الباحث والكاتب السياسي الكوردي الدكتور : محمود عباس”
مواقف كرملين من القضية الكوردستانية2/2
فتصريح وزير الخارجية، في هذه المرحلة الحساسة، من اجل مصالح روسية في المنطقة ضد أمريكا، حول كوردستان وما يطالب به الحراك الكوردي، وحيث المنطقة أمام معادلات دولية، والتي قد تؤدي إلى احتمالات حصول شعوب في المنطقة على البعض من حقوقها ضمن الدول ذاتها، لا تخلق الاستقرار كما يتوقعها سيرغي لافروف، بل تؤدي إلى ديمومة الصراع، وأن أمريكا بدعمها للكورد ومحاولة إقامة إدارة ذاتية في سوريا، أو حتى فيدرالية، كالتي كان قد بحث فيها لا فروف ذاته قبل سنوات مع أطراف من الحراك الكوردي، هي عامل الاستقرار أكثر مما لو تم التغاضي عنها، وفرضت ثانية؛ سلطة دكتاتورية مركزية في دمشق، وبالتأكيد السيد الوزير يدرك هذه الجدلية، والتي لا تغيب عن شخصية بهذه الخبرة والحنكة السياسية، وبالتالي يظهر السؤال: لماذا تقبل روسيا الكفة الخاطئة في المعادلة. مع العلم أن مواجهة المنظمات التكفيرية لا تحتاج إلى مساندة الأنظمة الدكتاتورية، فهناك معادلات أخرى بالإمكان دعمها أو خلقها، والساحة الديمغرافية والجيوسياسية أكثر من ملائمة.
فنقله هذا المفهوم عن حقوق الشعب الكوردي من سوريا إلى تركيا؛ استراتيجية مبتذلة ومرفوضة، والشعب الكوردي كان ولا يزال يأمل الأفضل سياسيا وحكمة حول الخلافات في المنطقة، من روسيا ووزير خارجيتها. فبإمكانها فرض مصالحها، وتمرير استراتيجيتها ضمن صراعات الشرق الأوسط المثارة في كل زاوية، بفرض نظامها السياسي الفيدرالي، رغم أخطائها الكبيرة؛ من حيث البعد العملي وسيادة نظام بوتين، على الأنظمة الشمولية المكافحة للحفاظ على هيمنتها، كسلطة بشار الأسد الذي دمر كل الوطن للبقاء، وبمشاركة دولة الوزير، وعلى تركيا الأردوغانية المتحولة من دولة شبه ديمقراطية إلى دكتاتورية، وإيران الغارقة في النظام المذهبي الناكر لحقوق الشعوب وفي مقدمتهم حق الشعب الكوردي، فقد كانت شعوب المنطقة ومن ضمنهم الكورد يتوقعون من دولة روسيا العظمى أن تكون راعية منصفة، بحيث لا تتعارض ومصالحها فيما لو تعاملت مع الجميع من منطق السيادة.
لكن وللأسف، الإستراتيجية الخاطئة بحق المنطقة ومن بينهم الكورد ليست جديدة، وكأنها على عهد بألا تتغير، فعلى مر التاريخ كانت الإتحاد السوفيتي وقبلها روسيا القيصرية، معادية لحقوق الأمة الكوردية، أو لنقل إن مصالحها تعارضت بشكل شبه دائم مع مصالح الشعب الكوردي، وتلاءمت مع مصالح السلطات الدكتاتورية، ربما ليس لعداء قومي بقدر ما كانت مصالحها تدعي ذلك، فحتى في المرحلة الإيديولوجية الأممية، تخلت عن نظريتها من أجل مصالحها.
لا شك تغيرت مواقفها مع نوعية الأنظمة التي تعاقبت عليها، لكنها ظلت محافظة على محور واضح من قضية الشعب الكوردي، ومن الغريب أنها في معظم الحالات تعارضت وطموحاتهم، وتتبين أن منطق ستالين قبيل الحرب العالمية الثانية سائد الأن، وسلطة بوتين المستدامة منذ عقود هي من مفرزات الماضي القاتم، وكثير ما كان يقال إنها مع حقوق جميع شعوب العالم إلا الشعب الكوردي، وهذه الجدلية الشكية بنيت على عدة تحليلات ووقائع، منها:
1- أنها جاهدت أن تظل المناطق المجاورة لحدودها آمنة، وتبقى الجغرافيات على ماهي عليه، لئلا تنفتح الأبواب للشعوب المحتلة من قبلها، والتي تتمتع بفيدراليات ضمن روسيا الإتحادية، وقد تؤدي إلى حصول تدخلات خارجية وفي مقدمتهم أمريكا.
2- آملة بموقفها السلبي من القضية الكوردية كسب ود الدول المحتلة لكوردستان.
3- الاقتناع على أن المفهوم الذي بنى عليه ستالين موقفه من الكورد، يوم هجرهم وأزال جمهورية كوردستان الحمراء، تحت حجة انهم يساعدون هتلر النازية قبيل هجوم ألمانيا على الاتحاد السوفيتي، هو الأنجح لاستراتيجيتها مع تركيا وإيران والدول العربية.
تبينت هذه المواقف في حروب صدام ضد ثورة برزاني الكوردستانية، رغم أن البعض يقول أنها احتضنت البرزاني الخالد، وساندته، لكن في الواقع كان ذلك حفاظا على ماء الوجه أمام الشعوب، والتغطية على مشاركتها في تدمير جمهورية كوردستان الشرقية (مهاباد) ومعها أذربيجان، والتي كانت نتيجة الصفقة التي عقدها مع البريطانيين لإعادة أبن الجنرال الفارسي الذي عين ذاته شاهنشاهاً، علما أن النظام الذي أعيد إلى إيران، كان نظاما ملكيا شموليا، معاديا إيديولوجيا للنظام الشيوعي، وللنظرية والمبادئ اللينينية الماركسية، وقد كانت خيانة ليس فقط للجمهوريتين الديمقراطيتين، اللتين كانتا على حق بالاستقلال عن الدولة الفارسية الشاهنشاهية، مع ذلك تم التغاضي عن خيانة النظرية التي بنيت عليها الإتحاد السوفيتي من أجل مصالحها، والتي انهارت على خلفية العشرات من هذه التنازلات المبدئية، والنفاق على الشعوب المظلومة، والمؤدي إلى نخر الداخل وتزايد الفساد والبيروقراطية وغيرها.
وقفت الإتحاد السوفيتي مع الأنظمة الدكتاتورية في العديد من دول العالم، ومن بينها السلطات المحتلة لكوردستان، فقد قصفت بطائراتها التوبوليف الثورة الكوردية وبطيارين روس، وساعدت طاغية البعث في العراق ضد شعب كان يطالب بأدنى حقوقه المشروعة. لا زلنا نتذكر كيف كان موقفها كنظام شيوعي، من قصف صدام لمدينة حلبجة الكوردية بالغازات السامة، يوم قتل فيها كل الأحياء، أكثر من خمسة ألاف إنسان، معظمهم أطفال ونساء وشيوخ، فحتى عندما قامت، حينها، مجموعة من الطلاب الكورد في موسكو للاحتجاج في ساحة الكرملين، كان رد السلطة السوفيتية حاسما وقاسيا، تكالبت عليهم قوات خاصة من الـ (كي جي بي) ضربوهم ودفعوهم إلى مواقف المترو، كان بينهم الدكتور إبراهيم محمود، والدكتور رضوان علي، والدكتور فيصل خلف، وغيرهم، لا يحضرني الأن أسماؤهم، وتم بعدها طرد الدكتور فيصل خلف، من الجامعة ومن روسيا وكان في سنة التخرج من كلية الطب، معهد الصداقة. نحن هنا نتحدث فقط عن العلاقات السياسية للنظام وليس عن الشعب وثقافته وقيمه الرائعة، كما ولن نأتي على ما فعله نظامه بالشعوب الأخرى، وحيث التناقض مع ايدلوجيتهم.
المسيرة مستمرة، والمواقف هي ذاتها رغم انهيار النظام الشيوعي، وموقف روسيا جلي من خلال تصريحات لافروف المستمرة، ومقايضتهم لعفرين مع تركيا، لدعم نظام غارق في الإجرام. وموقفه من القضية الكوردية في سوريا تعكسها تلك المقايضة، وتلك التي تمت في مؤتمر سوتشي الأخير عندما سمحت لتركيا باحتلال مابين سري كانيه وكري سبي، لا شك هنا وللأمانة فإن موقف إدارة ترمب لم تكن بأفضل منه، لكن حتى الأن مصالحهم تفرض ما تفضل به الوزير.
نحن الكورد وعلى خلفية عدة عوامل، نتمرغ تحت رحمة المصالح الدولية، الإقليمية، والكبرى، الروسية والأمريكية، لذا علينا أن نعالج الواقع، ونعيد دراسة مفاهيمنا مع المواقف الدولية، ونتعامل معها بما تفرضه مصالحنا، وعلى الوفود الكوردية التي تزور موسكو بين حين وأخر، تذكير الوزير بحقوق الأمة الكوردية، حتى ولو كانت صعبة قولها، لكنها ستدرج ضمن المواقف الخالدة في التاريخ، وعلى الأغلب سيتم دراستها فيما بعد من قبلهم، ومثلها يجب أن تعرض على طاولة الحوارات مع الوفود الأمريكية، شرط أن تكون باسم الشعب الكوردي وليست الأحزاب. وهذا الطلب يجب أن يكون مكتوبا؛ ضمن مشروع كوردي متكامل، حيث الفيدرالية الكوردستانية ضمن أنظمة لا مركزية أي كانت الدول المعنية، ويجب أن تقدم لممثلي الإدارة الروسية والأمريكية مستقبلا.
المسيرة ليست سهلة، خاصة فيما إذا استمرينا على الشقاق، وظلت مجموعات من حراكنا أدوات بيد القوى الإقليمية تحت مسميات وحجج متنوعة، خاصة ونحن نلاحظ تزايد مجموعات كوردية يتم تسخيرهم إما عن سذاجة أو لمصالح شخصية، والبعض تحت منطق الحكمة في حل القضية الكوردية، لكنها ستنجح فيما لو بلغنا الحدود الدنيا من التوافق، وتشكيل هيئات تمثل أمتنا.
التعليقات مغلقة.