الكُردي السوري لا حظَّ له ومتهم بالانفصالية
عز الدين ملا
مما لا شك فيه أن تغييرات الظروف السياسية وتقلبات الوقائع والأحداث الإقليمية والعالمية تقدم الكثير من الخبرة السياسية وتعطي القدرة على التحكم في توجيه السهام نحو مركز الهدف المراد لكل جهة، ولكن ما يتراءى لنا أن الكورد السوريين ما زالوا يعيشون خارج الواقع، وما زالوا ملتهين بالصراعات الجانبية التي لا تقدم أي فائدة لتغيير ظروفهم أو الدفاع عن مصيرهم ولا العمل على تأخير المتربصين من الأعداء في توجيه الضربة أو الضربات التي تقصم ظهر الكورد وتشلهم عن الحركة.
من المعلوم للجميع أن الظروف التي مرت بها الأزمة السورية والتموجات والتواترات المترنحة يميناً وشمالاً، كانت الضربة الموجعة ليس فقط للكورد بل لجميع السوريين، ولكن الضربة الموجهة للكورد كانت مزدوجة، منذ اللحظة الأولى من الأزمة السورية وحتى الآن.
الكورد قبل الأزمة عاشوا على هامش تاريخ سوريا الأسدي، وشعورهم بالنقص وأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، جعلهم يبحثون عن كينونتهم وبصة أمل في العامل الإنساني الذي يجمعهم مع جارهم في الخبز والوطن، هذا الشعور صقل تفكيرهم بالسير خلف حقائق كانت غائبة عنهم، من أن فصيلة الدم الكوردي غير مرغوب بها في مجتمعٍ يترنح على حافة العقلية التعصبية والبعثية الشوفينية، وما أحزن الكورد أكثر هو أن باقي المكونات، وخاصة المكون العربي، لا نقول الجميع ولكن معظمهم، كانوا الأكثر تشدداً وعنصرية من ذاك النظام السوري البعثي، مورست بحقهم أبشع أساليب الترهيب والترويع، وطبقت ضدهم ممارسات عنصرية من الحزام العربي والإحصاء الجائر الذي حرم عشرات الآلاف من الكورد، بل مئات الآلاف، من التمتع بالمواطنة والهوية السورية.
هذا ما دفع الكورد للبحث عن سبب تلك المعاملة، لذلك ظهر الشعور القومي لدى الكورد السوريين، وخاصة ما كان يأتيهم من أخبار عن ثورات كوردية في تركيا والعراق وإيران يطالبون بحقوقهم المشروعة، والأهم ثورات البارزانية ورمزها وأيقونتها الملا مصطفى البارزاني، كان ذلك بداية النضال السياسي للكورد والمطالبة بحقوقهم كـ كورد وكمواطنين سوريين، إسوة بغيرهم من السوريين كاملي الحقوق والواجبات.
ولكن بعد قيام الثورة السورية، وقف الكورد السوريون في مكانهم الطبيعي إلى جانب المعارضة السورية، ولكن المعارضة، وكما النظام، لم تخرج من تلك القوقعة العنصرية تجاه المواطن الكوردي، حتى ظهر في بعض الأحيان، العديد من المعارضين أشد عنصرية وغطرسة من النظام نفسه.
ليس هذا فقط، بل أن يقف ذاك العربي السوري إلى جانب المحتل التركي واستباحة أراضي سوريا تحت ذريعة أنها أراض لمواطنين كورد سوريين، فقط أن يُسعد غريزته العنصرية وغلّه تجاه الشعب الكوردي في سوريا، فهذه قمة الحقد والكراهية.
هذه الحالة الغريزية الحقدية لدى غالبية العرب السوريين لم تتغير، بل استمروا في هذا الشعور التهميشي تجاه الكورد حتى الآن، رغم أن الكوردي -وغريزته التحررية- وقف في الصفوف الصحيحة إلى جانب المطالبة بإسقاط النظام وإعادة كرامة المواطن السوري، لم يفكر أبداً ما كان يفعله الآخر تجاهه من التجاهل والتهميش، بل نسي الماضي بكل ما فيه من مآسٍ وساند ذاك الآخر الذي لا يقبله، فقط هَم الكوردي السوري استعادة رونق بلده ووطنه سوريا.
وعليه، كانت تلك الروح قوة شرارة الثورة السورية التي أرعبت وأرعشت كيان النظام في بدايته وكاد أن يسقط. ولكن ذاك الآخر الذي كان يسانده الكوردي، رويداً رويداً بدأ بميل بوصلة سلاحه من النظام ويوجهه نحو هذا الذي لا حظَّ له (الكوردي)، ثم يطلق رصاصاته الغادرة والحاقدة نحوه، وكأنه أدرك للتو أن عدوه ليس النظام الذي انتهك كرامته وعرضه، بل هو ذاك الكوردي الذي لا حول له ولا قوة، فقط لأنه كوردي إذاً هو عدو، هذه الغريزة السلبية التي استطاع النظام غرسها في عقولهم المشوهة والمشلولة، نجح وأبدع في زرع هذه البذرة، بذرة الكراهية والحقد تجاه الكوردي.
معظم العرب السوريين عند فشلهم وعدم تداركهم لِما كانوا يتمنوه، يتساءلون: مَن كان سبب هذا الفشل؟ وبشكل لا إرادي ودون تردد يضعون كامل فشلهم على مؤامرة الكوردي ويتهمونه بالانفصالية، دون أن يفكر ولو لجزء من ثانية! لو كان كما يعتقدون فلماذا يُجهِد ذاك الكوردي نفسه ويزهق روحه من أجل بناء سوريا حديثة ديمقراطية لا مركزية، لَـ كان أجدر بالكوردي فعل كل ذلك من أجل ما هم يوهمون أنفسهم به (الانفصالية).
هذه الحقيقة الذي يغمض معظم السوريين عيونهم عنها، لكي لا يرونها، وهم في قرارة أنفسهم يعلمون، فقط عن الفشل والخطأ يتذكرون الكورد لإلقائها عليهم ويبرِّؤوا أنفسهم.
التعليقات مغلقة.