ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام الجزء السادس عشر..
إهمال الكتابة باللغة الكوردية، وبالأدب المكتوب، أدى إلى غياب الكورد عن الساحة الأدبية والسياسية والإدارية بصفاتهم القومية؛ على مدى قرون طويلة، وكرد فعل على ما ظهرت على الساحة السياسية من الطفرات القومية؛ وتحويل لغة النص إلى البعد القومي، وإزالة الغطاء الإسلامي عنه، أستيقظ البعض من الأدباء الكورد، بعدما انتبهوا إلى ما حلت بثقافتهم القومية؛ ولغتهم؛ وضياع أحرفهم؛ وكيف أصبحت متخلفة عن مجارات التطور الثقافي الحضاري.
لا نستبعد أن الكوارث التي لحقت بالفكر والثقافة كانت ممنهجة، إما لجهالة المحتل أو لحقد، والثقافة التي دفعت بتلك الأنظمة على القيام بتلك الشنائع لا تزال حاضرة اليوم وتحمل السمات ذاتها، وتقوم بنفس الأفعال وبأساليب تتلاءم والعصر.
هذه الإشكالية رافقت الأمة الكردية على مر التاريخ؛ منذ انهيار الحضارة الساسانية إلى اليوم؛ فالأنظمة الحالية تعمل على إعدام الحلول وديمومة ذهنية السلطات السابقة، واستمرارية الجدليات المجحفة بحق التاريخ عامة وتاريخ الشعوب المتواجدة في الشرق خاصة؛ قبل أن تكون بحق الأمة الكردية المعانية.
مع ذلك فقد أنقذ رواد الحركة الثقافية الكوردية رغم قلتهم، اللغة الكوردية الثقافية، وفتحوا الدروب لإحيائها، بعد قرون من الإهمال، ربما بشكل عفوي، لكن ظهورهم بتلك العفوية أحيوا تراث الأمة، المرتبطة بلغتنا؛ ووضعوا ركيزة من ركائز وجودنا حالياً كشعب على أرضه التاريخية.
المبدعون والعلماء والمفكرون الذين ضاعت ودمرت واندثرت أثارهم الأدبية والفكرية من حينها إلى اليوم، لم يكن ملك للشعب الكردي وحده، بل لشعوب المنطقة كلها، فكان مسيرة تدمير نتاجاتهم السبب الأول في القضاء على سدنة الحضارة، والركائز التي ربما كانت ستقوم عليها حضارات لاحقة، وغيابها الآن هي نتيجة ما تم بحق تلك الثروة الفكرية، والتي لم ينجى منها ما يمكن أن تبنى عليها حضارة أو مجتمع ثقافي أنساني، بل وكان السبب في الجرائم التي طالت الشعوب والأديان في المنطقة وبمسرحيات كارثية يندى لها جبين الإنسانية، والمسيرة لا تزال مستمرة. فالكثير من أنتاج الشعراء والأدباء والفلاسفة المخفي ضمن غياهب التاريخ، تعكس المآسي التي حلت بالثقافة ليست فقط الكوردية بل ثقافة شعوب المنطقة عامة، وأدبهم، وضياع نتاج فلاسفتهم وأدباءهم.
هذه الحقائق المؤلمة إلى جانب ما تم تقديمه في الحلقات السابقة، والمواضيع المعروضة بشكل موجز، يدفع بنا على عرض الأسئلة التالية، والتي لا بد وأنها ستؤدي إلى دراسات واسعة وأبحاث في مجالات أدبية ثقافية متنوعة، بمنهجية مغايرة لما تم بأوامر من الأنظمة الفاسدة، تتعلق ليس فقط بالتاريخ، بل بالمسيرة الثقافية الروحية والعلاقات الاجتماعية. والأسئلة عديدة، بالإمكان أن نوجزها بالتالي:
1- لماذا وعلى مدى عشرات القرون لم يولد لشعب، يمتد حضوره على جغرافية تراكمت عليها الحضارات، وحافظ على ديمغرافيته بالملايين رغم الكوارث والمخططات الموجهة لإذابته، سوى عدة شعراء؟
2- هل حقا لم يكن هناك رواد ومبدعين كورد سوى الذين كتبوا باللغة الكردية، على مر القرون اللاحقة لانهيار الحضارة الساسانية وحتى ظهور (بابا طاهر الهمذاني)؟
3- هل حقا على مدى عدة أجيال؛ ومسافة قرن من الزمن على وفاة (ملا أحمد جزيري 1407-1481م وولادة أحمدي خاني 1570-1640م) لم يتخرج من التكيات والمدارس التي تعلموا فيها، شعراء وأدباء أخرين غيرهما؟
4- هل حقا لم يكن هناك شعراء وأدباء، يكتبون باللغة الكوردية أو غيرها، في عصر (بابا طاهر الهمداني) و(عليّ حريري 1009-1080م) سواهما، في كل كردستان؟
5- ألم يكن هناك فلاسفة وأدباء في كل مدن كردستان في عصر فقه طيران باستثنائه، كشاعر صوفي، والذي مات في السجن؟ أليس حضوره بهذا الإبداع يعكس وجود حركة ثقافية نادرة في تلك المرحلة؟ ألا يظن أن قتله كانت محاولة لتدمير الإبداع الكردي حينها، مثلما يتم اليوم؟
6- هل حقا المدرسة التي خرجت أحمدي خاني، وثقفته، ليسطر قصة (مم وزين) بأسطورة شعرية نادرة أمثالها في العالم، لم تخرج غيره من الشعراء والأدباء المبدعين؟
7- لماذا لم يظهر مؤرخون وفلاسفة في عصر (شرف خان البدليسي) باستثنائه، وهل المدرسة التي خرجته لم تكن على مقدرة لتخريج غيره، ألم يدرس فيها غيره من الكرد؟
8- ألم يكن هناك أدباء وفقهاء وفلاسفة وعلماء يكتبون بالكوردية، أو أدرجوا صفحات باللغة الكوردية، غير الشعراء المذكورين، في القرون الماضية؟
9- هل تاريخ الأدب النثري الكوردي تبدأ من ملا محمودي بازيدي…؟
10- ما هي المآلات، أو الإشكاليات التي أدت إلى حصر الحركة الثقافية الكوردية في هذا العدد الزهيد من الشعراء، والمقسم على ثلاث مراحل، رغم ظهور الأدب الكوردي، ولماذا تحصر هذه النهضة فقط بأسماء الشعراء؟
شعراء المرحلة الأولى:
1-على حريري
1- ملا جزيري
2- فقه طيران
المرحلة الثانية:
1-احمدي خاني
2- ملا باتايي
3-باريكاري هكاري
المرحلة الثالثة:
1- وداعي، حفيد فقه طيران
2- نالي
3- حسين باتي، وحاجي قادر، ومولوي.
لا شك، قبل أن تنهض الحركة الثقافية الكوردية من سباتها الطويل، والتي كانت خجولة في بداياتها، وتتبين من خلال الدمج ما بين لغة النص أو لغات الأنظمة المحتلة واللغة الكوردية، اصطدمت بغياب أو موت الحروف الكوردية الأصلية، والتي أصبحت غير ملائمة لمجريات التطورات التي حصلت للكتابة، ومجاراة التطور الثقافي ومواجهة الحروف العربية التي سادت بعدما تم تطويرها وبمساعدة رواد الشعوب الإسلامية، وهذه بحد ذاتها من أحد القضايا التي يجب إعادة البحث فيها بشكل مستمر، والتوسع في البحوث والدراسات التي تمت سابقاً، والتي تعرض لها عدد من اللغويين الكورد، لأن القضية مهمة، أولا لتبيان الأسباب التي أدت إلى غياب الحروف الكوردية، وإحلال العربية وفيما بعد اللاتينية مكانها، وثانيا لماذا تم اختيار الحروف اللاتينية بدل العربية التي فرضت ذاتها من البعد الديني كما حدثت مع اللغات المجاورة كالفارسية والعثمانية قبل تعويضها باللاتينية.
علما أن أول نص وجد باللغة العربية يعود إلى القرن الرابع الميلادي، وهو الموجود عند جبل رم، وأول نص مؤرخ بها ومنقوش بثلاث لغات وجد في الزبداني بسوريا، مكتوب في عام 512م، ويعيد معظم المؤرخين أصول الكتابة باللغة العربية إلى الأرامية، رغم ما يقال عن أصولها المسند والحميرية، لكنهما مسندان ضعيفان إلى درجة أن العرب القدماء لا يدرجون الحمير من ضمن العرب (يمكن العودة إلى كتاب اللغة الأرامية للقرآن للبروفيسور الألماني غبريال سوما، وكتاب المقريزي ومقدمة أبن خلدون وما أخرجه الحافظ أبو طاهر السلفي في الطيوريات، وأبن الجني وخليل الفراهيدي، وغيرهم). في الوقت الذي كانت فيها اللغة الفهلوية الشرقية لغة الدواوين والأدب والمراكز الثقافية ضمن الإمبراطورية الساسانية وما قبلها، وحروفها كانت على درجة من التقنية على مقاسات العصر حينها، لكن مسيرة أحلال لغة النص مكان لغة المجوس، أدت إلى ما تم من تخلف الأولى وتطور العربية بعد انتهاء الخلافة الأموية وبداية العباسية.
كتب عدد من الكتاب الكورد وغيرهم، عن تاريخ اللغة الكوردية، وتطورها، من بينهم:
1- دحام عبد الفتاح في كتابه (حول اللغة الكردية (الكرمانجية الشمالية) لغة الكرد السوريين.
2- بولات جان، وشيروان يوسف، خاصة مقالهما المشترك تحت عنوان (موجز عن تاريخ اللغة الكردية).
3- الكاتب جويس بلو (الأدب الكردي المكتوب) ترجمة عبد الكريم عته.
4- الكاتب المهندس محمد توفيق علي، وكتابه (اللغة ّالكردية، انحدارها وتشعب لهجاتها ومشروع لتوحيدها).
5- كتاب (اللغة الكردية في رحاب الثقافية الإسلامية) للدكتور نوزاد حسن أحمد؛ دكتوراه في علم اللغة.
6- الكاتب المؤرخ محمد أوزون وكتابه «بداية الأدب الكُردي» (ترجمة دلاور زنكي)، وغيرهم.
7- كتاب ( قاموس مهاباد، الطبعة الأولى، هولير ” فه رهه نكي مه هاباد – جابي يكه مين – هولير- جابخانه ى كوردستان”) والتي أخذنا منه المقطع التالي عن القلم الكوردي في بدايات الإسلام، لأبن وحشية النبطي “هذه الأبجدية في غاية الإتقان والتطبيق من بين الأبجديات عامة ، حيث توجد فيها مجموعة أخرى من الحروف التي خرجت عن نطاق الأبجديات المألوفة ،فحرفا ب ، ج مميزان ، وفيها (7) أنواع من أخرى من الحروف حيث لا نظير لها في أية لغة أخرى، وأصواتها لا توجد في لغة أخرى، فهناك ستة حروف لا مثيل لها في الأبجديات والكتابات الأخرى ، فهي سلسة في هجائها وحركاتها وذلك بسب مخارج تلفظها” اقتطعناها من مقالة منشورة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
الصور التالية مقارنة بين الحروف العربية والكوردية كما أوردها ابن وحشية في كتابه (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام):
الحروف الكوردية
حروف السند، والتي يقال إنها اصل العربية
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
1/5/2020م
التعليقات مغلقة.