الأنظمة المستبدة وسياسة الصورة المخادعة
عزالدين ملا
يدور الحديث في أروقة السياسة المحلية والإقليمية وحتى الدولية دائماً وخاصة بين المحللين السياسيين وفي الأوساط الشعوب التي ترزح تحت وطأة الأنظمة المستبدة والديكتاتورية على أن السياسة الخارجية لـلولايات المتحدة الأمريكية غير واضحة، وهناك غموض يكتنف سياستها، ومن يعوّل على أمريكا وحلفائها في نيل حق تقرير مصيره ضرب من الخيال، هذا المفهوم غير منطقي وغير مقبول في قوانين السياسات الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، وهنا يجب أن ندرك أن قواعد السياسة قائمة على المصلحة، ولكن هذه القواعد في معظمها توازي حقّ تقرير المصير للشعوب المظلومة، والغموض التي تدور حول السياسة الأمريكية، ومن خلفها سياسة حلفائها البريطانيين والفرنسيين يجعل من الأنظمة المستبدة والديكتاتورية الوقوع في فخها، إما أن تدخل في شراكات مصلحية متوازنة ومتوازية ما يؤدّي إلى إجبارها لخوض أحد الخيارين. الخيار الأول، هو تغيير سلوكها بحيث يتوازن مع سلوك تلك الدول مما يتيح أمام شعوبهم الانفتاح على الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو ارتكابها أخطاء يعرضها للاهتزاز ما يجبرها لـلرضوخ أمام قوة ووعي شعوبها التي رأت، وخالطت الثقافات الديمقراطية لأمريكا وحلفائها. والخيار الثاني، هو استمرار تلك الأنظمة الدكتاتورية لسياساتها المستبدة مما يؤدّي إلى ازدياد الضغط الذي يولد الانفجار في أيّ لحظة، ويكون ردّ تلك الأنظمة على الانفجار الشعبي الرافض لسياساتها الاستبدادية أكثر وحشية وقمعًا، وخاصة أمام انتشار تكنولوجيا المعلوماتية ووسائل التّواصُل الاجتماعي، ليفتح المجال أمام القوى الخيّرة في العالم إلى عدم القبول بتلك الممارسات والتدخُّل بشكل مباشر أو غير مباشر لوقف العنف وتغيير تلك الأنظمة لسلوكها أو مساعدة الشعوب على إسقاطها، وعلينا أن نكون على يقين أن هذا الغموض وعدم الوضوح هو ما تعطي أمريكا قوة ومكانة عظيمة على مستوى العالم، بل وتدفع الدول إلى الحذر وعدم الانجرار خلف التوترات والاهتزازات السياسية الدولية خوفاّ من مواجهات مقصودة أو غير مقصودة مع أمريكا أو التفكير بمجاراتها في المقايضات والمصالح.
السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وحتى على مستوى العالم أجمع تتَّبِع سياسة الصورة المخادعة لما تريده أمريكا، وهذه الصورة أدخل الكثير من الدول في فخاخ شركها، وهكذا أمريكا تستطيع ممارسة سياسة الابتزاز والمقايضة. هذه السمة لها حسناتُها في جعل الأنظمة الظالمة التفكير كثيراً قبل اتخاذ خطوات ظالمة ضد شعوبها والتخوف من الانجرار نحو فوضى عارمة تودي بها إلى الهلاك، وأيضا لها سيئات بالنسبة للدول الحليفة وكذلك بالنسبة للشعوب التي تريد الخروج من دوامات الديكتاتوريات والاستبداد.
إن ما تمارسه أمريكا يبعث على الإرباك والريبة لمضاجع الدول الحليفة لما يكتنف سياستها من الغموض والضبابية، وهذا ما يدفع بالدول الحليفة إلى التخبُّط في سياساتها، وأخص بالذكر الدول الوليدة في ممارسة السياسة كـ دول الخليج على سبيل المثال، أما الدول العريقة ممن لهم باع طويل في ممارسة السياسة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، هم يدركون مدى قوة سياسة أمريكا في هذا الاتجاه، وهم من يراهنون القبضة الحديدية الأمريكية في التمسك بزمام أمور سياسة المصالح والنفوذ العالمية والسير باتجاه فرض الديمقراطية ورفاهية الشعوب، ومن خلالها يتم ابتزاز الشعوب الشرق الأوسطية إلى الانجرار خلف الأوهام العاطفية، ويتقنون أن خلاصهم من الجبروت والظلم يمرُّ عبر تلك الشعارات، ترتفع معنوياتهم فيقارعون الظلام بالعزيمة والإرادة القوية، وعند الغرق في المستنقع الخراب والدمار يصطدمون بحائط النفاق والخداع.
لذا الشعوب المضطهدة ترى في هذه السياسة الأمريكية التخوف من مستقبلها الأمني والاقتصادي، لأن السياسة الأمريكية ولتمرير مصالحها قد تُناغم الدول المستبدة والديكتاتورية، لذلك ترتفع نظراتهم نحو السماء تضرعًا ودعاءً للخلاص من معاناة الاستبداد والغطرسة دون المراهنة على أمريكا وسياساتها المخادعة لِما تنادي بها من خلال تلك الشعارات التي تتماشى مع مشاعر الشعوب الرَّازحة تحت وطأة الاستبداد، لأنهم وحسب قناعاتهم لم يعد لهم من سند سوى الله، طبعاً هذا كله حسب ما يعتقده الشعوب المضطهدة.
والحسنات في السياسة الأمريكية، أنها تدفع بالدول الديكتاتورية والمتغطرسة لشعوبها وللشعوب الجارة إلى التمادي وفعل المزيد من الأخطاء، وعندها تتحكم أمريكا بزمام الأمور وتضغط على تلك الدول للرضوخ لمآربها وسياساتها. وهذا ما تجعل هذه الدول إلى إعادة حساباتها، وإجراء اصلاحات سياسية واقتصادية يعطي شعوبها هامش من الديمقراطية والرفاهية، هذا الهامش يكون بداية نحو الانفتاح على العالم، الذي يعطي تلك الشعوب آفاقاً جديدةً، والانخراط في ثقافات شعوب العالم وخاصة الدول التي تتمتع بالديمقراطية والمساواة والحرية، ما يخلق حالة واعدة داخل المجتمعات الشرقية، التي تبدأ بتجميع طاقاته ولملمة انكساراته وتشكيل دفع قوي والضغط على انظمتها لتغيير سلوكها أو توسيع قاعدة الديمقراطية والحرية أمامهم.
ومن هذا المنطلق، أعتقد أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم غيّرت الكثير من المفاهيم السياسة والقواعد الأخلاقية والانسانية، وفتحت المجال أمام الدول لوضع مفاهيم السياسة وقواعد الأخلاق أكثر تحضراً لضمان بقائها واستمراريتها، ما أدى إلى بعض الانفتاح والتي أرضت شعوبها بعض الشيء ولكن ليس دائمًا، وهذا يجعلها أمام انفتاحات أوسع لتأمين نفسها من الانهيار أمام إرادات الشعوب الشرقية المتعطشة إلى الحرية والديمقراطية الغربية.
التعليقات مغلقة.