سوريا.. بين مطرقة الصراعات الإقليمية وسندان المصالح والمقايضات الدولية
إعداد : عزالدين ملا
بعد أن كان العالم كله مع الشعب السوري، ويطالب النظام السوري بالرحيل وتسليم السلطة للشعب ليحكم نفسه عن طريق انتخابات ديمقراطية ونزيهة تمهّد الطريق لتأسيس نظام برلماني تعددي ديمقراطي لا مركزي، يأتي الآن، ويطالب الشعب بالمصالحة مع النظام الذي استباح كرامته وإنسانيته، استخدم ضد شعبه أبشع الممارسات اللاإنسانية من قتل وتدمير وتشريد.
السباق العربي بإعادة العلاقات مع النظام السوري إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، وكذلك التصريحات الأمريكية التي تغيّرت من المطالبة بإسقاط النظام ورحيل الأسد، إلى البقاء عليه مع المطالبة بتغيير سلوكه، وكذلك تركيا التي طالبت بعدم بقاء النظام الحالي، إلى الدخول في مفاوضات للوصول إلى تفاهمات سياسية وأمنية على حساب الشعب السوري عامة والكوردي على وجه الخصوص.
1- كيف تحلّل كلّ هذه التحرُّكات السريعة في منطقة الشرق الأوسط؟
2- ما رأيك بما يجري في الكواليس؟ وهل أمريكا مع ما يجري من اجتماعات وتفاهمات بين تركيا وروسيا والنظام السوري؟ ولماذا؟
3- كيف يرى الكورد تلك التحركات؟ هل هناك تخوف من مستقبلهم في سوريا؟
4- ما المطلوب من القيادات الوطنية السورية والكوردية للخروج من هذا الوضع بأقل الخسائر؟
الوقوف على مكامن الخلل والتوجه بخطاب يُعبّر عن مشتركات الشعب السوري
تحدث المنسق العام لحركة الإصلاح الكُردي في سوريا، فيصل يوسف، بالقول: «شكلت الثورة السورية حالة مختلفة عن مثيلاتها في دول ما يسمى بالربيع العربي، لتداخلها مع قضايا إقليمية ودولية كثيرة، سواء مع دول الجوار أو تجاوزها لأصقاع أخرى في العالم، وهكذا أرادت تلك القوى استثمارها كلاً حسب مصالحها ورؤيتها. في حين أصر النظام السوري على خيار المواجهة العسكرية والأمنية مع المنتفضين، ووضع نصب عينيه البقاء في السلطة، واتبعت شتى الوسائل والتحالفات لهذه الغاية، وفي هذا السياق، انجرت بعض القوى المعارضة لحمل السلاح وعسكرة الثورة بسبب ممارسات النظام، ولم تتمكن من المحافظة على وحدتها واستقلالية قرارها والمسار السلمي للثورة. إن ما يجري حول سوريا، والتحركات لتطبيع العلاقات مع نظامها، يأتي في سياق مصلحة الدول المتداخلة في الشأن السوري، والسعي لتوجيه الأمور وفقا لذلك، لا كما يرغب به الشعب السوري، لكنها لا تتفق في معالجتها للقضية السورية، وتفترق في تفاصيل تطبيق القرار 2254 والتسوية النهائية، وهذا ما تعطي فرصة ثمينة لقوى المعارضة وكل الوطنيين لإعادة النظر في المرحلة السابقة، ووضع خطط وبرامج ورؤى للمرحلة القادمة، وتضع مصلحة الشعب السوري بمختلف قومياته وأديانه في المقدمة، وأن لا تبقى أسيرة التجاذبات الإقليمية والدولية، عبر تشكيلها حالة تدرك معها القوى الدولية، أن مصلحتها تتقاطع مع مصلحة الشعب السوري، ولابد من دعم مطالبه».
يرى يوسف: «ان أمريكا وحلفاءها على دراية بما يجري من اجتماعات وتفاهمات، وهي تتواجد على الأرض السورية، ولها مصالح أيضاً، واتخذت إجراءات وقوانين كثيرة من أجل منع التطبيع مع النظام، وهي تؤكد دوماً دعمها للحل السياسي وفق القرار 2254، لمعالجة الوضع المتأزم في البلاد ودون أن تضع هذه المسألة في أولوياتها الاستراتيجية عبر الإدارات الديمقراطية أو الجمهورية، ولم تتخذ مواقف محددة من تحركات محور استانا حتى الآن، لأنها تعلم باستحالة أي حل دون مشاركتها، وأن هذه القوى لا يمكنها أن تتجاوز القرار الدولي 2254، كما تدرك تماماً، أن لا حل وتسوية في سوريا بدون أمريكا، ولهذا من المبكّر الحكم على نتائج التحرُّكات الأخيرة واتجاه سيره، وما ستتمخض عنها من نتائج».
يتابع يوسف: «الكُرد جزء من الشعب السوري، وهو يعاني من مشاريع وسياسات تمييزية كثيرة، وقد ناضل منذ تأسيس الدولة السورية، كي يكون شريكاً فيها، ويتمتع بحقوقه القومية في إطارها دون تمييز واقصاء، واتبع الخيار السلمي الديمقراطي سبيلا إلى ذلك، وشكّل نضاله أحد الحلقات الرئيسية في تبلور الثورة السورية، وقضيته جزء رئيسي من القضية السورية، لا أعتقد حلها ممكن دون تحقيق مطالب الشعب الكُردي وحقوقه القومية والديمقراطية».
يؤكد يوسف: «أنه يتطلب من كل القيادات السورية ومنها الكُردية، الوقوف على مكامن الخلل في مسيرة العمل المعارض خلال السنوات الماضية، والتوجُّه بخطاب يُعبّر عن مشتركات الشعب السوري وأهداف ثورته في الحرية والكرامة، وتشكل حالة جماهيرية قوية تدفع بالقوى الإقليمية والدولية كي تلتقي معها على أرضية مصالحها، وعبر علاقات متوازنة وواضحة. وفي هذا السياق فإن الشعب الكُردي وباعتباره القومية الثانية من حيث الثقل السكاني، ومن مصلحته الإتيان بالديمقراطية، وبناء دولة اتحادية متعددة القوميات، بأن تبادر الحركة الكُردية كي تكون في موقع الريادة على الصعيد الوطني في المرحلة القادمة، وهذا ممكن التطبيق، إن توافق طرفا المعادلة الكُردية، المجلس الوطني الكُردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكُردية، والالتزام بوثيقة الضمانات الموقعة من الخارجية الأمريكية والسيد مظلوم عبدي، وإتمام المفاوضات التي بدأت قبل زهاء سنتين أو أكثر، والوصول لتوافق شامل في مجمل القضايا السياسية والاقتصادية والإدارية والعسكرية، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن القضية الكُردية في سوريا باتت لها أبعاد إقليمية ودولية، ومواقف بعض أطراف محور استانا منها لم يعد خافياً على أحد، ودول التحالف الدولي بقيادة أمريكا والتي ربطت كل وجودها وسياساتها بمحاربة الإرهاب وبشكل خاص داعش، وتتعامل مع باقي الوضع السوري عبر خطابها المعتاد، بالتأكيد على الحل السياسي وفق القرارات الدولية وصياغة الدستور، في حين لا تعطي أي اهتمام أو خصوصية لحقوق الشعب الكُردي، ولا تمارس الدور المأمول منها على صعيد حل القضية السورية، وها قد مضى أكثر من عشر سنوات دون تقديم خطط عملية لمعالجة الوضع المتأزم القائم في البلاد».
الكورد.. الخاسر الأكبر إن لم يتوحّدوا
تحدث رئيس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد في سوريا، عبدالباقي حسيني، بالقول: «منذ بداية الأزمة السورية أو (الثورة السورية) وحتى يومنا هذا، لم يكن موقف الغرب وخاصة موقف الأمريكان من النظام السوري واضحاً، لقد كان موقفاً مبهماً، بالرغم من أن النظام خرق كافة القوانين الدولية الخاصة بحقوق الانسان والحريات العامة، بالإضافة إلى القتل والتهجير ودمار البلد. لا يرى الغرب حتى يومنا هذا في إبقاء نظام بشار الأسد خطورة على المجتمع الدولي بشكل عام وعلى دولة إسرائيل بشكل خاص، والبديل لهذا النظام يكاد يكون معدوماً في نظرهم، كون عرب السنة والذين هم من المفترض ان يكونوا بدلاء، أعطوا انطباعاً سيئاً عن مكونهم، بأنهم مسلمون متشددون، وان جماعة “اخوان المسلمين” هم من يقودهم، وهذا الأمر يخوّف الغرب، بأن سيطرة هذه المجموعة على مقاليد الحكم في سوريا سوف تشكل أولاً خطورة على دولة إسرائيل، وثانيا ستقوض مصالحهم في المنطقة، بينما ينظرون إلى نظام بشار الأسد بغضّ النظر عن الكوارث الذي أحدثها في سوريا يبقى نظاماً علمانياً ويحافظ على عملية السلم بينه وبين إسرائيل. من هذا كله نستنتج ان بقاء النظام الحالي، في نظر الغرب، مع بعض الترميم أفضل من تغييره. وبالتالي يتم تحشيد جميع القوى الإقليمية والعالمية على تعويم هذا النظام من جديد».
يتابع حسيني: «أمريكا في هذه المرحلة غير مهتمّة بالملف السوري، فهي سابقاً من أطلقت يد روسيا في سورية وذلك لإطالة عمر الأزمة. كما نعلم أن هناك مفاوضات في جنيف لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بالرغم من هذه المحادثات، قامت روسيا وبالاتفاق مع كل من تركيا وإيران على استحداث منصة (أستانا)، وبعدها عقد مؤتمر (سوتشي)، وخرجوا بفكرة كتابة الدستور السوري الجديد من قبل النظام والمعارضة. هذه الفكرة، كمن يضع العربة أمام الحصان، لا تقدّم في الحل وبالتالي إطالة عمر الأزمة السورية وتمييع الحل السياسي. هذه اللقاءات غير مهمة بالنسبة للغرب والأمريكان، كون هذه الدول بدون أمريكا لا تستطيع ان تحل الأزمة السورية، هذا أولاً، ثانيا أمريكا تعرف كل تفاصيل هذه اللقاءات عبر تركيا، الدولة العضو في حلف الشمال الأطلسي (الناتو). فهي مطمئنة لكل هذه التحركات».
يبيّن حسيني: «طالما الكورد غير موحدين، فمن الطبيعي سيكونون الخاسرين الأكبر في هذا الحراك، إذا تم الاتفاق بين تركيا والنظام وجددوا اتفاقية أضنة فيما بينهم وقبل النظام بدخول تركيا إلى الاراضي السورية بعمق 30 كم بدلا من 5 كم، معناه ان قوات سورية الديمقراطية (قسد) والموالين للإدارة الذاتية سينسحبون إلى الداخل، هنا على المجلس الوطني الكردي (الانكسة) ان تكون مستعدة لهذه الخطوة وان تثبت أقدامها في هذه المناطق، حتى لو عاد النظام إلى المنطقة. بالنسبة للخوف من المستقبل، كان لدينا (نحن الكورد) فرصة كبيرة لتحقيق وتثبيت الحقوق القومية الكُردية في البلاد، لكن مع الأسف سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) الخاطئة وخسارة نسبة كبيرة من شبابنا وهجرة الأغلبية من سكان مناطقنا، تجعلنا نتخوف من المستقبل، بل اصبحنا أقلية في مناطقنا الكُردية. لا شك النظام سينتقم من الكورد المعارضين، أما بقية الشعب سيعيشون كما الماضي مواطنين من الدرجة الثانية مع منح هامش بسيط في مجال تعليم لغته الأم، اللغة الكُردية».
يرى حسيني: «أنه على الجميع التحرك وبشكل كبير والاتصال بالأمريكان فهم ما يجري على الأرض وتحديد مصيرهم في المستقبل. الغرب والأمريكان لديهم أجندة أخرى تختلف عن أجندة روسيا والدول الإقليمية. الغرب لديهم فكرة تقسيم سوريا، لكن المعارضة وخاصة العرب السنة يرفضون الفكرة بالرغم من إمكانياتهم الضعيفة. إذا تم الاتفاق بين تركيا والنظام بمباركة الغرب، وقتها سيكون هناك نقاط في الاتفاقية تؤمن وتحمي المعارضة والكورد من جور النظام وظلمه، وإلا سيكون المشهد في سورية أكثر كارثية من الأول».
سوريا مرشّحة للجمود.. والقضية الكُردية تواجه خطراً وجودياً
تحدث الكاتب والسياسي، صبري رسول، بالقول: «تعاطفت الشعوب العربية مع الثّورة السورية في بداية انطلاقتها، ووجدت فيها مخرجاً لخلاص الشعب السوري بعربه وكُرده وأقلياته من الاستبداد والقمع والمظالم الكثيرة التي مارسها النظام طوال عقود طويلة. واستجابة للتعاطف الشعبي ناصرت بعض الأنظمة العربية الثورة السورية، وفي الوقت نفسه بنت الحكومات العربية مواقفها المتشنجة من النظام السوري على وقع أمرين مهمين: أولهما: المواقف الدولية، وبالأخص المواقف الأمريكية والأوربية التي اتخذت إجراءات عقابية على النظام ومؤيديه وطالبته بالرّحيل، وثانيهما اتساع جبهة المعارضة الشعبية، التي بدأت تتبلور انسجاماً مع صوت الشارع السوري، ومع الانشقاقات العسكرية التي هزّت أركان النظام. وازدادت الأوضاع تعقيداً مع قيام النظام باستخدام العنف المفرط ضد الشعب، وزجّ عشرات الآلاف في المعتقلات، ومحاربته في لقمة عيشه، وقطع الخدمات الأساسية من الحياة اليومية. لكن ما حدث لاحقاً من التطورات العسكرية بعد دخول روسيا على خطّ المواجهة عام 2015، وانكفاء الدول ما يسمى بـأصدقاء الشعب السوري، عن الدعم الثورة السورية، غيّر المعادلة كليّاً، وبدأ صراع المصالح الإقليمية والدولية على حساب الشعب السوري وثورته العفوية، ما أدّى إلى حرفّ قطارها عن السّكة وركوب التنظيمات المتطرفة كداعش وجبهة النصرة على متنها وقيادتها. هنا يمكن القول أن الثّورة السورية انتهت، وبدأت تأكل أبناءها، وتقدّم خدمات مجانية للنظام لتأهيله».
يتابع رسول: «لم تجد القوى الإقليمية والدولية بديلاً عن النظام، حيث الوجه المتطرف يطفو على السطح، مع غياب الصوت المعتدل الذي يمكن الاعتماد عليه في قيادة سوريا وإخراجها من المستنقع المعقّد، ما دفعها إلى التفكير في إعادة تدوير النظام وتأهيله مرة أخرى، بوصفه الموجود الأكثر قبولاً من كل القوى السّورية، وكانت الحكومات العربية سباقة في هذا الاتجاه، وهذا تأكيدٌ بأن تلك الحكومات اتخذت مواقفها السابقة تحت ضغط الشّارع العربي وليس مناصرة لقضية الشعب السوري. وهناك مسائل أخرى تتعلق بالدول الإقليمية، خاصة تركيا وإيران، فالأولى لم تنقطع الصلات الاستخباراتية بينها وبين النظام وفق تصريحات مسؤوليها، أما الضجيج الذي أحدثته تركيا وتصريحات رئيسها ومواقفها وخطوطها الحمر لم تكن سوى مزاودات في سوق بيع الثورة، وحصلت على حصة الأسد في دفنها وطرح بديلها المتطرف، كورقة قوية في مواجهة المسألة الكُردية في سوريا. والثّانية -إيران- أرسلت حزب الله إلى غرب وجنوب غرب سوريا، بمساندة ميليشيات كثيرة، والنظام السوري يُعدّ جزءاً من النظام الإيراني، فلا يريد الكلّ الإفراط بالجزء، لأن سوريا تشكّل حيّزا كبيراً من الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. الدّولتان تتصرّفان في سوريا وكأنّها جزء من ممتلكاتهما».
يضيف رسول: «الولايات المتحدة على اطلاع بما جرى ويجري في اللقاءات الثلاثية التركية الإيرانية الروسية، وتتخوف من التقاربات المريبة بين تركيا وروسيا، لكنها تُدرك أن أردوغان لن يستغني عن حلف الناتو ومصالحها مع الغرب مقابل التقارب مع روسيا المثقلة بالعقوبات الاقتصادية. المشروع الروسي التركي الإيراني في سوريا خطيرٌ جداً، وتتكون من عدة اتفاقيات وتفاهمات منها ما بدأت ملامحها في الظهور، ومنها مازالت خفية (مسائل أمنية). وحسب ملامح المشروع ينبغي إعادة تأهيل النظام خارجياً بالتوازي مع استعادة سلطته المفقودة على ثلث مساحة سوريا داخلياً، وهذا مطلب روسيّ إيراني، ستوافق عليها تركيا مقابل تأمين حدودها وشريطاً داخل سوريا بعمق ثلاثين كيلومتراً يكون تحت سيطرتها، وهذا يعني إنهاء ملف قسد ومسد، وإعادة سيطرة النظام على المنطقة الكُردية، وعلى مراحل. الحديث السابق يشكّل خطراً جوهرياً على القضية الكُردية، بل سيُنهي الوجود الكُردي في سوريا خلال سنوات قليلة، فمنسوب التغيير الديمغرافي يرتفع بشكل حاد، حيث نزيف الهجرة مستمر بقوة، وهناك عشائر عربية تمّ إسكانها في المنطقة، والأمر ليس بخافٍ على أي متابع، فالمواطن الكُردي يلاحظ تغيير وجوه سكان المدن، ولاحقاً سيشمل القرى».
يشير رسول: «إلى أن الحركة الكُردية تأخرت كثيراً في البحث عن الحلول ومواجهة ما يجري، أعتقد «هذا ليس تشاؤماً» أنّ القطار قد فات على القوى السياسية الكُردية، لأنّ التفاهمات والاتفاقيات بين الدول الإقليمية والدولية بدأت بالتنفيذ وليس هناك فرصٌ بعد الآن لمواجهة الخطورة. لم يستطع الكُرد تقديم البدائل وإقناع الأصدقاء والحلفاء بما يطرحونه من حلول، فأحد الأطراف «ب ي د» والأحزاب المتحالفة معه منشغل بالفساد والنهب، ويسوقون الشعب كالنعاج إلى المقصلة مع رفع وتيرة الشعارات الجوفاء، ولا يهمها ما يجري، بل قد يكون أداة بطريقة ما لتنفيذ المطلوب، والطرف الآخر «المجلس الوطني الكُردي» انشغل بأمرين اثنين: أولهما: الارتباك الذي تُحدثه «إدارة ب ي د الذاتية» لإلهاء المجلس وصرفه عن مهامه القومية وعرقلة مشروعه القومي، وفرض إرادته العسكرية على الرؤية السياسية بالقوة. ثانيهما: انشغال المجلس بأموره التنظيمية، والتراخي الذي أصاب مفاصله في إدارة شؤونه، المجلس أمام تحدياتٍ مصيرية، والفرص المتاحة سابقاً نفدت، وعليه أن يخلق ظروفاً جديداً ليكون لاعباً مؤهلاً لقيادة المرحلة، وإلا سيزول ما تبقى من أمل. سينتظر الناس المؤتمر القادم المرتقب، والتغييرات الممكنة على كلّ صعد. وإنّ غدا لناظره لقريب».
مصالح الدول تلعب دوراً رئيسياً في تأزيم الوضع السوري
تحدث السياسي، دوران ملكي، بالقول: «شهد الوضع في سوريا ثلاث فترات رئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية امتدت من فترة الرئيس باراك أوباما من ٢٠١١-٢٠١٦ ثم تلاها فترة الرئيس دونالد ترامب ومن ثم فترة الرئيس جو بايدن. وتميزت المرحلة الأولى والثانية بالتناقض التام، إذ ألغى ترامب كل ما أتخذ من قرارات في عهد الرئيس أوباما، والذي تميزت الثورة السورية في عهده، وتم الضغط على النظام وعزل دولياً وعربياً، وتأسست مجموعة أصدقاء الشعب السوري وتطوّرت المعارضة سياسياً وعسكرياً، واستولت على مناطق شاسعة من الجغرافيا السورية. وعلى العكس من ذلك تميزت فترة الرئيس ترامب المثيرة للجدل بإدارة الظهر للشعب السوري، وتحولت مجرى الأحداث كليا لصالح الروس ونظام بشار الأسد، وللعلم إن تحقيقات المخابرات الأمريكية FBA لم تتوقف حتى الآن حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية ٢٠١٦ لصالح الرئيس ترامب، وبذلك تحول مجرى المفاوضات من المنظمة الدولية إلى سوتشي بإدارة روسية-إيرانية-تركية ليشرفوا على الجولات. المفاوضات بين النظام والمعارضة والتي لم تسفر عن شيء وزاد من رصيد الدول الثلاث، فكوفئ الأتراك بعملية درع الفرات ومن ثم نبع السلام، وكذلك وصول إيران إلى حدود إسرائيل، وروسيا بالتمدد إلى شرق الفرات بعد إن كان محرماً عليها. في فترة الرئيس الحالي أخذت الأوضاع مناحي دولية وإقليمية جديدة، فتنامي الدور الصيني والروسي عالمياً أدى إلى تغيرات في السياسة الأمريكية للحفاظ على دورها الريادي في العالم، وبذلك أهمل الوضع السوري كلياً، ودخلت في طيات النسيان باستثناء التأكيد على بقاء القوات الأمريكية في سوريا».
يتابع ملكي: «ظلت مصالح الدول ذات الشأن تلعب دوراً رئيسياً في الوضع السوري، فالخلافات الأمريكية التركية والروسية التركية ساهمت في إجهاض الثورة السورية. حاولت تركيا السيطرة على الواقع العربي من خلال النجاحات التي حققتها أحزاب الإخوان المسلمين الموالين لأنقرة في ثورات الربيع العربي، والعقبة الرئيسية في طريق تمدده هي وجود القوات الروسية والإيرانية التي استنجد بهما النظام في سوريا، وهو ما أدى إلى صِدام مسلّح بين الروس والأتراك توج باستسلام السلطان التركي أمام الدب الروسي نتيجة عدم تدخل الحلف الأطلسي لردع التهديدات الروسية ضد أنقرة، والاكتفاء باحتلال عفرين مقابل التخلي عن المعارضة في حلب وريف دمشق. وما زاد في الطين بلة هي الحرب الروسية الأوكرانية حيث تحولت اهتمامات العالم إلى نتائج هذه الحرب، والتي تحولت إلى حرب استنزاف طويلة الأجل، والتي تؤثر على الواقع السوري مباشرة، وتجني ثمارها تركيا جملة وتفصيلا، فبحكم موقعها الجغرافي سارعت جميع الدول إلى إرضائها وخاصة الروس الذين يعتبرون تركيا بوابة الخروج إلى العالم الخارجي بعد أن أغلقت جميع المنافذ البرية والجوية في وجهها بعد غزو أوكرانيا. وهذا ما زاد من عنجهية تركيا وتنمرها، إذ تفرض شروطها على الطرفين الروس والأمريكان، ولكن الطرفين لم يوافقوا على تدخلها المباشر، وإنما حصلت على الضوء الأخضر من الأمريكان بضرب أعضاء حزب العمال الكردستاني المتواجدين في مناطق الإدارة الذاتية، وحصلت من الروس الجدية في تطبيق اتفاقية أضنة، وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية إلى عمق أكثر من ٣٥ كم ليحل محلها قوات نظام بشار الأسد، وبذلك يتمدد على أغلب التراب في سوريا بدعم روسي. ومحاولة المصالحة بين المعارضة والنظام لتسويق النظام عالميا وعربيا عبر مفاوضات مباشرة بين النظام والمعارضة دون المطالبة برحيله، وإجراء بعض التعديلات على الدستور تفضي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية».
يضيف ملكي: «هذا ما تحاول أطراف اجتماع طهران أن تنفذه على أرض الواقع، ولكن أعتقد إن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن، فوجود القوات الأمريكية في سوريا وتعزيزها في الفترة الأخيرة وتأكيدات المسؤولين على بقائها سوف تصطدم مع محاولات أطراف اجتماع إيران، وخاصة إن الوجود الأمريكي في سوريا أصبح استراتيجيا ليس لمواجهة روسيا فقط وإنما للتمدد الصيني الإيراني باتجاه البحر المتوسط، وإن الصمت الأمريكي حيال هذه التطورات لن يدوم كثيرا، وهم يعرفون تمام المعرفة بعدم قدرة الأطراف الثلاثة على تسويق النظام السوري عالميا وعربيا ودوليا، ولا يستطيعون إخراج القوات الأمريكية من سوريا بمجرد المطالبة برحيل القوات الغير شرعية طالما هناك خلايا نائمة لداعش في العراق وسوريا».
كرديا، يتطرق ملكي: «إلى أنهم لم يتم التوصل إلى تفاهمات بشأن إدارة كردية مشتركة للوصول إلى تفاهمات مع باقي مكوّنات المنطقة وبإشراف أمريكي، رغم إن الإدارة الأمريكية كلفت موظفين من الدرجة الأولى والثانية لمتابعة موضوع التصالح الكردي، لأن الإدارة الذاتية ورغم تعهدات قائد قوات سوريا الديمقراطية للإدارة الأمريكية ليس لديها مركز سوري لإتخاذ القرار وجميع القرارات تصدرها قيادة حزب العمال الكردستاني في قنديل، وهي بطبيعة الحال تراعي مصالح الدول المعنية وخاصة تركيا وإيران وحليفه بشار الأسد بعين الاعتبار. إن تركيبة حزب العمال الكردستاني المثيرة للجدل من علويين أتراك وكرد وقوميين كرد، وكانت لهم اليد الطولي في القرارات المصيرية، وأغلبهم ولاؤهم ليس كرديا يعملون لصالح إيران والدولة العميقة في تركيا وما عداهم من القوميين الكورد في كردستان تركيا وباقي أجزاء كردستان هم مفعولون وليسوا فاعلين فإن اعترضوا على أي قرار يتم تصفيتهم، إما في مناطق الإدارة الذاتية أو سنجار أو إقليم كوردستان بواسطة الطائرات المسيّرة التركية أو المفخخات الإيرانية. لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن من تشكيل مركز قوي لاتخاذ القرار، لذا باءت جميع محاولاتها بالفشل لتقليص الهوة بين المجلس الوطني والإدارة الذاتية. يعرف القاصي والداني أن الاتفاقات التي وقعت مع مخابرات بشار الأسد لم توقعها الإدارة الذاتية لأنها لم تكن موجودة حينذاك، وهم لا يعرفون ما هي بنودها إبان انسحاب قوات بشار الأسد من المناطق الأساسية في كوردستان سوريا، ولا أحد يستطيع أن يتحكم بالوضع
يعتقد ملكي: «أن ما تقوم بها تركيا حاليا وكأحد السيناريوهات المقررة في اجتماعات طهران بالضغط من خارج الحدود وبشكل عشوائي عبر المسيرات وعملائها والمدفعية الثقيلة على الشعب الأعزل بحجة ملاحقة عناصر pkk (الإرهابية)، لكي يستنجد مسؤولو الإدارة الذاتية بالروس، وبذلك يتم حثهم على القبول بشروط النظام والتراجع إلى عمق أكثر من ٣٠ كم ليحل محلهم دوريات من الشرطة العسكرية الروسية والقوات التركية، ويتم إعادة انتشار قوات بشار الأسد في المخافر الحدودية، وبذلك يتم السيطرة على جميع الشريط الحدودي، ويساعدهم في ذلك القادة الفعليون لقوات سوريا الديمقراطية الذين وقعوا الاتفاق مع نظام بشار الأسد، وباتت تصريحاتهم واضحة وهي على الشكل التالي (الأمريكان تركونا والروس باعونا ولا مفر لنا سوى الانسحاب باتجاه دير الزور)، وليتمم الحلقة الأخيرة من مسلسل الاستلام والتسليم والتي تم قبض ثمنه من قبل حزب العمال الكردستاني من النفط السوري، والضرائب المفروضة على الشعب مقابل دماء الآلاف من الشباب الكرد. إن الإدارة الأمريكية ليست بصدد الانسحاب من المنطقة بل تسعى إلى تعزيز قواتها في شرق الفرات، لذا أعتقد إنها ستتبنى سيناريوهات جديدة معتمدة على ذاتها من الجنود الأمريكان والمتطوعين من الكورد السوريين الذين يعملون معها بزيادة ثقلها في المناطق الحدودية انطلاقا من قواعدها(الرميلان-هيمو-تل بيدر -كوباني) باتجاه شرق قامشلو وعامودا والدرباسية وكوباني، ولن تسمح باستكمال المخطط الروسي التركي الإيراني، هذا فيما إذا انسحبت قوات سوريا الديمقراطية دون اتفاق أو موافقة أمريكية، واستكمال مشروع الاتفاق الكوردي في هذه الحالة يتحتم على قيادة المجلس الوطني الكوردي إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة إشراك بيشمركة روز آفا في هذه العملية ومستقبلا لمواجهة الخلايا النائمة لداعش في شرق الفرات، وبذلك يتم حل المعضلة الأساسية بشأن الذريعة التركية (مواجهة الإرهاب)، وسيكون عاملا أساسيا من جديد للاتفاق الكردي، وتشكيل إدارة جديدة من مكونات المنطقة لحين البت بالوضع السوري دوليا».
أخيرا:
الوضع السوري يتجه نحو وضع ضبابي وعدم الوضوح في رؤية مستقبلية، لذا ما يجري الآن ليس سوى مناورات وتشويش على الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254.
التعليقات مغلقة.