علاقة الكورد بداعش 2/3
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
المعادلة المحيرة، المذكورة سابقاً، تتوضح من خلال معرفة الهيكلية اللامركزية التي اعتمدتها داعش في تكوينها، أولاً: من حيث النظام، خليط بين العلاقات القبلية البدوية، ونشوء دولة الخلافة في بدايات الإسلام، والتي اعتمدتها الخلافتين الهاشمية والأموية، وتوسعت فيها الخلافة العباسية، فكان الولاة يملكون صلاحيات شبه مطلقة، مستقلة عن المركز، وكثيرا ما كانوا يكتفون بدفع الخراج. والثاني، استنادها على الفكر الإرجائي العقدي، الظاهر في نهايات عصر الصحابة، والمتمسك به معظم المراكز الإسلامية في العالم الإسلامي بشكل أو آخر، حتى ولو كانوا ينفونها ظاهريا، لكنهم يطبقونها في الحيز العملي، وخاصة المجموعات السلفية والراديكالية، فانعموا بها على المنظمة بأنهم لم يكفروها، ولم يتعرضوا دينيا لقادتها رغم بشائعهم، لأنهم ينطقون الشهادتين، وهذين السندين فتحتا أبواب الانضمام إليهم من كل أرجاء العالم الإسلامي والعربي، كما وضخت بشريحة واسعة من البعث العراقي والسوري، المجموعة التي صعدت من موجة العداء تجاه الكرد، ووسعت شرخ الكراهية بين القوى الكبرى وبين بعض الدول الإسلامية والعربية، وبالتالي طفت أكثر القضية الكوردية على سطح الاعترافات الدولية، وتزايد الاعتماد عليهم كقوة أساسية لمواجهة داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية.
داعش في بناء دولتها استندت على اللامركزية، منذ البداية، وعليها شكلت الفرع السوري تحت تسمية جبهة النصرة، وكان من مهماتها احتلال أوسع مساحة من سوريا، وتجنيد أكبر عدد من الناس، والابتعاد قدر الإمكان في محاربة سلطة بشار الأسد، وعليه وبعد أن تزايدت نسبة السوريين في فرعها هذا، حدث خلاف بينها وبين المركز في عام 2013م على عدة نقاط، منها مواجهة سلطة بشار الأسد، واختلاف منابع التمويل، وبالتالي الأجندات، فكان لا بد من تغيير التبعية للخلاص من صفة الإمارة، أو القيادة، لذلك أعلن الجولاني ولائه للقاعدة، عندها غير التنظيم استراتيجيته، مركزا الحفاظ على الاسم، دون التخلي عن الاستقلالية التامة لكل إمارة، ومنطقة، وأعطي لكل واحدة الحرية في علاقاتها الخارجية وتعاملاتها، وطرق إرهابها، إلا أنهم ظلوا يعرفون تحت صفة الاسم الواحد. حينها كان تكتيك مخططيها محصورا بين سوريا والعراق، لذلك، سميت بـ (الدولة الإسلامية في العراق والشام) مقسمة إلى إمارات لا مركزية:
1- إمارة الرقة ومنبج وجرابلس والتي تعاملت مع الاستخبارات التركية، وكانت على علاقة متينة مع حزب العدالة والتنمية، وعن طريقهم دخل الألاف من الدواعش إلى سوريا، والملايين من الدولارات، والأجهزة الإلكترونية، والأسلحة، وغيرها، وكل ذلك مقابل تنفيذها لأجندات الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا وقطر، وهي ضرب المكتسبات الكوردستانية، في جنوب غربي كوردستان، وكانت هذه هي المهمة الرئيسة لهذه الإمارة، وبالتالي دفعت بها تركيا على مهاجمة المنطقة الكوردية، وكانت نتيجتها مأثرة كوباني، ورأس العين، ومنطقة عفرين، إلى جانب معارك أخرى عديدة في المنطقة، وكانت داعش تحصل على خلفية هذه المعارك على دعم عسكري وسياسي ومادي وخدمات طبية، ومعلومات استخباراتية من تركيا، وبشكل مباشر، عن طريق مدينة جرابلس، التي تخلت عنها داعش فيما بعد لتركيا عندما طلبتها، وهذه العلاقة كانت وراء قصف روسيا لقوافلها النفطية، وحدوث خلافات بين تركيا والناتو وأمريكا، فأدت إلى رجحان الكفة الكوردية دوليا في المنطقة، رغم أن القوة الكردية المواجهة كانت محل شكوك أمريكية حتى وقت قريب، لكن انغماس تركيا في الإرهاب، وتسخيرها لمنظمة إرهابية لتسيير أجنداتها، غطيت على كل الشكوك وألغيت العوائق بين الدعم الأمريكي وحتى الروسي للقوة الكردية، فبدأ التحالف الأمريكي بحملة دفاع طيران عن كوباني إلى جانب الكورد، وهي عمليا كانت ضد تركيا قبل داعش، ولحقتها التعامل مع الإدارة الذاتية واستقبال قادة من ال ب ي د في واشنطن، وكانت النتيجة الاعتماد الأمريكي التام وبشكل استراتيجي على قوات الحماية الشعبية الكوردية في حربها على الإرهاب، ولا يستبعد أن تكون مسيرة التحالف هذه طويلة، واستراتيجية، وتنتقل إلى الحيز السياسي، كإقامة ودعم منطقة كوردستانية فيدرالية، وهو ما تتخوف منه إدارة أردوغان، في الوقت الذي لم تعد داعش ولا المنظمات العسكرية المعارضة السورية تجديه نفعاً، لذلك فهو يبحث عن تكتيكات أخرى.
2- وإمارة تدمر ودير الزور المتعاملة مع سلطة بشار الأسد، وبعدها مع روسيا، وهؤلاء مهدوا لهم تهريب معظم آثار تدمر، وأمدوا التنظيم بكميات هائلة من الأموال، بعد أن نهبت أغلبيتها تجار الحروب في سلطة بشار الأسد، تحت حجة إخلائها قبل وصول داعش، كما وسمح لهم بإنتاج النفط وتصديره، دون أن يقصفوها بل وتمت عقد الصفقات معهم والشراء منهم، ومدوهم بالسلاح والأموال، وعليه أعطي لهم فوج الملبية المدرع بدباباتها، واللواء 93 المدرع ومؤخرا أسلحة المعسكر الروسي القريب من مدينة تدمر، وللعلم فلم يكن القصف الروسي على قوافل النفط موجهة لداعش بل لتركيا، ولأردوغان، الذي كان يمرر نفط داعش بالصهاريج التركية، لحجمه، وتهديده، وعزله عن الناتو، إلى جانب تخفيف ضغط مجموعة كانت تتمركز في جبل عبدالعزيز التابعة لإمارة الرقة المدعومة تركيا على القوة الكوردية في منطقتي الحسكة وقامشلو، وتصاعدت الخلافات التركية الروسية لتبلغ عمليتي إسقاط طائرتيهما.
3- وإمارة الموصل والأنبار، بعد أن قدم لهم المالكي وحكومته، أسلحة أربع فرق مدرعة عراقية، عالية التقنية، مع 500 مليون دولار استولوا عليها من البنك المركزي في الموصل، في الفترة التي لم تكن لداعش أية قدرات مادية، ليغزوا بعدها المدن تلو الأخرى، إلى أن بلغوا المدينة النفطية بيجي وتكريت وهناك تمت مجزرة جنود قاعدة سبايكر، ولا يستبعد أن تكون لإيران دور فيها، للتغطية على أجنداتها، وبسند من أئمة ولاية الفقيه، لتنفيذ مؤامرتهم، وهي القضاء على إقليم كوردستان. فبدأوا بالخاصرة الرخوة، حيث الكورد الإيزيديين، والمسيحيين، وبعدها التوجه نحو أربيل عاصمة الإقليم، والتي فشلت بسبب التدخل الأمريكي، المتعرضة مصالحها المرتبطة مع المصالح الكوردية في الإقليم لخطر مباشر، ومن حينها تزايد الدعم الأمريكي وبالتالي الأوروبي لحكومة الإقليم على حساب حكومة المالكي الإيرانية. لكن ولعدم بلوغ الخطة نهاياتها، وبقيت حكومة الإقليم قائمة، وقادرة على مواجهة حكومة المالكي، وبسند غير مباشر من أمريكا، تراجع دور المالكي وبالتالي تأثير إيران على إمارة الموصل الداعشية، خاصة وبعد أن استطاعت السعودية وقطر وتركيا على احتوائها، عن طريق المجموعات السنية والبعثيين العراقيين، وضخ المليارات وكميات هائلة من سيارات الدفع الرباعي التي كانت تأتي من اليابان وعن طريق موانئ قطر والسعودية، وعن طريق الصحراء السعودية وخلال الأنبار، ومن هناك كانت توزع على الإمارات الأخرى، حينها تمكنت هذه الدول من فرض أجنداتها عليها وعزلها عن إيران. وفي المرحلتين أحدثت هذه القوى الإقليمية وعن طريق هذه المنظمة الإسلامية العربية التكفيرية من إحداث شرخ رهيب بين شعبنا، دينيا وقوميا، ولا يظن بأنه سيلتئم في المنظور القريب، بين الكرد الإيزيديين والمسلمين، علما أن المجتمع الكوردي في أغلبيته يقدم قوميته على الدين، ولغته الكردية، والتي هي لغة الديانة الإيزيدية، على لغة النص الإلهي (الإسلامية -العربية). وللعلم فإن أئمة ولاية الفقيه، كرسوا قوتهم للقضاء على هذه الإمارة، بعد أن قطعوا الأمل في احتوائهم ثانية، وقضي على فرعهم داخل العراق الذي كانوا يسخرونه لأجنداتهم، وما بقي لا نفع لهم منها، لذلك دعمت إيران خطة خلق الحشد الشعبي وتسليحه ومحاربة داعش، ولا يستبعد بأن توقعها بعد الانتهاء من داعش في العراق في نفس الخطأ التركي القطري –الداعشي وذلك بتوجيهها نحو محاربة الكورد، وحينها فالمتوقع أن تفتح العملية أبواب أوسع من التحالف الأمريكي الكوردي في المنطقة …
يتبع…
التعليقات مغلقة.