السبب الرئيس في إزالة معاهدة سيفر وظهور لوزان..
دعم يهود الدونمة، والحركة الصهيونية العالمية لأتاتورك، كان الخطأ الذي لا يزال يدفع ثمنه إسرائيل والشعب اليهودي، وشعوب المنطقة ومن بينهم الكورد واليونانيين والأرمن، في الوقت الذي كان بإمكانهم الوصول إلى نفس النتائج وتحقيق نفس الأهداف بالقضاء التام على الإمبراطورية العثمانية وتحرير شعوب المنطقة على أثارها. لكن ومن المؤسف كانا من أحد أهم الداعمين لإزالة المعاهدة الأولى بكل بنودها، وفرض الثانية بما ترضي الحكومة التركية؛ المتشكلة حينها من شخصيات ذوي ميول تتلاءم ومتطلبات معظم الأطراف التي عملت على إزالة الإمبراطورية العثمانية وألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، بدءا من أتاتورك وجلال بيار وعصمت إينونو، ومن الغرابة أن خلفاءهم كرروا الخطأ ذاته بتقديم الدعم الهائل لأردوغان من بدايات 2006 ليظهر على الساحة كتيار إسلامي ليبرالي.
ويستنتج من التحركات السياسية والدبلوماسية لشخصيات حكومة أتاتورك وخلفياتهم وارتباطاتهم مع الحاخامات اليهود في إستانبول وخارجها، أنه كان لهم الدور الأهم في إقناع بريطانيا وفرنسا، ودفع الإتحاد السوفيتي لدعم أتاتورك، وتراجع أمريكا مسبقا عن الأولى، والسكوت على الثانية، وهذه العلاقة الخفية هي التي دفعت بأتاتورك ليشكل الوفد المفاوض مع بريطانيا وفرنسا في معاهدة لوزان من الحاخام ناحوم، حاخام إستانبول الأعلى مع عصمت إينونو ذو الأصول الكوردية.
خلفياتها قديمة تعود إلى موقف السلطان عبد الحميد الرافض لطلب هرتزل الذي استطاع الاجتماع به، عن طريق الدبلوماسيين النمساويين وسفير بريطانيا لإستانبول، والذي كان يتضمن دفع ديون الإمبراطورية العثمانية والتي كانت تقدر بـ خمس مليون ليرة ذهبية، إلى جانب تقديم مثلها كهدية للسلطان ذاته، مقابل عدم منع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، بعدما كانوا يلاقون الويلات في معظم دول العالم.
رفضها لئلا يخسر فلسطين كجزء من إمبراطوريته التي كانت في طور الانهيار، وهو ما أدى إلى دعمهم لحكومة الإتحاد والترقي في البداية ومن ثم لأتاتورك بعد نهوضه، ماديا وعسكريا، وساهموا في إقامة الجمهورية التركية، وذلك بالضغط على بريطانيا وفرنسا للتراجع عن معاهدة سيفر، وتقسيمهم لتركيا، شريطة إلغاء الخلافة العثمانية، وفي الواقع خسارة بريطانيا العسكري في الدردنيل كان على خلفية الدعم الذي قدم لأتاتورك، في البعدين الداخلي والدولي، وخاصة من قبل الإتحاد السوفيتي.
وقد فرض بالمقابل على أتاتورك، إزالة أثار الخلافة، بتغيير الحروف إلى اللاتينية، وتغيير أسم الدولة، والعاصمة إلى أنقرة، وغيرها، وهو ما ساهم في النقلة النوعية من إمبراطورية مريضة إلى دولة تركيا الحديثة، وفرضت على الدول الكبرى الحفاظ على الدولة التركية الداعمة لإقامة إسرائيل القادمة، والتي ساعدت في العقود الأولى بشكل ما على الهجرة اليهودية إليها.
لا شك لعبت الحركة الصهيونية دور رائعا في جمع شمل شعبهم وإنقاذ قسم كبير من الأهوال، وتكوين دولتهم التاريخية، رغم ما كانوا يواجهونه من معارضة، وما لا قوه من الكوارث والمجازر.
واليوم أردوغان وبعدما نهض بفضل الشركات الرأسمالية العالمية، وجلها من الرأسمال اليهودي، يحاول التبجح إعلاميا بمعارضته للاتفاقية التي تعقد بين إسرائيل ودولة الإمارات، والتي قد تنجر إليها دول أخرى، مدركا أن بقاءه مثلما كان نهوضه يعتمد عليهم، ولهذا ففي الواقع ما يصدر منه:
1- إما إنها لا تتجاوز الدعاية الإعلامية، وتحايل على الفلسطينيين والعالم الإسلامي، وخاصة المنظمات التكفيرية التي يسخرها لمصالحه.
2- أو أنها تغطية على الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والسياسية بينهما، والتي تتجاوز 15 مليار دولار، كما ونعلم أن طائرات الدرون التي يستخدمها اليوم في حروبه هي من التكنلوجيا الإسرائيلية ومساعدتها.
3- أو أنه صعد كثيرا وأصبح يتبجح بما بلغه، معتقدا أنه تجاوز مرحلة التأثير عليه، علما أنه يتلقى بين فترة وأخرى تحذيرات، ومنها إقحامه في مستنقع عدة جبهات عسكرية، والتي تؤثر بشكل مباشر على وضعه الاقتصادي، وأخرها سقوط سعر الليرة التركية، علما أن أول تحذير جاءه من ترمب ذاته.
في الواقع أردوغان صورة عن أتاتورك، لذلك عندما يتبجح بأنه مزق معاهدة سيفر، فهو يستند على تلك المسيرة، وعلى الاتفاقيات السرية التي عقدت خلف الكواليس، ولا يزال ملتزما بها، يسمح له بما يساهم على التغطية عليها بالدعاية الإعلامية، وإلا فنهايته ستكون قريبة.
ولا يستبعد أن دعم دونالد ترمب له نابع عن هذه الخلفية، والعلاقات بين عائلة صهريهما، جيرد كوشنير مستشار ترمب في شؤون الشرق الأوسط، وهو من عائلة يهودية ثرية معروفة، وبيرت بيرقدار، وتؤكد على أن هناك أبواب مشرعة بينهما، غير الظاهرة في الأوساط الدبلوماسية.
ويقال في الأروقة السرية أن دونالد ترمب، ليس سوى دمية من دمى المافيا العالمية أو ما يسمى الماسونية العالمية، وقد كان صديق الملياردير اليهودية جيفري إبشتاين، أحد أعضاء المنظمة الرأسمالية العالمية والذي أتهم المتاجرة بالجنس والتحرش بالقاصرات، وهو ما انكره بشكل مطلق، ولسبب ما تم التخلص منه، وأسقطوه في الفخ، بعد متابعة طالت أكثر من عشر سنوات، أعتقل وسجن في سجن نيويورك المشهور الذي يقبع فيه جابو المكسيكي رئيس مافيا أمريكا اللاتينية، بعدما فضحوه بين الجمهور وعلى الإعلام، وتم اغتياله في السجن، بعد أقل من سنة، بحجة الانتحار، لئلا يخرج إلى الإعلام ويفضح شخصيات مهمة وكبيرة مخفية في الوسط الأمريكي الرأسمالي، وبدون تردد تبرأ دونالد ترمب من صداقته.
ولا يستبعد أنه هناك علاقات على المستويات الماسونية العالمية بين أردوغان وترمب، وهو ما يطلب منه التشديد بين حين وأخر على علاقاتهما، ويعيد وصفه لأردوغان بالصديق المقرب، وينفذ مطالبه، رغم تعارض مصالح أمريكا الإستراتيجية مع التوجهات التركية في ظل الحكم الإسلامي الأردوغاني.
ولربما لم تخطأ هذه المنظمة والحركة الصهيونية في تاريخهما مثلما أخطأتا في دعمها لأتاتورك، وأردوغان، وقد دفعا الكثير على خلفيتها، وتأذى الشعب اليهودي من الدولة التركية اللاحقة للكمالية، بشكل غير مباشر، مثلما يحصل اليوم مع حكومة أردوغان وأئمة ولاية الفقيه، كما وخلقت عراقيل على علاقات إسرائيل مع دول الجوار العربي والإسلامي، بعدما حاولت تركيا الأردوغانية أن تتصدر العالمين، وتركيا منذ نهوضها واستقرارها أثرت على مستقبل الشعوب الأخرى التي كانت ستصبح سندا لتوسيع الديمقراطية في المنطقة؛ التي حملت رايتها إسرائيل لوحدها على مدى أكثر من نصف قرن تقريبا، بغض النظر عما يحدث ما بين الشعب الفلسطيني وحركاتهما ودولة إسرائيل، والتي لولا أمثال سلطة أردوغان والأنظمة العربية الدكتاتورية لكان وضع الشعب الفلسطيني مغايرا كليا، وبشكل إيجابي.
كما ومساهمتهما في دعم الدولة التركية الأردوغانية عن طريق الشركات الرأسمالية العالمية، عن طريق ضخ سيولة مالية سنويا؛ وبالعملة الصعبة منذ 2006 وحتى قبل سنتين، قدرت بضعفي ميزانية تركيا، وتجاوزت في بعض السنوات 450 مليار دولار، تحت منطق أنها الدولة الإسلامية الليبرالية الداعية للديمقراطية، لدرجة أصبحت بعض المنظمات العالمية وشعوب المنطقة يقارنونها بالديمقراطية الموجودة في إسرائيل، قبل أن تبدأ بتغيير منهجيتها وتدعم منظمة داعش والمنظمات التكفيرية الأخرى، وتهاجم إسرائيل حتى ولو كانت على الإعلام.
التعليقات مغلقة.