تاريخ وحضارة الكورد…..
حين دخل غورو قائد الحملة الفرنسية مدينة دمشق وقف على قبر صلاح الدين شاهراً سيفه قائلاً : ها قد عدنا ثانية يا صلاح الدين ، ثم مشى بحذائه فوق الجسد الطاهر وكان ذلك سنة / 1920 م .
لماذا يا ترى ؟ من هو صلاح الدين ؟ ماذا فعل صلاح الدين بغورو ؟ ومن أين خرج لهم ؟
إنه صلاح الدين … الذي طهر الديار المقدسة من دنس أجداد غوروا وأعاد بالقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين إلى روضة الإسلام بعد غياب طويل .
نعم إنه من ذلك القوم، أولوا البأس الشديد، مِنَ الأكراد الذين ذاقوا ويل الماضي ومرارة الحاضر، وعاشوا بين شراسة الأعداء وقساوتهم، وخذلان الأصدقاء والأشقاء وظلمهم.
فمن هم الأكراد ؟ وأين يسكنون ؟
وما موقعهم بالنسبة للحضارة ؟
وما هي طبيعتهم الاجتماعية ؟
وما هي حقيقة مشكلتهم المعاصرة ؟
من هم الكورد ؟
الكورد شعب من شعوب منطقة الشرق الأوسط الأصليين، أي أنهم ليسوا من أصل فارسي ولا تركي ولا عربي، موجودون منذ أقدم العصور في مناطق تواجدهم، فعلى الرغم من تدفق الهجرات إلى منطقتهم إلا أنهم بقوا في منطقتهم الأصلية ولم تؤثر عليهم تلك الهجرات بإقصائهم ولا مسحهم من خارطة الوجود.
والكورد يسكنون منطقتهم التي تسمى ( كوردستان ) وتعني: ( أرض الأكراد )
أين تقع كوردستان ؟
كوردستان هي الهضبة الفسيحة التي تتوسط المسافة تقريباً بين البحار الأربع : ( بحر قزوين، والبحر الأسود، والبحر المتوسط، والخليج العربي )، وهي بالتحديد: شمال العراق، وغرب إيران، وجنوب شرق تركيا، وشمال شرق سوريا .
تقدر مساحة كوردستان بـ (500,000 كم2) موزعة إثر إتفاقية سايكس بيكو إلى خمسة أجزاء في كل من : تركيا وإيران والعراق وسوريا و أرمينيا .
تتميز كوردستان بجبالها الرواسي الشامخات، ووديانها الكثيرة والعميقة، تملؤها المياه العذبة، وتنتشر فيها البحيرات والأنهار، وتكثر فيها الغابات الكثيفة ولا سيما في سفوح الجبال، وترتدي هذه البقعة من الأرض الثوب الأخضر على مدار العام، كما تتميز كوردستان ببرودة شديدة في الشتاء واعتدال في منتهى الروعة والجمال في الربيع والصيف، فيها من المناظر الخلابة تسحر عيون وقلوب وخواطر من ينظر إليها .
وتنتشر في كوردستان زراعة العنب والجوز والرمان وغيرها من الفواكه، كما تنتشر زراعة القمح والشعير وخاصة في السهول الواسعة في كوردستان العراق وسوريا .
الكورد سكانياً :
يقدر تعداد الكورد الذين يعيشون على أرض كوردستان ما يقارب أربعين مليون كوردي موزعين على النحو التالي :
20 – 25 مليون كوردي في تركيا
8 – 10 مليون في إيران
5 – 6 مليون في العراق
2 – 2,5 مليون في سوريا
نصف مليون في أرمينيا
وحوالي مليون كوردي منتشرين في العالم كجاليات متواجدة في الكثير من دول العالم وخاصة في أوروبا.
طبعا هذه بحسب احصائيات قديمة
الكورد شعب عريق تاريخياً : كم حجبت سحب النسيان نور الحقيقة عن تاريخ الكورد العريق والحافل بالأمجاد والأحداث الهامة عبر التاريخ، فكما سبق وقلنا أن تاريخ الكورد يعود إلى أقدم العصور، يتفق أكثر الباحثين على أن الكورد ينتمون إلى المجموعة الآرية، على أنهم اختلفوا في بيان أصل كلمة (كورد ) فبعضهم ينظر إليها من زاوية علاقته بأسماء شعوب سكنت في منطقة كوردستان تاريخيا مثل: (الكوتي) و(الكيرتي) أو(سيرتي) و(الكاردوخ) و(الكرتي) و(الخلدي)، وبعضهم يبحث في الأصل من خلال اللغة الكوردية وانتمائها إلى أسرة اللغات الإيرانية، ومع كل هذا الجدل التاريخي تبقى هناك حقيقة ثابتة وهي: أن الشعب الكوردي من الشعوب الراقية والعريقة في المنطقة ويشكل مكوناً أساسياً على المستويين الاجتماعي والسياسي وكانت لهذه الأمة عبر التاريخ الطويل المشاركة الفعالة في رسم الخارطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه البقعة من العالم، كما أكد على ذلك الكاتب يحيى عمر ريشاوي.
ومنطقة كوردستان لها بذلك أهميتها الدينية، لأنها كانت مسرحاً لأعظم الحوادث التاريخية المتعلقة بمواطن الأنبياء ..
فسفينة نبي الله نوح عليه السلام استوت على الجودي كما ذكر في القرآن الكريم: (وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) سورة هود/ 44 وجودي جبل عظيم يتوسط كوردستان، وقد ذكر المفسر ابن كثير رحمه الله قول مجاهد وهو أحد التابعين: بأن جودي جبل بالجزيرة، ويقصد بها الأرض الواقعة بين دجلة والفرات، كما ذكر قول الضحاك، وهي أيضا تابعي: بأنه جبل قريب من الموصل، وجودي جبل تابع اليوم من الناحية الجغرافية لتركيا .
وإن كانت الإنطلاقة الأولى للبشرية مجهولة المكان ولا يوجد نص قاطع للبت فيها فقد شرفت كوردستان بأن الانطلاقة البشرية الثانية كانت من أحضانها بنص القرآن الذي لا شك فيه . وكوردستان أيضاً موطن نبي الله إبراهيم عليه السلام، وما زالت قلعة نمرود والبحيرة التي تكونت مكان النار الذي رموا إبراهيم فيه في مدينة أورفا في كوردستان تركيا تشهد على ذلك.
وقد أورد ابن كثير والقرطبي والألوسي وغيرهم من المفسرين في أثناء ذكرهم لقصة إبراهيم: أن الرجل الذي صنع المنجنيق لرمي إبراهيم في النار هو كوردي اسمه ( هيزن ) وهذه إشارة من المؤرخين بوجود الشعب الكوردي منذ أقدم العصور ! ومن حقي أتسائل من أين جاؤوا بهذا الرجل إن لم يكن ابن قرية إبراهيم ومن أهله المقربين أو من قرية مجاورة فيكون من أبناء عشريته أو من بني قومه على أقل تقدير !! كما أن دلالة مكان الحادثة ودلالة الأسماء إشارات إلى علاقة إبراهيم بالكورد، فالملك الذي أمر بحرق إبراهيم اسمه كوردي : (نمرود)، ومعناه بالعربية (الخالد الذي لا يموت) وهو الذي كان يدعي الألوهية في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة/ 258.
واسم إبراهيم كوردي ومعناه (المولود قرب الصخر)
فكرة وأعداد: آراس شيخو _هلز بشير
التعليقات مغلقة.