الدكتور محمود عباس : بداية كوردستان نهاية الاستبداد في المنطقة..
المقارنة بين الدول الحضارية والمحتلة لكوردستان كالمقارنة بين النص الإلهي وفتاوي القرضاوي وأئمة ولاية الفقيه، أو بين جمهورية أفلاطون والكتاب الأخضر. فبغض النظر عن أن شريحة واسعة في شرقنا لا تزال تتلذذ بالعيش في أحضان الاستبداد، وأخرى تستسيغ مفاهيم التكفيريين والإرهابيين، ومنظمات وأحزاب وسلطات تفضل بأن تكون الإنسانية في جغرافيتنا معلولة، وتدعم الأنظمة الشمولية الحاضرة، وتعارض نشر الثقافة الحضارية بمفاهيمها، وترفض تربية المجتمع على القيم الحضارية، وتنفي حقوق الأخرين، إلا أن مستقبل ناصع ينتظرنا، فمعظم المؤشرات وأغلبية المراقبين والمحللين السياسيين يؤكدون بأن كوردستان قادمة، وهي العامل الرئيس لتحضر شرقنا.
لا شك، المسيرة طويلة وتحتاج إلى تضحيات جسام، وأكثر من عملية إصلاح، لأن البناء الثقافي في شرقنا منخور في أساساته، ولا علاج سوى التغيير، وهذه المسلمة من أولى مهمات الحكومات الكوردستانية القادمة، والتي يجب أن تشذب من قبل الشعب الكوردي، وتتمسك بالمبادئ الديمقراطية، لتختصر الدروب نحو تحضر منطقتنا، وعلينا إشراك نخب من الشعوب المجاورة بعد التخلص من أنظمتها الفاسدة.
نقصد الأنظمة الإقليمية، المعارضة للاستفتاء الكوردي، المدركة بأن العملية هي بداية التكوين السياسي الحضاري في المنطقة. ولأسباب أخرى منها:
الأول، لتظهر ذاتها كقوة وطنية قومية عربية، تغطي بها بشائعها بحق الشارع العربي، والشعوب المحتلة في المنطقة.
والثاني، لأن القضية الكوردية بحد ذاتها كانت وستبقى إحدى أهم حجج ديمومتها مستبدة، فبدون الوجود الجيوسياسي الديمغرافي الكوردي، ستنعدم أهم الركائز المستندة عليها. لذلك وللتغطية على هذه الحقيقة، نجدها تعادي المكتسبات الكوردستانية، وتتحرك في كل الاتجاهات الإقليمية والدولية، وتثير المؤامرات للطعن في عملية الاستفتاء القادمة للإقليم الكوردستاني الفيدرالي، تحت ما هب ودب من حجج:
1- الوطنية التي لم يكن لها وجود فعلي في كل الوطن المسمى تجاوزا بالعربي، وحتى بعض المفاهيم التي طرحت من قبل الكورد والشعوب المحتلة الأخرى تم نهشها وبوحشية. والبعض من المثقفين والسياسيين العرب، يقولون “أن هذا الاستفتاء هو حق مشروع وفق مبدأ حق تقرير المصير، ولكن ما يقوم به السيد بارزاني هو بأساليب غير مشروعة، مما يؤدي إلى وأد هذا الحق” وفي الواقع هم ضد الحق، وليسوا ضد الأساليب، لكن وللنفاق على المجتمع يخلقون مبررات للتغطية على عنصريتهم الفاضحة.
2- إلى الدستور الذي ابتذلوه منذ يوم كتابته وحتى اللحظة، وبنودها التي لم تلتزم بها جهة عراقية عربية حتى اللحظة، ومنها البند رقم 140 المشهور.
3- إلى اتهام حكومة الإقليم الكوردستاني بالاستبداد، وهم خبراء الأنظمة الشمولية الاستبدادية، وتاريخ السلطات العراقية معروفة منذ العهد الملكي إلى حكومة العبادي، ولا أعلم فيما إذا كان هناك إنسان في العالم والشرق لم يسمعوا باستبداد الطاغيتين صدام حسين ونسخته الشيعي المالكي.
4- إلى حجج التكفيريين العروبيين ودعاية الإسرائيل الثانية، وهم أدرى من الجميع بأن إسرائيل أكثر الدول ديمقراطية وتحررا في كلا العالمين العربي والإسلامي، وفي الواقع السلطات المحتلة لكوردستان خناجر في خاصرة الكورد منذ قرن من الزمن، وليت الدول المحتلة لكوردستان كانوا يتمتعون بنصف ديمقراطية دولة إسرائيل، لما بلغنا مرحلة المطالبة بالاستفتاء والاستقلال.
5- إلى التلاعب بمنطق التكامل الجغرافي الاقتصادي، والتداخل الديمغرافي، والتاريخ المشترك، وكل البشرية لها إطلاع بنهبهم لخيرات كوردستان وعلى مدى قرون عديدة، وعلم بعمليات النهب التي قامت وتقوم بها السلطات العراقية والأحزاب الشيعية والسنية المهيمنة كعصابات، وتبديدهم لثروات العراق لئلا تقوم لها قائمة وتقوى كدولة مواطنة، إلى جانب السطو الإقليمي قبل الخارجي على أموالها، كإيران وتركيا ودول الخليج، وسرقاتهم السنوية لدخلها الوطني والتي جعلت العراق في شبه مجاعة، وتركها ببنية تحتية كارثية، مقابل كوردستان المزدهرة.
6- وفي الفترة الأخيرة بدأت موجة مهاجمة عملية الاستفتاء بإثارة قضية المناطق الكوردستانية المسماة بالمتنازعة عليها، وتاريخ هذه الحجة معروفة لكل مطلع سياسي، وقضية التأجيل المتعمد للمادة 140 والتي صرحت بها وبشكل مبتذل النائبة حنان الفتلاوي على الإعلام، المدعومة من المالكي، ودورهما الفاضح في تقوية داعش، وفي هدم المسيرة الوطنية وخرق الدستور والقانون العراقي وبدون أن تتم محاسبتهم.
7- والأغرب من كل الأسباب والحجج، حقد البعض بعدمية الجغرافية الكوردستانية، وكأن ديمغرافية كوردية بقرابة أربعون مليون إنسان (رغم كل عمليات التعريب، والاستعراب، والمهجرين والمهاجرين إلى دول الجوار والعالم وعلى مدى القرون الماضية، قد نصل إلى نسبة سكانية أكثر من المذكور) سقطوا فجأة من السماء على بقعة جغرافية وبقدرة قادر سميت بكوردستان! وقد جندت السلطات الإقليمية المحتلة لتلك البقعة، شريحة من الأقلام العروبية الرخيصة، وبأسماء وهمية، وكأنها شخصيات من الشعوب غير العربية، لعرض أتفه أفكارها على بعض المواقع العروبية، مرفقة بأضحل المفاهيم والفبركات التاريخية، عن كوردستان والشعب الكوردي.
ولا شك حجج مماثلة للمذكورة توجه إلى الكورد في جنوب غربي كوردستان الطامحين لبناء نظام فيدرالي، رغم محاربة الكورد لأبشع المنظمات الإرهابية (داعش) وتحرير شعوب المنطقة من شرورها. ومعظم هذه الحجج تعرض من منطلقين: الأول لأن هذه الأنظمة تدرك بأنه كوردستان القادمة ستكون عامل زوالها. والثانية نزعة الأنا وثقافة إلغاء الأخر، المتراكم منذ عصر السيادة والموالي، ومراحل حصر الخلافة في قريش ومن بعدهم في العرب، رغم أن هذه العنجهية كانت قد دمرت على يد الدول العديدة التي جعلت الخلافة العربية مجرد أسم لا أكثر، قبل أن تعاد إلى الحياة عن طريق الأنظمة العروبية ونزعة الخلافة العثمانية، ونهج أئمة ولاية الفقيه.
لا تكفي معرفة، مؤامرات السلطات الإقليمية، وأساليب محاربتهم للكورد، والأوبئة الثقافية والسياسية التي بثتها الأنظمة الإقليمية بيننا على مدى القرون الماضية، فمعظمنا، في الحركتين الثقافية والسياسية الكوردية والكوردستانية، متفقون على أنها تنهشنا والمجتمع، لكننا مع ذلك لا نقوم بالخطوات العملية اللازمة للتخلص منها، إلا ببطء غريب، وأغلبية محاولاتنا غير جدية عند التطبيق على الذات وعلى الأخرين، وخير علاج من هذه الأوبئة هي الإصرار على التحرر من إملاءات القوى الإقليمية، والاستفتاء ومن ثم الاستقلال، وإقامة النظام الفيدرالي في جنوب غربي كوردستان.
يجب ألا نبالي كثيراً بزعيق القوى الإقليمية وأدواتها، فمعارضتها للحق الكوردي لم يكن سراً يوما ما، وعلينا أن نعلم بأنه كلما قربت القضية الكوردستانية من حلولها النهائية، ارتفعت نبرة التهجم والتهديدات، وكلاهما مؤشران لبدايات انهيار الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع
التعليقات مغلقة.