صراع المصالح وشيطنة السياسة
عز الدين ملا
الحرب الروسية الأوكرانية التي أربكت العالم، ومن المحتمل أن تكون بداية لمرحلة جديدة من انهيار منظومات ومؤسسات سياسية واقتصادية قديمة لم تبدِ فعاليتها في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين وتشكيل أطر جديدة أكثر فاعلية في الوضع اللاحق الجديد لتتماشى مع مصالح وسياسات دولية قادمة.
منذ أن بدأت هذه الحرب والأمن والاستقرار العالميَين مهددَين بالانهيار، وتراجع الاقتصاد العالمي الذي قد ينذر بالمجاعة، يتأثّر بها ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية في حال استمراره لفترة طويلة.
ما تم تداوله في الأيام الأولى من الحرب بأن روسيا وضعت سلاحها النووي على أهبة الاستعداد، هذا الخبر جعل من أمريكا والدول الأوروبية أن تتخذ إجراءات الحيطة والحذر في حال نفذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ما يهدد به باستخدام السلاح النووي، وهو يعلم قبل غيره في حال دخل هذا التهديد حيز التنفيذ، فالدمار سيلحقه قبل غيره، ولا نستبعد السير في ذلك الاتجاه إن شعر الرئيس الروسي بوتين بالخسارة، وهم في هذه الحال يحاولون بشتى الوسائل إنهاء هذا الحرب دون أن يخرج الجميع بالخسارة الحتمية، فقط ما تحاول القيام به الدول الغربية هو إنهاك الهالة العسكرية الروسية، وكسر غطرسة بوتين في التمادي كل ما سنحت له الفرصة، وإخراج بوتين على الأقل شبه منتصراً أمام شعبه والرأي العام الروسي وحلفائه.
التخوّف الآخر هو ما يخيم على الوضع الاقتصادي العالمي خلال هذه الفترة من ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وكذلك الغاز الذي تجاوز الحدود الخيالية والتضخم الكبير في اقتصاد الكثير من الدول، وهذا ما أربك بعض الدول الغربية والعالم، كما أحدث خلافات بين أمريكا وأوروبا في فرض عقوبات إضافية على روسيا. ومن جانب المواد الغذائية الرئيسة، كالقمح الذي ارتفعت أسعاره إلى أكثر من 40% وكذلك الذرة والزيوت النباتية، تعد روسيا وأوكرانيا من أكثر المنتجين لهذه المواد، حيث يصل إنتاجهما من القمح والذرة إلى أكثر من 30% من الإنتاج العالمي، هذا يعني أن الأمن الغذائي العالمي مهدد باستمرار بارتفاع أسعار هذه المواد الرئيسة مما يؤدي إلى انتشار المجاعة في العديد من دول العالم، وخاصة من كانت تعتمد على روسيا وأوكرانيا في تأمين هذه المواد إن لم تجد البديل، حتى إن وجدت قد لا تكفي أمام التزايد السكاني الحاصل.
الجميع قلق من هذا الحرب، ولا خيار أمامهم سوى المضي قدماً باتجاه تحقيق سياسة المصالح والنفوذ، هذا قد يكلف الكثير على حساب إبادة شعب كامل أو شعوب عديدة، فالخوف من المستقبل ونفاد المواد الرئيسة للاستمرار والديمومة ما يؤرق مضاجع الكثيرين، وخاصة من هم في القمة.
الكرة الأرضية، وصلت الطاقة الاستيعابية للسكان إلى حد ينذر بالخطر، حيث تضاعف السكان أكثر من عشرة أضعاف ما كانوا عليه قبل مئة وخمسين سنة، لا استبعاد من انتقال الحروب من الطاقة والاقتصاد إلى حروب المياه.
قبل ذلك ما يهدد البشرية التبذير الزائد في العديد من المواد، التي إن حافظنا عليها يبقي أجيالاً عديدة قادمة مستفادة، إضافة إلى التلوث البيئي ليس فقط من دخان وأبخرة المصانع والسيارات بل ما يتنفسه الإنسان وحرارته، الذي إن جمعنا تلك الأنفس والحرارة يزيد على تلوث وحرارة الكرة الأرضية بمئات الأضعاف ما كانت عليه قبل دهرٍ من الزمن.
كل ما تم ذكره يوحي بأن هناك من يفكر أن الأرض ملك له وعليه أن يعيش هو ومَنْ مِنْ فصيلته والبقية هم زوائد، والحتمية هي إزالتهم والتخلص منهم، دون أن يعلموا أن الإنسانية ملك الجميع وليست حكراً لأحد.
في السياسة لا يمكن الثبات على مبدأ واحد أو التشارك والتعاون لهدف محدد، بل تعمل تلك السياسة على البقاء للأقوى، وهذا مخالف لجميع الشرائع والقوانين وحقوق الإنسان والقانون الدولي والإنساني، لذلك يتحول صراع المصالح إلى أساليب الشيطنة في السياسة لتنفيذ الأجندات.
وعليه، إن العقول الشريرة دائماً ما تفكر بالأنانية والجشع، وهذا لا يمكن أن يولد الرحمة والمحبة. ما نمر به من أحداث في أوكرانيا وقبلها في سوريا وشرق الأوسط ظروف خلقتها هذه العقول الشريرة من خلال الأفكار والأيديولوجيات التي تمَّ غرسها في عقول ونفوس الكثيرين. وللتخلص من ذلك هو التكاتف والوقوف بحزم في وجه تلك الأفكار والأيديولوجيات الخبيثة التي عفا عليها الزمن ونشر أفكار الرحمة والمحبة والتسامح. بذلك نستطيع جميعاً خلق سدّ متين أمام مَن يحاول خرق أدبيات الشعوب وثقافاتهم.
التعليقات مغلقة.