المجلس الوطني الكوردي في سوريا

عودة إلى الهويات..

121

بداية لا بد من التأكيد على أنه سيكون من الإجحاف في واقع مثل الأزمة السورية أن يربط الإنكماش والعودة الى الهويات الخاصة ومنها الى الجزئيات بمآلات الثورة السورية عام ٢٠١١ ، بقدر ماهي في الواقع كانت الركيزة الرئيس والتي رافقت منحنيات التقسيم الخرائطي وجينة التوزيع / التفريق الحدودي بين الأمم والتي شملت حتى افراد العوائل والأسر ، ورغم الفرص العديدة التي توفرت لإيجاد مسار عملي نحو تأسيس دولة حقيقية ترتكز على دستور عملي وفهم وطني لايزال يعد متقدما حتى الآن ، وإن كان النخر قد غزا بنيتها حينها على إثر عقائديات تماست وبحدية تنظيرية – كنتاج لصراع بيني ولتتشظى – كسرطان – مس كل قيم وأسس حتى امكانية التجاور لا التعايش والتشارك ، ولترتكز عليها ومن جديد احزاب قومية بنت عقائديات لهيمنة قومية ألغت الآخر ببشره وحجره ، رافقتها سطوة اخرى وازت بين شمولية الأنتماء القومي بشمولية دينية ، وعلى ارضية الصراع بينهما انحاز كل منهم ليصيغ قوانينه ونظرياته كما برامجه ليجعلها كوعاء مطاطي يبتلع الآخر المختلف إثنيا او انتماءا ، ناهيك أيصا تلك السقطة التاريخية الإلغائية وفي تقمص للحق التوراتي في جغرافيات الآخرين ونفيها – مع تضامني لهذا النفي – في بقاع أخرى . إن التأزيم الجغرافي الذي رافقه ذلك الخلط البشري وتأسس على رقعة من الأرض الواسعة ، وما رافقها وبالتتابع ذلك الإستهداف المزدوج في وأد اي حراك عميق كان – لربما – أسس لتركيبات دولانية بمفهاميها العصرية ، إلا ان صعود بعض الفئويات القومية التي ارتكزت على قداسويات – الرسالة الخالدة – كما أسلفنا وما رافقها تصارعا من توجهات رجعية تبتغي العودة الحميمية الى امبراطوريات الخلافة بقالبها الديني ولكن – وايضا – لباطنيات ما تجاهلت اهواء الأندلس ببريقها القومي ، وكانت الطامة الكبرى هي في ظهور العسكر وانقلاباتهم والنزوع المحقق نحو تغريبة الارض والشعب والأمة الواحدة الموحدة ، وهنا ، ومن جديد ! وفي ازمة مثل الأزمة السورية وما آلت اليها في جميع المناحي ، وبعد كل هذا المخاض وفي العودة الى إحياء بعض من وهن الحالة السياسية ، وفي نظرة الى الخارطة البشرية في سوريا ، بات واضحا بان كل جزئية في سوريا تشظت – أقلها – الى إثنتين وكل واحدة اصبحت حاملة لعدة جزئيات فرعية متعارضة او متناحرة بينيا ، إلا أن السلوك اللامرئي والمفعم في باطنيته الغاءا ونفيا بممارسات قمعية مقوننة تظهرها بجلاء وبالإرتكاز على تلك الطوباوية يجيزها لذاته ويطوقها قمعا على غيره ، وعليه : فبعد اقل من قرن على هيمنة القومية السائدة سلطة وممارسة سياسية وبتمثلية مشرعنة ايضا دينيا ، وفي تكرار لذات الوسائل في التحكم بالآخر استبدادا لمحاصرة الآخر بذات السبل – قوميا ودينيا – للحد من سعيه في الحفاظ على وجوده الذي استكثره عليه هذا الآخر ذلك وجوبه بحشد وتجييش بنيوي ترافق مع اجراءات وقوانين فوق عادية ! هذه الظاهرة التي فرضت بنيويا وأسست فعلا لثقافة شعبوية واعلاما رسميا لايزال بعضهم يشرعنها وكحتمية تاريخية يلتجيء فيها الى ظاهرة اية قوة او مجموعة تستولي – تحرر – تسيطر على منطقة ما فتنفذ فيها إجراءاتها بحكم النصر العسكري والتي عرفت ايام الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب بالأقطاع او المشاع وصولا الى المرحلة الأموية ومظاهر او بدايات التحول الى دولة قومية ، إن هذا التحول بلا شك وبمظاهره المتدرجة هي ليست انسياقا بسيطا ومماهات تغيبية ساذجة ، بل هي نتاج عملي لنمط من أشكال حكم منهجت وبعنفية سلطوية متحكمة ومدعمة بادوات قوة تنفيذية رادعة خلقت في العامة اجمع ومن خلالها استهدفت الخاص برعب مزدوج ، ولتمارس بتلك الطاقة المكتسبة الفئة – المكون الآخر ، امر الإستبداد والطغيان هذه والتي برع بتوصيفها في مقال له الكاتب/ إتيان دو لابويسي / والتي صارت كتابا منذ حوالي / ٤٧٣ / وكان عمره حينها 18 سنة / جاء فيها … / .. إن موافقة المسترقين ( المستعبدين ) لا قوة الطاغية هي التي تؤسس للطغيان ، وقبول الشعوب باسترقاقها هو الذي يتيح لواحد غالبا مايتميز بانعدام الكفاءة ،أن يوطد سلطانه برضا الجميع ، فيما البؤس الذي ليس كمثله بؤس هو خضوع المرء لسيد لا يمكن الإطمئنان ابدا الى صلاحه …. / … وهذا كله بعد الإذن من السيد كرم الحلو الصحافي وعرضه الشيق لكتاب / العبودية المختارة .. مرافعة قوية ضد الطغيان ..إتيان دو لا بويسي .. ترجمة صالح الأشمر / جريدة الحياة الورقية / الصفحة 10 عدد / 19445 / الخميس /30/7/2016 … وهذا الامر هو ما دفع ب / إتيان دو لا بويسي / ومنذ عام ١٥٤٧ ليقول .. / … إن طبيعة الإنسان أن يكون حرا ، وأن يرغب في أن يكون حرا ، غير أن من طبيعته أيضا أن يتطبع بما تربى عليه ، لكنه ما أن يشرع في النضال من أجل حريته ، حتى يكتب له النجاح … /
ولم يفت – إتيان دو لا بويسي – التطرق الى معاناة الطغاة وأخلاقهم وسلوكهم – فهم – يرتابون في الجميع ، لا يجرؤون على وضع السلاح بأيدي رعاياهم ، ولا يتورعون عن تخنيث هؤلاء لتنويمهم تحت النير . ( وقد يعمدون الى خداعهم بالعبارات الجميلة واختراع الأكاذيب فيطلقون على أنفسهم لقب محامي الشعب ولو استطاعوا لاقتبسوا شيئا من الألوهية لإسناد حياتهم الشريرة …. ) ، ويؤكد في جانب آخر على أن / من يظن أن الرماح والحراس هي التي تحمل الطغاة يرتكب خطأ فادحا ، فقد كان عدد الأباطرة الرومان الذين قتلوا بأيدي حملة الأقواس أكثر من الذين نجوا بمساعدة هؤلاء فليست فرق الخيالة ولا كتائب المشاة ولا الأسلحة هي التي تحمي الطغاة ، بل اولئك الذين يقفون على ابوابه لكي يحققوا غاياتهم من وراء الطغيان وعبودية الشعب .. / ، وبالتاكيد فأن الطغيان له اوجه فتك عديدة ومن المحتم بانها ستصبح هي بحد ذاتها وجها رئيسا لإستهداف قادم . وفي هذا الإيجاز عن الطغاة وصناعتها ومن ثم تحولها الى هدف – ثوري – او تحت اية مسمى وفي غمرة انهيار سلسلة القوة الناظمة للهيمنة ومن ثم تفتت الهويات وتشظيها ومن ثم محاولة إعادة التأشكل تجزيئا ، سيما اذا ما وجدت نواة فئوية يمكن الإرتكاز عليها وبالاخص لتلك المجموعات التي ألغيت كمكون سواء في البعد الوظيفي أو الإقرار الوجودي ، والتي سعت وبكل الامكانات المتاحة لها للبقاء والعمل لتعبر عن ذاتها وتاخذ فرصتها – حقوقها و : في المقابل شعور ما يمكن تسميتها – وفي الواقع السوري – باليقظة بعد مخاض الثورة وارتدادتها ، ومن جديد على أمل ان تتأسس تلك اليقظة على ذات الركيزة التأريخية وبنزعتها الطوباوية ومن ثم دائرة اللف على المصطلحات المتداخلة وبعناوين براقة وارتهانا رئيسا على انتاج تلك الاكثرية وجوبا رغم ما مارستها انظمتها من رهاب وغالبية منظريها – لا ينكرون حضنها الدافئ كتوجه قومي بهم – إن الهوية الوطنية عمرها لم تكن خانة تكتب فيها ، ولا سلسلة تحوط بتعريفية ما ، هذه المواطنة التي اصبحت عنوانا حداثيويا ولكنها بالمطلق ماتجاوزت في وعي ومنطق بعض من القومويين العرب سوى الإقرار بمرونة قانون الجنسية في الجمهورية العربية السورية ، اي انها لا تقبل مطلقا بخارطة جغرافية تشاركية وعلى ارضيتها إعادة بناء دولة حقيقية بدستور توافقي تلغي الإستبداد الميكانيكي للأكثريات التي تهتم وتنظم العلاقة بين جميع المكونات ، وفي الواقع الحالي ، نلاحظ وبوضوح تام تقهقر الأكثرية الى خطوط هجومها الأولى والعودة الى ذات دروس التربية – القومية – وعصماوية الحق الوجوبي تاريخا وجغرافية ، وفي تتويه متقصد لمفهوم الهوية المكوناتية او الوطنية .. هذه الظاهرة التي تصدى لها السيد رشيد بوطيب في مقال مميز له بجريدة الحياة وتحت عنوان – في وهم الهوية – عدد ١٩٤٤٧ تا ٢/٧/٢٠١٦ ص ٨ / : حيث استعرض مفاهيم عديدة حول / في وهم الهوية / فيقول ( .. وفي كتابه / بعيدا عن الأنا .. دراسة في الهوية / يرفض الفيلسوف الفرنسي كليمون روسي التمييز الكلاسيكي بين الهوية الإجتماعية والهوية الشخصية لابل ويشكك بالأساس في وجود أنا شخصية خلف الأنا الإجتماعية منطلقا من قاعدة الإنكليزي ديفيد هيوم وكتابه – رسالة في الطبيعة البشرية – / إنه : عاجز عن الإمساك بذاتي من دون إدراك ما ، ولا يمكنني أن أرى سوى هذا الإدراك . ويعبر روسي فضاء الفيلسوف باسكال مقرا بأنه لا وجود لشيء اسمه هوية شخصية ، وحين نتحدث عن الآخر ، برأيه ، فإننا نتحدث بالضرورة عن خصاله والخصال بنت سياقها الإجتماعي وحين نزعم أننا نعرف شخصا فأننا لانعرف إلا … سلوكه داخل المجتمع ولهذا وحيث البحث عن هوية اجتماعية لا شخصية وهنا / يتأتى / اولوية الأنا الإجتماعية على الأنا الخاصة والتي / اشتغل / عليها فلاسفة كثر منذ القديس أوغسطين / ليبرهنوا على أنه / لا وجود لهوية تختفي خلف هويتنا الإجتماعية أو لأنا سرية لا تكشف عن نفسها … ولكن / وهنا بيت القصيد / السؤال الذي لا يطرحه روسيه : هو إلى أي حد نحن أحرار في هويتنا الإجتماعية ؟! .. هل نساهم في تشكيلها ؟ .. أم هي مفروضة علينا ؟ وليقرر بأن الهوية الشخصية هي مجرد وهم أو / أكذوبة / رومانسية حسب تعبير رونيه جيرار …. / .. وهنا لابد من توضيح امر هام وهو أن الهوية الشخصية لا تعني الفرد بل المجموعات الخاصة في نطاقية العقد الإجتماعية ، هذا العقد – الدستور / الضرورة التي فتحت قريحة بعض من التوجهات القومية العربية ، والتي رغم زعمها في تبني الفهم الوطني لكل دولة عربية على حدة ومنح بعض من الحقوق الثقافية غير القابلة – للإرتقاء القومي من جهة ومن جهة اخرى بعد فشل سياسة التذويب والصهر وفرض التعريب بالقوة ، اخذت تلوح في الأفق ملامح لمصطلحات جديدة تستهدف المكونات غير العربية تمحورت حول تشكل نطاق ثقافي او ما يمكن اختصاره بمنظومة الثقافة العربية ، هذا المصطلح الذي يتوجس منه المكونات غير العربية ولسبب بسيط جدا : لأن من ابتدع ذلك وينظر كما ويبشر لها ؟ هم ذاتهم من أسسوا وقوننوا ممارسات الإلغاء الوجودي للآخر …

التعليقات مغلقة.