علاقة الكورد بداعش 1/2
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الامريكية
داعش عربية الجنسية، إسلامية الدين، مهما لبست من الأثواب، أو ألبسوها، فستبقى حاملة تلك الجنسية ذات النزعة العروبية، ومهما حامت حولها الشكوك والاحتمالات، وغلفت بالتأويلات والتفسيرات، وقدمت من الفتاوي لعزلها عن الإسلام السياسي، أو عزل الإسلام عنها، فستظل منظمة تكفيرية إسلامية راديكالية التوجه، منبعها العالم الإسلامي، بينهم مشايخ وعلماء ضليعون، يفقهون في الدين، والنص والأحاديث، وعلم الكلام، ولهم القدرة على محاججة المرجعيات السنية والشيعية الكبرى، ورغم كل بشائعهم لا يستطيع أي مركز إسلامي، أو فقيه، أو شيخ معروف، تكفيرهم لأنهم مسلمون ينطقون بالشهادتين، ويؤمنون بالنص والأحاديث، حتى ولو كانوا يستندون على أجزاء منه دون أخرى.
هذه الحجج صحيحة في المجال الفقهي المطلق، حيث التفسير الجامد، مترددة في فقه التأويل، مع ذلك فجل ما يمكن قوله اعتبارهم فرقة ضالة، لكنها مسلمة وعربية. وعلاقة الكرد بها وبالقوى الداعمة لها، علاقة العدو بالعدو، فيحصل الكرد على الدعم الدولي من وراء إرهابهم وبشائعهم وسمعتهم الشريرة في العالم، ورغم أن العالم العربي والإسلامي تأذى منها كالكرد، إلا أن هذين العالمين من جهة أخرى ظلوا المنبع الذي لا ينضب، أمدوها بالطاقة البشرية، وبقوافل من الجيل الشاب المتربي في المراكز الإسلامية المتطرفة والمدعومة من الدول والسلطات الإسلامية، التي بعضها فتحت لقوافلها كل موانئها ومطاراتها وبوابات حدودها البرية بالدخول والخروج، وسهلت لهم دروب الالتحاق بمعسكراتها، وتركيا كانت ولا تزال في مقدمة تلك الدول. والبعض الأخر مدتها بالمال وساعدت عناصرها بالمرور بين الدول، مستخدمة جوازات سفرها، وحتى لبعض قياداتها قدمت جوازات السفر الدبلوماسية، إلى جانب الدعم الإعلامي، المباشر أو المبطن، أو قدمت وبشكل سري خدمات لوجستية لإعلامها، وعن قناعة مذهبية-عروبية وليس لمصلحة سياسية، كالقطر والسعودية وإيران. وكمثال فإن الأشخاص الذين اغتالوا السفير الأمريكي في بنغازي، تبينت بأن جوازاتهم كانت مختومة بتواريخ، على أنهم كانوا يقيمون في تركيا في نفس الفترة التي قاموا فيها بالعملية، ولخلفية ما، صمتت عليها أمريكا، علما أن صحافتها أثارتها مرارا، وطمرت مع الأيام، رغم الضجة السياسية التي أثرت على الانتخابات الرئاسية.
وبدون أية مقدمات، استخدمتها معظم القوى الإقليمية ضد الكورد، بل وبعضهم وضعوا القضية الكوردية على رأس قائمة مخططاتها في المنطقة، وحاولوا وعن طريقها القضاء على مكتسباتهم، وكل جهة أمدتها بدعم لوجستي، ومن جميع الأنواع والأشكال. وكنا قد كتبنا قبل ثلاث سنوات مقال عن مؤامرة كانت قد خططت وشبكت خيوطها، في السعودية، في مؤتمر سري اجتمع فيه شخصيات تركية قطرية وسعودية وقيادات من داعش عراقية، قيل كان بينهم ضباط من جيش صدام، وبعد أقل من شهرين كرر الاجتماع في غازي عنتاب-تركيا، وخطط للهجوم على شنكال وضرب كوردستان، جنوبها وغربها، وفعلا تم ذلك، ولولا التدخل الدولي وصمود الكورد، لبلغت المنظمة العروبية والإسلامية التكفيرية مع الأخرين من الأعداء مقاصدهم، وقضوا بها على المكتسبات الكوردستانية.
وبجدلية غريبة، ما بين الشر والخير، والإرهاب والسلام، كان حصاد بشائع هذا التنظيم، وأساليب الدعم الذي قدمته لها السلطات الشمولية الاستبدادية الإقليمية مع المخططات، وبالا عليهم، وجرفت بشكل أو آخر لصالح الكورد إيجابيا في الأوساط الدولية، ولا شك شعوب المنطقة دفعوا ثمنها تضحيات لا تحصى ولا تقدر، بلغت الألاف من الأطفال الكورد الإيزيديين والألاف من نساءنا وفتياتنا سبايا، اللواتي لا نعرف مصيرهن حتى اليوم، ومثلهم من الشيوخ والرجال الذين قتلوا ضمن مجازر جماعية، إلى جانب المآسي الأخرى لهذه المؤامرة والتي لاتزال مراراتها حاضرة في الذاكرة، تشهد عليها شنكال وكوجو وكوباني والمدن الكوردية الأخرى، إلى أن وضعت المنظمة على محك الموازين العالمية، وحينها انتبهت القوى الإقليمية العروبية والإسلامية بما فعلوه بالعرب والإسلام، وإلى بشائعهم التي تنساق في خانة معاداة البشرية. وتحسروا بالمقابل عندما أدركوا بما قدموه من خدمات سياسية للكورد، علما أن الكورد يرون أن كل المكتسبات لا ترقى إلى سوية مرقد طفل إيزيدي أو مسيحي مات عطشا في أودية شنكال، أو صبي فرض عليه ترك دينه واعتناق الإسلام قسراً، أو عائلة قتلت بدون ذنب في بيوتها ضمن قرى المناطق التي غزتها.
فعندما أدركت المراكز الإسلامية والسلطات الإقليمية العربية وغيرها، بأنه كلما يغرف هذا التنظيم من الإجرام والبشائع، تنعكس بطريقة أو أخرى على الحيزين العروبي والإسلامي بالسلب، بدأوا بموجات تنقية الذات، وتعرية داعش من ثقافتها الإسلامية وجنسيتها العروبية، مع ذلك فبشكل أو آخر كانت محاولات التصليح متأخرة جداً، فجرفت المعادلة الدولية لصالح القوى التي تحاربهم، وبما أن الكورد كانوا في مقدمة الذين حاربوهم وبكل إمكانياتهم، أصبحوا بشكل أو آخر الأكثر اعتماداً عليهم من قبل الهيئات العالمية المتآذية أو المتخوفة من الإرهاب، وعليه فمعظم تحالفات الدول الكبرى مع الكورد تندرج ضمن مصلحة دفاعية مشتركة، قد لا تكون لهم منية في مساعداتهم العسكرية للكورد، وعليه فيعتقد البعض من المحللين السياسيين أن تزول هذه التحالفات بزوال بشائع داعش، لكن هذه الرؤية تنقصها دراسة بنية داعش القومية، وخلفيتها الدينية، فالمتوقع وحسب هيكليتها ستستمر كمنظمات صغيرة أو خلايا نائمة قد تنتشر عالميا وتظهر بين فترة وأخرى بشكل أو آخر وعلى مدى سنوات قادمة. وعلينا أن نعلم بأنه لو كانت للدول الكبرى اختيارات غير الكورد لربما فضلوهم، لكن كل القوى الإقليمية العربية والإسلامية كانت تعزل ذاتها من محاربة منظمة تخدمهم وتستمد طاقتها منهم، وهي من أحد أهم الأسباب التي تبين على أن ورقة معظم السلطات الإقليمية محروقة أمام الصعود الكوردي، ورجحان اعتماد الدول الكبرى على كوردستان القادمة مبنية على هذه المعادلة، رغم منافسة الثقل الاقتصادي للدول الإقليمية على الحيز الإرهابي، وعليه تمت الصفقة الأمريكية الضخمة مع دول الخليج، والبالغة نصف تريليون دولار، وعلى رأسها السعودية علماً أن مراكزها الدينية ومجتمعها بثقافته أكثر الشعوب والسلطات متهمة بالإرهاب، فهي تغذي داعش والقاعدة بطريقة أو أخرى، إن لم يكن عن طريق السلطة كالقطر وتركيا وإيران، فعن طريق العديد من أمرائها من آل السعود الذين لهم علاقات مباشرة مع المنظمتين، أو جماعات من عائلة آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب (خوال العائلة الملكية). فعلى هذه الخلفية، وصدقية موازين الاعتماد، رفع الشأن الكوردي، خاصة وهم يملكون كل الخواص التي تجعلهم من ألد أعداء التكفيريين والفكر الراديكالي، والمنظمات العنصرية.
وفي هذا الحيز، وعلى خلفية استخدم داعش ضمن رسائل الاتهامات، بين كل الأطراف، كثيرا ما يتساءل البعض، ويدخل في دوامة الحيرة والشكوك، حول علاقات داعش المتناقضة مع جميع الأطراف، بدءاً من منابعها العربية الإسلامية، إلى غرابة علاقتها بروسيا، أو بالأحرى استخدامها روسيا كأداة عند الضرورة، وعلاقتها مع إيران الشيعية وتركيا والسعودية وقطر السنية، وسلطة بشار الأسد كنظام علوي، والسنة التكفيريين العروبيين، كالبعث، وأمريكا التي تحاربها منذ سنوات، والمسافة الفاصلة بينها وبين الكورد، من حيث الحيزين الديني والقومي، رغم وجود بعض العناصر الكوردية الشاذة المنضمة إليهم، يبقى الشعب الكوردي وبقواه السياسية والثقافية، والعسكرية، أبعد القوى إقليميا وعالميا من هذه المنظمة بل وبعيدة عن جميع المنظمات الإرهابية التكفيرية ذات التوجه الإسلامي الراديكالي كالقاعدة أو غيرها، والكورد وبكل أطيافه ألد أعدائهم، وأصدق الناس في محاربتهم…
يتبع…
التعليقات مغلقة.