قال الباحث نوح بونسي، كبير محللي «مجموعة حل الأزمات الدولية» للشؤون السورية: ان جميع المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب YPG في الأقاليم الثلاثة (الجزيرة، كوباني، عفرين) تمر من خلال كوادر تتمتع بخبرة سنوات في التنظيم المسلح الذي مضى على تأسيسه 40 عاماً في تركيا، والذي تراوده طموحات قومية كوردية عميقة، وهو حزب العمال الكوردستاني. مضيفا: إلا أن اسم حزب العمال الكوردستاني PKK نادراً ما يستخدم هنا. معظم الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تضعه على قائمة المنظمات الإرهابية، بسبب حربه الطويلة والعنيفة مع الدولة التركية.
وأوضح بونسي الذي زار كوردستان سوريا ومناطق أخرى في شمال سوريا، أن بعض مسؤولي «وحدات حماية الشعب» الذين التقيتُ بهم غير راضون على اعتقال المعارضين الكورد وتلك الممارسات تحدث أثراً عكسياً، لافتاً إلى أن أولئك المسؤولين يقولون إن عمليات الاعتقال تستهدف أشخاصاً لا يشكلون تهديداً ملموساً، بينما تغذي هذه الاعتقالات الانتقادات المحلية والدولية التي تشير إلى أساليب استبدادية.
ويقول نوح بونسي: ان خصوم الـ «YPG» يرفضون التسجيل لأنهم لا يعترفون بسلطة الإدارة الذاتية ولا يرغبون في إصباغ الشرعية على الهيمنة الأحادية لـ«YPG». مضيفا بأن هذه الأحزاب تحظى ببعض التأييد الشعبي في المجتمع الكوردي، لكنها لا تمتلك الوسائل التي تمكنها من مواجهة السيطرة العسكرية والسياسية الراهنة لوحدات حماية الشعب.
ويؤكد بونسي بأن بعض مسؤولي «وحدات حماية الشعب» الذين التقى بهم يشتكون من أن اعتقال شخصيات المعارضة تحدث أثراً عكسياً، ويقولون إنها تستهدف أشخاصاً لا يشكلون تهديداً ملموساً، بينما تغذي هذه الاعتقالات الانتقادات المحلية والدولية التي تشير إلى أساليب استبدادية.
ويقول كبير محللي مجموعة حل الأزمات الدولية نوح بونسي ان «وحدات حماية الشعب» ليست وحدها بالطبع؛ إذ إن لديها ترتيبات مع نظام دمشق يسمح بموجبه لقوات الرئيس بشار الأسد بوجود رمزي في بضعة كتل في مركز المدينة.
ويضيف: استطيع أن انتقل مشياً على الأقدام أو بالسيارة في مناطق تقع تقنياً تحت سيطرة النظام، وأن أنظر إلى صور الأسد وأن أمرّ بجانب طواقم عسكرية تابعة للنظام. لكن هناك بضعة أماكن يفرض عليها نظام الأسد سيطرة محكمة، مثل مطار القامشلي، الذي لا أذهب إليه. لا تزال الطائرات تطير ذهاباً وإياباً من وإلى دمشق ويُفهم على نطاق واسع بأن ثمة وجوداً لعناصر روسية وإيرانية هناك. في الوقت نفسه، فإن بضع قواعد صغيرة في المناطق التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» تستضيف بضع مئات من الطواقم العسكرية الأميركية الموجودة حالياً في الشمال، التي يصعب علي الاقتراب منها أيضاً.
ويبين بونسي بأنه في الوقت الراهن، يميل ميزان القوى في المسائل اليومية وفي المناطق المدنية بقوة لصالح «وحدات حماية الشعب»، وليس لصالح النظام. وثمة اعتقالات، بل حتى صدامات تحدث بين الحين والآخر في تجاذب مستمر بين هذين الطرفين المتنافسين. عليهما أن يتعاملا مع بعضهما، لكنهما لا يحبان بعضهما بالضرورة.
ويؤكد بونسي بأن أحد الموضوعات المحورية للنقاش هنا يدور حول من لا يزال موجوداً ومن غادر. يشعر الناس بأن شرائح واسعة جداً من مجتمعاتهم وعددا كبيرا من جيرانهم غادروا المنطقة بشكل عام بسبب حالة عدم الاستقرار التي أحدثتها الحرب، والصعوبات الاقتصادية التي تلتها، والتجنيد الإجباري. النظام يريد الآن جميع الذكور حتى سن الثانية والأربعين؛ ويتخوف الرجال من أنهم إذا مضوا بعيداً في عمق الجيوب التي يسيطر عليها النظام فإنه سيتم احتجازهم وإرسالهم إلى إحدى الجبهات البعيدة. الأمر الأكثر أهمية هو أن هناك عملية تجنيد إجباري تديرها وحدات حماية الشعب وتستهدف الذكور بين سن الثامنة عشرة والثلاثين من العمر، وهو ما زاد في أعداد المنتسبين إلى وحدات حماية الشعب والقوى التابعة لها، لكنه أيضاً دفع الشباب باتجاه تركيا وأوروبا. من ناحية أخرى، هناك عدد كبير من السكان الجدد الذين وصلوا من أجزاء من البلاد أقل استقراراً من هذه المنطقة.
ويشير نوح بونسي الى أنه التقى في مدينة عامودا بمسؤولين محليين رفيعين. أحدهما مسؤول العلاقات الخارجية، والثاني هو أحد الذين يلعبون دوراً قوياً خلف الكواليس. من الصعب أن يكون المرء دقيقاً فيما يتعلق بالأسماء والمناصب بسبب تنوع واختلاف الواجهات السياسية والأسماء المختصرة التي يستخدمها الأشخاص المرتبطون بـ«حزب العمال الكوردستاني» والمنظمات التابعة له في المنطقة. يكفي القول إن السلطة المدنية في المناطق التي تسيطر عليها و«وحدات حماية الشعب» تسمي «الإدارة الذاتية الديمقراطية»، و«وحدات حماية الشعب» الذراع العسكرية؛ أما الذراع السياسية فيسمى «حزب الاتحاد الديمقراطي».
ويضيف: الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لهم هو أنهم يريدون تفنيد ما نقوله عن ارتباطهم بـ«حزب العمال الكوردستاني». إنهم يقرّون بأنهم ملتزمون بالفكر العلماني المستلهم من الماركسية لزعيم «حزب العمال الكوردستاني» عبد الله أوجلان، الذي يقبع في السجن في تركيا منذ عام 1999. وبتعليماته فيما يتعلق بالحكم المحلي. وبالفعل، فإن صور أوجلان موجودة في كل مكان في شمال شرقي سوريا – على جوانب الطرقات، وفي ساحات المدن والبلدات، وفي مكاتب بعض مسؤولي «الإدارة الذاتية» و«وحدات حماية الشعب».
ويكمل بونسي حديثه بالقول: يصر الرجلان على أن الهيكليات السياسية والعسكرية في شمال سوريا «منظمات منفصلة تماماً» عن «حزب العمال الكوردستاني»، وهي مقولة تعكس الخط الرسمي. يضيفون فوارق وتفاصيل دقيقة قائلين إننا في «مجموعة الأزمات» نركز أكثر مما ينبغي على العلاقة مع «حزب العمال الكوردستاني» بالمقارنة مع المسائل الأخرى، مثل النواحي الإيجابية لإدارتهم. ويبدون قلقهم من أننا نسهّل على تركيا تبرير مهاجمتهم، كما فعلت في ضربات جوية شرسة قبل زيارتي ببضعة أسابيع. أشير إلى أن إنكار الربط بـ«حزب العمال» ليس مقنعاً، وكي يتمتعوا بالمصداقية، سيتحتم عليهم فعل المزيد لتعزيز الطبيعة المحلية لإجراءات الإدارة والأمن في المناطق التي يسيطرون عليها. وألاحظ أن كانتوناتهم (أقاليم) في شمال شرقي سوريا تتوسع بينما القوى المحيطة بهم ضعيفة، والولايات المتحدة بحاجتهم في الحرب ضد تنظيم داعش. إلا أن هذه الظروف ستتغير في النهاية. ولحماية ما حققوه حتى الآن، أقترح أنهم بحاجة لأن يكون لهم هوية متمايزة ومنفصلة كي يحصلوا على ضمانات أمنية خارجية، سواء من الولايات المتحدة أو في تفاهم مع تركيا، أو كلا الأمرين معاً.
وبخصوص الحديث عن منبج يقول التقرير: مع دخولنا إلى منبج، نشعر أن المدينة ممتلئة نسبياً، حتى في منتصف النهار في رمضان. وهذا أكثر إثارة للاهتمام لأن منبج كانت أشد المعارك شراسة حتى الآن في الحملة ضد تنظيم داعش في سوريا. استمرت المعركة لفترة أطول مما كان متوقعاً بأسابيع ولا تزال المدينة تحتوي على كثير من آثارها، بجدرانها المليئة بالفجوات التي أحدثها القصف ومبانيها المدمرة. الآن تحقق «الوحدات» وحلفاؤها المحليون قدراً مثيراً للإعجاب من الأمن، بالنظر إلى الظروف المحيطة. ولا تزال المدينة تعمل كمدينة. وقد أجرت «الوحدات»، بتشجيع من الولايات المتحدة، بعض التعديلات الصغيرة ولكنها مهمة على طريقة حكمها هنا. ألاحظ ذلك حالما تطأ قدماي المدينة. لا أرى صور أوجلان، ولا أرى أعلام «الوحدات»، فالعلم الوحيد المرفوع هو علم المجلس العسكري المحلي. التقي الشباب الذين تم تجنيدهم في قوات الأمن. الاستقرار النسبي يدفع الناس للبقاء، وأيضاً يدفع آخرين إلى العودة، ويجتذب كثيرا من النازحين.
منبج مدينة ذات أغلبية عربية، وهي متنوعة بشكل كبير؛ كما أن المجلس المدني المكلف بإدارة المدينة متنوع أيضاً. أحد كبار شخصياته عربي، وهو ناشط مناهض للنظام منذ الأيام الأولى للانتفاضة هناك. كما أن هناك أكراداً في المجلس وأشخاصاً من مكونات أخرى. نتحدث عما حققوه في منبج وعن التحديات الكامنة في المستقبل؛ ومن بين أشياء أخرى، أحاول أن أفهم كيف يديرون الأمور فعلياً، ومدى المسؤولية التي فوضت لأعضاء المجلس المحلي من قبل الكوادر المدربة على يد حزب العمال الكوردستاني، الذين يبقون العمود الفقري للحكم في المناطق المسيطرة عليها من قبل وحدات حماية الشعب.
ويسرد التقرير بالقول: بعد بضع ساعات في منبج نعود أدراجنا إلى الشمال الشرقي متوجهين إلى تل أبيض، وهي مدينة ذات أغلبية عربية على الحدود التركية تمت استعادتها من تنظيم داعش» في يونيو 2015. يبدو السكان هنا أقل ارتياحاً لحكامهم في «الوحدات». أرى أعلام «الوحدات»، وأرى صورة لأوجلان في إحدى ساحات البلدة. بصفتي زائرا أجنبيا، أشعر إلى حد ما وكأن البلدة محتلة. العقد الاجتماعي ليس ظاهراً، لكنه واضح؛ فمقابل الانصياع في المسائل المدنية، فإن وحدات حماية الشعب تحقق الأمن، وتقدم الخدمات واحتياجات الحياة الأساسية. يبدو أن الناس يقدرون الاستقرار، وهو جيد بالمعايير السورية الراهنة. الوضع الاقتصادي صعب، لكن يمكن أن يكون أسوأ. هناك أغذية في الأسواق، وهناك مقدار أكثر بقليل من الكهرباء مما هو الحال في القامشلي، لأن المدينة أقرب إلى السد المائي الكهربائي الكبير المقام على نهر الفرات.
ويقول نوح بونسي: الولايات المتحدة تدعم الحملة للسيطرة على الرقة، وهي ضالعة على نحو متزايد في جميع هذه العمليات. في عين عيسى، أصادف طواقم أميركية تنسق مع المجلس الجديد، لكننا لا نتحدث مع بعض شخصياً. في الوقت الذي يسهل علي الاجتماع بمسؤولين أميركيين في واشنطن، فإنني لا أفعل ذلك حتى الآن داخل سوريا. غير أن ثمة مؤشرات على وجود أميركي في أماكن مختلفة من شمال سوريا، فالطواقم العسكرية الأميركية اعتادت الظهور بشكل علني جداً في قواعد «الوحدات» وغيرها من المناطق الحساسة إذا اعتقدت أن ثمة خطراً في أن تركيا تحضر لهجوم. وبقيامهم بذلك، فإنهم يلعبون دوراً غامضاً لكنه فعال حتى الآن في موقع يتراوح بين أن يكونوا مراقبين أو دروعاً بشرية.
إن لعلاقتهم بحليف قوي كهذا آثارا سلبية بالطبع؛ حيث يمكن للأميركيين أن يغادروا. السؤال المتكرر الذي أسمعه من مسؤولي «الوحدات» وغيرهم من الأكراد السوريين يتلخص في: «هل سيتخلى عنا الأميركيون؟»
ويقول بونسي: خلال لقائنا بمسؤول رفيع، وهو أحد الكوادر السورية من ذوي الخلفية في العمل مع «حزب العمال الكوردستاني». يلامس حديثنا مشكلة رئيسية لـ«حزب العمال» و«الوحدات»، وهي أن نشاط الحزب والنطاق الكامل لأهدافه داخل الأراضي التركية يشكلان تهديداً لما بنته «الوحدات» في سوريا. وذلك لأن أنقرة، بجيشها القوي، لن تقبل بحكم «الوحدات» التي تهيمن عليها الكوادر التي دربها «حزب العمال» في سوريا طالما يستمر تمرد الحزب في تركيا. ربما تتحمل تركيا جزءاً كبيراً من المسؤولية عن استمرار التمرد، لكن ثمة مخاطرة كبيرة جداً في أن تسمح «الوحدات» في سوريا بارتباط أمنها بعيد المدى بأجندة الحزب في تركيا.
ويختتم بونسي التقرير بالقول: في هذه الزيارة الخامسة وزيارتي التي قمت بها مؤخراً مع زملاء آخرين في «مجموعة الأزمات» في مارس، سمعت أن المزيد من العصف الفكري يجري بين مسؤولي «الوحدات» حول الحاجة للتفكير في تسويات قد تكون ضرورية، وأكثر تحديداً للمصلحة المثلى لـ«الوحدات» في السياق السوري مما سمعته في زيارات سابقة.
المصدر: وكالات
التعليقات مغلقة.