المجلس الوطني الكوردي في سوريا

هل نحن الكورد عملاء 1\2

141

د. محمود عباس*

نحن الكورد، ودون التمعن، أو الانتباه للماضي القريب، حيث هيمنة السلطات الشمولية الاستبدادية على مقدراتنا الثقافية، والاقتصادية والسياسية، وتحكمهم في نضوجنا، وحتى في علاقاتنا الاجتماعية، وتعاملهم معنا وعلى مر العقود كشعب من الدرجة الدنيا، وإرضاخنا لمتطلباتهم بتسليط المربعات الأمنية، ننهض بعشوائية لنقفز فوق مسيرتنا الكارثية تلك، وغالباً ما نتناسى معها واقعنا وظروفنا المؤلمة، فنخون بعضنا دون معرفة الحيثيات، ونخلق مصطلحاتنا حول العمالة الكوردية، ونقدمها للقوى الإقليمية وكتابهم ومثقفيهم وسياسييهم مطبوخة. بل ونسوق الأفكار الفاسدة بين مجتمعنا، ونكرسها كمفهوم، ونطبقها على بعضنا، فنسهل للمتربصين تناولها والتشهير بنا، وبنفس صيغنا وكلماتنا، فقط هم يقومون بإعادة صياغتها على المقاييس العالمية، بحيث تصبح سهلة المضغ عند الدول الكبرى. والغرابة أننا وعندما نجد هذه التهم والمصطلحات في كتابات الأعداء، نعود ودون أي اعتبار لخلفيات الظهور إلى محاربتهم وبطريقة ألية، معتبرين أنها من صنعهم. ودون أن نحاول توعية بعضنا والتحرر من المخلفات الموبوءة، نقوم بفرز طرف كوردي في خانتهم، وبها نزيد من منطق العمالة والخيانة الكوردية، وفي هذه الجدلية لا تتخلف جهة كوردية عن الأخرى من التهمة.
فالجميع وبسبب الصراع الكلي بيننا، ننساق معا إلى خانة الخيانة والعمالة، ولمن؟ لنفس الذين يستغلوننا ويتحكمون بإرادتنا، ويتهموننا ومن مصطلحاتنا، وبذلك نصبح أدوات سهلة الاستخدام، وعملاء برغبة أو دونها، وبها نسهل لهم تسخيرنا لأجنداتهم، وإن تمرد أحدنا ووقف في وجههم، وبين عن نضوج فكري-سياسي، فلا يجدون الصعوبة بتكوين البديل من ضمن المجتمع المحتل ثقافيا واقتصاديا، أو من أحد أطراف الحركة الكوردية، فهل نحن فعلا عملاء؟ أم إنها مفروضة علينا؟، وهل سنبقى عملاء عندما تزول الظروف المفروضة علينا؟!.
وللأسف فالمجتمع الكوردي، ربي على منطق الصراع الداخلي كحل لقضاياه القومية والوطنية، وتدمير الآخر كدرب افتراضي لبلوغ الغاية، ومعظمها نابعة من المفاهيم المغروسة فينا من قبل المحتلين، والواضحة من خلال اقترابنا من معضلاتنا وخلافاتنا، وإن استمرينا في هذا المنحى الفكري فسنبقي على مجتمع كوردي ببيئة متربية بمقتضى مصالح الأعداء، مولدة لتنمية العشرات من المجموعات الممكن تسخيرها واستخدامها كأدوات.
فبدراسة سريعة للمواقع الكوردية والكوردستانية، والاستماع إلى إعلامنا، وقراءة الجملة المختصرة في المواقع الاجتماعية، وتحليلات كتابنا، وتصريحات الحزبيين أو السياسيين، نجد أننا جميعا نحن الكورد عملاء لطرف أو لآخر، لا يوجد نقي بيننا، نخون بعضنا، أو نتلاسن إلى حدودها، أو في أفضل حالاتنا نتهم بعضنا بشكل أو آخر بإشكالية قريبة من العمالة لبعض القوى الإقليمية، والغريب أن أفضل التحليلات وأعمقها هي التي تفرز بأنها تمكنت في إثبات العمالة والتخوين على الطرف الأخر، وجلبت أكثر عدد من القراء وانتباه المجتمع، وهي بالتأكيد ستكون أكثر الكتابات المعتمدة من قبل الأعداء كمصادر لاستخدامها في ملفاتهم القادمة حول تخوينهم الشعب الكوردي عامة، ولربما سيعود نفس الكاتب لمهاجمته، متناسيا بأنها مفاهيم عرضها سابقا في السياقات الجزئية الحزبية، والعدو يطرحها في السياق الكوردي الكلي.
وتؤكد أن مجمل الحركة الكوردية والكوردستانية، غارقة في هذا المستنقع، والأمثلة العامة التالية نطرحها كنموذج عرضي، وهي منتشرة على مواقع القوى الإقليمية وفي إعلامهم المعادي للكورد أكثر مما هي بين الكورد ذاتهم، والغريب أن معظمنا يتلذذ بنشر غسيله الوسخ أمام الأعداء.
وخير مثال على المقال، الصراع الجاري المغلف بالتخوين والعمالة، بين شريحة السياسيين والكتاب الكورد، من المؤيدين والمعارضين لعملية الاستفتاء في جنوب كوردستان والذي حدد بتاريخ 25-9-2017م. فتحت تأويلات سياسية وصيغ كلامية تصل حدود الابتذال، وتمر من قنوات العمالة والتخوين، يوجه المعارضون انتقاداتهم لحكومة الإقليم ورئيسها الكاك مسعود البارزاني، والمساندون لمسيرة الاستفتاء، يغلفونها بغطاء الوطنية العراقية، أو خيانة الشعب الكوردي، وبأنه لا يزال غير ناضج للمرحلة! وغيرها من الطروحات، التي تنتظرها القوى الإقليمية المعادية للاستفتاء، مستندين بشهادة الكوردي على نفسه بالعمالة إن كان شفهيا أو كتابياً.
كما ويتناسى هؤلاء ومن خلال هذه الانتقادات يوثقون ادعاءات الأعداء لتخوين ليس فقط حكومة الإقليم، بل الشعب الكوردي والمسيرة الكوردستانية، ولا يستبعد بأن هؤلاء المعارضين، قد يضطرون قريبا في البحث عن مخرج لإنقاذ ذاتهم من المستنقع الذي أسقطوا نفسهم فيه، ولتنظيف ما ألصقوه من التهم الرخيصة بحق المؤيدين للاستفتاء، خاصة عندما يدركوا ضخامة الخدمات التي قدموها للأعداء، وكما نعلم جميعا فإن تاريخنا يحمل في طياته أمثلة عديدة تعكس نماذج مشابهة، والتي لعمق تأثير دعاية الأعداء على تفكيرهم، وخلق الأحقاد فيهم تجاه الكوردي الأخر لا يميزون بين الصالح والفاسد للقضية الكوردية والكوردستانية، فينشرون انتقادات سافرة قد تكون في عمقها مبثوثة من قبل المغرضين. والبعض من هؤلاء يحسبون ذاتهم مستقلون، لكن الأحزاب المؤيدة للاستفتاء، وسياسييهم ومثقفيهم يركزون على أن أغلبية المعارضين يتبعون حزب التغيير-goran، بذريعة الاعتراض على تعطيل البرلمان، وتجميد عمل البعض من الوزراء، وهم في هذا يقدمون عذرا، لكن المبان في منطق التخوين الذي يتلقفه المتربصون تخرج إلى حيث الصراعات الإقليمية وموجة العداء للكورد، وضرب مكتسباتهم، كما ويوجهون أصابع الاتهام إلى شريحة من الكتاب يهتدون بنهج منظومة المجتمع الكوردستاني، ومعظمهم يسكنون في مدن الإقليم، والغريب أن إعلام المؤيدين للاستفتاء في عموم كوردستان يضعونهم في حقل سياسي متناقض، حول هذه القضية، لأنهم في مواقفهم هذا يلتقون والتكفيريون الإسلاميون الكورد، وأدوات الهلال الشيعي! وبالتالي فالعمالة للقوى الإقليمية، والخيانة للجهات الخارجية تطال الطرفين، وكل سياسة أو دبلوماسية لا تمر من أبوابهما. ورغم تصاعد هذه التهم فلا غوران ولا المنظومة أصدرت بيانا أو توضيحا حول كتابات مثقفيهم وسياسييهم التخوينية، علما أن هؤلاء الكتاب والسياسيين لم يطرحوا حتى الأن بديلا منطقيا عن عملية الاستفتاء، أو حول مصير الشعب الكوردي.
ومن حيث المنظور الفكري والسياسي، استخدام النقد كمعول للهدم، دون عرض البديل، تخرج على صيغة التهجم المبطن، تفيد الأعداء، وتعيق توعية المجتمع الكوردي، وتدمر المسيرة السياسية ومستقبل كوردستان، فمهما تفنن المتخاصمون الكورد في النقد لا يستطيعون كبح الكراهية الحزبية، خاصة ومن خلال كتاباتهم المتتالية لا يكتفون بالنقد المنطقي والذي يجب ألا يغيب عن مجتمعنا، وهي من أحد الأسس التي تبنى عليها الأوطان الديمقراطية. لكننا نادرا، وعلى خلفية البيئة الاستبدادية التي تربينا فيها، ونهلنا منها ثقافتنا الأولى، لا نقف عند حدود النقد المنطقي، فما بين مقطع وآخر، لا بد وأن تطفوا التهجم العشوائي، وتظهر الكلمات المبتذلة، والتهجم السافر، فنخلط الحابل بالنابل، الوطنية بالحقد والكراهية، وهنا لا تمييز بين الشريحتين السياسية والثقافية، حتى وأن بعضنا تجمدت بهم الأفكار بعدم القدرة على الإتيان بقضية أخرى أو موضوع آخر، رغم ضخامة الصراعات الجارية في المنطقة، إلى أن أصبح عالمهم آل البارزاني وحكومة الإقليم، أو أوجلان والأوجلانية، أو قادة قنديل أو الطالباني أو قادة الاتحاد أو غوران، وعن المجلس الوطني الكوردي والإدارة الذاتية وال ب ي د، حدث ولا حرج، إلى حدود انعدام الإيجابيات في نظرهم، ولًيْتهم يقدمون البديل الأفضل، ومعظم هذه التهجمات تسيل لتصب في أحواض المناوئين، كسلع رخيصة. فالتخوين والعمالة لإيران وتركيا والمربعات الأمنية السورية والعراقية جردت الكل من التفكير والمقاربات السليمة، ونادرا ما حللنا خلفيات أخطاؤنا السياسية والظروف التي مرت بها حركتنا، من التخوين إلى العمالة، إن كانت هناك عمالة حقيقية!
وفي هذه الفترة بالضبط تركز القوى الإقليمية على تصعيد الخلافات بيننا، لهدر طاقاتنا، وإلهائنا، لإضعاف عملية الاستفتاء، ومن جانبهم يقومون بضخ موجات التخوين والعمالة الكوردية لإسرائيل، وأمريكا. وكرد فعل، على ما تظهر على الساحة من التهم، ذكرناها سابقاً، لا تقل عن منهج المعترضين، يقوم كتاب وإعلاميون من أو تابعون للديمقراطي الكوردستاني، ضمن الإقليم أو خارجه، إما كدفاع أو هجوم بالمقابل، فيخونون المنظومة، إما بالعمالة لإيران أو لأرغنكون التركية، والبعض يجردونهم من الجنسية الكوردية، إما بتهم العمالة للأخرين أو أنها منظمة خلقت بيد الدولة التركية العميقة، وفي أفضل حالاتها يقدمون خدمات للهلال الشيعي، كأدوات دون إرادة. وهذه التهم تظهر بين فينة وأخرى، وعند كل موجة من موجات إثارة الصراع. ونادرا ما تظهر كتابات وتحليلات منطقية من البعض أو على المواقع الاجتماعية، ولا يخلطون فيها الأوراق بين تحالفات الأحزاب الكوردية بدءاً من الديمقراطي الكوردستاني إلى الاتحاد أو غوران، أو منظومة المجتمع الكوردستاني وما بين العمالة لإيران، أو لتركيا أو للسلطة السورية، وبين أن تكون هذه بداية علاقات دبلوماسية قد تتطور إلى مستوى الهيئات الدولية، ولربما لعدم خبرة الكورد السابقة في العلاقات الدولية، سيسقطون في الحفر التي تحفرها لهم القوى الإقليمية، ونحن عوضاً أن نساعد بعضنا بالنهوض وتنوير الدروب، نزيد من تعمية بعضنا بالتخوين والعمالة …
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية

التعليقات مغلقة.