هل نطلب الكثير من الإدارة الذاتية في المنطقة الكوردية…
د. محمود عباس
الحلقة الأولى..
هل الإدارة الذاتية عاجزة عن حل المشاكل التي تعاني منها شعبنا؟ الخبز وغلاء المعيشة، والكهرباء والماء، والغاز، وارتفاع الأسعار على سوية صرف الدولار بدءاً من الأطباء إلى المواد الأولية، وغيرها، مع تدني رواتب الموظفين الذين يعملون في دوائر الدولة.
وإن كانت عاجزة؛ فأين تكمن الإشكاليات، وما هي الأسباب؟
أم أنها تتقصد ديمومة المشاكل على مبدأ السلطات الشمولية، وتفاقم في بعضها لغاية؟
أم أنها تحاول ولكنها لا تملك الإمكانيات التكنيكية والمادية ولا الخبرة لتجاوزها، ومن جهة أخرى ترفض الاستعانة بالأخرين من خارج محيطها فتستمر المشاكل؟
ما مدى تأثير القوى الخارجية المتربصة بها والتي تعبث بمقدراتها؟
وهل الشريحة الكوردية المعارضة تساهم في إنقاذ المنطقة والشعب الكوردي؟ أم أنها تعيق المسيرة؟
هل ستنجح المفاوضات الكوردية -الكوردية، وإن تم هل ستساهم في إقامة فيدرالية كوردية في سوريا؟
تدور هذه الأسئلة في الشارع الكوردي والكثير من أمثالها، ترافقها الشكوك مع موجات من الألم والأسى، فتدهور الواقع المعاش يزيد من حالة التذمر، وتصعد من نزعة النزوح أو الهجرة، عند الكوردي دون العربي المهاجر إلى المنطقة أو أبناء مستوطنات الغمريين، لأنه الأكثر من يتآذى ويتعرض إلى الضغوطات، خاصة وقد تصاعدت موجة من الأحاديث عن الفساد والتقصد في تجويع أبناء المناطق الكوردية مقارنة بمناطق المكونات الأخرى ضمن الإدارة الذاتية.
القضايا عديدة، والتي بعضها بإمكان الإدارة الذاتية حلها، لتخفيف معاناة المجتمع، والحد من الضغوطات الخارجية، منها:
1- بما أن الإدارة الذاتية تمكنت من حصر المدارس الحكومية، إذا كان بإمكانها تأمين الرواتب للمدرسين الذين تم توقيف أعمالهم في تلك المدارس، وبالتالي لم يكن يضطرون إلى فتح دورات تعليمية لتأمين لقمة العيش، فالمدرس وسطيا يحصل على قرابة 70 ألف ليرة سورية وهي لا تكفي لإعالة عائلة بأربعة أشخاص عشرة أيام، في حد الكفاف، على سوية الغلاء المتفشي، وبالتالي فإن عملية إلقاء القبض عليه تحت الحجج المنشورة مردودة عليهم، والمسؤولين عن الثقافة ورواتب المعلمين هم الذين يجب أن يتم محاسبتهم وليس المدرسين.
المدرس قمة الهرم الثقافي، ويكاد يكون نبياُ، فاعتقاله، وسجنه، جريمة بحق الإنسانية وبحق الثقافة العالمية، وإهانة للأمة الكوردية، وللإدارة الذاتية، وأي اعتداء على المدرسين، تندرج ضمن جدلية اللا أخلاق، وسوف تؤدي إلى خلق مستنقع فكري، وترسيخ السلطة الشمولية الاستبدادية. لا بد من إطلاق سراحهم وحل مشاكلهم المادية، ومعالجة القضية بالحوار والنقاش الواعي، الذي نادى به بركليس المجتمع الأثيني في القرن الخامس قبل الميلاد.
2- لماذا تتكرر مشكلة الخبز، وقد صرح بعض المسؤولين قبل أسابيع انهم وصلوا إلى حل؟ ثم لماذا وحتى الأن لم يتمكنوا من إيجاد حل لمشكلة الكهرباء والماء، على الأقل بشكل جزئي؟ وما يبان أن الإمكانيات متوفرة.
3- معظم القضايا الأخرى معلقة، والحديث عنهم وفيهم سيظهر ناقصاً، فالشارع الكوردي المعاني بإمكانه البحث فيه بشكل أودق.
وهناك القضايا الكبرى التي تؤثر على مستقبل المنطقة وما ستكون عليها سوريا القادمة، وتدرج ضمن الصراعات السياسية الداخلية والعلاقات الإقليمية والدولية، ومنها:
1- لماذا لم تتخلص الإدارة الذاتية وقسد من مخلفات النظام، بدءاً من المربعات الأمنية، والمحافظة ومديرية المنطقة والدوائر المتعلقة بهما، كالسجل المدني والذي سنأتي على إشكالية الجنسية كإحدى المعضلات الكبرى التي كان يجب حلها. ومن ثم المصارف، ومن على هذا البعد الاقتصادي كان بالإمكان وضع ميزانية سنوية لدوائر منطقة الإدارة الذاتية، على خلفية تبيان الدخل الوطني السنوي للمنطقة. وإلغاء الثنائية في البلديات، وغيرها من الدوائر التي يضطر المواطن إلى مراجعة الجهتين لقضية ما، والعمل على أن الإدارة الذاتية هي إدارة تابعة للسلطة اللا مركزية في دمشق، وستتعامل معها على هذا البعد بعد تشكيل سلطة ديمقراطية، تمثل المجتمع السوري.
2- كان على الإدارة الذاتية إعادة الأراضي المستولية عليها نظام البعث والأسد والتي لا تزال تسيطر عليها المستوطنات المعروفة بالغمريين، ومنها تلك التي تمت في زمن الوحدة عام 1958م، عهد جمال عبد الناصر، تحت حجة قانون الإصلاح الزراعي، وهما مستوطنتين قائمتين على ضفتي نهر دجلة (الزهيرية) ولا تعني هذه تهجير سكانها أو ترحيلهم، خاصة وهناك ما يقارب المليون والنصف من مهاجري الداخل يعيشون في المنطقة الكوردية، بل إعادة أراضي الفلاحين الكورد إلى أصحابها، والتي تم الاستيلاء عليها بدون قانون بل بسلطة أمنية وعلى بعد شوفيني. فلو أقدمت الإدارة الذاتية على هذه الخطوة، لخففت جزء واسع من نسبة الهجرة الكوردية.
3- التدريس بلغة الأم تعد من أحد أعلى الغايات الكوردية التي أنجزتها الإدارة الذاتية، لكن تظل هناك الإشكاليات المحاطة بها، والتي لا تزال الحوارات حولها مستمرة، وتتشعب الحلول، وخاصة المنطقية والتي تنحصر حول العمل على أن تكون اللغة العربية أو الإنكليزية الثانية ضمن المدارس الكوردية، في حال توفرت الإمكانيات، وهو ما سيسهل للطلاب لاحقا انتسابهم إلى الجامعات العالمية وبدون عوائق. فكما نعلم أن العربية أوفر حظا على خلفية توفر الكادر التدريسي.
سوف لن نقف على المشاكل السياسية، بل سنوضح بعض الجوانب على المذكور، مع أخذ العلم أن:
1- المنطقة في حالة حرب، والدمار طالت البنية التحتية على مدى عقد من الزمن.
2- المتربصون بالإدارة الذاتية والكورد بشكل عام لا حدود لكراهيتهم، ومؤامراتهم، ومخططاتهم التدميرية، وفي مقدمتها خلق الصراع في المنطقة بين المكونات الموجودة فيها.
3- عقد من الزمن لا يكفي للحصول على خبرة كاملة لإدارة منطقة بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية والعسكرية وفي زمن الحرب، فهناك دول لها قرن وأكثر ولا تزال تعاني الويلات، لكن هذه المصاعب تقل فيما لو تم تطبيق النظام الديمقراطي، ولم يفرض مبدأ السلطة والإيديولوجية الواحدة، ولم يتم إلغاء الآخر.
وفي الظروف التي تمر فيها الإدارة الذاتية، يلاحظ أنه هناك مجال لتحسين الواقع المؤلم، ولا بد من العمل على تبيان شيء للمجتمع وللعالم على أنها أفضل الإدارات الأخرى المدمرة لسوريا، وإلا فما الفرق بينها وبين الجهتين اللتين دمرتا سوريا والمجتمع.
ومن بين هذه المشاكل التي لم تحاول الإدارة الذاتية التطرق إليها؛ وتعتبر من الكبريات بالنسبة للكورد (مشكلة إعادة الجنسية للكورد المجردين منها) والتي على أثرها ذكرنا أنه يجب أن يتم التحكم بدوائر السجل المدني، وهؤلاء هم أول من يجب أن تعاد لهم أراضيهم التي لا تزال تستغل من قبل مستوطنات الغمريين.
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
6/2/2021م
(المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها فقط ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع)
التعليقات مغلقة.