الباحث والكاتب السياسي الكوردي الدكتور : محمود عباس”
* لماذا ركز ماكرون على الدور الكوردي ضمن التحالف في محاربة داعش
شدد إيمانويل ماكرون؛ رئيس فرنسا، ضمن أجوبته لقناة الجزيرة، على الدور الكوردي ضمن التحالف الدولي، أثناء محاربتهم لداعش في سوريا، بعكس ما فعله ترمب عندما تحدث عن نفس القضية، فبقدر ما وصفهم الأول؛ وقدر تضحياتهم، أهمل ترمب دورهم، خاصة بعد حديثه الأخير مع الجنرال مظلوم عبدي؛ رئيس قوات قسد، والذي أهاج اللوبي التركي في أمريكا لإقناع البيت الأبيض بالعدول عن استضافته، وعدم تبيان أهمية القوة الكوردية، وهو ما أدى إلى تكتم دونالد ترمب لاحقاً على دورهم في القضاء على داعش؛ وتبين بشكل جلي في تصريحاته وأجوبته للصحفيين، والمراكز الإعلامية.
وبعكس ما قدمه الأن ماكرون، والتي ندرجها ضمن صراعه مع أردوغان، ليس حبا بالكورد بقدر ما هو كرهٌ بأردوغان، ترمب رغم تغاضيه، أو السماح غير المباشر للتدخل التركي، دعم الإدارة الذاتية، وقد فعلها بوتين أيضا في بدايات الظهور الكوردي، رغم أن جميعهم وحتى اللحظة يتعاملون مع الكورد كحلقة ضعيفة مقارنة بمصالحهم مع تركيا والعالم العربي. لكن ما خلقه أردوغان في المنطقة وصراعه مع أوروبا، تكاد أن تغير المعادلة لصالح الكورد، وعلى أثرها قد تتصاعد قضيتنا على الساحة الدولية من البعدين السياسي والدبلوماسي، وكلمة ماكرون قد تكون البداية، أولا، لأنها تفضح خدعة ترمب التي سمح بها لتركيا باحتلال المنطقة الكوردية. وثانيا بعكس إدارة ترمب تفضح إدارة أردوغان ومساعدته المباشرة وغير المباشرة لداعش، وغيرها من المنظمات الإسلامية التكفيرية الإرهابية، والتي لا تزال قوى التحالف وبمساعدة القوات الكوردية تحاربهم في المنطقة. وبالتالي فجواب الرئيس الفرنسي وبهذا التشديد حول الدور الكوردي، رسالة لعدة أطراف وبعدة أوجه:
1- بين على أن أردوغان كان يتأذى من مسيرة زوال الإرهاب الداعشي في المنطقة الكوردية. وتعني أنه كان ولايزال يرعى الإرهاب الداعشي، والمنظمات التكفيرية الأخرى.
2- على أن تغاضي إدارة ترمب للتدخل التركي في المنطقة الكوردية، تعتبر خيانة للحلفاء الكورد الذين كانوا ولا يزالون العنصر الفعال ضمن التحالف في محاربة الإرهاب الداعشي.
3- نقد دبلوماسي للسياسة المخادعة التي يقوم بها أردوغان ضمن حلف الناتو، أي عمليا يتهمه بخلق المشاكل ضمنها، التي منها تتكون قوى التحالف مع الكورد في محاربة داعش، ليلتهي بالقضايا الداخلية، ويتقاعس عن محاربة المنظمة الإرهابية.
4- تهديد لأردوغان على أن الكورد هم العنصر الأهم ضمن التحالف في محاربة الإرهاب، وليس هم الإرهاب كما يروج له أردوغان.
5- رسالة موجه للدول الأوروبية المتقاعسة حتى الأن؛ والتي لا موقف لها إزاء التجاوزات التركية في المنطقة، ومن تهديداتها لأعضاء الوحدة الأوروبية، وعلى أن مثل هذا الموقف المتذبذب سيسمح لأردوغان وعن طريق المجموعات الإرهابية المدعومة منه؛ وتحت حجة الدفاع عن الإسلام، ستنتشر في أوروبا.
6- والاهم في كل هذا تنويه لأمريكا، كدولة رئيسة في التحالف، والمعني إدارة ترمب؛ الذي سمح لأردوغان باحتلال أجزاء من المنطقة الكوردية، على أن التخلي عن الأصدقاء، أو عدم التمييز بين الأصدقاء والأعداء؛ من أجل المصالح، استراتيجية خطيرة، وغير مقبولة من قبل بعض الدول الأوروبية.
ماكرون يدرك تماما مدى تأثير إدارة ترمب على الدول الأوربية، ودورها في إضعاف التنسيق المطلوب بنيهم، لئلا يتم فرض الحصار الاقتصادي على تركيا، وهو ما أدى إلى أن تظل التهديدات الفرنسية في هذا المجال مجرد مشروع، وبالتالي سهلت لتركيا التجاوز على اليونان وقبرص، والتدخل في المناطق الساخنة الأخرى، وليت المعارضة السورية العربية حاورت ذاتها حول هذه الجدلية، علها تدرك أين تقف مصلحة الشعب السوري، لربما، ومن البعد الوطني، تعدل من مواقفها تجاه الكورد وقضيتهم.
ولا تزال الدول الأوروبية غير متفقة وبعيدة عن تنفيذ تهديدها حول الحصار، تحت حجج المصالح العميقة بين شركاتها الرأسمالية والدولة التركية، وكما نعلم أنها أصبحت من الدول العشرين الأوائل في العالم اقتصاديا، بفضل المساعدات الأوروبية والأمريكية والشركات الرأسمالية العالمية، والتي كانت تصل في بعض السنوات قرابة ثلثي ميزانية تركيا، أي بحدود 400 مليار دولار.
وفي حال تم تطبيق الحصار، فستخلق لها كارثة اقتصادية، وستبدأ بانهيار عملتها، نتذكر كيف أن كلمة من ترمب قبل سنتين، والتهديد الأوربي في الأسابيع الماضية؛ أدت إلى تراجع عملتها من ليرتين مقابل الدولار إلى ثماني ليرات، وفي حال التنفيذ الأولي لا يستبعد أن تعيدها إلى ما كانت عليه قبل عام 2006م، ولإيقاف هذا النزيف المتسارع، وخلق توازن بين انهيارها، وإنقاذ سوق الائتمان، حسب تقارير صندوق النقد الدولي، أنفقت تركيا 130 مليار دولار من احتياطاتها خلال العام والنصف الماضيين، وهو ما قرب من نفاذ احتياطيها من العملة الصعبة.
ولا شك هنا يجب الانتباه إلى أن الدول الدكتاتورية لا تهمها الانهيار الاقتصادي والوضع المعيشي للشعب، وإيران وكوريا الشمالية حاليا خير مثال، وإدارة أردوغان أظهر للعالم وللداخل على أنها نقلت تركيا من دولة شبه ديمقراطية إلى دولة دكتاتورية، ولهذا أصبح ينشر دعاية في هذا البعد بين الشعب، يدعمها حزبه وبقوة، واضعا الشعب بين خيارين، الرفاهية المعيشية أو الرخاء الاقتصادي، أم المصلحة القومية والتفوق التركي، وفي الأنظمة الشمولية كثيرا ما تتردد مثل هذه الشعارات للتلاعب بمقدرات الشعب
وبغض النظر عن خلفيات كلمة إيمانويل ماكرون، بطرح الكورد كقوة عسكرية أو شعب أصحاب حق، إلى جانب الدعم الأمريكي الجاري، الذي سيستمر بغض النظر عمن سيستلم إدارة البيت الأبيض، تظل مقولته ذات الدعم الدبلوماسي، ورسالته المبطنة، مسألة نظرية ستستخدم لتمرير بعض الأجندات، فيما لو لم نكن نحن الحراك الكوردي على قدر المسؤولية، ونستطيع استغلال ما يجري على الساحة الدولية، ونسخرها لقادمنا، أو نستفيد قدر الإمكان من الصراعات الجارية، خاصة وقد أصبح واضحا أن مصالح أوروبا وأمريكا تتطلب الوجود الكوردي كقوة عسكرية وإدارة سياسية في سوريا، وعليه لا بد من إعادة النظر بقوتنا الذاتية المتشتتة، وبتكوين حراكنا، ومنها وضع الحلول للإشكاليات التي ترافق المفاوضات بين الطرفين الكورديين، كبداية لمرحلة طويلة من التوافقات بيننا، قد تكون بداية لمسيرة تكوين سياسي كوردي في جنوب شرق كوردستان ضمن سوريا المستقبل.
التعليقات مغلقة.