الكاتب : يوسف حمك
على طريقة الطغاة يسير في دروبٍ وعرةٍ ، تعثراته الكثيرة بعد الانقلاب الفاشل أدمت قدماه ، و أفقدته الصواب .
انقلب على الديموقراطية في الداخل بقمع كل المعارضين لسياساته الرعناء من صحفيين و قضاةٍ و محامين و أساتذة جامعاتٍ و ضباطٍ و عسكريين ، و إقصاء الآلاف من الموظفين ، و العشرات من رؤساء البلديات …..
الحصانة البرلمانية اغتالها برفعها عن ممثلي الشعب و اعتقالهم ، فزجهم وراء القضبان و على رأسهم رئيس حزب الشعوب الديموقراطي ( صلاح الدين دمرتاش ) بتهمة علاقته بحزب العمال الكردستاني ، رغم أنه تفاوض و عم السلام بينهم لمدة سنتين أو أكثر .
و الحرية الفكرية اعتقلها ، حتى التويتر لم يسلم من محاولات بطشه حينما هدد برفع دعوى قضائيةٍ عليه لأن أحداً هاجم عنجهيته و دفاعه عن بعض الفاسدين المحسوبين عليه من خلاله ، و ناهيك عن ( غولن ) رفيقه و صديقه .
و على الصعيد الخارجيِّ نافس الدول العظمى في الغزو ، فأقحم قواته في حروبٍ و تدخلاتٍ عدائيةٍ سافرةٍ في العراق و سوريا .
و في مصر دعم سياسة الإخوان المسلمين ضد نظام السيسي ، و جعل من نفسه وصياً على الشعب الفلسطيني من خلال دعمه لحركة حماس الإسلامية و معاداة إسرائيل ( قبل أن يدير ظهره عليهم ) .
و الأزمة الخليجية الراهنة لم تسلم من تدخله .
فبدأ يوبخ الدول الخليجية التي قطعت علاقاتها مع قطر ، و بتصرفه الاستعراضيِّ قرر إرسال المزيد من جنوده إليها ، رغم أنها غير مهددةٍ بالمواجهة العسكرية .
و من المضحك أنه يأتي بذكر القانون الدوليِّ ، في إشارةٍ إلى تلك الدول المقاطعة لقطر على أن موقفها تعارض هذا القانون .
و كأن كل حروبه و تدخلاته و مواقفه العرجاء تنسجم مع روح القانون الدوليٍّ ، أو لم يمارس أي خرقٍ إزاء بنوده .
و في واشنطن هجم حراسه على المتظاهرين العزل منتهكين كل القوانين و الأعراف الدولية ، و مبادئ حقوق الإنسان .
يعلم أن تركيا لم تعد جميلةً في أعين الأمريكيين و الأوربيين و الكثير من الدول ، لذا فكلما نطق هدد , ( و تهديده لا يقتصر على الكرد و الحكومة العراقية و الحشد الشيعي ، و إنما طال أمريكا أحياناً … )
و كلما تحرك ازداد تخبطاً .
هواجسٌ عديدةٌ سكنت روحه ، و الهاجس الأكبر هو : ( القضية الكردية ) .
ارتمى في حضن بوتين راكعاً لأن يتوكأ عليه لتقليص دور الكرد ،
و منه يهرول إلى واشنطن متوسلاً لإقناع الحصان الجامح (ترامب ) لتخليه عن دعم القوات الكردية بالسلاح و العتاد و تسليمه ( غولن ) .
إلا أن الفشل يظل يصاحبه كلما حاول ذلك ، و يمسي غارقاً في ورطته حتى شحمة أذنيه .
اضطر إلى أن يعتمد على شرذمةٍ من المقاتلين المعارضين للنظام السوريِّ لشن هجومٍ على عفرين الخاضعة للنفوذ الروسييِّ لوجستياً ، لفصلها عن باقي المناطق الكردية و الجزيرة ، و إحكام قبضته على تلك المناطق حتى إدلب ، و يهدأ من روعه و يخفف هلع شريحةٍ من الشوفينيين الحاقدين الذين على موائده يقتاتون .
لم يعد يلوي على شيءٍ سوى تحقيق ( أم هواجسه ) في الزمن الأمريكي الصاخب ، بتلقي وعوداً من إدارتها الجديدة ، و معضلته أيضاً تكمن في أنه لا يثق بوعودٍ ترامبيةٍ ، فسبق أن ذاق طعمها و وجدها باهتةً مجردةً من المواصفات المطلوبة ، خاليةً من ذمةٍ صادقةٍ .
يضع يده على قلبه متقطع الأنفاس ، مضطرب الجوانح من هول المصيبة لو أن السلاح بقيت في حوزة القوات الكردية بعد تحرير الرقة ، و ظل التعاون سارياً بينها و بين أمريكا .
يدعي أن أمن بلاده مهددٌ بهذا العتاد ، و أن حقوق الكرد مؤامرةٌ ، و نضالهم إرهابٌ ، و وقوفهم إزاء الظلم و القهر و هضم الحقوق خيانةٌ …
يلبس ثوب العدل ، و ينادي بالديموقراطية … يطالب الآخرين بمنح الحقوق لأصحابها ، لكنه يتنكر لوجود شعبٍ متجذرٍ على أرضه منذ آلاف السنين ، و يغض الطرف عن حقوقه .
لا يأخذ العبر و لا يستخلص الدروس من الانتفاضات و الثورات التي أشعلها الشعب الكردي ضد الحكومات الطورانية المتعاقبة ، و لازالوا …. دون انقراضٍ ، و محاولاته البائسة ستلحق بسابقاتها ، كما محاولات أسلافه .
عليه الرضوخ لنداء العقل و المنطق ، فالجلوس على طاولة الحوار مع القيادة الكردية لإعطاء ما لهم ، و أخذ ماعليهم و إيجاد حلٍ لهذه القضية التي من المستحيل أن يحل السلام و يعم الأمان ليس في تركيا فحسب بل في المنطقة برمتها طالما بقيت حقوقهم مهضومةً ، و حريتهم مسلوبةً ،
و ظل أردوغان على عناده ناسياً أن غضب الشعوب يعصف بالطغاة فيجرفهم إلى مصيرٍ مجهولٍ .
أو متناسياٌ أن الدكتاتور لن يرحل إلا بعد تدمير المدن و حرق البلاد ، و أخذ الأوطان معه إلى القبور .
التعليقات مغلقة.