د. محمود عباس : إشكاليات مرسوم ضريبة الدخل الصادر عن ما تسمى بالـ الإدارة الذاتية الكوردية .
الدكتور : محمود عباس
ثانياً، نوهت بان الإشكالية ليست في مواد المرسوم بقدر ما هي في النتائج السلبية التي ستتمخض عنها، وقد لمحت، رغم معرفتي التامة بالبون الشاسع ما بين المرسوم والمثال التالي، مع ذلك هناك زوايا تجمعهما، وبشكل غير مباشر من حيث الإشكاليات والحيز الاقتصادي. ونحن نعرض كمثال جائر القرار رقم (49) الصادر من سلطة بشار الأسد، والكوارث التي نتجت عنها علما بأنه كان في نصه موجه إلى الشريحة المهربة الرأسمالية على الحدود! ولا علاقة للشريحة الفقيرة أو المتوسطة بها، من حيث البنود، لكن في خلفيته وأبعاده كان يشمل كلية المجتمع الكوردي، ولايزال شعبنا يعاني من إرهاصات ذاك المرسوم الرئاسي حتى اللحظة، وهنا حول المطروح على السوق التجاري للمنطقة نتحدث عن قضية نظام ضريبي وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والديمغرافية، على مستقبل الكورد في المنطقة، والمرسوم إن طبق سيجر معه مراسيم أخرى، لأن الحلقات الاقتصادية لا تقف عند حدود معينة، وهي عادة حمالة الأوجه، فمقابل الإيجابيات لقطاع معين، أو للسلطة، ستظهر السلبيات للمجتمع، أو بالعكس، وفي الحالة الأولى عادة إدارات الدولة تلغيها أو تقوم بتعديلها، وفي الثانية عندما تجلب الأرباح للدولة تستمر في ترسيخها، لأن تأثيراتها لا تظهر إلا بعد فترة، وكثيراً ما تأتي عملية إلغاء المرسوم أو القرار أو تعديله متأخراً، فتحصل الكارثة، وهو ما حدث لأوروبا وأمريكا في التسعينيات من القرن الماضي، وشملت عدة قطاعات، وخلفت كوارث بالتريليونات، وبطالة طالت الملايين، وهجرة رأسمال بلغت المليارات، وتدمير عائلات، وهجرة سكانية واسعة داخلية وخارجية.
وتأثيرات هذا المرسوم قد لا تكون على نفس السياق، ولكن هنا نتحدث في الحيز الاقتصادي لمنطقة فيدرالية في طور التكوين، لذلك فالمقارنة حتى ولو كانت غير مستحبة، فتأثيراتها ستكون على سوية المنطقة وثقل المرسوم بكل أوجهه، وليس فقط نسبة الضريبة، أو المبلغ الوارد، بل التأثيرات الخلفية، والقوة الحاكمة ستتأثر أكثر من المعارضة، والشريحة الفقيرة والمتوسطة أكثر من الشريحة الثرية، حتى ولو أنها ضريبة تصاعدية. وهذه الأخيرة التي لا تهمها حتى ولو جمعت منهم عدة ملايين في الشهر، فالذي يملك مليار ليرة ويدفع مليونين لا يهمه، أما الذي يجمع مليون ليرة ويدفع ألف فهي كثيرة عليه.
علما بأننا لا نحاور القضية من هذا المنطق الاقتصادي فهي تحتاج إلى تعمق وبحث واسع، كما ذكرنا سابقاً لنبين السلبيات الناتجة، أما الإيجابيات التي ستحصل عليها الإدارة الذاتية دون المجتمع وشرائحه المتوسطة والفقيرة فهي خاطئة، وستدرج السلطة إلى الحيز الاستبدادي، وهذه تعتبر من أحد أهم القضايا التي تثار في الدول الرأسمالية بين الأحزاب المتصارعة، ودائما تصبح من المواضيع الرئيسة التي يطرحونها في الانتخابات، لأنها تشد رأي الشارع أكثر من جميع النقاط الأخرى، وأقصد هنا قضية النظام الضريبي، وقد كانت نفس الطريقة التي وضعتموها، سببا في هجرة الرأسمال الأمريكي بأكثر من تريليون دولار.
وهنا في حالة المنطقة الفيدرالية القادمة، نبحث في إشكاليات أخرى، منها:
الهجرة الديمغرافية، والتي حدثت وعلى مدى السنوات الماضية وتجاوزت حسب التخمينات المليون شخص، وأكثر من نصف الشباب، وعلى الإدارة الذاتية البحث في العلاقة الخفية بين الهجرة والنظام الضريبي، والتي تدرج ضمن العامل الاقتصادي، ودراسة هذه القضية بعمق، وإذا كان البعد المعيشي سببا أو التخوف منه، فلابد من وضع بديل يعطي الأمان والراحة للمجتمع لخلق رد فعل عكسي، وكما لاحظنا، فالإخوة الذين قاموا بالمداخلة وكتبوا، وبينهم أطباء وكتاب وسياسيين، جميعهم اتفقوا على أن هذا النظام الضريبي سيؤدي إلى تفاقم الهجرة، وأغلبية المعلقين قاطنون في الداخل، ويعيشون المعاناة، أم المعارضين لإعادة النظر في المرسوم فلم يتحدثوا عن السلبيات بل ناقشوا البنود دون النتائج، وهو عادة تأييد بدون دراسة، وهذه الطريقة معروفة عند المجتمع السوري ومنذ العقود الماضية.
تفاقم الكراهية بقادم الكيان السياسي الكردي، من قبل الأعداء قد تجد تربتها المناسبة في مثل هذه المراسيم، وتزداد العداوة للإدارة الذاتية أو الفيدرالية، خاصة وأن موجة عدم الاقتناع بخدمات الإدارة الذاتية بدءً من الكهرباء والماء، والأسعار، وغيرها من الخدمات تتفاقم مع المراسيم الضريبية التي يسميها الناس فرض الإتاوات.
هذا المرسوم الضريبي سيخلق هوة بين سلطة الإدارة الذاتية، ومستقبل الفيدرالية، وبين المجتمع، ونحن لا نبحث عن المؤيدين السياسيين، أو التجمع الإرضاخي في الشارع، بل بما يجول في تفكير المجتمع دون البوح به، وهي ذاتها التي قالها يوما طاغية تاريخي لا نود ذكر أسمه، أريد ألسنة الناس لا قلوبهم، وعلى الإدارة الذاتية الحصول على قلوب المجتمع الكردي، وفي هذه القضية بالذات كان بودي الكتابة مطولا، وكيف أن مثل هذا المرسوم يقلل من حب الناس مقابل الألسن، وتجربة السلطات الإقليمية الشمولية واضحة أمامنا، والاتحاد السوفيتي سابقاً.
تأثيراتها على منطقتنا، ونتائجها سوف لن تظهر في الشهر الأول، لكنها ستتراكم مع الزمن، مثلها مثل جميع القوانين والمراسيم الخاطئة، والتي نتائجها الكارثية تظهر بعد أن يأخذ الوباء مداه، وهذه خطيرة على قادم الفيدرالية المأمول بأن تصبح مثالا لكل سوريا، فهذا النظام الضريبي وفي هذه الفترة بالضبط، وحيث مجريات الأحداث والوضع القائم، ستفاقم من السلبيات الموجودة، وفي الحيز الديمغرافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي.
كما وستؤدي إلى توسيع الهوة بين شرائح المجتمع، ولا نظن بأنها موجهة إلى الطبقة الثرية، وتجار الحروب، والذي حصلوا على المليارات بطرق غير شرعية وخلال فترة الحرب، والذين لا يوجد لديهم محلات واضحة، ولا مكاتب، وتجاراتهم وهمية، وأسواقهم غير معروفة، والأموال الملوثة تجمع عادة بطرق غير مرئية، فهؤلاء سيزدادون ثراءً وقد يعملون على تحفيز هذا النظام الضريبي، ويقدمون مساعدات جمة للتغطية، أما الذي سيتأثر ماديا أو نفسيا هي الشريحة الفقيرة والمتوسطة، وهي الأغلبية المطلقة في المجتمع الكردي.
النظام الضريبي، المعتبر من أحد أرهب السلطات في الدول الرأسمالية، وأضخمها، من حيث الخبراء، والإدارات، تحتضن إشكاليات نادرا ما ينتبه إليها المشرعون، وهي تتغير بشكل دائم، وتعدل، والشعب دائما في تذمر، وهي من أحد أهم القضايا التي ترجح كفة موازين الانتخابات. أما بالنسبة للدعم المادي بالإمكان الحصول عليه بطرق متنوعة، فهناك على سبيل المثال الموارد النفطية والزراعية، والدعم الخارجي، وغيرها، من أنواع المصادر.
ولهذا فمثل هذا المرسوم إلى جانب القضايا الأخرى التي تم ذكرهم في البداية، وفي هذه الظروف وحيث المعاناة بأشكاله، وبدايات تكوين نظام كردستاني، إن لم يتم تداركها بتعديل أو إلغاء بعضها، فستنعكس بالسلب على المجتمع وعلى الإدارة الذاتية، وسوف لن تخدم الفيدرالية القادمة، وستعقد الإشكاليات الداخلية والخارجية، وخاصة علاقاتها مع أمريكا وروسيا اللتين سيكون لهما الدور الرئيس في الكثير في المنطقة إلى فترة زمنية غير قصيرة.
المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر الموقع .
التعليقات مغلقة.