نتيجة الجهود والمساعي الدبلوماسية والسياسية الدولية منها والإقليمية الهادفة لاستكمال المباحثات نحو إيجاد حل سياسي للأزمة السورية وفي المقدمة منها حقن الدماء السوريين والسعي ابتغاء تحقيق قسط من الأمن وتوفير ما أمكن من الاغاثة و مستلزمات العيش ، تم عقد اجتماع استانا الأخير بين الدول الضامنة لوقف إطلاق النار ( روسيا ، إيران ، تركيا ) من جهة وعدد من ممثلي قوى المعارضة المسلحة ومقاطعة بعضها للاجتماع احتجاجا على الانتهاكات المستمرة لقوات النظام السوري ، كما تم لقاء جنيف7 الأخير برعاية الأمم المتحدة والاشراف المباشر للمبعوث الدولي ستفان دي مستورا ، بعد كل ذلك ظهرت بوادر إيجابية على الأراضي السورية منها الاهتمام الجدي بخفض التوتر في بعض المناطق الأكثر تأزما منها قنيطرة ، درعا ، سويداء ، وصولا إلى الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق وغيرها ، ما عزز هذا التوجه هو التوافق الأمريكي – الروسي إثر لقاء الزعيمين الأمريكي ترامب والروسي بوتين على هامش المنتدى الاقتصادي في هامبورغ بألمانيا المعروفة باسم الدول العشرين الغنية ، ويبدو أن الحل السياسي المنشود كامن بشكل أساسي في توافق تلك الدولتين المذكورتين إلى جانب الدول الأوربية والإقليمية المعنية بها ، حيث تقاسم مناطق النفوذ بينهما وعزمهما على طرد ميليشيا حزب الله اللبناني والقوات الإيرانية ، ومن المتوقع وضع ترتيبات جديدة تقضي بإنهاء الاقتتال الداخلي قبل نهاية العام الجاري باستثناء المعارك مع قوى الارهاب والتطرف ( داعش وأمثالها ) ، وبالترافق مع الإجراءات اللازمة التي قد تستغرق وقتا أطول نحو تحقيق الحل السياسي ، بدءا بوضع الأسس الدستورية ومرورا بالقضايا الأخرى وفق مرجعية جنيف وقرارات المجتمع الدولي في هذا الصدد ولاسيما قرار مجلس الأمن رقم 2254 وغيره من القرارات الدولية ذات الصلة ، وفي السياق ذاته يبدو أن خيار الفيدرالية لسوريا هو الحل الأنسب مع تباين في وجهات النظر بين فيدرالية الأقاليم وفيدرالية المحافظات المرفوضة من لدن العديد من المكونات السورية ومن بينها شعبنا الكردي الذي ينشد الفيدرالية لكردستان سوريا في إطار وحدة البلاد .
وفي الجانب الإقليمي ، يبدو أن هناك بوادر لأزمات عميقة بين مختلف الدول والأنظمة المعنية ، لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي ، جراء دعم دولة قطر للقوى الإرهابية في المنطقة ، حيث شددت بعض الدول العربية في سياستها حيال شأن قطر منها ( مصر والسعودية والبحرين والإمارات العربية ) وقاطعتها بقوة رغم الرسائل والوساطات المتبادلة ، و تبين بوضوح دعم ومساندة إيران لها كجانب هام من تدخلها في شؤون وقضايا دول المنطقة ، كما لم تدخر وسعا في عرقلة الجهود الرامية لإجراء الاستفتاء بشأن استقلال إقليم كردستان العراق ، الأمر الذي يثير حفيظة المجتمع الدولي والعديد من الدول العربية والإقليمية تجاه إيران وتدخلاتها المريبة ، مما يقتضي تقليم أظافرها بتضافر مختلف الجهود والمساعي الدولية والإقليمية في دعم المعارضة الإيرانية ، تجلى ذلك في الاهتمام الدولي المتزايد بمؤتمر مجاهدي خلق الذي انعقد مؤخرا في العاصمة الفرنسية باريس ، هذا ناهيك عما تتعرض له إيران من أزمات شتى نتيجة استفحال وضعها الداخلي سياسيا واقتصاديا وظهور طبقة تعاني الفقر المدقع ، هذا إلى جانب الصراع الداخلي بين المحافظين والإصلاحيين ، وكذلك النهوض المتزايد للمكونات الأخرى مطالبة بحقوقها القومية والسياسية مثل الأحوازيين العرب والشعب الكردي والبلوشي والآذري وغيرها ، إضافة إلى تهديدات إسرائيل المباشرة لها ، وعليه هناك من لا يستبعد حصول مواجهات عسكرية مع إيران في وقت لاحق ..
وتركيا هي الأخرى تلتقي ولو نسبيا مع إيران في تعاطيها مع الشأن القطري ، وقلقة جراء الوضع الكردي المتنامي على طول حدودها مع كردستان العراق وسوريا وحتى في داخلها ، وتحاول فرض الشروط على استقلال إقليم كردستان العراق ، وتسعى في الوقت ذاته إلى التوفيق بين مطامعها الإقليمية والحفاظ على حلفائها الغربيين ، وهي بذلك تجمع بين المتناقضات كونها دولة مبنية وفق أسس علمانية وبقيادة دينية إسلاموية ما يزيدها تخبطا ووقوعا في متاهات تعيق تقدمها ، فهي تتدخل في الشأن السوري سياسيا وعسكريا وخصوصا تهديدها الأخير بالدخول في منطقة عفرين بعد قصفها بذريعة تواجد (مسلحي ب ي د ) والذي جوبه بالرفض والاستهجان من لدن الجماهير والقوى الوطنية الأخرى ، وهي تارة مع روسيا وأخرى تحاول استعادة الثقة مع أمريكا وهكذا ، وبذلك وجراء سياستها تلك تعاني اليوم من أزمات داخلية لاسيما بعد محاولة الانقلاب العسكري الأخير ، حيث لائحة انتهاكات حقوق الانسان تزداد طولا بسبب الاعتقالات المتزايدة ، والقيمة النقدية مع دخل الفرد في تراجع ، أي أن الخط البياني للاقتصاد التركي يميل نحو الهبوط بعد أن كان في صعود ، وعموما إن الوضع السياسي والاقتصادي في تركيا لا يشيران إلى الهدوء والاستقرار ، ما يعني لو استمر الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى نتائج تخل بالموازين لصالح القوى المناهضة للسياسة التركية والمناوئة لها .
وعلى الصعيد الكردستاني ، يبدو أن مسألة الاستفتاء ( refrandum ) على استقلال إقليم كردستان غدت خيارا استراتيجيا لدى رئاسة وحكومة وشعب كردستان لا رجعة عنه رغم بعض المحاولات اليائسة كرديا وعراقيا وإقليميا لعرقلتها ودون جدوى فقد تم تحديدها يوم 25 / 9 / 2017 ، لا بل أصبحت النتيجة – بعد جهود مضنية – توافق القوى الكردستانية كاد أن يكون شاملا على فكرة الاستقلال عن العراق ، لأنها تعبر عن جوهر المشروع القومي الكردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني ، وقد حظيت مسألة الاستقلال تلك بدعم عموم القوى الكردستانية المؤمنة بمبدأ حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها بنفسها ، كما حظيت بتأييد ومساندة العديد من الدول الصديقة والقوى المحبة للحرية والديمقراطية ، وعليه فإن النشاطات والتحضيرات مستمرة في إقليم كردستان لتهيئة الجماهير من أجل استقبال هذا اليوم المبارك ، وكل الدلائل تشير إلى تحقيق نسبة عالية من أصوات الدعم والموافقة تفوق التوقعات ، مما يقتضي منا الواجب القومي ونهج الكردايتي نهج البارزاني الخالد إلى المزيد من العمل والنشاط عبر المحافل الجماهيرية لدعم تحقيق حلم الشعب الكردي في الحرية والاستقلال ، ومن الجدير ذكره أن النشاط والعمل من أجل إعلان الدولة الكردية المستقلة سوف يبدأ مباشرة بعد الانتهاء من الاستفتاء ، ليتم الالتقاء مع بغداد وعواصم الدول المجاورة وبعض العواصم العربية والدولية بغية كسب المزيد من الدعم والتأييد للدولة الكردية الوليدة .
من جانب آخر ، وفي سياق الوضع الكردي في سوريا ، يبدو أن الآفاق توحي بدنو فرص تقتضي ألّا تفوّت على شعبنا ، لاسيما خيار الفيدرالية غدا الخيار الأهم كحل سياسي للأزمة السورية ويتقدم على باقي الخيارات ، إلا أن ( ب ي د ) يسعى جاهدا وعلى عجل لتمييعه عبر ما أسموها بفيدرالية شمال سوريا وعزمه على إجراء انتخابات شكلية بعيدة عن إرادة شعبنا وتطلعاته نحو تحقيق فيدرالية إقليم كردستان سوريا على غرار إقليم كردستان العراق ، في الوقت الذي تسعى فيه بعض القوى السياسية ذات النزعة الشوفينية إلى الالتفاف عليها بطرح أو تبني خيار فيدرالية المحافظات ، وفي ذات الوقت يمارس ( ب ي د ) سياسة تضليلية ضد الحركة السياسية الكردية متمثلة بالمجلس الوطني الكردي في سوريا وضد المشروع القومي الكردستاني ، تارة يدعو إلى لقاءات تشاورية بزعم انعقاد مؤتمر قومي كردستاني مستهدفا بذلك الاستفتاء المعلن عنها في إقليم كردستان العراق بالتاريخ المذكور أعلاه ، وتارة يزعم هذا الحزب ضرورة وحدة الصف الكردي في هذه المرحلة الهامة ، وبنفس الوقت يمارس العكس حيال المجلس الوطني الكردي وأحزابه ومكوناته عبر الاختطاف لقياداته وكوادره وقيادات وكوادر أحزابه وإغلاق مكاتبه و مقراته ومكاتب أحزابه وشن الحملات الإعلامية عليه وتخوين قياداته ورموزه ، ما يعني أنه يقول شيء ويفعل العكس وهكذا ، لأن هذا الحزب قد تموضع في دوامة لا يجيد قراءة الواقع والمستقبل السياسي ، أو أنه يجيد القراءة لكن بحسب فهمه ومصالحه التي تقتضي ممارسة هكذا سياسة ..
ومن جانبنا نحن في حزبنا ” الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا ” وفي مجلسنا ” المجلس الوطني الكردي في سوريا ” عازمين على المضي قدما على نهج الكردايتي ” نهج البارزاني الخالد ” وكجزء هام من المشروع القومي الكردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني ، ما يقتضي منا عبر المسيرة النضالية تصويب الخطأ وتعميق الصحيح ، سواء عبر النشاط الحزبي أو من خلال المجلس الوطني الكردي أو من خلال الائتلاف والمعارضة الوطنية ، وأن نقف ضد السياسات الشوفينية والمناوئة لشعبنا ، وأن نسعى بجد في تعزيز العلاقة مع القوى الدولية والإقليمية ذات الثقل والشأن ومع الاتجاهات والشخصيات السياسية التي تمارس العمل بموضوعية سواء حيال حل الأزمة السورية أو حيال حل قضية شعبنا الكردي في سوريا عبر تحقيق الدولة الاتحادية ( الفيدرالية ) ذات نظام ديمقراطي برلماني ، دولة متعددة القوميات والأديان ، يتمتع الجميع في ظلها بحقوقهم القومية والوطنية وفق العهود والمواثيق الدولية ..
في 2 / 8 / 2017
المكتب السياسي
التعليقات مغلقة.