، سيظل الظن قائما أن قيام كيان كوردي سياسي مستقل سيخل بالمعادلة بين شعوبنا، بعكس ما سيؤدي إليه في خلق سلام دائم وتحقيق العدالة والمساواة في المنطقة، لو اتفقنا في اطمئنان الإخوة في الجوار على أن هذه المعادلة الجديدة ستترسخ بوجود كوردستان لا بتهميش حقوق الشعب الكوردي، ومنع قيام كوردستان. لهذا لا بد لنا من التوجه إلى البيئة المحيطة محاولين بكل عزم تغيير الصور النمطية المشوهة التي ركمتها أنظمتهم في أذهانهم عن الكورد وكوردستان، والعمل على التخفيف من مخاوفهم في نشوء كوردستان القادمة، وردم هوة العداوة بيننا، التي تسعرها سلطاتهم متى ما دعت مصالحها الذاتية، وموثقين أن المشكلة كامنة في الأنظمة المحتلة لكوردستان وليست فيهم.
ثانيا، مع الدول الكبرى، لا بد من الإثبات، وبالعمل من اللحظة، والكلمة موجهة إلى حكومة الإقليم الكوردستاني وإلى الإدارة الذاتية، قبل أحزابهما، على أن كوردستان القادمة ستكون مغايرة في نظامها ونهجها على ما هي عليه الأنظمة القائمة في المنطقة، ستكون العدالة أساسا لجميع الشعوب المحتضنة مستقبلا، ستكون دولة المواطنة لتحافظ على حقوق جميع الأقليات الإثنية والقومية، وهو ما ذكره رئيس الإقليم الكوردستاني الفيدرالي السيد مسعود بارزاني، وتقوم به الإدارة الذاتية، في إعلامهم، ويتطلب من الإدارتين تطبيقها عمليا ليس فقط مع القوى والشعوب غير الكوردية، بل مع الأطراف الكوردية المعارضة، وخاصة في هذه المرحلة، وتأتي من خلال احترام الرأي الآخر، وتقبل الحوار مع الداخل المعارض والوقوف معا في وجه الخارج المهاجم، ولتعلم الهيئات الكوردية الحاكمة، أن أنظار العالم المختصة بمنطقة الشرق الأوسط مركزة على المسيرة الكوردستانية، وتدرك كل الخفايا، وهي مطلعة على أدق التفاصيل ومجريات الأحداث، وقد تختلف ما يقال لهم عما يستنتجونه، والنتائج كثيرا ما تنتهي على التقييمات وليس على المقال من قبل حكومات الإقليميين، فلنكن حضاريين وديمقراطيين عملا وقولا، أمام العالم وأمام أنفسنا.
ثالثا، وفي الداخل، من المؤسف أن القضايا الواردة في المقال السابق (لنتحرر من رواسبنا) تتوسع يوما بعد آخر بين المجتمع، وتمزق الشريحة العامة، وتتأثر بها أعداد غير قليلة من المثقفين الكورد، إلى درجة أصبحنا لا نناقش قضية كوردستانية، أو ننقد حزبا دون عرض الطرف المخالف كمثال، أو كمقارنة، فلم يعد لدينا القدرة النقدية والمعرفية برؤية العالم الخارجي، ومقارنة البعد الكوردستاني والسياسة الكوردية بالجغرافية الخارجية والسياسة العالمية والدبلوماسية الدولية، كأن نقارن ذاتنا بدول أوروبية حضارية، أو بعض الدول الإقليمية، التي من أجل مصالحها ومصالح شعبها، تتعامل مع ألد أعدائها، وبالمقابل نحن لا نقبل الأخ الكوردي المخالف سياسة أو نهجاً، دون تخوين.
لقد أصبحت من المسلمات ومن أسهل الأساليب، في واقع جنوب غربي كوردستان، عند عرض أخطاء الإدارة الذاتية أو نقد دور أحزابها، وضع أحزاب المجلس الوطني الكوردي في الكفة الأخرى من الميزان، وكأن كوردستان جغرافية مجردة عن العالم الخارجي ووجودها محصورة بين طرفين كورديين متخاصمين، ولا أمثلة حضارية للمقارنة إلا الكتل الكوردية الحزبية المتصارعة، علماً بأنهم لا يمثلون إلا جزء بسيط من المجتمع الكوردي.
وفي البعد الكوردستاني، لا حديث عن ال ب ك ك إلا وسيرافقه نقد للديمقراطي الكوردستاني، وهكذا عن الاتحاد الوطني أو كوران وغيرهم، وبالعكس. وأي نقد للإدارة الذاتية لا بد وأن يكون الرد بالتهجم على الإقليم الكوردستاني الفيدرالي، وهكذا دواليك، ومثلها عن القيادات الحزبية الكوردستانية، ما بين السيد مسعود بارزاني وعبد الله أوجلان أو مام جلال سابقاً، وعن قيادات الأحزاب الكردية في جنوب غربي كوردستان إلى أن أصبحت أسماءهم معروفة أكثر من أعظم رؤساء العالم داخل المجتمع الكوردي، ليست لخدماتهم بل على خلفيات التخوين المتبادل، والتلاسن، والتهم الباطلة، ولا شك لا ذنب للمجتمع الكوردي في كل هذا، بل المتهم الأول والأخير هي السلطات الإقليمية، التي تسخر الأحزاب الكوردية كأدوات، وتفرض الإملاءات على قياداتها المكبلين بنهج الماضي القديم، ولا يحركون ساكنا للتحرر، ولا نستثني هنا أطرافا من الحركة الثقافية الكوردية المتأخرة في دورها التنويري والتشجيعي لإعادة الثقة بالذات، والخوف الأكبر من أن تستمر هذه الثقافة وتحتكر قادمنا، ولا نتمكن التحرر من الرواسب التي خلفتها الأنظمة الشمولية، خاصة وأننا نلاحظ، وبشكل واضح، أن محاولات تقبل الكوردي الآخر، والتخلص من الإملاءات، وكذلك من الثقافة الشمولية التي تكاد تكون شبه معدومة في هذه المرحلة المصيرية.
مع ذلك، نود تذكير الإخوة في الحركتين الثقافية والسياسية، أنه بالإمكان تصحيح المسار، وإزالة الأخطاء، بوضع المصلحة الوطنية قبل الحزبية، والتحرر من هيمنة القوى الإقليمية، وعدم تخوين الآخر المخالف، وترك التلاسن، والإكثار من النقد البناء، مع الدخول في حوارات دائمة، مضافا إليها جميعا الاتفاق على نقاط وخطوط التقاطع، وتأجيل الخلافات إلى مرحلة لاحقة، فالظروف الداخلية والدولية أكثر من ملائمة لبلوغ كوردستان، وإقامتها على الأسس الحضارية منذ البداية. وما نحتاج إليه هو الثقة بالذات، وقليل من الوعي.
والحديث موجه في معظمه إلى حكومة الإدارة الذاتية في جنوب غربي كوردستان قبل أحزاب المجلس الوطني الكوردي، وإلى حكومة الإقليم الفيدرالي والحزب الديمقراطي الكوردستاني قبل الاتحاد الوطني والتغيير(كوران)، ولا يعني هذا أن الأطراف الأخرى من الحركة الكوردية والكوردستانية غير معنية بالأمر.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب و ليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.