المجلس الوطني الكوردي في سوريا

ظاهرة أطفال الشوارع في سوريا.. وقلق المجتمع الدولي« أنا طفل…دعوني وشأني…أريد أن ألعب »

501

دخلنا العام السابع من الأزمة السورية ومازال مأساة الأطفال تزداد سوءً دون إيجاد أي حل لإنهاء معاناة الأطفال أمام موت الضمير العالمي والإنساني وتعنت التجار ووحوش الحرب. لا يخلو رصيفاً أوشارعاً أوزُقاقاً إلا وفيه طفلاً أو أكثر إما نائماً أوجالساً وهو ينتظر من يسد رمق جوعه.

طفل الشارع هو الطفل الذي وجد نفسه دون مأوى ولا مكان يرحب به سوى الشارع ولا أذان تستمع له سوى من هم مثله هو الطفل الذي يعمل من أجل البقاء، هو الطفل الذي يترك بيت أسرته ويفر إلى الشارع بين الحين والأخر ليقضي بعض الليالي بعيداً عن قسوة الأهل أو هرباً من الاكتظاظ أو الاعتداء أو الفقر.

تقسم اليونيسف أطفال الشوارع لثلاث فئات:

أولاً: القاطنون بالشارع: وهم الأطفال الذين يعيشون في الشارع بصفة عامة بما يضمه من مبان مهجورة وحدائق العامة وعلى الأرصف وأماكن أخرى، وهم أطفال يعيشون في الشارع بصورة دائمة أو شبه دائمة بلا أسر وعلاقاتهم بأسرهم الأصلية إما منقطعة أو ضعيفة جدا.

ثانياً: العاملون بالشارع هم من أطفال يقضون ساعات طويلة يوميًا في الشارع في أعمال مختلفة غالبًا تندرج تحت البيع المتجول والتسول، وأغلبهم يعودون لقضاء الليل مع أسرهم وبعض الأحيان يقضون ليلهم في الشارع.

ثالثاً: الأسر الشوارع وهم الأطفال الذين يعيشون مع أسرهم الأصلية بالشارع، وقد قدرت الأمم المتحدة عدد أطفال الشوارع في العالم ب 150 مليون طفل.

ظاهرة أطفال الشوارع في سوريا نتيجة عمليات القتل والتشريد والنزوح من الظواهر التي تثير قلق المجتمع الدولي خصوصا أمام استمرار الازمة السورية وازدياد عدد أطفال الشوارع في المدن السورية وفي دول اللجوء، تجدهم قرب المطاعم وعلى الأرصفة وفي الحدائق ولا ملجأ لهم ولا مسكن، فهم يتخذون بعض الأماكن و الحدائق المهجورة مكانا للمبيت، مفترشين الأرض وملتحفين السماء، معظمهم هؤلاء الأطفال ينحرفون، فيتعاطون التدخين والكحول، و قد تطور الأمر ليصل إلى حد الإجرام في عدد من الحالات.

مزكين 13 عاماً يدور كل يوم من الصباح وحتى المساء في شوارع قامشلو وفي يده سيكارة يتباها بها أمام الناس سألناه عن سبب عدم ذهابه للبيت فقال: «أفضل الشارع على البيت، فهناك دائما مشاجرات في البيت بين أخي الكبير ووالدي وأمي، حيث يقوم الأول بسرقة الأمتعة مما يجعل أبي يطرده من البيت وأمي تتشاجر مع أبي على طرد اخي وهناك دائما صراع بينهم»

يقول أحمد مجيد قيسي مرشد نفسي: « يعد أطفال الشارع الأكثر عرضة للعنف والاعتداءات بجميع أنواعها وذلك نظراً لوجودهم على حافة المجتمع واعتمادهم على أنشطة هامشية لكسب العيش مثل التسول وأعمال النظافة والسرقات الصغيرة الأمر الذي يجعلهم في احتكاك مستمر مع أفراد الشرطة وبالتالي زيادة نسبة تعرضهم للعنف. يتعرض أطفال الشارع إلى العنف التقليدي هو العنف الذي يمارس تجاه أطفال الشارع من قبل المسؤولين والشرطة فهم طبقة مهمشة لا يهتم أحد سواء من المسؤولين أو حتى أقاربهم بالدفاع عنهم. ويتعرض هؤلاء الأطفال لهذا النوع من العنف لأنهم ليسوا فقط رمزاً لفشل المجتمع في توفير الجو الملائم لنشأة هؤلاء الأطفال ولكن كما يعتقد المسؤولين هؤلاء الأطفال يشكلون تهديداً حقيقياً لمجتمعهم فالبعض من هؤلاء الأطفال لم تقم أسرته بتسجيله بعد الولادة، الأمر الذي يتنافى مع المادة رقم 7 من الاتفاقية الدولية حقوق الطفل والتي تعطي للطفل الحق في التسجيل الفوري بعد الولادة بالإضافة إلى الحق بالاسم والجنسية ومعرفة الوالدين وتلقي الرعاية ومن هنا لا تجد الشرطة أي عائق في ممارسة أشكالاً من العنف الجسدي ضد هؤلاء الأطفال نظراً لأنهم أرض خصبة للكثير من الإتهامات».

يقول محمود حسين اختصاصي نفسي: «نستطيع اعتبار الطلاق من الأسباب الرئيسية لتفسخ هذه الظاهرة، ذلك أن افتراق الوالدين يعرض الأبناء للتشرد والضياع، ووجود مشاحنات بين أفراد الأسرة، يجعل الأطفال العيش بين الشارع والبيت، فالأطفال حساسون بطبعهم، وكل توتر يحدث داخل البيت يؤثر سلبا على نفسية الطفل الهشة فيجد بالشارع ملاذا لا بأس به بالنسبة لما يعانيه، لذلك الأطفال يتعرضون للاستغلال البشع من طرف الشارع، إما عن طريق تشغيلهم في ظروف صعبة أوعن طريق الاستغلال الجسدي».

هيثم 12 أعوام طلق والده أمه قبل سنتين يقول: «أبي رجل قاسي إذا لم أعد للبيت في آخر اليوم بمبلغ من المال فإنه سيقتلني ضرباً، لذا لا أستطيع  الرجوع إلى البيت إلا بعد الحصول على المبلغ من المال حيث أضطر للقيام بأي شيء للحصول على المال».

تقول فدوى أحمد إختصاصية علم الإجتماع: «تتعدد الأسباب المؤدية إلى تشرد هؤلاء الأطفال، حيث يعتبر الطلاق سببا رئيسيا في انتشار هذه المشكلة وخاصة طلاق الأسر الفقيرة، وأيضاً يتسبب الفقر في عدم قدرة الأسرة على رعاية أبنائها وتغطية احتياجاتهم الرئيسية من مأكل ومشرب وملبس وعلاج، فلا يجد الطفل غير الشارع، وأحيانا يطرد الأب أبنه للخروج للشارع رغما عنه، وكذلك المشاكل الأسرية، والسبب الأساسي هوالانقطاع عن الدراسة نتيجة الإجراءات المتخذة من قبل مايسمى الإدارة الذاتية الذي جعل المئات من الاطفال يحرمون من المدرسة، مما يعني إن كل أطفال الشوارع هم أطفال لم يكملوا تعليمهم حيث يصبح وقت فراغهم أطول وبذلك ينضموا إلي قافلة التشرد، كما يتعرض أطفال الشارع إلى عنف داخلي أو العنف الذي يمارسه أطفال الشارع تجاه بعضهم البعض أو تجاه بعض الأقارب. كذلك فان عدم إحضار الطفل للمال الكافي من الشارع يعرضه الى العنف من قبل اسرته، يؤدي العنف الداخلي إلى عدم الشعور بالأمان والإحباط والشعور بالذنب والسلوك العدواني والانطواء وتطبيع استخدام العنف كوسيلة لفض أي نوع من المشاكل والنزاعات».

يقول يوسف سالم حقوقي: «ان للعوامل المجتمعية‏ تأثير كبير على انتشار ظاهرة أطفال الشوارع فان النمو وانتشار التجمعات العشوائية التي تمثل البؤر الأولي والأساسية المستقبلة لأطفال الشوارع، والتسرب من التعلم ودفع الأطفال إلى العمل و التسول في الشارع، ونقص الأندية ومراكز استقبال الأطفال فيلجؤون إلى الشارع، وأيضاً تفاقم مشكلة الإسكان وعدم توافر المسكن الصحي وعدم تناسب السكن مع حجم الأسرة‏ وخاصة في مناطق النزوح واللجوء وارتفاع نسبة البطالة بين أرباب الأسر التي تدفع بأطفالها إلي الخروج و التسول في الشارع، لا يستطيع أحد أن يلومهم، فهم ضحايا قبل أن يكونوا أي شيء آخر، ضحايا عوامل كثيرة منها مجتمعية ومنها اقتصادية، لم ترحمهم و لم تترك لهم فرصة للخيار أمام صعوبة الظروف التي يعيشونها.

شيخموس12عاماً يظهر عليه معاناة التي يعيشها بثيابه المتسخة ووجهه المليء بالندوب وفي يده قطعة خبز مع حبة بندورة وعندما سألناه عن سبب حالته قال: «أعطوني مالاً كي أستطيع أن ألبس وآكل بشكل جيد لأن حال أسرتنا بالويل». فقد كان ردة فعله عنيفاً لغضبه وخجله من حاله.

تقول هيفاء مجيد طبيبة أطفال: «بالإضافة إلى مشاكل مجتمعية واقتصادية هناك أيضاً مشكلات الصحية وفي مقدمتها التسمم الغذائي ويحدث للأطفال نتيجة أكل أطعمة فاسدة انتهت صلاحيتها للاستخدام الآدمي، ولكن أطفال الشوارع يجمعونها من القمامة ويأكلونها، فالكثير من أطفال الشوارع مصابون بالجرب والتيفوئيد وهو أمراض المنتشر بين أطفال الشوارع نتيجة تناول خضروات غير مغسولة يجمعها أطفال الشوارع من القمامة أو بسبب تناول وجبة طعام تجمَّع عليها الذباب، وأيضاً مرض الملاريا سببها أن أطفال الشوارع يتعرضون لكميات هائلة من الذباب والناموس الناقل للملاريا أثناء نومهم في الحدائق العامة ليلاً دون أغطية تحميهم، وكذلك مرض الأنيميا حيث يصاب أطفال الشوارع بالأنيميا نتيجة عدم تنوع واحتواء الوجبات التي يأكلونها على جميع المتطلبات الضرورية لبناء الجسم نتيجة فقرهم وعدم توفر النقود لديهم، وأيضاً يصابون بكحة مستمرة وتعب في الصدر وذلك نتيجة استنشاق أطفال الشوارع لعوادم السيارات لتعرضهم لها طوال اليوم بالإضافة إلى تدخينهم السجائر وتعرضهم لنزلات البرد في الشتاء نتيجة بقائهم في الشارع ».

سلوى حسين تعمل ضمن منظمات تعنى بحقوق الطفل:« أطفال الشوارع هم اطفال مهمشون يحتاجون الى عناية خاصة، والمستوى التعليمي متدن ونسبة الأمية مرتفعة بسبب تركهم للمدرسة وينتمون لأسر ذات مستوى اقتصادي وتعليمي متدن أو اسرهم كبيرة العدد وتعيش في منازل ضيقة أسباب ظاهرة أطفال الشارع، وهناك أسباب خاصة بالأطفال أنفسهم تدفعهم إلى الشارع كالميل إلى الحرية والهروب من الضغوط الأسرية  أو غياب الاهتمام باللعب والترفيه في داخل الأسرة والبحث عنه في الشارع أو اللامبالاة من جانب الأسرة وعدم الاستماع الى الطفل والتحاور معه وتلبية حاجاته أو حب التملك فالشارع يتيح له نوع من العمل أيا كان ولكنه يدر دخل وقد يكون هذا العمل تسولاً أو إتيان أعمال منافية للحشمة والآداب، وهناك أسباب أسرية  كفقدان أحد الأبوين أو كليهما  أو تفكك الأسرى وتشتتت الأبناء بين الأب والام في النهاية يدفع بهم إلى الشارع والقسوة سواء من الأبوين أو من الأقارب والمحيطين أو حتى من المدرسة، والتمييز بين الأبناء داخل الأسرة الواحدة  من الأسباب الذي يولد الغيرة بينهم و قد يدفع الأبناء للهرب إلى الشارع، وهنا يجب التعامل مع مشكلة العنف الداخلي يجب مخاطبة الأسر وإقناعهم بالعمل على حُسن تربية وتنشئة أبنائهم مع الابتعاد عن سوء المعاملة والعنف ويمكن عند التعامل مع الآباء توضيح أنه ليس من المنطق أو حتى من العدل أن يرضوا المعاملة السيئة لأبنائهم إذا كانوا لا يرضونها لأنفسهم ويجب أن يتم الحوار دائماً في ضوء المعتقدات الدينية والثقافية»

وهنا يتطلب من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية والمنظمات المعنية بحقوق الطفل النظر بجدية لهذه الظاهرة الخطيرة الذي يهدد مستقبل أعداد كبيرة من أطفال سورية، وبذل جهود حثيثة من أجل إيقاف مسلسل العنف في سوريا وإيجاد حل سريع للأزمة السورية، والقيام بتأهيل وإيواء الأطفال وأسرهم، وتقديم كل ما يلزم لإخراجهم من هذا المستنقع الذي لا نهاية له.

عزالدين ملا

التعليقات مغلقة.