المجلس الوطني الكوردي في سوريا

عفرين في فوهة النار التركية ..

133

مصطفى أوسو
عفرين ( جيايي كُرمينج / جبل الأكراد )، المنطقة الكردية المأخوذة بروعة الجمال وسحر التراث والتاريخ، والتي تنشر المحبة والسلام بــأشجار الزيتون، المنتشرة في كل أرجائها. تناثرتها الجغرافيا السياسية، المنبثقة عن التسويات والمصالح الدولية، مع غيرها من المناطق الكردية، في إطار دول المنطقة وكياناتها التي لا تعرف ألا لغة العنف والإنكار وعدم الاعتراف بالخصوصيات..، هي تعاني منذ فترة من التهديدات التركية باجتياحها عسكرياً وجعل أهلها هدفاً لنيران أسلحتها، ورغم أن هذا التصعيد ليس الأول من نوعه منذ إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي ” إدارة ذاتية ” بداية عام 2014 في المناطق الكردية الثلاث: ” الجزيرة ” و ” كوباني ” و ” عفرين “، وأن التصريحات الإعلامية والتهديات المرافقة لذلك ليس بجديد أيضاً، وهي لم تعد لدى الكثير من المراقبين والمتابعين لتطورات الأزمة السورية من الأمور المفاجئة، إلا أن تحشداتها العسكرية الحالية في ولاية كلس التركية ومنطقة إعزاز – ريف حلب الشمالي – على حدود عفرين وقصفها لمواقع قوات ” الحماية الشعبية ” والاشتباكات الحاصلة منذ مدة بين فصائل عسكرية سورية في قوات ” درع الفرات ” وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي، على جبهات التماس في ريف حلب الشمالي..، كلها أمور خطيرة وتنذر بالخوف من تدخلً عسكري تركيً وشيك، خاصة وأن ما سميت بعملية ” درع الفرات ” التي نفذتها تركيا بالتعاون مع الفصائل العسكرية السورية الموالية لها في منطقة الباب، نهاية شهر آب 2014 لم تحقق كامل أهدافها.
ما يعزز هذه المخاوف في المرحلة الراهنة، تصاعد حدة الخلافات الأمريكية – الروسية، على أثر إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية، طائرة ” سوخوي 22 ” التابعة لقوات النظام السوري، وإعلان روسيا وقف العمل بمذكرة منع الحوادث في الأجواء السورية، والذي تبعه إجراء أمريكي بفرض عقوبات جديدة على أشخاص ومصارف وشركات روسية، لترد روسيا بإلغاء المشاورات الثنائية على مستوى وزيري خارجية البلدين. وقد تستفيد تركيا من ذلك، خاصة وأن هناك تنسيق متبادل بينها وبين روسيا في إطار مسار الاستانة، التي انتهت جولاتها الأربع الماضية، بالتوافق على رسم بعض مناطق خفض التوتر، بانتظار الجولة الخامسة في الرابع من شهر تموز / يوليو الحالي، لنقل سوريا إلى مرحلة تكون فيها مناطق النفوذ واضحة المعالم بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، حيث أن منطقة نفوذ تركيا ستكون في الشمال والشمال الغربي لسوريا، ما يسمح لها حصار منطقة عفرين. وقد زادت من مخاوف الاجتياح التركي، الحديث عن انسحاب القوات الروسية، من معسكراته في المنطقة، أوخر شهر حزيران / يونيو الماضي.
من جهة أخرى تحاول تركيا، التي فشلت في إقناع أمريكا بشروطها في معركة تحرير الرقة، أن تتدخل عسكرياً في عفرين، لاستثماره سياسياً، في فرض أجنداتها الخاصة بمستقبل إدارة مدينة الرقة بعد تحريرها، والضغط على أمريكا لتنفيذ وعدها بـسحب السلاح الأمريكي النوعي الممنوح لقوات سورية الديمقراطية ” قسد ” في معركة تحرير الرقة من تنظم ” داعش ” الإرهابي، وهو ما تراجعت عنه واشنطن فيما بعد على لسان وزير الدفاع الذي ترك الباب مفتوحاً أمام احتمال تقديم مساعدات عسكرية مستقبلية لـ ” وحدات حماية الشعب “.
ولا بد أيضاً من ملاحظة أن التصعيد العسكري التركي الحالي، يترافق مع حملة دول مجلس التعاون الخليجي على قطر وإصطفاف تركيا مع الأخيرة، وهما الدولتان اللتان أظهرت العديد من الوثائق والأحداث، دعمهما للمنظمات والفصائل العسكرية الإسلاموية المتشددة هنا وهناك، ومنها تلك التي سبق لها وأن هاجمت الكرد ومناطقهم، في مدينة رأس العين / سري كانييه – محافظة الحسكة، وكذلك حي الأشرفية في حلب.
تركيا المحكومة على طول الخط بـ ” فوبيا ” الأكراد، وبدلاً من العمل على خلق المناخات المناسبة لحل القضية الكردية في كردستان تركيا، بالحوار الديمقراطي السلمي، على أرضية الاعتراف بحق الشعب الكردي في كردستان تركيا بحقه في تقرير مصيره وفق ميثاق الأمم المتحدة، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، تعمل ليل نهار على محاربتهم وملاحقتهم، في أي مكان وجدوا فيه، وحتى لو تطلب ذلك التحالف مع ألدخصومها، فنراها مع نظام ولاية الفقيه في طهران ونظام القتل والاستبداد في دمشق والنظام الطائفي في بغداد، لقمعهم واضطهادهم، ومنعهم من العيش بحرية وكرامة، والوقوف في طريق تحقيق آمالهم وطموحاتهم القومية، وهي بذلك لا تستهدف تجمعاً أو حزباً أو نهجاً معيناً، وأنما تستهدف القضية الكردية والشعب الكردي.
الأحداث والتطورات الجارية، تؤكد وجود خطر حقيقي على القضية الكردية في سوريا، فكل طرف من الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية يبحث عن مركز لنفوذه ومكاسبه، وهذا ما يجري عادة في نهاية كل الحروب، حيث يتم توزيع الامتيازات بين الأطراف الفاعلة فيها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما موقع القوى والتجمعات الكردية في سوريا من كل ما يجري؟ الجواب بكل الأسف هو: غيابهاكلياً، لا بل وأنها مشغولة بخلافاتها وتناقضاتها الداخلية التي أنهكتها وأضعفت إلى حد كبير فاعليتها وتأثيرها، دون أن يلوح في الآفق ما يشير إلى نهايتها، فحزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه العسكرية والأمنية، لا يزال يحاول بقوة السلاح أن يقطع الماء والهواء عن كل الحياة السياسية التي لا تنسجم مع توجهاته السياسية والفكرية، والمجلس الوطني الكردي، لا يزال يصر على محاربة الأول ولا يعترف بإدارته، وأيضاً يعمل جاهداً لإدراجه على قوائم الإرهاب الدولية!!!
وعلى العموم، فأن الوضع القائم حالياً في منطقة عفرين من الخطورة إلى حد، ما يستدعي التلاقي والتعاون وتجاوز الخلافات في البيت الكردي، والعمل على رسم استراتيجية سياسية موحدة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، والتوجه بخطاب موحد للمجتمع الدولي، تؤكد فيه على أن ما يتم التخطيط له من قبل تركيا للمنطقة الكردية، لا يمكن أن بخدم الجهود الدولية الرامية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، وهي لن تحقق أيضاً، الأمن والسلام والتعايش والاستقرار في سوريا.

التعليقات مغلقة.