المجلس الوطني الكوردي في سوريا

 فزاعة التعددية في العقلية السورية….

138

للكاتب والسياسي مصطفى أوسو ..
فرض واقع رسم خارطة الدولة السورية الحديثة، بعد الحرب العالمية الأولى، وقائع أخرى جديدة، جعلت من المشهد السياسي فيها معقداً بدرجة كبيرة جداً، ومنها: أن أحد أركانها – الشعب- بات يتكون من، قوميات وديانات ومذاهب وطوائف، لها خصوصياتها وخصائصها المميزة، وأنه أيضاً وزع هذه المكونات بين عدد من دول المنطقة المجاورة، فبقيت العلاقة بينها قائمة، وخاصة القومية منها والكُرد بشكل أخص، وروابطها الطبيعية، قوية راسخة، رغم الحدود المصطنعة وقمع الأنظمة الحاكمة.
وإذا كان الانتماء الوطني، هو الجامع بين عموم أبناء الشعب السوري، فأنه لا يتعارض مطلقاً مع وجود الانتماءات الأخرى، القومية أو الدينية أو المذهبية أو الطائفية، التي يجب احترامها وعدم تجاهلها وإهمالها، والعمل على إزالة الغبن التاريخي بحقها – الترتيبات الجديدة لم تأخذ مصالحها بعين الاعتبار – وتوفير مستلزمات ممارستها لحقوقها كاملة. وهنا تجب الإشارة إلى حقيقة اختلاف طبيعة هذه المكونات ومدى تأثيرها على الحياة الاجتماعية ومسألة التعايش والسلم الأهلي، وبالتالي اختلاف كيفية التعامل معها ومع قضاياها وحلولها، فلا يمكن مثلاً أن تكون الحلول المقترحة لقضايا المكونات القومية هي نفسها بالنسبة لقضايا المكونات الدينية والمذهبية والطائفية.
في المراحل الأولى من نشوء الدولة السورية، تعززت العلاقة بين مكونات الشعب السوري، على صعيد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بفعل عوامل ومؤثرات عديدة ومختلفة، جمعتها الرابطة الوطنية السورية، ولكنها، التهبت وتقيَّحت، بتأثير من الأفكار القوموية العروبية، التي سادت فيما بعد، وانتهاج الأنظمة الحاكمة سياسة التمييز والاضطهاد وإنكار الحقوق، التي خلقت العديد من الإشكالات بين هذه المكونات، وعرضت الوحدة الوطنية لمخاطر جدية.
التأسيس لهذه المرحلة الجديدة، بدأ مع صدور دستور عام 1950 الذي أكد على عروبة سورية وشعبها، فألقى بظلاله القاتمة على جميع سياسات الدولة وتوجهاتها وقوانينها، كونه القانون الأعلى والأسمى في الدولة. وبقيام «الجمهورية العربية المتحدة» الوحدة بين سورية ومصر 1958 – 1961 مُنعت تماماً أي مظهر من مظاهر التعددية والاختلاف الثقافي – حظر التحدث باللغة الكردية – بأساليب عنفية قاسية، وكذلك فعلت الشيء نفسه، حكومة «الأنفصال» التي جاءت عام 1961 فقامت بتجريد عشرات الألاف من الكُرد السوريين من جنسيتهم – الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة – وبالتالي حرمانهم من جميع الحقوق المترتبة عليها، ليأتي بعدها حزب البعث، الذي استولى على الحكم عام 1963 مستكملاً فصول هذا العداء السافر للكُرد – القومية الثانية في البلاد ويشكلون حوالي 15 % من السكان – فطبق مشروع الحزام العربي في محافظة الحسكة – بموجبه تم نزع الأراضي الزراعية من الكرد وإعطائها للعرب من ريفي حلب والرقة – على طول الشريط الحدودي بطول 350 كم وعمق 20 كم، لإحداث التغيير الديمغرافي فبي المناطق الكُردية وتشتيتهم وتهجيرهم، تنفيذاً لتوصيات أحد ضباطه الأمنيين في محافظة الحسكة، الملازم أول محمد طلب هلال، وأصدر في هذه الفترة، العديد من المراسيم والقرارات والتعاميم، التي تستهدف الوجود القومي الكُردي، متكئاً على دستور فصله على مقاسه عام 1973 مختزلاً البلد في العروبة، والعروبة في حزب البعث، وحزب البعث في شخص الأسد. ولم يتغير نهج العداء للكُرد، بانتقال السلطة إلى الأسد الابن عام 2000 بعد وفاة الأسد الأب، حيث ارتكب عام 2004 مجزرة دموية رهيبة بحقهم في ملعب مدينة قامشلو وشوارعها، على أثر مباراة لكرة القدم بين فريقها المحلي وفريق الفتوة من دير الزور – اندلعت بنتيجتها انتفاضة عارمة في جميع المناطق الكُردية – وبقيت بعدها هذه السياسة مستمرة، فأصدر عام 2008 المرسوم التشريعي رقم 49 المتعلق بملكية العقارات في المناطق الحدوية، بهدف التضييق على الكُرد في مجال بيع وشراء العقارات، وخلق حالة من عدم الاستقرار فيما بينهم، ثم جاءت ثورة عام 2011 التي قام بها الشعب السوري للمطالبة بالحرية والديمقراطية والتعددية وصيانة الكرامة الشخصية، لتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وقطعت نهائياً الحبل السري للنظام بالحالة السورية، ليواجهها بالعنف وارتكاب جرائم القتل والاعتقال والتعذيب والتدمير والتخريب، وينخرط تماماً في المشروع الطائفي الإيراني وميليشيات حزب الله.
وهنا لا بد من ملاحظة، أن مواقف المعارضة السورية، من قضايا التعددية، لا تختلف كثيراً عن مواقف الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد، فهي أيضاً كانت ولا تزال أسيرة شرنقة عقلية الإنكار والإلغاء وعدم الاعتراف بالتعدد والتنوع والخصوصية. وتظهر فقاعة هذه المواقف، في حملات التشوية والتضليل الإعلامية الواسعة التي يقوم بها رموزها ضد المكوُّن الكُردي وقضيته القومية، التي تُعتبر أكثر القضايا المطروحة تعقيداً وتأثيراً على الوحدة الوطنية، وأيضاً انزلاقها للطائفية والمذهبية في خطابها وتفاعلاتها وعلاقاتها مع الجماعات الإسلامية المتشددة.
إن التعددية والتنوع والخصوصية في المجتمع السوري، ليست فزاعة، وأنما هي عامل للتطور والثراء وإغناء قيم المواطنة والانفتاح والتسامح والعيش المشترك، وأن المواقف السلبية منها، أوقعت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ” أفراداً ومكوناتاً ” نجم عنها تفجُّر أعمال عنفٍ داخلية ونزاعات أهلية، ألحقت الضرر الكبير بالحق في التنمية والسلام، ولا بد من معالجتها وإن كانت متأخرة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بالإقرار بحقيقتها واحترام حقوق الإنسان، وإدانة أعمال القهر والطغيان وشن الحروب عليها، وشجب السياسات والممارسات التي تقوم على الإنكار والإقصاء على أسس قومية وعرقية ودينية، وتعويض ضحاياها، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبلها، ودعم ومساندة توجهها ونضالها من أجل حقوقها، وفق قواعد القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والعمل على نشر ثقافة احترام الآخر والتعايش وتشجيع ثقافة الحوار والتبادل الثقافي والتفاعل الحضاري.

التعليقات مغلقة.