تلفّ قضايا شائكة هامة وأساسية المشهد السياسي السوري، أبرزها تواجد القوى الدولية والإقليمية على الأراضي السورية بأساليب وأشكال مختلفة، وبأهداف ومقاصد أيضاً مختلفة، روسيا جاءت عبر عقد أبرمته مع النظام السوري، وأمريكا من خلال محاربة الارهاب (القاعدة وداعش وأمثالهما من قوى الظلام) وإيران عبر علاقات “أسمتها استراتيجية” مع النظام، وتركيا بذريعة حماية أمنها القومي، وميليشيا حزب الله اللبناني اتت عبر محور المقاومة، وهكذا كل طرف يزعم حجته ودواعي تواجده على الأراضي السورية، وليس هناك ما يشير إلى خروجها في الآفاق المنظورة.
أمريكا فقط كانت تعلن بين الحين والآخر عزمها على سحب قواتها من سوريا، لكنها اليوم وكما تبدو بصدد تعزيز تواجدها، لاسيما بعد تحرك بعض شركاتها النفطية منها (دلتا كريسنت ال ال سي) بهدف تحديث استثمار النفط في بعض مناطق شرقي نهر الفرات ومنع وقوع النفط بيد قوى الارهاب، وتضيف أمريكا أن انسحاب قواتها اليوم مرهون بشروط منها، وقف لإطلاق النار على الاراضي السورية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة، وتحقيق الحل السياسي السلمي وفق مرجعية جنيف1 وقرار هيئة الأمم المتحدة 2254 والقرارات الدولية ذات الصلة، ما يعني أن أمريكا هي الأخرى باقية وبشكل أقوى، وفي هذا السياق هناك جهود وضغوط دولية لإخراج القوات الإيرانية، وحتى التركية وميليشيا حزب الله اللبناني من الأراضي السورية، والظاهر وجود توافق روسي أمريكي في هذا الصدد، بل التوافق يرتقي إلى مستوى دولي، وبالتنسيق مع الجهود والمساعي الرامية إلى تفعيل اللجان والهيئات المعنية باستئناف الحوار والمفاوضات، منها اللجنة الدستورية التي قد تباشر عملها مع نهاية شهر آب 2020 وكذلك استعدادات هيئة التفاوض في هذا الشأن، بالتزامن مع فرض أمريكا لعقوبات اقتصادية على النظام السوري وبعض الشخصيات البارزة من ذوي رؤوس الأموال باتجاه قبول الحل السياسي المنشود، وكذلك تنفيذ قانون سيزر (قيصر)، هذا الى جانب الترتيبات اللازمة في هذا الصدد على الأرض، ما يعني أن الجهود والمساعي تتفاعل بقوة باتجاه ذاك الحل السياسي، ولعل الانفجار الهائل مؤخراً لمرفأ العاصمة اللبنانية (بيروت) قد يؤثر على مجمل أوضاع المنطقة، ومنها الشأن السوري وربما يؤدي إلى ترتيبات جديدة عبر هيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
تركيا، تزعم انسحاب قواتها من مناطق “عفرين ، كري سبي ، سري كانييه” حال توفير عوامل الأمن والأمان لحدودها مع سوريا، في ذات الوقت لم تدخر أي وسع في دعم اتجاه الاسلام السياسي سواء في سوريا من خلال دعمها للمعارضة السورية، أو في المناطق الأخرى وخصوصاً دول عربية مثل ليبيا وقطر وغيرهما، كما لها مشاكل مع اليونان، هذا فضلا عن قضايا الوضع الداخلي لتركيا والمخاوف التي تنتاب الحزب الحاكم جراء تحرك الاتجاهات الاسلاموية الأخرى على حساب الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) وخصوصا عزم داوود أوغلو على النشاط السياسي، وفي ذات الاتجاه، ويبدو أن نشاطه هذا ربما يستمد الدعم الغربي ولاسيما التحالف الدولي وخصوصاً أمريكا، بغية تخفيف حدة هيمنة الحزب الحاكم على مقاليد الأمور في البلاد مستقبلاً، كما يخشى الحزب الحاكم وقوعه في شرك الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة لاسيما بعد دعمها للحوار الكردي الكردي، ومن هنا قد يأتي جانب من خلاف هذا الحزب مع الغرب أحياناً.
إيران، ترى في تواجدها على الأراضي السورية أهمية خاصة بالنسبة لها، سواء لجهة خدمة أجنداتها أو لأهدافها الاستراتيجية، لذلك تظل متشبثة بمواقعها رغم الضغوط والعقوبات الدولية، ورغم توافق مصالح كل من أمريكا وإسرائيل وحتى روسيا في ابعاد أو إخراج القوات الإيرانية من الأراضي السورية، لأن هذا التواجد ليس لدعم ومساندة النظام السوري فحسب، بل لإمكانية تواصلها وتدخلاتها في شأن العديد من دول المنطقة وخصوصاً لبنان وتأمين ترابط الهلال الشيعي من العراق وعبر سوريا، ذلك رغم ما تتوقعه من تلاقي صعوبات جمّة في هذا التواجد وخصوصاً من جانب إسرائيل وأمريكا، وهذه الأخيرة لم تتردد في فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، من جانب آخر تعاني إيران الكثير من الصعوبات والأزمات الداخلية، السياسية والاجتماعية والمعيشية والهبوط المستمر لسعر صرف وحدتها النقدية أمام العمولات الأجنبية الصعبة، ومع كل ذلك تتمادى في غيّها وعلى حساب حياة الشعب الإيراني ومعيشته الصعبة دون رادع حتى أخلاقي، ما يعني أن إيران أمام صعوبات جمة ومآسي شتى.
العراق، هو الآخر يعاني مختلف الصعوبات والأزمات، ورغم ذلك فإن حكومة السيد مصطفى الكاظمي تسعى بهمة من أجل معالجتها، سواء لجهة إنهاء الصراعات الدولية على أراضيها والعمل لوضع الحد من دور إيران ومساعيها دون استتباب الأمن والاستقرار في العراق وخصوصاً هجماتها العنيفة ضد مراكز أساسية في العاصمة بغداد، تارة بشكل مباشر، وأخرى بتحريض الميليشيا التابعة لها، كما تسعى هذه الحكومة الى معالجة ملفات الفساد المالي والإداري، والسعي لتلبية مطالب الجماهير المحتجة بماهي الخدمات الأساسية وتوفير عوامل المعيشة والحياة اللائقة بالإنسان، والعمل من أجل حل قضايا الخلاف مع حكومة إقليم كوردستان وخصوصاً مسألة المادة 140 من الدستور العراقي بشأن المناطق الكردية التي ماتزال تابعة في إدارتها لحكومة المركز والمسماة (بالمناطق المتنازع عليها) وكذلك موضوع الموازنة العامة ومسألة النفط والغاز، هذا فضلا عن الجهود الحثيثة للبدء بالانتخابات المبكرة بعد تهدئة الأوضاع، ما يعني أن حكومة الكاظمي جادة من أجل انقاذ العراق من براثن الوضع المتردي.
إقليم كوردستان، تبدي قيادة الإقليم دعمها ومساندتها لحكومة السيد مصطفى الكاظمي في أداء مهامها ومسؤولياتها على مختلف الأصعدة والمجالات، سواء المتعلقة منها بالصراعات القائمة في العراق أو القضايا الجماهيرية المطلبية والتوجهات نحو تعزيز النظام الفيدرالي، ومعالجة القضايا الخلافية بين بغداد و هولير، هذا الى جانب اهتمام القيادة بوضع إقليم الداخلي وما يقتضي من توفير عوامل التنمية الاقتصادية، والاهتمام الدائم بوضع المدارس والجامعات، وما يقتضي من تطوير وتقدم بشأنها، وهكذا بالنسبة لتعزيز عوامل حماية الإقليم بتعزيز دور البيشمركة والقوى الأمنية الكوردستانية، وكذلك موضوع المشافي وما ينبغي جاهزيتها وما يقتضي من الارتقاء بها تأهيلا لمكافحة الأمراض والأوبئة بغية درء المواطنين من الأخطار المحدقة وخصوصا بعد انتشار كورونا (covid-19) في العالم من جديد، بمعنى أن الإقليم بفضل جماهيره وقواه السياسية وتفاهم الرئاسات الثلاث (رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان) وعلى رأسها حكمة الرئيس القائد مسعود البارزاني في سعي للارتقاء بالإقليم إلى المستوى الحضاري اللائق بشعب كوردستان والمجتمع الكردي، ذلك دعماً للجهود الخيرة واستعدادا للمراحل القادمة بما تحمل من عوامل التطور والتقدم المنشود.
كوردستان سوريا، تشهد كوردستان سوريا ومناطق شرقي نهر الفرات حركة سياسية متميزة، حيث الحوارات والمفاوضات بين الأطراف الكردية مستمرة (المجلس الوطني الكردي في سوريا وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية)، وبعد انتهاء المرحلة الأولى وإقرار الرؤية السياسية المشتركة وإقرار اتفاقية دهوك 2014 أساسا للمفاوضات، فقد تم عقد جلسات متتالية وبرعاية أمريكية تناولت موضوع المرجعية الكردية وقضايا أخرى ذات الصلة، ولاتزال الجلسات متواصلة بغية الوصول الى الاتفاق المنشود، من جانب آخر تم الاعلان عن جبهة السلام والحرية تضم كل من المجلس الوطني الكردي في سوريا، والمنظمة الآثورية الديمقراطية، وتيار الغد السوري، والمجلس العربي في الجزيرة والفرات، وهي جبهة تعمل ضمن خط المعارضة الوطنية، وتدعو الى الحل السياسي للأزمة السورية وفق مرجعية جنيف1 والقرارات الدولية ولاسيما القرار 2254 كما أنها لا تتعارض مع المفاوضات الكردية، وتتجّه نحو الانفتاح على معظم أطراف المعارضة الوطنية، وتدعو الى التعاون والعمل المشترك من أجل خدمة القضايا الوطنية، ومنها السعي باتجاه انهاء معاناة أهالي مناطق الاجتياح التركي (عفرين، كري سبي، سري كانييه) وكل المناطق السورية المشابهة، وذلك بالعمل من أجل خروج الفصائل المسلحة وعودة المهجرين الى ديارهم وأماكن سكناهم وإدارة تلك المناطق من قبل أهاليها وسكانها الأساسيين.
المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا
9 / 8 / 2020
التعليقات مغلقة.