يصادف يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الذكرى السنوية العاشرة لاغتيال القائد الكُردي السوري الشهيد مشعل التمو مؤسس التيار وأحد أبرز وجوه الثورة السورية ، لم يكن إغتيال الشهيد هي المحاولة الأولى لقتله ، فقد تعرض لمحاولة إغتيال في 8 أيلول 2011 ، رغم إنها باءت بالفشل ، إلا أن يد الجناة الغادرة طالته في يوم 7-10-2011 ، وأصيب فيها كلاً من إبنه مارسيل ، والشهيدة الحية رفيقة الدرب المناضلة زاهدة رشكيلو ، التي لا زالت تعاني جسدياً ونفسياً من آثار وتداعيات تلك الجريمة البشعة والأليمة.
لم يكن رحيل مشعل إلا إستكمالاً لقافلة المناضلين الذين سطروا بدمائهم الحمراء دروب الحرية وأعطوا للثورة السورية مضامينها النضالية وقيمها الإنسانية من إباء وشموخ وكرامة وحرية ، فقد كان الشهيد صوت الحق وأحد طلاب الحرية وبناة سورية ديمقراطية تعددية ، قائمة على المساواة وحكم القانون ، لقد كان يردد “أمنيتي أن أموت فداء لشعبي وبلدي ” وقد حقق أمنيته وإمتزج دمه الكُردي بدماء كل شهداء الثورة السورية العظيمة .
كان مشعل مُدرِكاً لصعوبة البحث عن الحقيقة وبناء الأوطان تحت وطأة القسر والاستبداد ، وما يرافقها من أسيجة التحريم والتجريم التي أقامتها السلطة ، وحولت فيها العقل الكُردي الى مناطق مهجورة ، والعقل الشبابي الى تطرف ، والمطلب الكُردي الى منافع شخصية ، كان يعلم بأن ما سيقوم به هو عبارة عن تحدّي فيه الكثير من المخاطر ، لكنه أصرّ على أن يخوضه ، لأنه وجد فيه ضرورة وطنية وقومية ، رغم توقف العديد من المؤسسين الأوائل للتيار تحت مسميات مختلفة ، لا بل حاول البعض خلق تنظيمات موازية بعد استشهاده ، للنيل من ارادته في الحرية – ضد اضطهاد الداخل والخارج – عندما عمل على رفض الرهان على العقل الزائف الذي دأب العقل الكُردي على بثه باسم الواقعية على مدار عشرات السنين من العطالة الفكرية والتاريخية ، وتحدى العقل القهْري المبْني على الطاعة والخنوع في بحثه عن الحرية والكرامة وحق الكُرد في التشارك في دولة ديمقراطية تعددية تجسد شرعية الوجود القومي الكُردي كشعب أصيل . من هنا إمتلك مشعل الإرادة ، وسعى إلى صنع الظروف ، وعدم انتظارها وانتظار المنُقذ ، مُجَسِداً هذه الإرادة بكل وضوح وعلانية بالقول لا للاستبداد والطغيان والعسف والاضطهاد القومي والديني والسياسي والثقافي ، لا للتبعيث والتعريب وهدر الإنسان وتزييف التاريخ ، واللعب بصورة المكان كما يفعله الغزاة الجدد في عفرين وكري سبي وسري كانيه وبعض أذناب المعارضة السورية .
كان مشعل شخصاً استثنائياً ، يكره النمطية ويسعى الى التغيير الإيجابي ، ولهذا كَرِهَتْهُ بعض القيادات الكُردية التي كانت تسترجع أحقاد الماضي تجاهه ، وهو لم يتوان عن إنتقاد أخطائها و إتخاذ منهج لا يساير اهوائها ، في الوقت الذي كان يقول فيه ” لا لحوارٍ مع نظامٍ يسفكُ الدم، لا لحوارٍ مع نظامٍ فقدَ شرعيتهُ ، لنْ نتحاورَ معه ، نرفضُ الحوارَ مع الأجهزة الأمنية ، نرفض الحوار مع الدبابة ، نرفض الحوار مع الرصاص” ولهذا اغتالته هذه الاجهزة وادواتها في المنطقة.
في العشرية الماضية ، تبلورت العديد من المعطيات والنتائج في ملف سوريا الساخن ، حيث التراكم في القهر والاستبداد وتفتيت المجتمع ، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية لا بل انهيارها ، وتنفيذ التغيير الديمغرافي ، وسيطرة الفكر الأحادي والشعاراتي الذي بات ينمو ويتضخم في ذاته ولذاته وكأنه مركز الكون .
من – المبكر – الحكم على إدارة جو بايدن وما “ستفعله” فالصورة الأولية لهذه الإدارة تُؤسس لمرحلة فيها الكثير من التناقضات ، وإعطاء الفرص للنظام والروس بإتجاه إيجاد تسوية او وضع حد لما وصلت إليه الأوضاع في سوريا.
كردياً شَهِدَ الواقع تراجعاً ونكوصاً لبعض القوى الكُردية عن نهجها الميداني ، عبر التغاضي عن الكثير من الأعمال السلبية التي تكرست طيلة الأعوام السابقة بما فيها المعارضة السورية ، وهو ما نسميه “تدجين” الشباب الكردي واعادته الى المكان الذي كان فيه ، بعيداً عن حق الكرد في الحرية والحياة وتكريس الوجود.
إن مجريات الأمور باتجاه التسوية تدفع القوى المتحكمة بالإبقاء على الوضع الراهن ، لكن بدون أنياب إيرانية أو تركية أو سورية ، بعيداً عن مفهوم الانتصار ورفضاً له .أي أن الزمن في سوريا معيّر ومستمر على روزنامة الانتظار ، وبالتالي فان القاعدة الشبابية هي حامل التغيير من جهة ولقوة الفعل الميداني من جهة أخرى ، وقد ملت –هذه القاعدة – الانتظار – وقرِفت – من لغة البيانات الإنشائية – كما يحصل الآن – وبالأخص تلك التي تُسَوِغْ الركون والاستسلام بانتظار “غودو” كي يخلصه من الخنوع والخرف السياسي ، في الوقت الذي يمارس فيه ال ب ي د اللعب على عدة حبال في آنٍ واحد ويتشاطر عليها ، تحت شعار ” الأمة الديمقراطية “. إن هذه السياسة التي يمارسها ال ب ي د ويعمل من خلالها على سن قوانين ومراسيم – غير مدروسة – وتحت مسميات -مختلفة –هي في شكلها قوانين تسعى الى “تنظيم” الفوضى و” إدارة ” المجتمع ، لكنها في جوهرها تعكس ذهنيتها كجزء من سلسلة طويلة من الممارسات ” الاقتلاعية ” تجاه الشعب الكُردي ودفعه الى “التذرر” ، بسبب الحرب والجفاف وصعوبة الأوضاع المعيشية . فمن يبني الاوطان ويدفع بها نحو التطور والمدنية لا يمارس القمع والإضطهاد ، والإفقار والإفساد. !
إن حق الشعب الكُردي السوري في الوجود والحرية ، كقومية رئيسية على أرضها التاريخية ، وكشعب ينشد الحداثة والديمقراطية والحق والقانون كنهج ، والحرية كمطلب وسلوك ، يجب أن يكون مصوناً في الدستور السوري الجديد ، وقائماً على أسس الإعتراف المتبادل ، والمواطنة المتساوية بإطلاق. . .
اخيراً ، فان التغني بشعار وحدة الحركة الكُردية السورية ، و إعادته الى التداول اليومي ، لا يرتبط بقناعات الداعين له – رغم أنه مطلب عادل وشريف – بل يتطابق مع سلوك السلطات السورية الإستبدادية ، عندما كانت تقع في مأزق محدد ، عبر طرح الشعار ، وصولاً الى التجييش الإعلامي لتحريك العواطف – فهم أبعد ما يكونون عن هذا المطلب – لأنهم بخطابهم وسلوكهم يقومون بتفريق أحزاب الحركة وتشتيتها !
تحية الى مشعل في يوم استشهاده.
تحية الى رفيقة الدرب ، الوفية لقيم الحرية وكرامة الانسان زاهدة رشكيلو.
الخزي والعار للمجرمين والقتلة.
وسيعرف الذين ظَلَموا أيُّ منقلبٍ سينقلبون.
تيار مستقبل كُردستان سوريا.
الهيئة التنفيذية
قامشلو 6- 10-2021
القادم بوست
التعليقات مغلقة.