المجلس الوطني الكوردي في سوريا

امضوا في استفتائكم واضربوا عليه بالطبول ..

134

يوسف حمك .. في الحوار المتمدن

٢٣ تموز ٢٠١٧م

القضايا القومية ما كانت من صنع شخصٍ يوماً قط ، و لا من اختراعه البتة ، أو ولدت معه .
فهي خرجت من رحم التاريخ ، و تخص ملاين البشر ممن يشتركون في اللغة و التاريخ و الأرض الواحدة و الأهداف ….

و القومية الكردية كغيرها من القوميات عريقة المنشأ ، ولدت منذ آلاف السنين قبل أن يلد زعماء الكرد المعاصرون ، و ليست حكراً على قائدٍ أبداً ، و لا تمسه لوحده .
قضية عشرات الملايين من الكرد الذين حلموا باسترداد حقوقٍ منزوعةٍ منهم .
قبل قرونٍ طويلةٍ حلم الأولون من الأنساب بالاستقلال و نيل الحرية ، توارثته الأجيال تباعاً إلى هذا اليوم ، و بات تحقيقه وشيكاً .

قوانين مجلس العموم لهيئة الأمم المتحدة تخول الشعب الكردي لتقرير مصيره حسب العديد من البنود .
الظروف الآنية ناضجةٌ يجب قطافها ، و ما تحديد الموعد لإجراء الاستفتاء إلا قرارٌ صائبٌ يعبر عن تطلعات شعبٍ تواقٍ للوصول إلى ذلك اليوم ليسجل كلمته ( نعم ) بالدم بدلاً من المداد .

إلا أن الشوفينيين العرب و الطورانيين و العجم بزعمائهم قبل العامة أقاموا الدنيا و لم يقعدوها ، و وقفوا سداً منيعاً إزاء هذا القرار بالتهديد تارةً ، و الوعيد تارةً أخرى .
و قل هؤلاء أغرقتهم أناهم بالاستعلاء ، و أعمت قلوبهم الحقد و الكراهية ، و اكتووا بنار التعصب و الشوفينية .
فلا خير فيهم ، و لا من أصحاب العمائم و تجار الدين يأتي طوق النجاة .
أما عتابنا فعلى العلمانيين منهم و الماركسيين و اليساريين .
على اعتبار أن منبع ثقافتهم هو ( إحقاق الحق ، و نبذ الباطل ) حتى و إن كان الثمن باهظاً .

و ها هو الاستفتاء قد عرض ذاته عليهم نموذجاً لاختبار الذمة ، و فحص المبادئ . للتمييز بين الذمم النظيفة و الرديئة ، و بين المبادئ النزيهة و الوضيعة .
فتبين بالتدقيق أنهم أنصاف المبادئ و ما يدعون .
نصفٌ مع الحق ، و النصف الآخر ضده .
أي حسب المصطلح السياسي الدارج ( يكيلون بمكيالين ) .
فهم يعترفون بحق الشعوب في تقرير مصيرها ، و يقرون بأن الاستفتاء حقٌ من حقوق الشعب الكردي .
لكنهم في الوقت ذاته وقفوا ضده لتعطيله تحت ذرائع واهيةٍ .
تحججوا بوجود الفساد في الإقليم ، و ندرة الديموقراطية و العدالة ، و شح الإنصاف و انعدام تكافؤ الفرص ، و تعطيل البرلمان ، و انتهاء مدة ولاية رئيس الإقليم …… الخ
و ناهيك عن التحجج بعامل الزمن ، على اعتبار أن الوقت لم يحن بعد .

دلوني على دولةٍ في الشرق لم يحرقها الفساد ، و لم يهدمها الاستبداد ،
أما الديموقراطية و العدالة فليس لهما مكانٌ في ربوع الشرق اللعين بالمطلق .
و حسب هذا المعيار عليهم سحب الاستقلال من كل دولةٍ شرقيةٍ .
فهم و الشوفينيون في صفٍ واحدٍ من حيث النتيجة .
وإلا كيف يتطابق الخير مع الشر ، و يصاحب العلم الجهل ، و يعانق العدل الطغيان ، و تساند الديموقراطية الاستبداد ؟ !
و متى توقف الحق عن المسير كي يتحكمه عامل الوقت ؟
الوقت دائماً ينصر الحق ، و الظروف كلها مع الكون خادمٌ أمينٌ للحق لو وجدت النية الصادقة ، و نضجت الذمة الأمينة ، و الضمائر الحية أينعت بعد استيقاظها من نومٍ سريريٍّ عميقٍ ، حينها يحق الحق تلقائياً ، ولا صوت يعلو عليه .

أما أعظم العتاب فللكرد الذين يجترون الذرائع السالفة الذكر من بعض الأطراف السياسية من منبعٍ حزبويٍّ ضيقٍ .
فممارسة سياسة لي الأذرع مع الطرف الآخر ، بذريعة أن الأخير يتشبث بالكرسيٍّ ، و يهمشهم .
ناسياً أو متناسياً أن مقاطعته للاستفتاء هي من أجل الكرسيٍّ ذاته لتقوية نفوذه فاحتكار السلطة .
و بماذا يتميز من الذي يلسعه بالنقد إذاً ؟

كالعادة فإن أبواق الطرفين ينفخون في مزاميرهم ، و يقرعون طبولهم ليزداد الشرخ ، و تتسع الهوة .
و الأقلام المأجورة تغازل الفئات المتذبذبة ، و الشرائح الانتهازية خدمةً للشوفينين و دعاة الشر بقصدٍ أو بدونه .

الشوفينيون ينتابهم الفزع من انتقال عدوى الاستفتاء و الاستقلال إلى داخل بلدانهم .
و العلمانيون و اليساريون أذهانهم من غبارالشوفينية ليست نظيفةً ، و من دنس التعصب لم يستطيعوا تطهير قلوبهم .

أما المعترضون الكرد فرعبهم يكمن من حرمانهم من الجلوس على الكراسي ما بعد الاستفتاء ، أو فقدانهم السلطة و النفوذ .

و للأبواق من كل الأطراف نقول : ألا بحت أصواتكم ، اغلقوا حناجركم ، و سدوا أفواهكم …. ( قولوا خيراً ، أو اصمتوا ) .
بئس الأقلام المأجورة ، و لتجف محابرها ….

و للجميع نقول : الطوفان آتٍ ، و العاصفة مقبلةٌ .
فإما التقاط اللحظات المستنيرة ، و اصطياد الوقت الثمين … و إما تمطركم السماء بوابلٍ غزيرٍ من اللعنات .
و ليعلموا أن للأوطان لعنةٌ ، و للشعوب لعنتها ، كما لعنة التاريخ .
إلا أن لعنة الأوطان أشد خطورةً , كالسم الزعاف يسري في الجسد ، فلا دواء يشفيه ، و لا طبيب ينقذه .
فليعصموا أنفسهم من هذه اللعنة .
و ليعلموا أن الاستقلال للوطن و الشعب ، و ليس لشخصٍ دون غيره .
يموت هذا الشخص … و يبقى الوطن و الشعب .
فلا وطن بدون شعبٍ ، و إذا مات الشعب يموت معه الوطن .

التعليقات مغلقة.