الأطفال بين مرارة الوطن المظلم و الغربة القاسية أضحوا قرابين هذه الحروب و المشاكل فهم كانوا الخاسر الأكبر في هذه المعمعة. أطفال أصبحوا للمدفعية و البندقية بارود يثلج قلب تجار الحروب وضاعوا في متاهات و خلافات بائعي حقوق الطفولة و الديمقراطية والحرية والعدالة. أطفال ولدوا في زمن ضاعت فيه الإنسانية وأضحوا طُعم لأسماك القرش و الحيتان و اختطفوا و جندوا في المجموعات المسلحة وانقادوا إلى ساحات القتال و أصبحوا أُمراء مجموعاتهم المسلحة. أطفال اُغتصبوا على أيادي الإجرام و الإرهاب و عديمي الضمير و الإنسانية الذين قتلوا البراءة و الطفولة و حولوهم الى مجرمين عن طريق غسل ادمغتهم بأفكار العنف و التكفير و القتال – لأنهم يعانون من فراغ في حياتهم من حيث الوقت و الفكر و العاطفة – في ظل تخاذل المجتمع الدولي في حمايتهم لانه سينشأ جيل يرون القتل و الاجرام جزء من حياتهم اليومية. و البعض منهم اصبحوا اعمدة بيوتهم و المسؤولين عن تأمين احتياجات عائلاتهم .
الأطفال في ظل هذه الحروب هم الضحية الأولى وإذا لم يصبهم أي مكروه جسدي فتصيبهم التداعيات النفسية وتؤثر على مستقبلهم و ينغلقون على أنفسهم و يبقون حبيسي ذاتهم و ينقطعون عن المحيطين بهم. لذلك ينبغي علينا جميعاً الإهتمام بهم و مساعدتهم لكي يبنوا مستقبلاً مشرقاً يليق بهم. و نلاحظ في مجتمعنا الكوردي عدم الإكتراث بهذه المشكلة و إبراز حلول لها في ظل تفرد حزب الإتحاد الديمقراطي بالسلطة و القرار في روج آفا كوردستان و سجلت حالات خطف بعض الأطفال من قبل مسلحيهم و اقتيادهم إلى ساحات القتال عوضاً عن تنمية قدارتهم العقلية و اكتسابهم المعرفة. لذلك يتوجب على مجتمعنا الكوردي الغوص في غمار هذه المشكلة العويصة وايجاد حلول لبناء مستقبل أفضل ومشرق لهؤلاء الأطفال ، ناهيك عن الأخذ بيدهم إلى العمل و حمل السلاح عوضاً عن افتتاح مراكز لتقويتهم الفكرية و العقلية و تنمية مواهبهم الفنية أو الرياضية و إقامة حفلات و مهرجانات لتخفيف التوتر والضغط النفسي عنهم وتدعيمهم.
ولمعرفة المزيد من معاناة الأطفال و تسليط الضوء عليها قام موقعنا بأجراء حوار مع ذوي بعض الأطفال :
السيد عبد العزيز علو من أهالي قرية الدلاوية التابعة لناحية أبو رأسين و المقيم حاليا في هولير -إقليم كوردستان و أب لأربعة أطفال صرح لموقعنا:
يا سيدي العزيز أنا هنا في إقليم كوردستان منذ ثلاث سنوات والوضع في روج آفا كوردستان – بكلمتين مختصرتين – لا يبشر بالخير وعلى وجه الخصوص بالنسبة للأطفال فالدراسة فرضت باللغة الكردية -ونحن لسنا ضد تعلم أبنائنا بلغتهم الأم- حيث يفتقدون إلى كوادر و اختصاصين متمكنين باللغة الكوردية فالذين يقومون بتدريس الأطفال هناك يفتقدون إلى الخبرة و المؤهلات التي تمكنهم من تدريس الأطفال. أما من الناحية الأمنية فالوضع غير مستقر إطلاقاً حيث المنطقة تتعرض لهجمات داعش و التفجيرات الإرهابية أيضاً و القصف التركي الهمجي لمناطقنا لا يتوقف لذلك ليس هناك أمان على حياة أطفالنا.
و أضاف السيد علو: عند وصولنا لإقليم كوردستان أطفالي بقيوا منقطعين عن الخارج و عانوا في الفترة الأولى من انعزالهم عن العالم الذي كانوا يعيشون فيه في سوريا من أصدقاء و أقارب. وأكمل علو حديثه: بالنسبة للأطفال هنا فليس هناك اختلاط بينهم وبين أحد لأنهم ينظرون إلى أطفالي نظرة الغريب الذي جاء و استوطن بلدهم، أما بالنسبة لحالتهم النفسية ، ففي الفترة الأولى أبنتي الكبيرة كانت تختلي بنفسها وتقوم بالبكاء وتتعرض لنوبات نفسية حادة من شدة الشعور بالوحدة.
و أختتم علو حديثه بقوله: نحن هنا في كوردستان العراق نحاول الانسجام مع الوضع هنا ولكن الأطفال مازالوا يحلمون بالرجوع إلى سوريا وأنت أدرى مني بحال سوريا، سوريا التي تدمرت بنيتها التحتية ومن الصعب أن تعود كما كانت ، وبكثرة الأطراف التي تتنازع على السلطة والنفوذ ليس هناك بوادر أمل تبشر بمستقبل مشرق لأطفالنا .
أما السيد حسن صادق أبو إبراهيم من أهالي ديرك و الذي يقيم في مخيم باريكا- السليمانية وأبٌ لخمسة أطفال صرح لموقعنا :
بتاريخ اليوم الذي عبرنا فيه حدود إقليم كوردستان و نحن نجيب أطفالنا – حين سؤالهم متى الرجوع إلى بيتنا إلى وطننا بين أهلنا و أقاربنا – و نرد عليهم لم يحن الوقت الآن لأنه لا نستطيع بسبب الحرب و عدم وجود الأمان ولا توجد كهرباء و نقص مستلزمات الحياة اليومية.
و أضاف السيد حسن عن الحالة النفسية لأطفاله :طبعاً هناك فرق بين حالاتهم النفسية الأن وقبل مجيئنا إلى هنا وهم لا يتحملون هذه الغربة و العيش في المخيمات بعيدين عن أهلهم و أصدقائهم، وحتى مخالطتهم بالأخرين قليلة، تصور يا عزيزي أنهم لا يرتاحون مع أبناء جاري- من أهالي كوباني – لأنهم ليسوا في نفس العمر و المنطقة . لذلك يذهبون قرابة 500 متر بعيداً عن البيت للعب و التحدث مع أصدقائهم الذين هم من نفس بلدهم.
وأردف السيد صادق بالقول: لا أعلم ماذا يخبأ المستقبل لأطفالنا الله الأعلم، وما هو مطلوب منا نقوم به ولا ندعهم يحتاجون لشيء و نستمر في الضحك على أنفسنا بأن الغد سيكون أجمل ولكن نوهم أنفسنا بذلك .
و اختتم السيد صادق حديثه حول سؤالنا عن تغير في سلوك أطفاله نتيجة رؤيتهم للأعمال الإرهابية :
للصدق أخي العزيز لا أدع أطفالي يشاهدون التلفاز ولا أدعهم يتابعون الأخبار التي تتعلق بأعمال العنف لكي لا يرون مشاهد القتل و الذبح الذي تقوم به المجموعات الارهابية كداعش و لا يؤثر على سلوكهم و عاطفتهم مثل هذه الأعمال الإجرامية و الإرهابية و أقوم بمراقبتهم لكي أحميهم من أصحاب النفوس الضعيفة التي تحاول اختطاف الأطفال و زجهم بين صفوف داعش الإرهابية أو بيعهم لعديمي الضمير من تجار الأعضاء البشرية و بالأخير اتشكر موقعكم اخي العزيز لأهتمامكم بهذه المشكلة الكبيرة.
هذه هي حالة الطفل الكوردي الذي ضاق الآمرين ، لذلك يجب على الأهل الحيطة و الحذر و الأهتمام بأطفالهم و عدم تركهم يعيشون حالة فراغ وأخص بالذكر الفراغ العاطفي فإذا انعدمت العاطفة و الحب بينه و بين أهله سيتجه نظرته إلى من يعطيه هذه العاطفة و يصبح عنيفاً وقاسياً ولا يكترث بحالة أهله، و أيضاً متابعة التغيرات التي تطرأ على سلوكهم ومحاولة تهدئتهم و اشعارهم بالأمن و السلام و الاستماع إلى مخاوفهم لتجاوز هذه المحنة و تنمية قدراتهم العقلية و الفكرية و مواهبهم الفنية و الرياضية
تقرير : فرهاد شيخو
إعلام ENKS مكتب كوردستان
التعليقات مغلقة.