يوسف حمك .. في الحوار المتمدن
٢٣ تموز ٢٠١٧م
القضايا القومية ما كانت من صنع شخصٍ يوماً قط ، و لا من اختراعه البتة ، أو ولدت معه .
فهي خرجت من رحم التاريخ ، و تخص ملاين البشر ممن يشتركون في اللغة و التاريخ و الأرض الواحدة و الأهداف ….
و القومية الكردية كغيرها من القوميات عريقة المنشأ ، ولدت منذ آلاف السنين قبل أن يلد زعماء الكرد المعاصرون ، و ليست حكراً على قائدٍ أبداً ، و لا تمسه لوحده .
قضية عشرات الملايين من الكرد الذين حلموا باسترداد حقوقٍ منزوعةٍ منهم .
قبل قرونٍ طويلةٍ حلم الأولون من الأنساب بالاستقلال و نيل الحرية ، توارثته الأجيال تباعاً إلى هذا اليوم ، و بات تحقيقه وشيكاً .
قوانين مجلس العموم لهيئة الأمم المتحدة تخول الشعب الكردي لتقرير مصيره حسب العديد من البنود .
الظروف الآنية ناضجةٌ يجب قطافها ، و ما تحديد الموعد لإجراء الاستفتاء إلا قرارٌ صائبٌ يعبر عن تطلعات شعبٍ تواقٍ للوصول إلى ذلك اليوم ليسجل كلمته ( نعم ) بالدم بدلاً من المداد .
إلا أن الشوفينيين العرب و الطورانيين و العجم بزعمائهم قبل العامة أقاموا الدنيا و لم يقعدوها ، و وقفوا سداً منيعاً إزاء هذا القرار بالتهديد تارةً ، و الوعيد تارةً أخرى .
و قل هؤلاء أغرقتهم أناهم بالاستعلاء ، و أعمت قلوبهم الحقد و الكراهية ، و اكتووا بنار التعصب و الشوفينية .
فلا خير فيهم ، و لا من أصحاب العمائم و تجار الدين يأتي طوق النجاة .
أما عتابنا فعلى العلمانيين منهم و الماركسيين و اليساريين .
على اعتبار أن منبع ثقافتهم هو ( إحقاق الحق ، و نبذ الباطل ) حتى و إن كان الثمن باهظاً .
و ها هو الاستفتاء قد عرض ذاته عليهم نموذجاً لاختبار الذمة ، و فحص المبادئ . للتمييز بين الذمم النظيفة و الرديئة ، و بين المبادئ النزيهة و الوضيعة .
فتبين بالتدقيق أنهم أنصاف المبادئ و ما يدعون .
نصفٌ مع الحق ، و النصف الآخر ضده .
أي حسب المصطلح السياسي الدارج ( يكيلون بمكيالين ) .
فهم يعترفون بحق الشعوب في تقرير مصيرها ، و يقرون بأن الاستفتاء حقٌ من حقوق الشعب الكردي .
لكنهم في الوقت ذاته وقفوا ضده لتعطيله تحت ذرائع واهيةٍ .
تحججوا بوجود الفساد في الإقليم ، و ندرة الديموقراطية و العدالة ، و شح الإنصاف و انعدام تكافؤ الفرص ، و تعطيل البرلمان ، و انتهاء مدة ولاية رئيس الإقليم …… الخ
و ناهيك عن التحجج بعامل الزمن ، على اعتبار أن الوقت لم يحن بعد .
دلوني على دولةٍ في الشرق لم يحرقها الفساد ، و لم يهدمها الاستبداد ،
أما الديموقراطية و العدالة فليس لهما مكانٌ في ربوع الشرق اللعين بالمطلق .
و حسب هذا المعيار عليهم سحب الاستقلال من كل دولةٍ شرقيةٍ .
فهم و الشوفينيون في صفٍ واحدٍ من حيث النتيجة .
وإلا كيف يتطابق الخير مع الشر ، و يصاحب العلم الجهل ، و يعانق العدل الطغيان ، و تساند الديموقراطية الاستبداد ؟ !
و متى توقف الحق عن المسير كي يتحكمه عامل الوقت ؟
الوقت دائماً ينصر الحق ، و الظروف كلها مع الكون خادمٌ أمينٌ للحق لو وجدت النية الصادقة ، و نضجت الذمة الأمينة ، و الضمائر الحية أينعت بعد استيقاظها من نومٍ سريريٍّ عميقٍ ، حينها يحق الحق تلقائياً ، ولا صوت يعلو عليه .
أما أعظم العتاب فللكرد الذين يجترون الذرائع السالفة الذكر من بعض الأطراف السياسية من منبعٍ حزبويٍّ ضيقٍ .
فممارسة سياسة لي الأذرع مع الطرف الآخر ، بذريعة أن الأخير يتشبث بالكرسيٍّ ، و يهمشهم .
ناسياً أو متناسياً أن مقاطعته للاستفتاء هي من أجل الكرسيٍّ ذاته لتقوية نفوذه فاحتكار السلطة .
و بماذا يتميز من الذي يلسعه بالنقد إذاً ؟
كالعادة فإن أبواق الطرفين ينفخون في مزاميرهم ، و يقرعون طبولهم ليزداد الشرخ ، و تتسع الهوة .
و الأقلام المأجورة تغازل الفئات المتذبذبة ، و الشرائح الانتهازية خدمةً للشوفينين و دعاة الشر بقصدٍ أو بدونه .
الشوفينيون ينتابهم الفزع من انتقال عدوى الاستفتاء و الاستقلال إلى داخل بلدانهم .
و العلمانيون و اليساريون أذهانهم من غبارالشوفينية ليست نظيفةً ، و من دنس التعصب لم يستطيعوا تطهير قلوبهم .
أما المعترضون الكرد فرعبهم يكمن من حرمانهم من الجلوس على الكراسي ما بعد الاستفتاء ، أو فقدانهم السلطة و النفوذ .
و للأبواق من كل الأطراف نقول : ألا بحت أصواتكم ، اغلقوا حناجركم ، و سدوا أفواهكم …. ( قولوا خيراً ، أو اصمتوا ) .
بئس الأقلام المأجورة ، و لتجف محابرها ….
و للجميع نقول : الطوفان آتٍ ، و العاصفة مقبلةٌ .
فإما التقاط اللحظات المستنيرة ، و اصطياد الوقت الثمين … و إما تمطركم السماء بوابلٍ غزيرٍ من اللعنات .
و ليعلموا أن للأوطان لعنةٌ ، و للشعوب لعنتها ، كما لعنة التاريخ .
إلا أن لعنة الأوطان أشد خطورةً , كالسم الزعاف يسري في الجسد ، فلا دواء يشفيه ، و لا طبيب ينقذه .
فليعصموا أنفسهم من هذه اللعنة .
و ليعلموا أن الاستقلال للوطن و الشعب ، و ليس لشخصٍ دون غيره .
يموت هذا الشخص … و يبقى الوطن و الشعب .
فلا وطن بدون شعبٍ ، و إذا مات الشعب يموت معه الوطن .
التعليقات مغلقة.