المجلس الوطني الكوردي في سوريا

علاقة الكورد بداعش 3/3

119

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية

4- وتماشيا مع هيكلية هذه الإمارات هناك مناطق مشابهة باستقلاليتها، تعاملت مع الأطراف حسب متطلبات التنظيم هناك، وهي عديدة، حتى أن بعضها كانت على علاقة مع المعارضة السورية المسلحة، وبعضها، على أطراف دمشق وحلب حصلت في فترة ما، من داعش على الأموال والسلاح، وتمت اتفاقيات ميدانية بينهم، وبالتالي في الواقع السياسي والدبلوماسي خدمت سلطة بشار الأسد دوليا، وأبعدت أغلبية أصدقاء الشعب السوري عن المعارضة السورية، المسلحة والسياسية، والتي في الفترات الأخيرة لم تكن لهجتها واضحة تجاه المنظمات التكفيرية الإرهابية المسيرة تحت الأجندات التركية القطرية.

  • استمرت داعش تحت هذا الاسم، إلى أن أبدت بعض التنظيمات الخارجية بيعتها وولائها للخلافة، كتنظيم بوكو حرام وأنصار الشريعة في ليبيا، وتنظيمات في أفغانستان، والفليبين، إلى أن بلغت أكثر من 11 تنظيما إرهابيا إسلاميا في العالم، حينها غيرت أسمها، وألغت العراق والشام منها، وأكتفت باسم أكثر شمولية (الدولة الإسلامية) لكنها ظلت محافظة على الكونفدرالية التنظيمية في هيكلية تشكيل الدولة، مع ذلك استمر أغلب الإعلام العالمي في ذكر اسم داعش لدواع سياسية، وعدم الاعتراف بها.
    ورغم التبعية لكن جميع تلك المنظمات الإرهابية حافظوا على استقلاليتهم التامة في علاقاتهم الخارجية والداخلية وأساليب إرهابهم، وبشائعهم، ولكل إمارة فتاويها، وقضاتها المستقلين عن مركز الخلافة، حدثت استثناءات أحيانا، مثلما تم تعيين أمير لمنظمة أنصار الإسلام في ليبيا من قبل مركز الخلافة، بعد قتل أميرهم الزبيدي الذي كان أيضا عراقياً.
    أي عمليا فهو تنظيم بعدة أشكال وإمارات وبقوانين وفتاوي مختلفة. وهنا يكمن الخطر القادم، فلا يمكن القول بأنه تم القضاء على داعش لمجرد تحرير الموصل والرقة، وحتى ديرالزور أو غيرها من المدن السورية والعراقية، أو حتى وقتل جميع مسلحيهم في هذه البقعة الجغرافية، لأن التنظيم الذي رسخوه وبهذه الهيكلية، والدعم الفكري غير المباشر من المراكز الإسلامية، تعطي لأية مجموعة قدرة خلق إمارة باسم داعش، وفي أية بقعة من الأرض، تعتمد على مجموعات صغيرة مستقلة، وخلايا نائمة، قد تظهر وبأخطر أنواع الإرهاب، ولا يستبعد أن تدعمهم بعض السلطات، ومنها العروبية وذات التوجه التكفيري الراديكالي تمويلا، ومن المعروف أن منابع المد البشري حيث العالم الإسلامي الراديكالي سيظل مهيأ لتغذيتهم بالناس، ومادامت المراكز الإسلامية التي تنشر الفكر المتشدد دينيا، موجودا ومنتشرا في جميع أصقاع العالم، وتدرس المذاهب السلفية والراديكالية كالوهابية، فستنمو هذه المنظمة أو ما شابهها عند أي ظرف ملائم.
    إذا فالعالم أمام فكر إرهابي، وثقافة تنتشر ومنذ عقود من الزمن، إن لم يكن قرون، يسندونها وبخلفية فقهية مسنودة إلى النص الإلهي، والأحاديث، حتى ولو كانت معظمها مترددة، وتوجيه التهمة إلى الدول الكبرى غير منطقية، فهم فقط يستفيدون من البنية الحاضرة الموبوءة التي تخلفها الثقافة الدينية الشاذة، والمتراكمة على مر القرون، وهي ذاتها التي تغذيها السلطات العروبية والإسلامية السياسية، فمثل هذه المنظمات ظهرت وبأشكال أبشع وعلى مر تاريخ الخلافات الإسلامية، من عصر الصحابة وحتى اليوم، فحينها لم تكن الدول الغربية موجودة، بل كانت الإمبراطورية هي إسلامية عربية.
    فالقضاء على داعش وأمثالها يجب أن يتم بنشف منابعهم ثقافيا وفكريا، ودحض فقهاءهم نصا، وتنقية التربة التي ينمون فيها، وتكريس العمل ضمن المجتمع الإسلامي لردع المفاهيم المتطرفة والمنتشرة بشكل واسع في المراكز الإسلامية والمساجد، وعن طريق أئمة وفقهاء ليبراليين، ومنع الأحزاب الإسلامية السياسية من الانتشار.
    هذه المنظمة، وغيرها من المنظمات الإسلامية التكفيرية العروبية، من أحد أهم القضايا التي يجب أن ينتبه إليها المجتمع الكوردي، فمادام هذا التنظيم وغيره يستمدون مخططاتهم من العروبيين أو القوى الإقليمية الإسلامية الأخرى المعادية للكورد، ومن الفكر الإسلامي السياسي المتشدد، الذي يضع كل المنظمات القومية المطالبة بحق تقرير المصير في خانة أعداء الإسلام، باستثناء من ينطقون النص عربيا، فالكورد سيكونون في مقدمة من سيعادونهم، خاصة وأن القوى الإقليمية تغذي مثل هذه الأفكار ضمن المجتمع الإسلامي لتمرير أجنداتهم، فقد فعلها الخميني بعد أن ناصره الكورد في الثورة، مع ذلك حلل الدم الكوردي تحت حجة معاداتهم الدولة الإسلامية، وكان هو بذاته يبني الدولة الفارسية الشيعية العنصرية. وفعلتها معظم السلطات التركية، العثمانية أو الكمالية أو الأردوغانية، الذين لهم تاريخ طويل في هذا المجال، ومنها تشكيلهم لحركة المريدين في بداية العشرينات، فقتلوا وخطفوا المئات من سكان منطقة عفرين. وفي التسعينات من القرن الماضي أسست الدولة العميقة التركية أرغنكون حزب الله، اغتالوا عن طريقهم الألاف من الكورد السياسيين تحت حجة محاربة الاشتراكيين العلمانيين، ذاب هذا الحزب، بعد الانتهاء من مهمته.
    وعليه فالعلاقات الكوردية السياسية والدبلوماسية مع الدول الإقليمية يجب ألا تتعدى حيز تبادل المصالح، فلا يمكن الاعتماد على أي منها، ويمكن الاحتفاظ بإخوة الجوار، في حال تم التقدير المماثل. ومهما كانت العوائق والمطبات والانتقادات فالأفضل للكورد محاولة تكوين الذات، والاتفاق على نقاط التقاطع بحيث لا يستند طرف على القوى الإقليمية لتقزيم الكوردي الآخر، فهو وبالتأكيد سيلقى نفس المصير عاجلا أم آجلاً، وهنا لا بد من الاعتماد على القوى الكبرى ومحاولة ربط مصالحنا معهم، أي كانت مطالبهم، خاصة إذا تم النهوض بالمجتمع الكوردي عامة، وأنقذ مصيره من يد الأحزاب السياسية التي لا تملك قدرة التحرر من هيمنة السلطات الإقليمية، وبالتالي فهي غير قادرة على فتح دروب دبلوماسية مع القوى الكبرى، وهي المحتاجة إلى التوعية أكثر من الجميع، فبهم سيظل مصير شعبنا بيد المربعات الأمنية للدول الإقليمية، خاصة وأن خلافاتهم لا نهاية لها، ومصالحهم الحزبية تسبق الكوردستانية.
    نحن هنا لا نبحث في الدور الكبير للدول العظمى على تكوين وتسيير المنظمات الإرهابية، وخلق السلطات الشمولية الاستبدادية ودعمها، فهو موضوع منفصل، ولكننا مع ذلك نؤكد على أنه لهذه القوى القدرة على تغيير الجغرافيات السياسية، وخلق الدول، خاصة إذا تطلبت مصالحها ذلك، وعليه، فعلى الكورد التركيز على هذه المعادلة، وهذا ما فعلته جميع الدول الإقليمية، ليحصلوا على كياناتهم المستقلة، أو حافظوا على سلطاتهم، بدءً من تركيا الكمالية إلى الشاه ومن ثم الخميني إلى آل سعود، وآل صباح وعبد الناصر، والأسدين وصدام وغيرهم. فمن سيوجه أصابع الاتهام نحو الكورد، لأنهم يطمحون إلى حق تقرير مصيرهم بالاستناد على الدول الكبرى، فيجب أن ينقب عن تاريخه أولا، قبل أن يتهم الكورد. فتاريخهم مع الدول الكبرى، ومنظمة داعش وخدماتهم المتعددة الأشكال لها وتسييرها لأجنداتهم خير شاهد.

التعليقات مغلقة.