الدكتور محمود عباس: كرهاً بالكورد ..
ما قدمه الكورد لشعوب المنطقة بعد الإسلام ، تجاري خدمات أغلبية قادته في الواقع السياسي العسكري، وأمتهم في الحيز الإنساني، وفقهاءهم في خلافاتهم المذهبية، ومن الذين حاولوا تقليص الصراع بين الشيعة والسنة لمصالح سياسية. ولم تنفع أغلبية الشريحة السياسية والثقافية التكفيرية والقومية العنصرية، نتائج علم الكلام، والفتاوي، ولا تأويلات العلماء المسلمين الجاهدين لتهذيب فرقهم الضالة، بقدر ما نفعهم الوجود الكوردي، شعباً وقضية
ساعدهم الكورد في تخفيف أو طمر الصراعات، المليئة بالأحقاد، والدائمة الحضور بين سلطاتهم الاستبدادية، بسوية لم تستطع أية جهة فعلها. ليس لأنهم تدخلوا وأقنعوهم، أو جروهم إلى حوارات للمصالحة، بل على خلفية ثقافتهم المليئة بالحقد والعداوة للكورد، والرهبة المتزايدة كلما تصاعدت المكتسبات الكوردية
فلم يعد غريباً للكورد، ذوبان معظم صراعات القوى الإقليمية عند حضور القضية الكوردية، والموجة العدائيةالجامعة بينهم تثبت هذه الحقيقة، فتحت حجج وتأويلات متنوعة، وبعد صراع دموي طال أكثر من سبع سنوات، في سوريا والعراق واليمن وغيرها من المناطق الساخنة، يتفقون على وضع خطط مشتركة ضد الاستفتاء المحدد إجراءه في 25-9-2017م في الإقليم الكوردستاني الفيدرالي، وضد الطموح الكوردي في جنوب غربي كوردستان على إقامة كيان كوردستاني بنظام فيدرالي، وهما خير مثالين في حاضر المنطقة، القضيتين التي جمعت سياسيين وعسكريين من الصف الأول، لأكبر متخاصمين مذهبياً وقومياً، ونقصد أئمة ولاية الفقيه ، قادة المذهب الشيعي، وحكومة أردوغان المدافع على الحلف السني العالمي، وجميع المراقبين يعلمون أن نقاط الحوار تمحور على قضية واحدة، وهي القضية الكوردية، وخاصة الاستفتاء والنظام الفيدرالي، وهذا ما يؤكد عليه معظم المحللين السياسيين، ونحن هنا لا نود العودة إلى ماضي القوى الإقليمية المليء بالمؤامرات الخبيثة ضد الكورد، والتي كشفت مراراً تماهي أضغان أنظمتهم بين بعضهم عند حضور قضية كوردستان القادمة كدولة مستقلة كغيرها من الدول المجاورة. فعداوتهم المشتركة للكورد تدفعهم ليشكلوا قوة موحدة، عند كل صعود كوردي، خاصة عندما يدركون بأنهم لا يستطيعون المواجهة بشكل انفرادي
فرغم كل ما قدمه الشعب الكوردي وقادته التاريخيين من خدمات جليلة ومصيرية للشعوب المجاورة، تظل أنظمتهم مرعوبة من قوة الكورد الخام الكامنة، لأنهم يدركون أن قدوم كوردستان بكيان جيوسياسي سيجاري أكبر ًً الدول في المنطقة، مع وجود ديمغرافية واقتصادا وثقافة حضارية ستجلب اهتمام العالم، عاجلاً أم آجلاً
إنها لجدلية أكثر من غريبة: مقابل كل خدمة وطنية يقوم بها الشعب الكوردي أو محاولة لترسيخ مفاهيم الإخوة مع الشعوب المجاورة يتلقون مقابلها الضغينة والطعن من الخلف، وبعد كل انتصار لهم على المتربصين بشعوب الشرق يزداد حسد سلطاتهم المدموج مع الكراهية، وينشرونها بين شعوبهم وبتخطيط
فلقد أصبحت من المسلمات عند الكوردي رؤية تحالف القوى الإقليمية الشيعية والسنية ومؤامراتهم عند حضور قضيتهم، ومثلها اتفاق التكفيريين مع العلمانيين، وداعش أو أمثالها مع البعث، وتركيا مع إيران والمعارضة السورية مع سلطة بشار الأسد، وأئمة ولاية الفقيه مع الوهابية ومعهما المنظمات الإرهابية
فحضور القضية الكوردية في المؤتمرات والحوارات الدولية الأخيرة، سارعت من تلاحم معظم تلك القوى الإقليمية المذكورة، فتبدى وكأنه عامل خير للمنطقة، وهي كذلك فيما لو استمرت حواراتهم من أجل مصالح شعوب المنطقة!
لكن وللأسف فإن الأنظمة المبنية على ثقافة الكراهية والحقد لا تستطيع التخلص من سجيتها، ولن تحدث حتى لو خسر الكورد المكتسبات التي حصلوا عليها، وعادت قضيتهم إلى العتمة، لأنه سلطات وأنظمة ومنظمات يتشربون من ثقافة مليئة بالحقد والكراهية تجاه الأخر، وهذا ما نراه بين بعضهم عندما لا تكون القضية الكوردية مركز الاهتمامات العالمية في المنطقة
لقد أصبحت واضحة لدى المثقفين الكورد والشعوب الأخرى، بأن تنامي القوة الكوردية تزيد من مكتسبات الشعوب المجاورة، وهذا ما لا تود سلطاتهم تبيانه , ويعملون على طمسها، لأنها تضعفهم بالمقابل وتقلل من هيمنة أنظمتهم الشمولية الاستبدادية في المنطقة. فالسلطات الحاكمة تدرك بأنه كلما تمتنت العلاقة بين الكورد وشعوبهم تقترب نهاياتهم، وكرد فعل استباقي، يستخدمون كل الأساليب لتكريس الصور النمطية المعادية للكورد في لا شعور شعوبهم، ويجندون حركات ثقافية ومراكز أبحاث لتصعيد موجات العداوة ضد الكورد. وبالمقابل يخططون ضد رفاهية شعوب المنطقة، وعند محاولتها اكتساب وتطبيق المفاهيم الديمقراطية والثقافة الصحية، لأن التطور الحضاري سيؤدي إلى حالتين، أولا إزالتهم، وثانيا نجاح القضية الكوردية، وتدرك الأنظمة الإقليمية المحتل لكوردستان هذه الجدلية، وتعلم أن حصول الكورد على حقهم في تقرير مصيرهم، وبناء كيان سياسي ديمقراطي حضاري، ستكون مقابل ضعفهم أو زوالهم
وخير مثال على ما نحن بصدده، هي أن المكتسبات الكوردية ومطالبهم لا تنحصر لذاتهم بل تشمل كل شعوب المنطقة، وجميع أطراف النسيج السوري، وغاية الحركة الكوردية السياسية والثقافية تقديم الفائدة والأمان لكل سوريا، لأنهم يدركون أن حرية الشعب الكوردي من أحد أهم عوامل إزالة الهوة بين القوى الإقليمية السنية والشيعية المتصارعة، لأنها القضية الوحيدة التي تدفعهم لتخفيف الضغينة بين بعضهم إلى مراحل لاحقة، والتاريخ يشهد للكورد مثل هذه الخدمات المباشرة وغير المباشرة لشعوب المنطقة، بدءً من تحريرهم، في الماضي من الاجتياحات الأوروبية، وصون كرامتهم، وإنقاذ الإسلام ومسيحية الشرق، إلى اليوم وهم يتبوؤون جبهات الصراع ضد الإرهاب المجتمع في داعش والتكفيريين والعنصريين القوميين. وكان للكورد ولا يزال دور في تشذيب الأحقاد بين الفرق والملل الإسلامية المارقة
ولأهمية دور الكورد الحضاري في المنطقة، لا بد لهم من تجاوز خلافاتهم، والاتفاق على نقاط التقاطع، فهم إذا عرفوا كيف يحافظون على المكتسبات التي يحصلون عليها، وتفعيلها وتصعيدها، وتمكنوا من استغلال قوتهم الخام بشكل منطقي، فلا نستبعد بأنهم سيقودون في القادم من الزمن شعوب المنطقة إلىالحرية والحضارة
التعليقات مغلقة.