للكاتب الحقوقي : جكر سلو
دائماً عند حدوث أي نزاع في أية بقعة جغرافية أو منطقة ما ، يُلاحظ وجود فئتين متضررتين أكثر من غيرهما و هما ” الأطفال والنساء “، ففي الحرب السورية أو النزاع السوري أو أي اسم آخر يناسب الوضع الراهن فقد لاقى السوريون الويلات من بطش النظام وطيشه في إدارة أزمة بلاده، فأغلب السوريين المهجرين قسرياً والنازحين هم من الأطفال والنساء.
ولا يُخفى على أحد الخصوصية التي كانت تتمتع بها مناطق كردستان سوريا، إلا إنها وبالرغم من ذلك لم تسلم من التأثير البالغ عليها ، حيث كانت من أكثر المناطق تأثراً بها بسبب ما تحتويه هذه الجغرافية من ثروة اقتصادية ضخمة، و موقع متميز.
فالوضع الأمني المستقر في المناطق الكردية في هذا الوقت ، لا يعني أنّ الشعب راضٍ عن أداء الإدارة في ظل الوضع الاقتصادي المتدني الذي يعتري حياة المواطنين، المتلازم مع نقص الخدمات الأساسية للحياة اليومية وارتفاع ٱسعارها .
ومنذ نشوء الإدارة الحالية وإلى الآن لم تلعب دوراً إيجابياً في تغيير مستوى معيشة المواطن بالرغم من وجود بعض المستفيدين أو بما يسمى ( تجار الأزمات )، ويعود ذلك لما تنتهجه هذه الإدارة من سياسات وقرارات بعكس مما تتبناه في عقدها الاجتماعي.
فأسمى وأمتن العلاقات الاجتماعية التي تقوم عليها الأوطان ألا وهي الأسرة قد تفككت، وكذلك أغلقت المدارس بذريعة” اللغة الأم” ، إضافةً لخطف الأطفال وسوقهم للتجنيد ، ناهيك عن الاعتقال التعسفي بسبب الاختلاف في الآراء أو الاختلاف السياسي.
فحالات الخطف التي تطال القاصرين/ القاصرات أَو الأطفال في الآونة الأخيرة، ومنعهم عن أهاليهم من رؤية لا تبشر بالخير مع حلول السنة الجديدة، وخاصة مع وجود المحادثات الكردية-الكردية،
فأسباب التجنيد كثيرة كما ذكرنا أعلاه، وكانت سياسة الإدارة الذاتية هي المسؤول الأول عن تلك الحالات، بغض النظر عن وجود بعض الحالات التي تتحمل الأسرة أو العائلة كالوالدين تبعاتها، ولكن هذا لا يعني أن تقوم باستغلالهم والاتجار بهم في حروبهم .
فالعقد الاجتماعي للإدارة الذاتية المصادق عليه سنة ٢٠١٤ ذكرت في ديباجتها المادة ٢٩ بأنه ” يضمن هذا العقد حق الطفولة، و يمنع تشغيل الأطفال واستغلالهم وتعذيبهم نفسياً وجسدياً، و تزويجهم في سنّ مبكرة ” ،
لكنها لم تتطرق في عقدها أبداً إلى ذكر مسألة تجنيد الأطفال وعدم زجّهم واستغلالهم في الحروب.
هذا وإنّ دلّ على شيء فإنّه يدلّ على وجود خللٍ في هذا العقد، ويجب الالتفات لمراجعة القوانين والاتفاقيات الخاصة بحماية حقوق الطفل بالرغم من وجود بعض التحفظات عليها ، فاتفاقية حقوق الطفل التي دخلت حيّز التفيذ في ٢ أيلول ١٩٩٠ م ،
والتي قالت في ديباجتها من المادة الأولى والتي عرفت الطفل “بأنه الإنسان الذي لم يتجاوز ال ١٨ من العمر ” وكذلك المادة ٣٨ البند الثالث
” تمتنع الدول الأطراف عن تجنيد أي شخص لم يبلغ سنّه” خمس عشرة “سنة في قواتها المسلحة.
وعند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغت سنّهم خمس عشرة سنة ولكنها لم تبلغ ثماني عشرة سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعي لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً”.
فحجج الإدارة الذاتية في مسألة تجنيد القاصرين والقاصرات والأطفال هي عدم اهتمام أهاليهم لمطالبهم، وعدم الاهتمام بهم، وما إلى ما هنالك من حجج، فأنه يناقض عقدهم، في المادة ٢٢ منه التي نصت على أن
” تعتمد الإدارة على شرعة حقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية ” ، ومن جانبها فقد أكدت المادة 5 من اتفاقية حقوق الطفل على أن ” تحترم الدول الأطراف مسؤوليات وحقوق وواجبات الوالدين أو، عند الاقتضاء، أعضاء الأسرة الموسعة أو الجماعة حسبما ينص عليه العرف المحلي، أو الأوصياء أو غيرهم من الأشخاص المسؤولين قانونا عن الطفل، في أن يوفروا بطريقة تتفق مع قدرات الطفل المتطورة، التوجيه والإرشاد الملائمين عند مارسة الطفل الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية.في إشارةٍ منها إلى احترام خصوصية الأسرة الذي ينتمي إليها الطفل وحقوق والديه عليه بذلك.
هذا وقد عمدت الإدارة الذاتية إلى إنشاء مكتب خاص لحماية الطفل في آب ٢٠٢٠ استناداً الى خطة العمل الموقعة بين قوات سوريا الديمقراطية والأمم المتحدة في ٢٩ حزيران ٢٠١٩ والمصدقة من قبل الإدارة الذاتية ،وذلك بهدف منع ووقف تجنيد الأطفال من الفتيان والفتيات، إضافةً لاستقبال الشكاوي من أولياء الأمور والجهات الفاعلة.
حيث تم توثيق بعض الحالات “تجنيد القُصر” وانتشالهم من صفوف قوات سوريا الديمقراطية وتسليمهم الى ذويهم ، ولا تزال هناك عشرات الحالات دون معرفة مصيرهم إلى هذه اللحظة.
فالمهمة الموكلة على عاتق المكتب الخاص بحماية الطفل في الإدارة الذاتية هو أن تقوم بالبحث عن الأطفال الذين يرد بشأنهم شكاوي فقط من قبل ذويهم و منظمات فعّالة ، أَما بشأن الذين لا ترد شكاوي فمن المؤكد أنه يغض طرف العين عنهم بغية تحقيق اهدافهم.
ولدى الرجوع لاتفاقية حقوق الطفل وبسبب النقص في الاتفاقية بعد سبع سنوات على مرورها ، فقد تم إضافة بروتوكولين يعززان من حماية الطفل خاصة في النزاعات المسلحة عام ٢٠٠٠ وبموجبها، تكون لزاماً على الدول “اتخاذ جميع الترتيبات الممكنة” لضمان أن عناصر قواتها المسلحة الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة لا يشاركون في القتال بصفة مباشرة.
ويجب على الدول ” رفع” السن الأدنى للانخراط الطوعي في القوات المسلحة من 15 سنة، إلا أن البروتوكول لا يتطلب أن يكون السن الأدنى 18 سنة.
وقد ذكّر البروتوكول أيضاً الدول بأن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة يستحقون حماية خاصة، لذا يجب أن يتضمن أي انخراط طوعي في القوات المسلحة لمن هم دون سن 18 سنة ضمانات كافية.
كما يُحظر التجنيد القسري للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة. ويجب على الدول الأطراف أن تتخذ إجراءات قانونية لمنع الجماعات المسلحة المستقلة من تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة أو استخدامهم في النزاعات.
أما في القانون السوري نجد أن الحرب تركت أثراً بالغاً على الوضع بشكل عام ومن جميع الجوانب مما كان حرياً بها أن تقوم بإضافة القوانين أو تعدلها بحسب ما تقتضيه مصلحة الطفل الآن أو المصلحة العامه .
فقد وقعت سوريا على اتفاقية حقوق الطفل عام ١٩٩٣ وانضمت لها، فالخدمة الإلزامية فيها هو لكل شخص بلغ ١٨ عشر من العمر ، وفرق القانون السوري بين حقوق الطفل المدنية والجزائية وكيفية حمايته من ناحية العمل والاستغلال بالإضافة الى قوانين أخرى بالرغم من وجود بعض مكامن الخلل في الحماية الجنائية للطفل من حيث وقوع الجرائم على الاطفال من ناحية الاتجار باعضاء الطفل، دون وجود عقوبة مشددة لذلك إلا في قتل العمد والاغتصاب وغيرها من الجرائم، وكذلك حالة ضرب الطفل والتي سن القانون على إباحتها من قبل المعلمين والأهل في المادة ١٨٥ من قانون العقوبات السوري وهي سبيل الإجازة بالقانون أي عند وجود سبب لتبرير الفعل ” للتأديب ” وحصرها المشرع للأولياء والاوصياء الشرعيين.
وعلى الرغم من النسبية في تطبيق القوانين بالنسبة لاتفاقية حقوق الطفل، فيتبين لنا أن القانون السوري حمى الطفل أيضاً من ناحية العمل بعكس الإدارة الذاتية التي لم تتطرق لهذا الموضوع من حيث التفاصيل وإنما ذكرت في ميثاق عقدها فقط بعدم تشغيل الإطفال واستغلالهم معتمدة بذلك حقوق الإنسان، ونصت المادة 113 من قانون العمل السوري الصادر بالمرسوم رقم (17) لعام 2010 ـ يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة , وكذلك حظرت المادة 114 من قانون العمل : تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً ، على أن تتخللها ساعة راحة. و لا يجوز تكليف الحدث بساعات عمل إضافية.
وقد كان لقانون العلاقات الزراعية السوري رأي آخر فيما يخص الأطفال حيث سمحت بتشغيل الأطفال، مع أنه تعتبر الزراعة اكثر العوامل في قطاعات العمل خطورة على الأطفال بسبب تعرضهم للعوامل المناخية القاسية .
وفي نهاية المطاف، لا يزال هناك الكثير من العمل لسد الثغرات والنواقص، وإزالة العقبات القانونية و الاجتماعية والثقافية والاقتصادية حتى ينال الطفل في سوريا حقوقه كطفل.
(المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها فقط ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع)
التعليقات مغلقة.