من أضاع الوطن ومن شتت المعارضة؟. الجزء الثالث
لقد أدى مخطط القرن مهمته، والآن بدأ الذي يليه، وهو رد ما أُخذ من بعضنا إليه، ورسم جديد للمنطقة. إذاً لما التشاجر فيما بيننا؟ ندعو شركائنا العرب الوطنيين والآشوريين والكلدانيين والأرمن والتركمان وغيرهم إلى التعاضد والتكاتف فيما بيننا من أجل وقف النزيف الجاري، وبناء سوريا لا مركزية فيدرالية مستقرة ومتحابة، ووضع حد لمهاترات العنصريين والمتعاملين مع أعداءنا. مهما تقاتلنا وتعاركنا لا بد في النهاية أن نتفق، ليس كما نقرر نحن، بل كما قرره أولياؤنا الفعليون.
لقد مر معنا أننا لا نملك القوة لرد ولايتهم علينا، وهذا يحتم علينا، منطقا، أن نبني سوريا بأمر منهم، وليكن هذا البناء، بقدر الإمكان، بناء الأخوة الحقة والمحاباة والتآلف، والتي لن يتم بعد الصراعات المريرة إلا بنوع من النظام يعطي لكل منا فضاء من الحرية في إدارة الذات.
بوادر الهزيمة ظاهرة عند العنصريين، جلية من خلال البيانات والنداءات العنصرية، والتهجم العشوائي والفوضوي، والمبان فيه التخبط الفكري الذي دفع بهم إلى أحضان الدول الإقليمية على حساب سوريا، وعلى أثرها وللتغطية على ما هم ينحدرون إليه تتزايد يوما بعد أخر التبجح بالشعارات الوطنية وليتها كانت صادقة، لكنها وللأسف ليست سوى تغطية على فشلهم كمعارضة، ولا يتوانون في إلقاء تبعات بشائعهم على الأخرين. وأغلبية المعارضة السنية هذه تبوأت الريادة في خيار تقسيم سوريا، وللتمويه يتهمون الأخرين بالتوجه إلى بناء دول المناطق، أو ما يدعون بحكومات الأقليات، علما أن عنوان ندائهم الذي وصف في الشارع السوري بنداء الخيانة، أوضح مثال في تهافتهم التفاوض على أجزاء من الوطن مع تركيا تحديدا.
لا نغض الطرف عن جدلية إمكانية العيش في الوطن الواحد، رغم كل ما قامت به الأنظمة الاستبدادية العروبية من التدمير وبكل أشكاله، وما خلفته من شرخ بين الكورد والعرب، لأننا على قناعة بأنه لا تزال هناك مساحات من العلاقات الطيبة بيننا وبين الشرفاء من العرب، ومن السهل التجمع، وبناء الوطن الديمقراطي، فيما إذا تحرروا من ثقافة إلغاء الأخر.
لكننا ومن جهة أخرى نصطدم في كل يوم بالوجه الأخر من الجدلية، والمقادة من قبل شريحة من العنصريين العروبيين، والعرب الشرفاء براء منهم، فلا شك أن سوريا قائمة كدولة في هيئة الأمم، ويقال أنه لها دستور، لكن واقع إدارة المناطق فارضة ذاتها، فهناك منطقة إدلب، والمنطقة العلوية، والدرزية، والمنطقة الكوردية المجزأة إلى جانب المحتلة منها من قبل المعارضة السنية تحت الإشراف التركي، وهناك مناطق السلطة ومناطق داعش المتحركة وغيرها، مع كل هذا الوضوح تتناسى الشريحة العنصرية العروبية الصراع الحقيقي من أجل إنقاذ الوطن، وتهاجم الكورد ليل نهار، بعضهم لتلبية الأجندات الإقليمية، والأخرين لتنفيذ إملاءات السلطة، وفي الواقع النزعة العنصرية تربط الطرفين ببعضها، فلا نعلم عن أي وطن يتحدثون؟
رغم كل الأبواب الوطنية التي نفتحها بيننا وبينهم لا يتراجعون عن منهجيتهم التكفيرية البعثية، فيدفعوا بنا لندافع عن الوطن بسلاحهم، وبالتأكيد وكما تتطلبه مصالح القوى العظمى مع إرادة الشعب الطامح للحرية، سنربح المعركة عاجلا أم أجلا، ونتمنى أن يستيقظوا ويدركوا الحقيقة المذكورة والواضحة، ويعلموا أن تخبطاتهم ناتجة من ضعف وجهالة وليس تقديرا أو دفاعا عن العروبة، وخدماتهم للدول المتربصة بسوريا ليست سوى تغطية على الإحساس بالزوال من على الساحة الوطنية، وأفعالهم التي لا تقل عن بشائع سلطة بشار الأسد، ومن بينها كراهيتهم للأخر، وخاصة للكورد، لا زالت تغزيها مسوغات عنصرية مستقاة من ثقافة البعث، تسخرها تركيا لمصالحها وليس حبا بالسوريين والمعارضة السنية.
ويا للأسف، رغم كل هذا المستنقع العنصري، لا تزال هناك أقلام عربية مغرورة بها تسند هذه الشريحة، وبينها المتحيرة ما بين ساحة البعث العنصرية والوطنية العاجزة عن التحرر من ترسبات الصور النمطية التي رسختها الأنظمة السابقة في أذهانهم عن الشعب الكوردي، لذلك فجل ما يقدمونه لسوريا الوطن تخرج مطعونة فيها، وتصب في مصلحة الشريحة المعنية التي ترتزق من وراء الإتجار بأجزاء من جغرافية سوريا.
وهؤلاء مثلهم مثل بعض الشخصيات السياسية الكوردية التي تمسح الجوخ للعروبي المختفي وراء غطاء الوطنية، فيقدم الوطن السوري على قوميته الكوردية، وهؤلاء يذكروننا بقصة نابليون بونابرت مع جاسوسه النمساوي (الخائن لوطنه، كمثل السارق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه، ولا اللصوص تشكره).
وبالتالي فكتاباتهم وعلى هذا النمط تؤذي الشعب العربي، قبل أن توسع الشرخ بين الشعبين الكوردي والعربي، وهذه من ضمن مخططات القوى الإقليمية للإبقاء على سوريا ممزقة أطول فترة ممكنه، وكنا نتمنى ألا ينزلق الكتاب العرب الوطنيون إلى هذا المستنقع، ولا يتبعوا منهجية الذين سخروا أقلامهم لتحريف تاريخ الكورد والجزيرة الكوردية على مدى العقود الماضية، وحاولوا الطعن في ديمغرافيتنا، ومن خلالها في قضيتنا القومية والوطنية، ونحن هنا نبتعد عن المسميات، وهي معروفة لمن يتابع المشهد الوطني.
نعود ونكرر، أنه لا يزال لنا أمل في يقظة سريعة للشرفاء العرب، رغم ضعفهم اليوم على الساحة، وأن أيادينا مفتوحة لهم، ومشروعنا الوطني هو أن نقف معا ضد من يستفزوننا وينكرون الوجود الكوردي في جزيرتنا، وعفريننا، وضد من يطعنون في الشعب العربي بنشر مفاهيم العنصرية والكراهية. ولا بد أن نقف معا للرد عليهم بسلاحهم، فهم الظالمون، ونحن على اليقين أن الشارع العربي الوطني، بأقلامه المأمولة ستعي غايتنا وستفهم لهجتنا القاسية، بعدما تقارن بين مجريات الأحداث، وستدرك على أننا وهم منتصرون في النهاية على الشريحة العنصرية، وعلى أكتافنا تقع مسيرة إنقاذ المجتمع السوري والوطن، فالمعارضة العنصرية مثلها مثل السلطة الإجرامية تحتضر وتشعر بزوالها، لذلك تحاول تدمير ما تتمكن منه قبل الرحيل.
خاتمة الكلام، نحن وأنتم أمام مسيرة حتمية تاريخية رتيبة، سايكس بيكو وتقسيماتهم، ظهور دول بموازييك عرقي مذهبي، ومن ثم بروز أنظمة استبدادية استخدمت العنصرية العرقية الطائفية للسيطرة، نتجت عنها أزمات اقتصادية وسياسية، ومن ثم ظهر التململ بين المذاهب والقوميات والأقليات، ومواجهات وانتفاضات لتتحول إلى ثورة، والثورة لا تنجح لأن البنية مركبة على تناقضات، وبالتالي ستعاد تركيبة الجغرافيات السياسية، بعد فشل كل الشعارات والنداءات الوطنية، لتظهر دول بمقاسات قومية ومذهبية على أنقاض الدول السابقة، فسوريا اللامركزية بالنظام الفيدرالي قادمة شئنا أو شئتم أم أبينا أو أبيتم.
التعليقات مغلقة.