المجلس الوطني الكوردي في سوريا

د: محمود عباس # ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام الجزء الثالث عشر….

133

الباحث والكاتب السياسي الكوردي الدكتور : محمود عباس”

 # ماذا حل بالأدب الكوردي بعد الإسلام
الجزء الثالث عشر

ولربما لا يعتب على الشعوب غير الكردية، والتي لم تكن الفهلوية الشرقية لغتها الأصلية، هذا الإهمال، والضياع، والتأخر في العودة إلى مسرح الحياة الثقافية باللغة الأصلية، لأن معظم الأثار لم تكن نتاج لغاتهم، ولم تهمهم إحيائها، ونحن هنا لا نتحدث عن لغة الأراميين-السريان وأدبهم الحضاري، ومثلهم الكلدانيين، والأشوريين التي تكاد أن تزول كليا. بل عن مسيرة ضياع أثار الإمبراطورية الأشكانية-السلوقية، والتي كانت اليونانية سائدة كلغة للإدارة والثقافة في المنطقة الإيرانية على مدى أكثر من عدة قرون، لهيمنة السلطات العربية الإسلامية عليها، في الوقت التي ظلت حية في الجغرافية اليونانية التي لم تطالها الغزوات، وبالتالي أصبحت منارة لثقافات شعوب العالم قاطبة.
أما الفارسية والتي عادت إلى الحياة بعد هيمنة المملكة السامانية على الجغرافية الشرقية للخلافة العباسية وبعد قرنين من ظهور الإسلام، فلم تكتفي بتطويرها، بل حرفت تاريخ المنطقة والحضارات والإمبراطوريات السابقة، ونسبت معظمها إلى ذاتها، أي الفارسية التي لم تظهر على مسرح التاريخ، بعد تدمير الإسكندر المقدوني للإمبراطورية الأخمينية، إلا بعد عشرة قرون، أي عند ظهور المملكة السامانية، وما نقرأه في الكتب عن الحضارة الفارسية والأدب الفارسي، ليس سوى تحريفا للحضارات الإيرانية الاشكانية والبارثية، إلى جانب تأويلهم الساسانية للفارسية، فجميع المصادر الموثوقة والآثار المتبقية، والدارج بين المؤرخين يتم أضفاء الصفة الإيرانية على تلك الحضارات، كجامع للشعوب المساهمة في بناءها، والفرس كانوا عنصر ثانوي ضمن مكونات عديدة. والجنرال الفارسي، الذي نصب نفسه شاهنشاهاً، في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، بعد القضاء على الدولة القجارية، ألقى أسم إيران على المملكة الفارسية كخدعة سياسية حاول من خلالها تنصيب نفسه على كل الشعوب الإيرانية، وهكذا أستمر تسويق التاريخ بتحريفاته.

وما يتم استخلاصه من المعلومات المتناثرة والتي لم تطالها التعتيم أو التدمير أو التحريف أو نجت من مصائب الإهمال، والواردة ضمن أمهات المصادر التاريخية، هي أن أجداد الكرد والذين عرفوا تحت أسماء قبائل مختلفة، مثل غيرهم من الشعوب المجاورة، كانوا العنصر الفعال في الإمبراطورية الساسانية، وبالتالي أصحاب الحركة الأدبية الثقافية، بعد القضاء على الإمبراطورية الاشكانية، وكانوا رواد الحضارة الساسانية، قبل الإسلام، بعكس ما يروج له اليوم العديد من المتربصين بالكرد، بتغييب العنصر الكردي والترويج للمكون الفارسي على أنهم ورثة الحضارات الثلاث المتتالية المنوهة إليها.
وما تم تداولها من الكتب الأدبية المتنوعة ما بين الشعر وروايات الأساطير والدينية والعلمية، والرسائل ولغة الدواوين حتى قرابة القرن الثاني الهجري، تشهد على ما نحن بصدده، فقد ورد ذكر العديد منها ضمن كتب معظم مؤرخي تلك المرحلة، منهم من دون أسماء الكتب التي اطلعوا عليها والتي ترجمت بعضها إلى اللغة الفارسية مثلها مثل اللغات الأخرى ومنها إلى العربية. والرواية الدارجة بين، صالح بن عبد الرحمن، المعين من قبل الحجاج بن يوسف الثقفي وبين مسؤوله الكوردي (زادان مرروخ) مدير الدواوين في العراق الذي قتل بعدما شكي به عامله صالح، وبقتله قضى الحجاج على اللغة الكوردية المتبقية كتتمة لمخططه، تعريب دواوين الخلافة، وأتبعها شبه فتوى إسلامية، قيل فيها أن كل من يحرق أو يتلف كتابا عجميا-مجوسيا ستكون له حسنات في الأخرة. مع ذلك استمرت اللغة الكوردية وظلت بعض الكتب متداولة حتى مرحلة الترجمة في عهد المأمون، ومنها ما تم ذكرها في حلقات سابقة (ويين كورد، أويستا، جيهانكير ورستم، ودين كورد، وخوتاي نامه، وغيرها الكثير)

والسؤال المحير هنا لماذا لم تقم قائمة لتلك الأثار الأدبية فيما بعد إلى بعد مرور قرون عديدة، ولم تنهض اللغة الكردية كلغة أدبية كما كانت عليه المراكز الحضارة الساسانية، وعلى مدى القرون اللاحقة لظهور الإسلام، إلا على شلك فتات متناثرة، وبين أثر وأخر قرون، وعلى مناطق جغرافية متباعدة؟ رغم ظهور ممالك وإمارات كردية، لا تقل أهمية وقوة عن الأمارة السامانية أو الغزنوية وغيرهم الذين استطاعوا أن أحيوا تاريخهم وآدابهم، وطوروا لغاتهم، بل منهم من نهب من أدب الشعوب الأخرى وفي مقدمتها أدب الشعب الكردي. ونحن هنا لا نتحدث عن لغة الحوار بين المجتمع الكوردي، أو لغة الدين الذي ظل تمارس ضمن المراكز الأزداهية-الإيزيدية، والزرادشتية، والصابئة، والمستمرة إلى يومنا هذا، ولا عن الأدباء والمؤرخين الكورد الذين كتبوا باللغة العربية أو الفارسية، وهم كثر. ولربما لا يحق الحكم عليهم، فالعوامل الفارضة ذاتها كانت أرهق مما هي علينا الأن، مع ذلك لا زلنا كحركة ثقافية بعيدين عن قدرة إحياء مجد أدبنا الكوردي، والأسباب عديدة لسنا بصددها الأن. لكن ما نستقرئه؛ أن غياب الكتابة والقراءة بها، ومن ثم زوال الفهلوية الساسانية عن الساحة، بحروفها، ونصوصها الروحية والدنيوية كتابة، أدت إلى تأخرها عن ركب الحضارة الأدبية، وبالتالي عدم قدرة الأدباء الكورد العودة بها إلى الحياة، فحل محلها الحروف العربية رغم شبه عدمية الأخيرة بالنسبة لما كانت عليه الحضارة الساسانية بلغتها وأدبها، والمراكز الثقافية التي دمرت ضمن المدن الساسانية ومحتوياتها، وما كتب عنها تؤكد ما نحن بصدده.

فما تم من التعتيم والتدمير لثقافتنا وأدبنا وروحانياتنا، مثلما حصل لأدب الشعوب الأخرى والتي سادت عليها الثقافة العربية الإسلامية، ومنها ما تم إهماله قناعة على خلفية السبب المذكور ذاته، إلى جانب ما تلته من التدمير المتعمد من قبل السلطات العرقية التي هيمنت تحت خيمة الإسلام وفضلت لغتها وثقافتها، تفتح مجالات عديدة للتأويلات قبل البحث، عن مسيرة الحركة الأدبية للشعب الكوردي، الذي كان إما مساهماً في أدب الحضارات القديمة أو أصحابها، فديمغرافيتهم الموزعة على جغرافية مترامية، ومنذ بدء الظهور الإنساني في المنطقة، والتي لا تقل عن ديمغرافية الشعوب المجاورة، والتي لها حضور كثيف بين صفحات التاريخ، تثبت على أنهم كانوا وعلى مر التاريخ ركن من أركان نشوء وتطور معظم الحضارات التي ظهرت على أطراف جغرافيتهم أو بأحضانها، فلا يعقل أن يكون ذكرهم على صفحات التاريخ الحاضر ضحلا إلى درجة يحتاج الباحث فيه التنقيب ما بين الأسطر أحيانا، ليجد حدث ما عن الشعب الكردي، وباسمه! بدون أن تكون خلفها أنظمة ومخططات ممنهجة، لا يستبعد أنها استمرت لقرون عديدة، وتبقى أسباب هذا العداء محيرة، تفتح أبواب عديدة للبحث والتفكير.

فما هي خلفيات هذه الإشكالية؟ هل لأن جميع الحضارات السابقة كانت تسمى باسم مؤسسيها، أو على خلفية القبيلة المهيمنة، أو مجموعة سادت وزالت؟ وأنظمة الشعوب الحاضرة حرفت الأسماء، والتاريخ، ونسختها كما طاب لهم، فظهر للحاضر التاريخي، أسماء الفرس على حساب الأخمينيين، وطبعوا أسمهم على الحضارة الساسانية، وبعد الإسلام ظهر الاسم العربي على خلفيات تجمع قريش والقبائل الأخرى. والأتراك على خلفية الأغوز والعثمانيين، وهكذا، وبعد القرون الطويلة من التحريف وتنسيخ الصفحات، والتعديل في الماضي المنسوخ، أصبحت الجدلية غير قابلة حتى للنقاش، وكأنها حقيقة مطلقة.

وهنا يحضرنا الأسئلة التالية:
1-      لو تمكن الكرد من الاستمرار في إماراتهم أو ممالكهم، وكان لهم البعد العرقي كما ظهر للشعوب المجاورة، هل كانت الحضارة الساسانية تسمى اليوم بالحضارة الكردية دون الجدال السفسطائي حولها، وقبلها السومرية، والحضارات اللاحقة لهم، كالميتانية، والميدية، وغيرهم؟
2-      هل كانت ستنسب كحضارات الشعب الكردي وبالاسم الكردي، كما تسمى اليوم الأخمينية بالحضارة الفارسية، أو الإمبراطورية الإسلامية بالعربية، والعثمانية بالتركية؟
3-      وهل كنا سنرى اليوم الممالك الأيوبية والزندية والمروانية ممالك كردية دون نقاش، مثلما يتم توصيف السامانية بالسلطنة الفارسية، والتي تم كتابة شاهنامه حينها؟
فغياب الكرد كشعب دون إدارة عن الحضور السياسي تحت الخيمة الكردية ولفترة طويلة، سهلت للأخرين نهب ما كان يملكه الكرد، وهم بالمقابل وعلى خلفية: غياب السلطة الكردية، وتركهم لدياناتهم واعتناق الإسلام، تخلوا عن تراثهم الأدبي والفلسفي والروحي المكتوب باللغة الكردية القديمة، الفهلوية الشرقية، التي كانت تعج بها مدارس ومكاتب المدن الكردية العديدة، كأمد، وماردين، وبدليس ونصيبين، وروها، وأربيل وكندي شابور، وكيخستون وغيرها، والتي بعضها كانت تستقبل الوفود والبعثات العلمية والفلسفية من دول الحضارات المجاورة كروما وبيزنطة واليونان والهند وحتى من الصين.  لتنهب من قبل الأخرين، وينسبوها لذاتهم…
يتبع…

التعليقات مغلقة.