ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام؟. الجزء السادس
قبل الانتقال إلى مراحل سيادة اللغة العربية وتطورها، وظهور الأدب العربي الكتابي على حساب الفهلوية الساسانية، لا بد من العودة قيلا إلى الحقيقة المطروحة في الحلقة الرابعة، والتي ظهرت شكوك لدى بعض القراء، حيث الواقع التاريخي لـ اللغة الفارسية حتى بدايات القرن الماضي؛ لأهميتها، والتي استندنا فيها على بعض المراجع من العمق الإيراني، وفي مراحل زمنية متباعدة، ومن ضمنها كتاب المؤرخ والأمير الكوردي شرف خان البدليسي، الواقع الذي بدأ من بداية القرن الحادي عشر وحتى نهاية الخامس عشر، ومن بعدها ومع هيمنة الصفويين إلى القجاريين، حتى العشرينات من القرن العشرين، المراحل التي لم يكن للعنصر الفارسي أي حضور، إلى أن تمكن رئيس الوزراء رضا خان بهلوي في عام 1925م من خلع أخر ملوك القجاريين واتخاذ لقب الشاه لنفسه، وفرض العنصر الفارسي، إدارة ولغة، وعمل على تغيير كلي للبلد، بطريقة مشابهة للتي فعلها أتاتورك في تركيا، مع معارضة قوية من الشعوب الإيرانية الرافضة لهيمنة الأقلية الفارسية، هذه إلى جانب قضايا سياسية، والتي أدت إلى نفيه من قبل البريطانيين والروس، وتعيين أبنه محمد رضا بهلوي في عام 1941م شاها، وهذه هي المرحلة الفعلية في إحياء اللغة الفارسية، بعد عشرة قرون منذ انهيار المملكة السامانية والغزنوية، ومعروف لجميع المؤرخين أن رضى بلهوي لم يكن سوى ضابط فارسي من أم قفقاسية، أستلم الحكم بانقلاب عسكري، ولدعم حكمه، حاول إعادة تاريخ الأخمينية إلى الساحة، وبالتالي دعم المكون الفارسي، وعلى أثرها أقام أبنه الحفلة الأسطورية ضمن أثار برسبوليس لتمجيد الإمبراطورية الأخمينية وليست الساسانية أو السلوقية أو الاشكانية.
لم يدم حكم الضابط رضى بهلوي وأبنه سوى نصف قرن، الذي لم يكن لهم أية علاقة مع أية عائلة ملكية فارسية، ولمعرفة الشعوب الإيرانية والفرس خاصة بتاريخه، لم يقف إلى جانبه سوى الحاشية المستفادة منه، مع ذلك استمرت السلطة التي أحيت الشيعية الصفوية (أئمة ولاية الفقيه) في ترسيخ الفارسية الحديثة، قومية ولغة، وألغت كل القوميات الإيرانية من الساحة تحت شعار الأمة الإسلامية.
ولتوضيح ما كانت عليه اللغة الفارسية والمكون الفارسي (قبل انقلاب رضى بهلوي الذي مات في جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، ونقل عائلة الخديوي في مصر، ولعلاقة عائلية حديثة، رفاته إلى القاهرة، وبعد سنوات إلى إيران؛ وبعد الثورة الخمينية دمر الشعب ضريحه) لا بد من العودة إلى كتاب رئيس وزراء إيران السابق (مشير الدولة ميرزا حسن پيرنيا 1874-1935م) ترجمة نورالدين عبد المنعم والسباعي محمد السباعي (تاريخ إيران القديم، من البداية حتى نهاية العهد الساساني) والذي يتبين رغم سطحية الكتاب من الناحية العلمية والتاريخية، لكن من خلال عرضه، أنه لم يكن هناك حضور للمكون الفارسي، في جميع الحضارات التي لحقت الأخمينية. أما من حيث ملاحظة صياغة الكتاب، ومقدمة المترجمين للواقع السياسي والثقافي للمرحلة التي رافقته كرجل دولة، حتى إصدار الكتاب، وما كانت عليه نوعية الحكم، والممالك السابقة للفترة السامانية، والتي لحقت الغزنوية وحتى نهاية مملكة القجاريين 1779-1925م، وأخر ملوكهم أحمد شاه والذي عزل في عام 1925، أبن محمد شاه، وما بعده لم يكن هناك ذكر للمكون الفارسي.
وللعلم فإن اللغة الأذرية هي التي كانت السائدة في كل المراحل من عصر الصفويين وحتى نهاية القجاريين، أي من القرن الحادي عشر إلى بداية القرن العشرين كما ذكرناه سابقا، وجميع المصادر التاريخية تؤكد أن الفارسية كلغة ثقافية، كانت اللغة الثانية ضمن المنطقة الفارسية في الجنوب الإيراني، مع العربية. والكوردية في مناطق غرب وشمال غرب إيران، ولهذا كتب الشاعر الكوردي المعروف بابا طاهر الهمذاني شعره بالكوردية اللورية في القرن العاشر الميلادي، سنأتي على ذكره في الحلقات القادمة. ويعتبر متن الكتاب (تاريخ إيران) مع مقدمته خير وثيقة على ما نحن بصدده، وهي تتناقض مع مدارك المترجمين، اللذين سقطا في الخطأ التاريخي في مقدمتهم للكتاب، كالتي سقط فيها الأديب الكوردي مترجم كتاب شرف نامه، السيد محمد علي العوني في مقدمته للكتاب المذكور.
وكما ذكرنا فإن عدم الدراية، أو للتغطية على ما كان عليه العنصر الفارسي، أدى إلى تكرار الخطأ أما بقصد، أو لغاية، ومع الأيام أصبحت مسلمة القول بعكسها أو تصحيحها شبه جريمة، وبالتالي فالثقافة بكل مجالاتها مخلفات الحضارات السابقة وخاصة في المرحلة الساسانية وبعدها، لا علاقة للفرس بها كمكون ولا كلغة، وما يتم ترويجه اليوم على أن الإرث الحضاري هو أرث فارسي ليست بأكثر من جريمة بحق الشعوب الإيرانية الأخرى وخاصة الكورد ورثة الحضارة الساسانية، والتي نهضت على عتباتها أغلبية الأدب والعلوم الإسلامية العربية فيما بعد، خاصة عندما بدأت حركة الترجمة في عصر المأمون، وجلهم كانوا من أحفاد تلك الحضارة.
خسرت الفهلوية الساسانية، أي اللغة الكوردية في بعدها التاريخي، السيادة الأدبية والثقافية، مع انهيار الإمبراطورية، وبرزت اللغة الفارسية لفترة قصيرة جدا مع سيادة سلطاتها، وهو ما سمح لتجاوزات بعض الكتاب العرب أمثال، الإيراني العربي الأصل يوسف عزيزي، والذي يقدم ذاته كباحث، في تشويه اللغة الفارسية، وتضخيم دور اللغة العربية التاريخي عندما يقول ” ازدهرت اللغة الفارسية وترعرعت في أحضان الأبجدية العربية بعد الفتح الإسلامي لإيران” ويتممها للطعن في تاريخ اللغة الفهلوية ودورها الثقافي قبل وبعد ظهور الإسلام! ويكمل ” باستطاعتي القول إن الأدب الفارسي لم يكن له وجود بارز قبل الإسلام، وقد أصبح له هذا الوجود، وهذا البروز بعد الإسلام” علما أن الأثار الأركيولوجية للحضارة الأخمينية كانت تشع ما بين الهند وحتى حدود اليونان، في الوقت الذي كانت العربية العاربة مندثرة، والمستعربة لم تكن قد اكتملت بعد، وكانت لا تزال مشتتة بين القبائل والقريشية محصورة بين مكة والمدينة. ويملي مثلها على الأدب الساساني أيضاً، ولا شك هذا الحكم يبنيه على رأي ذاتي ومن البعد التعصب العربي وليس الإسلامي، مع غياب للمصداقية في عرض التاريخ، منفيا فيها ما كانت عليه الحضارة الساسانية، ومدنها والتي كانت صروحا ثقافية وفكرية، في الوقت الذي كان لا يزال فيه الأدب العربي أدب شفاهي، ومعظم المصادر تؤكد أنها انتقلت إلى الكتابية على أسس هذه الحضارة.
لربما لا يعطي هذا الكاتب وأمثاله كثر، أي اعتبار لما كتبه المؤرخون العالميون أمثال ويل ديورانت وآرثر كريستنسن، وكذلك الإسلاميون أمثال أبن الأثير والبلاذري وأبن مسكوية وغيرهم لتاريخ اللغات الفهلوية الساسانية-الكوردية، والأخمينية-الفارسية والعربية-العاربة البائدة، أو المستعربة-القريشية، ومكانتهم قبل الإسلام وبعده. ولا شك أن اللغة العربية ظهرت بقوة وبشكل متسارع على الساحة السياسية، وفيما بعد على ركائز اللغة الفهلوية الساسانية، واحتلت مع السلطة الساحتين الإدارية، والثقافية الأدبية، وسادت في فترة قصيرة مع تصاعد سيادة الإسلام العربي، وهيمنة اللهجة أو اللغة القريشية، أي لغة القرآن التي أصبحت لغة السلطة، علما، المعروف أنه كانت لقبائلها، لهجات مختلفة، أحيانا بمثابة لغة خاصة، وهذا ليس موضوع بحثنا، بل ما كانت عليه اللغة العربية، قبيل سيادة الإسلام.
ونستطيع معرفة ذلك من خلال ما كان عليه الشعر والغناء العربي، كأحد فروع الأدب العربي، مقارنة بما كانت عليه اللغة الفهلوية والأدب الساساني حتى بعد قرنين من انهيارها وسيادة السلطات الإسلامية العربية التي لعبت وعلى مر التاريخ دوراً محورياً في تطوير أو تحطيم لغات وأدب شعوب المنطقة التي هيمنت عليها ومن ضمنها، منابع اللغة الكوردية وأدبهم.
بدايات الشعر والغناء العربي
تطويرهما أو تطورهما خير مثال للمقارنة بين مراحل مسيرة أداب الشعوب في المنطقة، والتي ظلت دون مستوى فنون وأدأب الحضارة الساسانية، حتى في مرحلة الترجمة أي في القرن الثاني الهجري، والتي سادت فيها السلطة العربية الإسلامية على المنطقة.
فمنذ خروج العرب من شبه الجزير العربية فيما إذا عرضناهما من يومنا هذا، وقصر عمرهما لو نظرنا إليها من مرحلة الوحي المعتبر من قبل معظم المؤرخين، واللغويين، لوجدنا تفاوت واسعا بينهما. فرغم أن اللغة العربية الحالية، فرضت ذاتها بعد الوحي، وبعد نزول القرآن، ونقصد لهجة القريش، المكتوب بها النص الإلهي، وسادت على اللغة الفهلوية الساسانية بعد انهيارها بقرون قليلة، تدوينا وليست ثقافة، ورغم أنها لم تكن تعرف الكتابة بها، إلى فتاته، يوم كانت المراكز الثقافية في الحضارة الساسانية، كالتي في كوندي شابور، ونصيبي وأربيل، ومدائن، وغيرها تستقبل الوفود العلمية من الطلاب والمدرسين من الحضارة الرومانية والبيزنطية، ومن الهند، وكتب أنه كانت لتلك المراكز علاقات مع مراكز ثقافية في الإمبراطورية الصينية، وعلى أثرها يوم خسر يزد كورد، أو يزد جرد، حاول السفر إلى الإمبراطور الصيني طلبا لمساعدة، قبل أن يقتل على أطراف مدنية مرو…
يتبع…
التعليقات مغلقة.