يقول رئيس إسرائيل السابق “شمعون بيريز“: «لقد أسّس الكورد عملياً دولة ديمقراطية مستقلة، ولم يعد لوحدة العراق وجود».
إن جذور العلاقة بين الأمريكان والكورد السوريين ليست قديمة، فقد نشأت حديثاً وتحديداً في عام 2011 مع انطلاقة الثورة السورية السلمية ضد استبداد السلطة الحاكمة، هذه العلاقة التي لم تأخذ حتى الآن أي استراتيجية محدّدة أو صفة سياسية رسمية، فقط كانت مبنية على الأهداف التكتيكية المؤقتة والتعاونات العسكرية، التي كانت مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» على مدينة الموصل العراقية وانسحاب الجيش العراقي منها بكل سهولة وبساطة «وكأنّ الجيش العراقي خطّط لتسليم الموصل لداعش!!»، ووصول التنظيم إلى قرب مدينة هولير «المدينة الاقتصادية والتجارية والتي تعتبر خطّاً أحمراً بالنسبة للشركات العالمية وكبار رجال الأعمال»، فانفتح الأمريكان على الكورد ونظموا معهم لقاءات واتصالات مع قيادات الكورد السياسيين والعسكريين، والذي أنتج عن هزيمة داعش في كوباني ومنبج والرقة والموصل.
وقبل أن تزرع أمريكا أولى جذور علاقاتها مع الكورد السوريين، فقد بدأتها بالكورد العراقيين، فبعد هزيمة صدام حسين في حربه على الكويت، دعمت أمريكا مع حليفتيها فرنسا وبريطانيا على إنشاء منطقة آمنة ضد الطيران العراقي الذي كان يقصف المناطق الكوردستانية، الأمر الذي أدّى إلى تحرير ثلاث محافظات من إقليم كوردستان (الموجودة الآن) بما فيها حقول النفط، فتطوّرت هذه العلاقة بشكل ملحوظ مع انهيار نظام صدام حسين عام 2003، فاتخذت من كوردستان منطلقاً لإقامة قواعد عسكرية، التي توزّعت على الشكل الآتي بحسب مصادر إعلامية: “قاعدة قرب شنكال، وأخرى في الحرير قرب هولير، إضافة إلى قاعدتي حلبجة بمحافظة السليمانية والتون كوبري في كركوك”، إلا أن قاعدة حلبجة تقلق إيران، لكونها في السليمانية والتي تعتبر بمثابة اليد الأمريكية التي تمتد في العمق الإيراني.
الشارع الكوردي في سوريا يسأل باستمرار كنتيجة عكسية حيال الموقف الأمريكي الغامض من الكورد، فهم لا يعلمون ماذا تريد منهم واشنطن، «حلف دائم أم مصالح مؤقتة؟!»، بعض أن وضعتهم في مواجهة حرب ملتهبة وبالغة التعقيد مع مقاتلي تنظيم داعش، هم يسألون:
– أتصبح كوردستان ولاية أمريكية أم إسرائيل ثانية؟
– الدعم الأمريكي “الازدواجي“ للكورد السوريين أهو استراحة محارب أمريكي كي يتدخّل بعدها – عند بلوغ التفكّك السوري ذروته – ويلتهم أخضرها ويابسها، ويعود لحليفه التركي أم بداية مُبشّرة لفتح باب العلاقات وإقامة حلف دائم ومتين معهم؟
– أليس غريباً أن ترفض إدارة واشنطن التعاون السياسي مع الكورد، في الوقت الذي تتعاون فيه معهم عسكرياً؟
– وهل هناك مؤشّرات على أن يصبح الكورد في سوريا ضحية المصالح والاتفاقيات الدولية، إزاء رضوخ الدولار الأمريكي للروبل الروسي، وبالتالي التعرّض للخيانة مثلما حدث لهم دوماً على مرّ التاريخ؟
– ما هي الاحتمالات التي تلوّح في أفق غربي كوردستان؟
– إن كانت أمريكا تريد التخلّي عن الكورد!! فلماذا تبني القواعد والمطارات العسكرية الضخمة في كوباني، وما الهدف منها؟
– أيّ المعسكرين ستختارهم «السنّي المتطرّف أم الشيعي المتطرّف»، أم أنها ستختار المعسكر الذي أثبت عن فعاليته ضدّ تطرّف السنة والشيعة المتشدّدين بحق الإنسان؟
إن الاستراتيجية الأمريكية البعيدة المدى، تعتبر التخلص من العقبة الروسية شرطاً للاستمرار في تنفيذ أهدافها، من حيث أن تكون السيادة لها طيلة العقود الخمسة القادمة ودون عقبات، والحفاظ على عملتها واقتصادها وشعبها من أي ضرر أو تهديد، وتعزيز مكانة إسرائيل الاستراتيجية وفق مبدأ إدارة الحرب ورسم أولويات الحياة السياسية والاقتصادية، وربما إعادة السيناريو الأفغاني مع الروس في المشهد السوري، هي واحدة من تكتيكات تلك الاستراتيجية، ليتفرّغ الأمريكان في تعزيز وتجميع غنائمهم بعد استنزاف الروس، لتحكم بذلك الشرق الأوسط، فهم يلعبون لعبة كبيرة، يدعمون القسم الكوردي الفاعل على الأرض، ليس محبة بهم أو نصرة لحقوقهم بل لاستخدامهم كأدوات تنفيذية ضمن مشروعها الإقليمي الهادف إلى السيطرة الكاملة على مناطق الطاقة من جهة، ومن جهة ثانية إعادة تطويع تركيا الأردوغانية، بعدما تجاوزت الحدّ المسموح به من اللاءات، ولتحقيق التوازن بين الكورد والأتراك، كحليفين لها في المستقبل، ضد أي خطر يهدّد إسرائيل أولاً ومصالحها ثانياً.
أمريكا أرادت دائماً أن تتخذ روسيا قراراً ينصّ على التدخّل في النزاع الدائر في سوريا بشكل مباشر، خاصة وأنها حاولت مراراً استدراجها في ذاك النزاع بتحقيق نتائج تدريجية من خلال قيادتها للتحالف الدولي ضد داعش، وهي تدرك جيداً أن روسيا منهكة اقتصادياً، جراء أزمات جورجيا وأوكرانيا والقرم وانخفاض أسعار النفط، وهي تحاول اليوم إعادة أمجاد ستالين ولينين وبريجينف بصورة أو بأخرى، ولا ننسى أنها حررت العديد من الشعوب الأوروبية في نهاية الحرب العالمية الثانية، وأهمية أن يكون لها حضورها الفاعل على ملاعب أزمات الشرق الأوسط، ومنافسة اللاعب الأمريكي الأوحد الذي لم يظهر مَن يتصدّى له، وقد يبدو للمتابع من الوهلة الأولى أن هناك اتفاقاً بين الروس والأمريكان على إدارة الحرب وتجريب أسلحتهما الحديثة على الأرض السورية، مع بعض الاختلافات والخلافات في تفاصيلها، لكن من واقع الأحداث يمكن القول بأن الأمريكان ما زالوا يعتبرون الدبّ الروسي حيواناً شرساً، وقد يقضي على تطلعات التوسّع الاقتصادي الاستراتيجي الأمريكي نحو دول الشرق الأوسط الجديدة بمخالبه الجامدة، وثبت ذلك في مواجهة أحداث أوكرانيا وجزر القرم، التي انتصر فيها الروس على الغرب بعض الشيء، وكان لهم الصوت الأعلى في توجيه الأحداث، وهذا ما يبدو أثار الأمريكان، وربما دفعهم لاستدراج جديد للروس.
لكن هذا التدخل الجوي الذي برّرته موسكو شرعياً بأنه “طلب رسمي من دمشق للمساعدة في محاربة الإرهاب“ أنتج تغيّرات ونتائج جديدة لم تكن في الحُسبان، فقد تغيّرت مواقف بعض الدول من رحيل الأسد، كالسعودية وتركيا وقطر وفرنسا. فقطر غارقة اليوم في مشاكلها وأزمتها الدبلوماسية مع الدول الخليجية بعد أن موّلت جهات إرهابية سورية وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين. تركيا تريد القضاء على التمدّد الكوردي بتنازلها للأسد ودعمه في الحكم، والذي بدوره سيتنازل عن وكلائه المكلّفين بتوجيه الشتائم إليها ومحاربتها لكونها قالت «لا حلّ في سوريا دون رحيل الأسد»، بعد أن يكونوا قد أدّوا مهمة القضاء على معارضيه في المنطقة، دون أن تفكّر في أن ذلك قد يؤثر على علاقاتها مع شريكتها القديمة. السعودية تعمل على إعادة ترتيب الأوراق في أروقة الائتلاف السوري المعارض، حيث طالبت من المعارضة بضرورة الخروج برؤية جديدة تتماشى مع الوقائع على الأرض والوضع الدولي الجديد، وحذّرتها من أن تنسى ورقة «استحالة استبعاد الأسد من السلطة»، وتجتهد في البحث في مدة بقائه في المرحلة الانتقالية وصلاحياته في تلك المرحلة، وهنا أسأل: «الدعم السعودي للسوريين ضدّ الأسد كان لمنع إيران من السيطرة عليها وكذلك الشأن بالنسبة لليمن. ما الذي تغيّر حتى غيّرت موقفها؟ وهل سترضى بتوسّع الشيعة الإيرانيين في سوريا واليمن وتهديد حدودها وأمنها القومي مستقبلاً؟». أما الرئيس الفرنسي الجديد “إيمانويل ماكرون“ افتتح ولايته بانقلاب صريح على سياسة سلفه في سوريا، بوقاحة لم يسبقه إليها أحد بقوله: «نظام الأسد هو عدوّ للشعب السوري، وليس عدوّاً لفرنسا»، وظهور نتائج اتفاق هامبورغ الشهير بين ترامب وبوتين حول ضرورة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا، وهو ما حصل فعلاً، وقد يسأل القارئ: «هل ترامب سيستأنف السياسة الناعمة التي اتبعها أوباما في التعامل مع ملفات الأزمة السورية؟»، وأخيراً انتقام الروس بشكل غير مباشر وغير علنيّ من أمريكا وما فعلتها بالاتحاد السوفيتي سابقاً.
في المحصلة نجد أن التدخل الروسي أحدث وضعاً وتوازناً جديداً، ذهبت بأكبر مكتسباته لصالح النظام السوري بقوة الطائرات والتدخلات البرية، والأهم من كل هذا وذاك هو أن هذا التغيّر لصالح تحالف قوى الأمر الواقع بين روسيا الداعمة بشراسة للأسد، وأمريكا التي كانت غير جادة بترحيله، وبصفقة مضمونة بين الدولتين العظيمتين، يبقى فيها الأسد رئيساً شرعياً إلى أن يخرج منها عبر عملية انتقال سياسي غير مهدّدة لحياته لاحقاً بفتح جرائمه في محكمة الجنايات الدولية «فضح جرائم الأسد في محكمة الجنايات غير مفيد، تحسباً للفيتو الروسي» مقابل حماية إسرائيل ومراعاة مصالحها، وإبعاد إيران في تسوية مقبولة للسعودية المنهكة في اليمن والراغبة في الابتعاد عن تعقيدات الوضع السوري، وتلقين أردوغان درساً في عدم التمادي على الأسياد، وبذلك تكون روسيا حافظت على مؤسّسات الدولة السورية المتمثلة بالنظام ورأسه، وإجبار المعارضة والدول الإقليمية الداعمة لها على القبول بحلّ سياسي وفق رؤيتها وشروطها، بتأثير الوقائع التي فرضتها على الأرض بسلاحها الجوي، والسؤال هنا: «كيف ستضغط أمريكا على الأسد لإخراجه من السلطة عبر عملية انتقالية، طالما أن روسيا لا تزال حتى هذه اللحظة تؤمّن كل الغطاء السياسي والعسكري المطلوب لبقائه؟».
بالعودة إلى سياسة واشنطن الخارجية في سوريا، نراها اليوم ترسم معالمها من جديد وبحذر دقيق، بعد أن كانت ضائعة بين الفرص التكتيكية والاعتبارات الاستراتيجية، وعدم قدرتها على إدارة أجندة اقتصادية محلية أو سياسة خارجية متماسكة، كون البيت الأبيض أصابه الاضطراب والكونغرس يعاني من حالة الشلل والانهيار السياسي، والتي قد تنتهي إلى إقالة دونالد ترامب عن السلطة، بعدما فشل في الانسجام والتوافق مع المؤسّسة الحاكمة أو حتى ترويضها، خاصة في ظل وجود تنوّع الجماعات الإسلامية والمعتدلة التي تحارب في الساحة السورية، وانعدام ثقتها بحليفتها تركيا، التي باتت همها الأول والأخير حرق الورقة الكوردية من أي معادلة مصيرية، لذا لا بدّ لواشنطن أن ترسم أهدافها بوضوح حول سوريا عموماً والكورد بشكل خاص، فهي إلى الآن لا تعرف ما إذا كانت تريد تحجيم التنظيمات الإرهابية، أو إسقاط النظام البعثي، أو الاختيار بين الحليف التركي الذي خيّب أملها مراراً وتكراراً في حملتها ضدّ داعش «تفعيل قاعدة إنجرليك الجوية مثالاً»، أو دعم الحليف الكوردي الجديد الذي فاق كلّ التوقعات، وأثبت باستمرار أن بإمكانه الاستفادة من التدخل العسكري المحدود لواشنطن، دون أن تنسى ارتباطاتها وعلاقاتها الحميمية مع دمشق وطهران.
لكن الأمر المتضح أكثر، هو أنها مع حلفائها تريد أن تتفكّك سوريا بشكل تام، ولا تريد لمشاكل المنطقة أن تنتهي، ذلك أنهم حققوا أربعة أهداف رئيسية في الأزمة السورية:
أولاً: أفرغوا كل مستودعاتهم المليئة بالأسلحة القديمة إبان حربي العالميتين، وأرسلوها إلى ثوار سوريا بصفقات مالية كبيرة، مقابل الحصول على النفط والغاز والطاقة وحماية إسرائيل.
ثانياً: سوريا أصبحت ساحة اختبار للأسلحة المتطوّرة والترويج التجاري لها والكشف عن مزاياها ومزايا أسلحة الأطراف الأخرى، كطائرة «رابتور» التي لا يمكن أن يتعقّبها الرادار، وطائرة «MQ-9 Reaper» الفتاكة التي تعمل بدون طيّار، والطائرة المدرعة «سو ـ25» المخصّصة لدعم القوات البرية، ومروحية «مي -24»، وناقلة الأفراد المدرّعة «بي تي أر ـ82»، وقاذفة «سو ـ34»، والكثير من الأسلحة الحديثة والمتطورة بأحدث التقنيات.
ثالثاً: أفرغوا سجونهم ومعتقلاتهم المليئة بمجرمي الحروب ومنفذي الجرائم ومهرّبي المخدرات، وجعلوهم ينضمون إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة وباقي الفصائل الإسلامية المتشددة، فبحسب تقرير لمفوضية العدل الأوروبية فإن أوروبا تخلصت من 6000 مجرم ومريض نفسي، ممَن سافروا إلى سوريا والعراق وتركيا للالتحاق في صفوف تنظيم داعش، فيما أفاد تقرير أعدته مؤسسة الاستشارات الأمنية «مجموعة صوفان»، بأن نحو 31 ألف شخصاً من 86 بلداً على الأقل، سافروا إلى الشرق الأوسط للالتحاق بالتنظيم نفسه.
رابعاً: تحويل أوروبا من قارة عجوزة إلى قارة فتية، نظراً لشيخوخة المجتمعات الأوروبية، وحاجتهم إلى الطاقات الشبابية المتجدّدة، وتنشيط الحياة الاجتماعية، وتنمية الاقتصاد.
بالعودة إلى صيغة السؤال التي وضعتها عنواناً عريضاً للمقال «ماذا تريد واشنطن من الكورد؟!».
لعلّ الإجابة عن هذا السؤال المطروح بقوة على الساحة الكوردية جراء تذبذب الموقف الأمريكي الغامض ينقسم إلى شطرين، ففي إجابة الشطر الأول المحصورة بغربي كوردستان، فالموقف الأمريكي حيالهم لازال غامضاً مليئاً بشوائب كثيرة، حيث جاء على لسان “دوغلاس أوليفانت“ المستشار السابق للرئيس الأميركي باراك أوباما «إن سبب توجّه واشنطن لدعم وحدات حماية الشعب الكوردية في سوريا يرجع إلى أنها تتطلّع إلى حلفاء في سوريا لمحاربة تنظيم داعش، خاصة بعد فشل برامجها لتدريب المعارضة السورية المعتدلة»، إذاً السؤال المهم: «لماذا لم يقل أن أمريكا تتطلّع إلى التمسّك بالكورد السوريين على أنهم حلفاءها الجدد، بعد الخيبات التي عانوها من حلفاءهم القدامى (تركيا نموذجاً) أم أن الإفصاح عن هذا الحليف قد يكرّس أزمة كبرى وشروخاً اجتماعية في سوريا والعراق والمشرق العربي كله، أو من الممكن أنها لا تحبّذ أن يربط الكورد السوريون أنفسهم بمحور دمشق – بغداد – طهران؟»، لكن هناك حقيقة شائعة منذ بداية الأزمة السورية «أن ما تقوله أمريكا في العلن تفعل ضدّه في السرّ»، أي أنها مع قيام إقليم فيدرالي أو حكم ذاتي للكورد السوريين، والأمر الذي أراه مؤكداً، هو أنها لن تتخلّى عن الكورد، وستزرعهم في الشمال السوري ككيان كوردي وباسم «مواطن سوري وليس كوردي»، مثلما زُرعت بريطانيا إسرائيل في فلسطين، لكونها ستموّلهم سياسياً وعسكرياً وتوجّههم ضدّ أي توسّع على مناطق نفوذها، مع السماح للكورد باسترجاع حقوقهم المشروعة.
أمريكا وصلت إلى قناعة أنها لا تستطيع شراء الكورد بهذه السهولة التي مكنتها من شراء العرب على طيلة عقود من الزمن، فهي اليوم توضّح معالم موقفها من جنوبي كوردستان رويداً رويداً، نحو بوادر وعلاقات إيجابية متينة، «دولة عظمى تجاه دولة ترسم حدودها بالدمّ والحديد»، فالدعم الأمريكي للجنوب الكوردستاني مرتبط بمدى إدراكها أن التمدّد الشيعي الإيراني يتوسّع ويزداد ثقلاً في مركز القرار ببغداد، وهي لا تريد أن يكون هذا التمدّد كلياً، لذا فوجود الكورد كقوة اقتصادية وأهمية استراتيجية بدولة مستقلة قرب إيران سيضعف بالتأكيد الوجود الإيراني، لأن تخليها عن حليف أثبت عن قدراته السياسية والعسكرية التأثيرية في المنطقة والعالم بفضل الحكمة والخطّة التي رسمتها وانتهجتها بجدارة ضد الإرهاب، يعني أن العراق ستكون بأكمله للشيعة وبنسبة 80 بالمئة إن لم تكن أكثر، وربّما يعطيها حجماً وتوازناً محدوداً، وهذا ما لا تريده لا أمريكا ولا حلفائها الأوروبيين وعلى المدى البعيد جداً، وعند الضرورة ستضغط على أنقرة، التي غير راضية على ظهور دولة كوردية جارة لها، الأمر الذي قد يلقى معارضة شديدة من أنقرة، وبالتأكيد أيضاً من دمشق وطهران.
وفي ختام الكلام على العرب أن يتذكروا دائماً مواقف الكورد المشرّفة في كل مراحل حياة سوريا، وعلى الكوردي ألا ينسى مواقف الحكومات السورية القمعية وسكوت أشقاءها العرب تجاه الكورد، وأمريكا ستموّل الكورد السوريون بحذر شديد ببناء توازن استراتيجي بين الأتراك والكورد «خسارة أمريكا للورقة الكوردية في سوريا يعني زيادة نفوذ ودور الشيعة والسنّة الإخوانية المتطرّفة»، وستدعم الاستقلال الذي يسعى إليه إقليم كوردستان، لأنها ترى فيه حليفاً قوياً، ولأنها لا تريد أن تخسر الموارد الكثيرة التي في الإقليم.
إدريس سالم
كاتب وصحفي كوردي
التعليقات مغلقة.