الأستاذ و السياسي موسى موسى ماجستير قانون دولي ورئيس المركز الكوردي للتنمية السياسية والقانونية .
كان لموقعنا هذا الحوار معه….
حول مشروعية الأمر الرئاسي في الاستفتاء على تقرير المصير في إقليم كوردستان قد قال السيد موسى :
” أن كورد الإقليم قد لعبوا دوراً محورياً في الأحداث التي جرت في العراق بدءاً من القضاء على النظام السابق وتحرير العراق من هيمنته, كما لعبوا دوراً ايجابياً ومؤثراً في تطور الأحداث نحو بناء الدولة الديمقراطية الحديثة, “دولة القانون” الذي كان ينشد إليه الإنسان العراقي وكافة قواه الوطنية الديمقراطية ومن صياغة دستور استجاب لمصلحة ومطالب كافة المكونات وتشكيل دولة العراق الاتحادي اختيارياً, ولكن بعد مرور سنوات عديدة على التفاهمات التي صيغت في الدستور والقوانين لم يرى القسم الأعظم من الشعب العراقي وخاصة شعب إقليم كوردستان ومؤسساته عملياً ما اتفقوا عليه , بل استمرت التجاوزات على الدستور والقوانين إلى اليوم رغم مراجعة الإقليم ودعواته المتكررة لحكومة بغداد , إلا أن الرد لم يكن إلا مزيداً من الأهمال والتهميش والتعنت والاستمرار في التجاوزات, إضافة إلى تهميش أسس الفيدرالية حيث لم يحصل الإقليم على عائداته وحصته من الموازنة المالية الاتحادية كما لم يجد حدود الإقليم حلاً له وبقيت المادة/140/ دون أي تنفيذ يذكر، إضافة إلى الكثير من الأمور التي كانت تحتاج إلى حل منشود, كما لم ينشئ المجلس الاتحادي المنصوص عليه في المادة /65/ من الدستور وبسبب تجاوزات الحكومة والقيادة السياسية في بغداد واهمالها للحقوق والواجبات اتجهت قيادة إقليم كوردستان ممثلاً بالرئيس مسعود برزاني وبعد مباحثات مع الأطراف السياسية إلى إرادة الشعب للاستفتاء على تقرير مصيره فكان الأمر الرئاسي لإقليم كوردستان المرقم /106/ تاريخ /8 حزيران 2017/ بأجراء الاستفتاء في /25 أيلول 2017/. أما قانونياً فلا نجد ما يصطدم به قرار الاستفتاء من قواعد وأحكام القانون والقضاء الدوليين, كما انهما لا يمنعان ولا يحرمان الشعوب من الأقدام عليه إلا ما ندر وبمبررات قانونية وسياسية مقنعة, وفي هذا الصدد هناك تطورات كثيرة وهامة في القانون الدولي على حق تقرير المصير في المبدأ والتطبيق معاً فالحروب التي أدت إلى استقلال امريكا من التاج البريطاني كانت لها شرعيتها أمام تعنت وتجاوزات سياسات التاج البريطاني في مستعمراتها الأمريكية في وضع يشابه إلى حد كبير ما تمارسها حكومة بغداد اتجاه إقليم كوردستان , مما أدى إلى تذمر وغضب سكان المستعمرات بأشكال مختلفة حتى كان قرار الكونغرس الأمريكي في الاستقلال الذي جاء فيه ” ….. وعندما أي شكل من أشكال الحكم مقوضاً لهذه الأهداف فمن حق الشعب تغييره والغائه ومن حقه إقامة حكومة جديدة ترسي أسسها على تلك المبادئ وتنظم سلطاتها في الشكل الذي يبدو للشعب إنه المرجح أن يحقق أمنها “.
وفي النهاية استطاعت المستعمرات أن تهزم التاج البريطاني منها, وبانتهاء الحرب وبمقتضى معاهدة فرساي عام 1783 تم الإعلان رسمياً باستقلال الولايات الأمريكية من التاج البريطاني. وفي تصريح للرئيس الأمريكي مونرو 1823 محذراً فيه من تدخل الدول الأوربية في شؤون دول أمريكا الجنوبية كردة فعل على استقلالها من السيطرة الاسبانية مبيناً فيه حق تلك الدول في تقرير مصيرها. أما ميثاق الأمم المتحدة فقد أشار إلى أن يكون للشعوب حق تقرير مصيرها, كما أن اعلان منح الاستقلال للبلدان ولشعوب المستعمرات لعام 1960 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة أوضح بصريح العبارة بأن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي. وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية أيضاً لعام 1966 وفي مادتيهما الاولى المشتركة تؤكدان على حق تقرير المصير للشعوب. وكذلك تتابعت أحكام القانون الدولي بشكل مستمر وفي كل مناسبة معنية مؤكدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها, لذلك ليس هناك أي تعارض بين قرار الاستفتاء على حق تقرير المصير في إقليم كوردستان وأحكام القانون الدولي. ورغم إنه لم يبقى أكثر من اسبوع- من تاريخ كتابة هذه المادة- على اليوم المقرر لإجراء الاستفتاء الذي يصادف /25 ايلول 2017/ ورغم معارضة ومناشدة بعض الدول الإقليمية بضرورة ايجاد تفاهمات بين إقليم كوردستان وحكومة بغداد الذي يشكل حسب رأي تلك الدول أساساً للتراجع عن اجراء الاستفتاء, وقد أشار إلى ذلك أكثر من مرة رئيس إقليم كوردستان مؤكداً على أن نسف التفاهمات السابقة أدت بسلطات الإقليم لاتخاذ قرار الاستفتاء. ورغم التهديدات المبطنة بالمناشدة والمناصحة أحياناً للدول الإقليمية بضرورة التراجع عن قرار الاستفتاء – كما جاء في حديث الرئيس التركي أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم أمس/20 ايلول 2017/ إلا أنه لم يصدر من القوى الدولية العظمى وكذلك من الأمم المتحدة ما يمنع شعب إقليم كوردستان من الاستفتاء على حق تقرير مصيره ما يوحي بأن الظروف الراهنة لا يمنع من قرار الاستفتاء لأنه ليس هناك دولة من هذه الدول إلا وقد ناصرت شعباً في تقرير مصيره في مرحلة من المراحل. كما وأن أغلب تلك الدول عاشت فترات استعمارية أو مستعمرة وقد نالت معظمها أو من تحت سيطرتها استقلالها, ومنذ مئة عام ماضية على الأقل جرت ما يقارب المئة كياناً تابعاً استفتائها ووصل بذلك على استقلالها رغم معارضة بعض القوى ومن ضمنها تلك التي كانت مسيطرة عليها.
كما أنه من المستبعد أن يتم عرض الموضوع أمام محكمة العدل الدولية, وأيضاً من المستبعد صدور قرار من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنع شعب الإقليم من حقه في تقرير مصيره ولكن ربما يجد الموضوع حلاً له ضمن تفاهمات دولية ومن ضمنها إقليم كوردستان .
وحول سؤالنا عن المحكمة الاتحادية في بغداد وهل لديها صلاحيات بمنع الاستفتاء بعد قرارها الأخير قال السيد موسى:
” دولة العراق عاشت حالة استنفار كلي بعد قرب موعد الاستفتاء وانذرت كافة مؤسساتها للعمل كل في جانبها وبموجب اختصاصها لعرقلة اجراءات الاستفتاء, باعتبار أن مؤسسات الدولة أيضاً أصبحت تابعة لنظام لا يمت للشعب العراقي, فبناءاً على ثلاث طلبات تقدم بها ثلاث نواب من البرلمان العراقي مطالبين بإصدار أمر ولائي بإيقاف الاجراءات القانونية للاستفتاء في محافظة كركوك وبقية المناطق التي لم ترتبط بإقليم كردستان فكان قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في يوم الاثنين /11 ايلول 2017/ قراراً ولائياً بوقف الاجراءات القانونية للاستفتاء.
حقيقة الأمر أن قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في موضوع الاستفتاء هو قرار يغلب عليه صفة القرارات الإدارية أكثر من الصفة القضائية استناداً إلى أحكام المادة /151/ من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 لحين حسم الدعاوي المقامة بعدم دستورية القرار المذكور, وطبعاً إن سارت الأمور كما ورد وإن خضعت له مؤسسات الإقليم أيضاً بوقف اجراءات الاستفتاء لا يعني بأن حسم الدعوى سيكون لصالح النواب الثلاث رافعي الدعوى ولكن المعروف في الموضوع هو ليس قانوني بل سياسي ممنهج من قبل القوى المتحكمة في مصير العراق وكان إقليم كوردستان مستدركاً لهذا الأمر فلم يخضع لقرار المحكمة الاتحادية العليا لعدم قانونية القرار.
وحول التخوف من الاستفتاء و أي نوع من الاستقرار سيخلقه الدولة الكوردية في الشرق الاوسط قال :
” إن موضوع استقلال كوردستان ليس بالأمر السهل في نظر الدول وخاصة تلك التي تشكل فيها مسألة الشعوب والمكونات المختلفة إشكالية ممتدة منذ سنوات عديدة في كل من أسيا وأوربا وغيرها من المناطق ربما تشكل بعضها حالة عدم استقرار لمصالح بعض الدول ليس إلا.
ولذلك نرى أصواتاً كثيرة بعضها تعارض وبعضها الأخر لاترى أن الوقت مناسباً ولكن كافة المؤشرات التاريخية تدل بأن حل هكذا أوضاع يؤمن السلم والاستقرار الإقليمي والدولي أكثر.
وفي النهاية كان لنا هذا السؤال من الاستاذ موسى هل يجوز للإقليم الانفصال مباشرة عن الدولة المركزية بعد الاستفتاء ؟
إن حكومة إقليم كوردستان ومن خلال تجربتها النضالية في العقود الماضية وكذلك السياسية والإدارية منذ عام 1991 وإدارتها لإقليم كوردستان أثبتت وبجدارة مدى وعيها في إدارة الأزمات وهي أكثر من غيرها ذاقت ويلات الحروب ونعيم الأمن والسلم لذلك من المؤكد بعد الاستفتاء هي ماضية في التفاوض وبشكل سلمي مع العراق والمجتمع الإقليمي والدولي لحل المشاكل الناجمة والمتداخلة عن الاستقلال.
حاوره : فرهاد شيخو
إعلام ENKS كوردستان
التعليقات مغلقة.